الأحد، 24 فبراير 2013

الانسحاب إلى الأمام


   لم تجد مؤسسة الرئاسة من وسيلة تسعى بها إلى القفز على الاوضاع المضطربة في الشارع المصري سوى الإعلان عن تحديد موعد الانتخابات التشريعية ظناً منها أنها بهذا التصرف سوف تقوم بإحراج المعارضين لها سياسياً أمام الجماهير الغاضبة .
   الواقع أن هذه الخطوة كان من الممكن أن تحقق أغراضها لو أتخذت في فترة استقرار سياسي يتم فيها اختزال الصراع إلى منافسة بين النخبة ، لكنها قد تتحول إلى كارثة لو اتخذت في هذه الفترة المضطربة والتي تشهد في الواقع صراعاً إجتماعياً في مواجهة الرأسمالية الطفيلية الحاكمة حتى لو لم ترغب النخبة المصرية بتنوعاتها في الاعتراف به .

 
   إن هذا القرار يظهر بوضوح قراءة مؤسسة الرئاسة للاحداث بشكل خاطيء ، حيث اعتبرت أن الاشتعال للشارع المصري هو محاولة من النخبة السياسية المعارضة تحسين شروط التفاوض معها ، والحصول على مكاسب سياسية قبل الصراع الانتخابي ، ويمكنني أن أؤكد أن هذه الرفاهية الفكرية بعيدة تماماً عن ذهن الغاضبين في الشوارع الآن والذين يعانون من تردي أوضاعهم في ظل الحكومة الجديدة ، سواء الاجتماعية والاقتصادية أو الأمنية ، بالاضافة إلى المخاوف من عودة القمع الأمني ، زيادة العنف الطائفي وغموض المستقبل . مما يجعلها في مواجهة حرة مع النظام ، غير خاضعة أو متقبلة لأي توجيهات من قبل المعارضة المزعومة .
   لقد كان على مؤسسة الرئاسة أن تراقب بمنتهى التدبر حالة العصيان المدني المتزايدة بكل قوة في مدينة بورسعيد ، والتي بلغت مرحلة تعطيل العمل السياسي والرفض التام لاجراء أي انتخابات قبل الثأر لشهداء المدينة ، والثأر لكرامتها التي نالت منها النخبة المصرية بكل سذاجة في محاولتها الانتهازية اكتساب تأييد مجموعات الألتراس الحمراء المغرقة في الفاشية والغوغائية ، قبل أن يكشف المتحدث الرسمي باسم حزب النور مؤخراً حقيقة التنسيق بين هذه المجموعات (التي وصفت زوراً بالثورية) وبين الاخوان المسلمين .
   هذه التجربة التي تتم الآن تحت قيادة بورسعيد لن تتوقف عند حدود هذه المدينة وإنما ستقوم محاولات لتكرارها في غيرها من المحافظات ، وبغض النظر عن نتيجة هذه المحاولات فسوف تؤدي في النهاية لضعف سلطة مؤسسة الرئاسة وزيادة عزلها عن واقع ومسار حياة المواطن المصري ، وهو ما لن يمكنها من فرض سيطرتها إلى درجة أجراء انتخابات تشريعية حقيقية تحصل على الاعتراف بشرعيتها سواء بالداخل أو بالخارج .
   لقد جازفت الرئاسة باستخدام أسلوب القفز على المشاكل واعتبارها كأن لم تكن ، وهي تتخيل أن ضعف المعارضة سوف يؤمن وضعها السياسي ، دون أن تدرك أن ضعف المعارضة أحياناً ، وفي الحالة المصرية على وجه الخصوص ، كان أحد عوامل سقوط مبارك وإجباره على الرحيل بلا كرامة ، وربما كان من حسن طالع المصريين أن يكتشفوا سريعاً الهزال الفكري لكل من الحكومة والمعارضة معاً ، بحيث تتخلص هذه الجماهير من عبء الالتزام تجاه هذه الزعامات ، وتبدأ في انتاج زعامات حقيقية يخلقها الواقع والممارسة العملية ، وتكتسب الوعي والعقيدة السياسية من خلال التجربة .
   ما قامت به مؤسسة الرئاسة من الدعوة لانتخابات تشريعية في الوقت الذي تتآكل فيه شرعيتها إلى درجة مطالبة الجماهير للجيش المصري بالعودة مرة أخرى للسيطرة على الأوضاع في مصر ، هو حرق لكل الأوراق التي كان يمكن أن تستخدمها لاحقاً ، ولن يبقى لديها سوى ورقة واحدة يترقبها الجميع الآن وهو اللجوء للبطش الأمني .

ليست هناك تعليقات: