الاثنين، 17 ديسمبر 2007

نشأة واضمحلال الفرق الدينية (الزيدية والمطرفية نموذجاً)



مسجد الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين
مقدمة :

   على الرغم من التقدم الكبير الذي طرأ على أدوات البحث التاريخي ووضع قواعد العديد من المناهج البحثية فمازالت هناك الكثير من الصعوبات التي تواجه الباحثين عن نشأة الفرق الدينية وأصولها وعقائدها ، خاصة التي تعرضت منها للإبادة البشرية والمعرفية .

   والواقع أن الصعوبة الحقيقية تتمثل في ذهنية التعامل مع الفرق الدينية الحادثة بمعزل عن واقعها الإجتماعي وما يمثله من صراعات ومصالح مترابطة ، وهو ما يهدف بالتأكيد إلى محاولة اعتبار الراي الديني قادم من أعلى وبالتالي فهو مترفع تماماً عن تعقيدات الواقع بما تحمله من سلبيات ، في الوقت الذي يصر فيه كل أبناء الديانات والمذاهب المختلفة على أن معتقدهم هو الأكثر ملائمة وتماهياً من التطور الحضاري الإنساني ، ويمتلك القدرة على معالجة كل السلبيات الضاغطة على حياة الإنسان ، وهي مفارقة مثيرة للاستغراب .
   وبديهي أن الباحث التاريخي في تعامله مع ما تروج له النصوص التاريخية حول مثل هذه المشكلات ليس مضطراً لتقبل ما تفرضه من أحكام حول المرحلة التي تعبر عنها كون مهمته بالأساس هي نقد هذه المرحلة ، وليس الترويج لها .
   وتتمثل الصعوبة الثانية في أحادية المصادر التاريخية المتوفرة ، وإذا كانت الزيدية تتمتع بعدد معقول من المصادر التي توضح نشأتها ، فالمطرفية وهي إحدى الفرق المتشعبة عنها تعاني من ندرة مؤلفاتها ، في مقابل كم من المصادر الأخرى والتي دونها مخالفيها من زيدية اليمن والتي كان مقدر لها الانتشار تحت حماية السلطة الإمامية ، مما ساهم في عدم تشويش الرؤية لدى الباحثين القلائل عن هذه الطائفة خاصة فيما يخص معتقداتها والأسباب الحقيقية للصراع بينها وبين غيرها من الزيدية .
   وعلى الرغم من اكتشاف القليل من المصادر التي ألفها بعض أتباع المُطرفية مؤخراً كـ " تاريخ مسلم اللحجي " فإن المشكلة حول أصل الصراع بينها وبين الإمام الزيدي في اليمن المنصور عبد الله بن حمزة والذي اتخذ شكلاً دينياً مازالت غير محسومة ، وبالتالي فإن حجم الاستفادة من هذه الاكتشافات ظل غير كاف وهو ما يوجه سهام النقد إلى أساليب البحث العفوية وغير الدقيقة التي استخدمها هؤلاء الباحثين .
   إن الهدف الأساسي لهذه الدراسة هو محاولة إكتشاف القوانين التي تحكم نشأة واضمحلال الفرق الدينية وتؤثر لحد كبير في صياغة أفكارها وآرائها الخاصة ، وذلك عبر الافادة من المادية التاريخية والتي تعول على دراسة الخلفيات والتطورات الاجتماعية والطبقية المعاصرة للأحداث ، وبالتالي تمثل المنهج الأصلح للتعامل مع هذه الإشكاليات التاريخية .
   وتكمن أهمية هذه المحاولة في التأكيد على حقيقة أن الرأي الديني حتى لو كان سماوياً فهو مرتبط بالواقع المحيط وبالخلفيات الاجتماعية التي يؤدي ضغطها إلى ظهوره ، وهو ما تثبته الآيات القرآنية الكريمة([1]) ، كما أن تحول الرأي الديني إلى معتقد يؤمن به مجموعة من البشر وتناضل من أجل سيادته يرتبط كذلك بدخوله في إطار التعبير عن المصالح الاجتماعية والاقتصادية لهذه الطبقة والتي تقوم بفرضه على الطبقات الاجتماعية الأخرى التي تمكنت من إخضاعها ، في سبيل الترسيخ لسيطرتها المطلقة على الواقع الإجتماعي([2]) .
   لقد استفدت في هذه الدراسة من المؤلفات الزيدية الأساسية وخاصة المجموع المنصوري للإمام عبد الله بن حمزة والذي عرض فيه لصراعه مع المُطرفية وفتاواه حول مدى شرعية اعتقاداتهم ، وكذلك كتاب المصابيح في الإمامة والذي عرض فيه مؤلفة لتاريخ الأئمة ومن الغريب أنه بدأ بالأئمة الإثنى عشرية ثم عرض لحياة الأئمة العلويين الذي يعتقد الزيدية بإمامتهم .
   كما أفدت من مخطوطة " البحر الرائق " التي ألفها علماء المُطرفية وقام الدكتور عبد الغني محمود بتحقيقها بعد أن اطلع عليها أثناء عمله بجامعة صنعاء في اليمن، وكذلك من بحثه حول المُطرفية والذي رغم كونه يمثل الريادة في هذا المجال إلا أن الباحث للأسف عرض للموضوع كصراعاً دينياً محضاً دون تناول الخلفيات الاجتماعية التي حكمت هذا الصراع ، وهو ما ترك العديد من علامات الاستفهام التي كان الباحث قادراً على الإجابة عليها .
   كما استعنت بكتب الفرق كمقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري ، والملل والنحل للشهرستاني، وفرق الشيعة لأبي الحسن النوبختي .
   وعلى الرغم من التنوع المذهبي لهذه المؤلفات ، حيث ينتمي أبو الحسن الأشعري والشهرستاني للأشعرية من السنة ، في حين ينتمي ابن حزم للمذهب الظاهري ، النوبختي للشيعة الإثنى عشرية، فإنها تشترك في سعيها لتشويه معارضيها من الفرق الإسلامي الأخرى في مقابل الترويج الصريح لآرائها العقائدية كمسلمات يقينية، كما يلاحظ تبنيها لآراء السلطة السياسية في عرضها للفرق الثورية الأخرى وخاصة الشيعية منها، وهو ما لا يعد متعارضاً مع ارتباط معظم المؤلفين بهذه السلطات، حيث ارتبط أبو الحسن الأشعري بالأسرة العباسية خاصة في عهد المتوكل العباسي، كما ارتبط النوبختي ومعظم أسرته بالأسرة العباسية رغم اعتناقه للتشيع وهو ما أتاح له بعض حرية الحركة في التأليف، كما ارتبط علي بن حزم بالأسرة المروانية الأموية الحاكمة في الأندلس، مما يفرض على الباحث أن يتناول آرائها بقدر كبير من الحذر  
   تمهيد ، تناولت فيه الخلفية الاجتماعية والسياسية لنشأة الزيدية ، وطبيعة آرائها العقائدية والفقهية والسياسية .
   الفصل الأول ، تناولت فيه ملابسات هجرة الإمام الهادي إلى الحق إلى اليمن وتأسيسه للفرقة الهادوية والدولة الزيدية .
   الفصل الثاني ، تناولت فيه بدايات ظهور المُطرفية في الوسط الزيدي وعلاقتها بالأئمة السابقين على الإمام عبد الله بن حمزة .
   الفصل الثالث ، تناولت فيه الصراع بين المُطرفية والإمام المنصور عبد الله بن حمزة .
   إن قراءة التاريخ الإسلامي وما ظهر به من فرق دينية عبر مصادر كتب الفرق ، أو المصادر المعادية التي أُلفت أساساً بأوامر من السلطة الحاكمة كنوع من الشتم السياسي للاتجاهات المعارضة وتبرير الوحشية التي استخدمتها في مواجهة معارضيها ، لن يؤدي في الواقع إلى الوصول لأي نتائج ذات قيمة على مستوى الحقيقة التاريخية، وإنما إلى نتائج تتسم بالروح الطائفية المعروفة عموماً بالانحياز، وبالتالي فمن الضروري اكتشاف الخلفيات الاجتماعية للحدث التاريخي ، وخلفيات المرويات التاريخية - مهما كان مصدرها - الاجتماعية والدينية والسياسية والتي تمثل عاملاً ضاغطاً على الراوي – بغض النظر عن شخصيته– لا يمكن تجاهله ، مما يسمح بقدر أكبر من القدرة على تجاوز المؤثرات الطائفية الدعائية لغالبية مصادر التاريخ الإسلامي .


[1] - تنص الكثير من الآيات على أن دور الأنبياء هو مواجهة الفساد ، وعلى سبيل المثال الآية : " وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ " (الأعراف 74) ، والآية " وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ " (الشعراء 151 – 152) .
[2] أشار فريدرك أنجلز إلى هذا الرأي في كتابه عن حرب الفلاحين في ألمانيا : " بل أن ما يسمى بالحروب الدينية في القرن السادس عشر كانت تتضمن مصتاح طبقية مادية إيجابية ... ورغم أ مصالح وحاجات ومطالب مختلف الطبقات كانت مختفية خلف ستار ديني فلم يبدل هذا شيئاً من الأمر ويمكن تفسيره ببساطة من واقع ظروف تلك الأيام " . أنجلز . حرب الفلاحين في ألمانيا . تعريب / محمد أبو خضور . دار دمشق . دمشق (بدون ذكر تاريخ الطباعة) . ص 46 .


تمهيد :-

   خلفيات نشأة الزيدية في الوسط الشيعي :-



   من المشهور لدى معظم مؤلفي كتب الفرق الإسلامية أن بداية نشأة الزيدية في الوسط الشيعي هو ثورة زيد بن علي بن الحسين في سنة 121 هـ بالكوفة في مواجهة الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك ، وقد أُطلق عليها هذا الاسم (الزيدية) كمحاولة للتفريق بينها وبين المجموعات الشيعية الأخرى التي رفضت قيادة زيد بن علي للثورة بناء على موقفه الإيجابي من الخليفتين أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب والذين يتخذ الشيعة عموماً منهما موقفاً سلبياً([1]!) في حين أُطلق اسم (الرافضة) على المجموعات الشيعية الأخرى والتي استمرت في رفضها لقيادة زيد والاعتراف بشرعية الخليفتين أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب معلنة أنها متبعة للإمام محمد بن علي الباقر(!) الأخ الأكبر لزيد بن علي(!)(1) .
   إن هذا التصور الذي تعرضه كتب الفرق يبدو واضحاً في سعيه لتشويه الشيعة كفرقة دينية وسياسية عارضت بضراوة الحكمين الأموي والعباسي عن طريق تصوير أفرادها وكوادرها كمجموعات من السذج غير المنضبطين المستعدين عموماً للنزاع والتخلي عن ثورة لمجرد الخلاف في رأي فرعي .
   والواقع أن هذا التصور يتعارض أساساً مع بعض الحقائق التاريخية، فقد أُطلق اسم (الرافضة) على الشيعة في عصر ولاية المغيرة بن شعبة على الكوفة أثناء خلافة معاوية بن أبي سفيان وهو ما يسبق زمنياً هذه الحادثة(2[2])، من ناحية أخرى فإن رد العديد من الشيعة على زيد بن علي بأنهم متبعين للإمام محمد بن علي الباقر أثناء الثورة في سنة 122 هـ وتخليهم عنه يتعارض مع حقيقة وفاة الإمام الباقر قي سنة 114 هـ أي قبل هذه الحادثة بثمان سنوات، وكان الإمام المعاصر لثورة هو الإمام جعفر بن محمد الصادق(!)(3)، وبالتالي من غير الممكن الاعتماد على مثل هذه المروية كمبرر حقيقي لنشأة الزيدية .
   لقد كانت حادثة استشهاد الإمام الحسين بن علي وما تلاها من انتفاضات شيعية كثورة التوابين وثورة المختار بن أبي عبيد والتي تمكنت من تأسيس دويلة شيعية في الكوفة لفترة صغيرة البداية الحقيقة لانقسام الشيعة إلى مجموعات كان الخلاف الأساسي بينها يتركز حول أسلوب الثورة على الحكم الأموي ، ورؤيتها لوضع الإمام في التشريع الإسلامي، وهي أفكار عقائدية تحمل بعداً اجتماعياً في الأساس واستغلت في مجال الصراع الاجتماعي الذي شهدته الدولة الإسلامية عقب سيطرة الإقطاع المركزي المتشدد عليها في العهد المرواني .

   كان من الواضح أن هناك ثلاث اتجاهات سيطرت على الواقع الشيعي رغم اعترافها بإمام علوي واحد، ففي يمين هذه الاتجاهات كان بعض الفقهاء الكوفيين الذين اعتقدوا بأولوية علي بن أبي طالب بالإمامة عقب الرسول (ص) دون ضرورة اتخاذ موقفاً سلبياً من الخليفتين أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وإن اتخذ بعضها موقفاً سلبياً من الخليفة الثالث عثمان بن عفان والأسرة الأموية عموماً، وبناء على موقفهم الايجابي من الخليفتين الأول والثاني فقد اعتقدوا بأن الإعلان عن إمامة علي بن أبي طالب في غدير خم(!) كان بالوصف لا بالتعيين مما دفع بعضهم للاعتراف بخلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، كما رفضوا الاعتقاد بعصمة الإمام عن الخطأ على أساس عدم وجود ضرورة لها رغم اعتقادهم بأن أئمة أهل البيت النبوي أولى بالإتباع من غيرهم، بالإضافة لرفضهم عدة عقائد أخرى كالرجعة والبداء(4[1])، ومن الناحية السياسية اعتقد المنتمون لهذا التيار برفض التقية والثورة المتواصلة على الحاكم الظالم، وضرورة أن تكون قيادة الثورة خاضعة للإمام أو لمن يفوضه لقيادتها من الأسرة الهاشمية(5)، وقد اعتاد مؤلفو كتب الرجال السنة وصف هذا التيار باسم (الشيعة)، كما أطلقوا على أصحاب الموقف السلبي من الخليفة الثالث عثمان بن عفان لقب (غلاة الشيعة)(6)، ولم يجدوا أي مشكلة في توثيقهم من ناحية الحديث، والواقع أن ولاء هذا القطاع من الشيعة للبيت العلوي اعتمد في أسسه على نسبهم إلى النبي أكثر من اعتماده على الولاء لآرائهم السياسية أو الاجتماعية نظراً لانتماء معظم أبناؤه إلى الطبقة التجارية وبعض القيادات الإقطاعية القبلية، وربما كان هذا هو المبرر الأساسي لرفضهم الاعتقاد بعصمة الإمام والتي كانت ستكون ملزمة لهم بإتباع نفس البرنامج الاجتماعي الذي تبناه الخليفة الرابع علي بن أبي طالب أثناء فترة حكمه والذي لا يخدم طموحاتها الطبقية على الإطلاق(!) .

   أما تيار الوسط فلم يكتفي بالاعتقاد بأولوية الأئمة العلويين بالإمامة، وإنما أعلن عن رفضه لشرعية كافة الخلفاء السابقين على خلافة علي بن أبي طالب واعتبرهم مغتصبين، على أساس اعتقاده بأن الإعلان عن إمامة علي بن أبي طالب في غدير خم كان بالنص والتعيين، كما اعتقد بالعصمة المطلقة للأئمة العلويين مستدلاً بآية التطهير التي نزلت في حق أهل البيت، إضافة لاعتقاده بالرجعة والبداء(7)، وقد مثلت كوادر هذا التيار غالبية المجموعات الشيعية المثقفة والتي اهتمت أكثر بالدعوة للمذهب والتنظير له خاصة في عهد الإمام السادس جعفر بن محمد الصادق، ويبدو من ألقاب الشخصيات المنتمية لهذا التيار والتي ذكرها الكشي انتماء معظمهم إلى طبقة صغار التجار والحرفيين(8)، وقد اعتادت كتب الرجال السنية تسمية محدثي وعلماء هذا التيار بـ (الرافضة) وإن كانت لم تقبل توثيقهم في الحديث إلا نادراً(9)، ومن الغريب أن هذا التيار لم يكن له نشاط سياسي مستقل وإنما اكتفى بالمشاركة في الانتفاضات الشيعية التي قادها التيارين الآخرين(10) .

   بالنسبة لليسار الشيعي فقد تكون معظمه من الموالي الذين اعتقهم الأئمة العلويين سواء في فترة خلافة علي بن أبي طالب أو على يد الأئمة التاليين له، وتذكر المرويات الشيعية أعداداً مهولة من العبيد الذين اعتقوا في عهد الإمام الرابع علي زين العابدين، وقد عمل معظمهم إضافة لنشاطه العلمي في حرف بسيطة كما يبدو من ألقابهم(11[2])، وبالتالي فقد كان معظم أبناء هذا التيار أكثر اهتماماً بحقوق طبقتهم رفضاً للممارسات الإقطاعية وتطلعات كبار التجار، ويبدو ذلك ملحوظاً من آرائهم الاعتقادية، حيث اعتقدوا بولاية الإمام المطلقة على الكون، وهو الاعتقاد الذي سمي مؤخراً في الأوساط الشيعية بـ (الولاية التكوينية)(12)، كما اعتقدوا بأفضلية الأئمة على الرسل والأنبياء باستثناء النبي محمد، وبالتالي فقد رفضوا الاعتراف بشرعية الخلفاء السابقين على حكم علي بن أبي طالب، وتشير بعض المصادر إلى أن أبناء هذا التيار هم أول من تجاهر بتوجيه الانتقادات اللاذعة للخلفاء الثلاث الأوائل(13)، بالإضافة لاعتقادهم بالعقائد الشيعية الأخرى كالرجعة والبداء، ومن الناحية السياسية اعتقدت كوادر هذا التيار بالتقية كوسيلة لمواجهة عسف السلطة، كما اعتقدوا بعدم ضرورة أن قيادة الثورة لفرد من الأسرة العلوية(14)، وقد أطلقت كتب الرجال السنية والشيعية عدة ألقاب على هذا التيار كـ (غلاة الرافضة)، و(السبئية) و(المفوضة)، واعتادت التشكيك ورفض أحاديث المحدثين المنتمين له وتكذيبهم(15) .

   إن هذه المعتقدات لليسار الشيعي تشير إلى رغبته في حصر السلطة الدينية والدنيوية في الأئمة العلويين الذين كانوا المدافع الأساسي عن حقوق الضعفاء في فترة الحكمين الأموي والعباسي في مقابل انحياز هذه الأسر الواضح للإقطاع، وبالتالي فقد كان حصر السلطة الدينية والدنيوية في يدهم نوع من الحفاظ على حقوق هذه الطبقات وهو يشبه لحد كبير فكرة ديكتاتورية البروليتاريا(!) التي صاغها الفيلسوف الألماني كارل ماركس وطبقها عملياً الثوري الروسي فلاديمير لينين سنة 1917م عقب سقوط حكم القيصر في روسيا .
   إن هذا التصنيف الاجتماعي للتشيع يشير إلى أن معظم الكوادر اليمينية في التشيع قد عملت تحت راية الانتفاضات الشيعية العلوية والتي نسبتها المصادر التاريخية إلى الفرقة الزيدية، ورغم أن هذه الانتفاضات قد شهدت تواجداً كبيراً للتيارات الأخرى إلا أنه من الواضح أن تيار اليمين رفض تماماً المشاركة في الانتفاضات التي قام بها تيار اليسار وهو ما يتضح في موقفه السلبي من ثورة المختار بن أبي عبيد، وثورة الوصفاء بقيادة المغيرة بن سعيد(16[3]) .
   إن هذا الانقسام لم يعني بالضرورة انقساماً في الولاء للأئمة من البيت العلوي، فقد خضعت كل هذه التيارات لإمامة علي زين العابدين، ثم ابنه محمد بن علي الباقر (ت/ 115 هـ) وما تلاهم من أئمة، وإن عانت من اختلافات داخلية كنتيجة لتنوعها الطبقي، وهو ما يبدو واضحاً في الكثير من المرويات الشيعية(17) .
   إن ظهور الزيدية كطائفة مستقلة عن البيت الإمامي العلوي، ومشكلة لسلسلة إمامية علوية وأفكار عقائدية مستقلة كان متأخراً جداً عن ثورة زيد بن علي في الكوفة، وقد بدأ في الأغلب على يد الهادي إلى الحق في اليمن عقب غيبة الإمام الثاني عشر عند الشيعة، إلا أن المصادر الإسلامية عموماً اعتادت أن تطلق اسم الزيدية على أي ثائر علوي كنوع من النسبة السياسية بما يعني اعتقاد الثائر بضرورة الثورة على الحاكم الظالم وعدم استخدام التقية في مواجهته .
   وعلى الرغم من أن المصادر التاريخية وكتاب الفرق بما فيها الشيعية يصرون على أن الزيدية بدأت كفرقة مستقلة أثناء ثورة زيد بن علي، فإن هذه الفرضية تبدو ضعيفة أمام بعض الحقائق التاريخية .
   فالعديد من الشخصيات التي نسبتها كتب الفرق للزيدية بناء على اعتناقهم للآراء المشهورة والمعروفة عن الزيدية كسلمة بن كهيل (ت 121 هـ) والحكم بن عتيبة (ت / 113 هـ) لم يشاركوا في ثورة زيد بن علي فقد رفض سلمة بن كهيل المشاركة في الثورة في حين توفى الحكم بن عتيبة قبلها بسبع أو ثمان سنوات بما يعني أن هذه الآراء المنسوبة لزيد بن علي كانت متداولة قبل قيامه بالثورة أو قبل المواجهة المزعومة بينه وبين الرافضة(18) .
   من ناحية أخرى فإن الشخصيات الأخرى التي نسبت لها بعض الفرق الزيدية ككثير النواء، وأبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني وثابت بن هرمز وسالم بن أبي حفصة، والتي شاركت في الثورة مع زيد بن علي سنة 122 هـ كانت مشهورة بموقفها السلبي من كل الخلفاء السابقين على علي بن أبي طالب، وتصفها كتب الرجال بالغلو في الرفض(19) مما قد يشير إلى أن الثائرين مع زيد بن علي لم يكونوا كلهم ذوي مواقف ايجابية من الخليفتين الأولين، كما يعني أن الشيعة المشاركين في الثورة كانوا من مجموعات مختلفة عقائدياً وإن خضعوا لقيادة واحدة .
   تشير المصادر التاريخية إلى أن زيد بن علي نفسه لم يدعي الإمامة وإن دعا للرضا من آل محمد وهذا الشعار كان إشارة سرية للأئمة الإثنى عشر عموماً، وهو ما نقل عن جعفر بن محمد الصادق في حديثه عن ثورة عمه زيد بن علي، ويؤكد الموقف الإيجابي للشيعة الإثنى عشرية من زيد بن علي على هذه الحقيقة(20[4]) .
   والواقع أن كل الثورات والانتفاضات العلوية التي قادها أفراد من غير البيت الإمامي حرصت على أن تعلن دعوتها للرضا من آل محمد كنوع من تجنب الإشارة لشخص الإمام بعد مذبحة كربلاء حفاظاً على حياته واستمرار قيادته السرية للحركات الثورية(21)، وهناك العديد من الإشارات التاريخية لتعاطف الأئمة الإثنى عشر مع الانتفاضات التي قام بها ثوار علويون يعتقد الزيدية بإمامتهم، كثورة محمد النفس الذكية والتي شارك فيها موسى وعبد الله ابني الإمام السادس جعفر بن محمد الصادق بما يشير لمباركته لهذه الثورة(22)، كما حصلت ثورة صاحب فخ على مباركة الإمام السابع موسى بن جعفر الكاظم(23).
   وربما يكون انحصار تواجد وانتشار المذهب الزيدي في اليمن والمناطق المرتبطة بها تجارياً كالهند وإندونيسيا والتي شهدت هجرة يمنية إليها يمثل الدليل الأكثر وضوحاً على أن هذا المذهب تم تأليفه لخدمة الأغراض السياسية لبعض العلويين الطموحين الذين حاولوا تأسيس دولة لهم باليمن كنوع من ملئ الفراغ الديني والسياسي الذي خلفه اختفاء الإمام الثاني عشر وما صاحبه من رجة عقائدية في الأوساط الشيعية، وكان صاحب الفضل الأساسي في هذا المشروع هو الإمام الهادي إلى الحق، الذي ينسب له كل الزيدية الآن بل وحتى الفرق التي تمت أبادتها كالمُطرفية(24)، في حين لا يوجد أي تواجد للفرق الأخرى التي أعلنت عنها كتب الفرق كالبترية والجارودية .
   إن الاعتقادات التي نسبت في فترة متأخرة للمذهب الزيدي تشابهت لحد كبير مع المعتقدات التي أعلنها اليمين الشيعي سابقاً خاصة في موضوع الإمامة حيث أشارت إلى أن الطريق إليها ليس بالنص الجلي كما يقول الإثنى عشرية أو بالاختيار كما يقول السُنة وإنما بالدعوة(25)، وربما كان الخلاف الوحيد هو في اقتصار النص على الأئمة أصحاب الكساء " علي والحسن والحسين " في حين تعرف إمامة الأئمة الآخرين بالدعوة، وبناء على هذا الاعتقاد فقد اعتبر الزيدية أن الإمامة حق لكل الذرية العلوية سواء من أبناء الحسن أو أبناء الحسين(26) يقول الإمام يحيى بن حمزة : " فمن قام ودعا إلى الإمام مستجمعاً لأمور أربعة :
   أولها : أن يكون عالماً بأصول الشريعة متمكناً من الفتوى في أحكام الشرع .
   وثانيها : أن يكون ذا رأي وسياسة للحرب والسلم .
   وثالثها : أن يكون شجاعاً مجتمع القلب لا يضعف عن لقاء عدوه .
   ورابعها : أن يكون له ورع يحجزه عن الوقوع في المحرمات ويمنعه عن الإخلال بشيء من الواجبات .
   وجب على كافة المسلمين نصرته والدعاء إليه، والاحتكام لأمره، والتقوية لسلطانه "([5]27).
   إن هذا التصور للإمامة أوقع الزيدية في مأزق عقائدي، حيث فوجئت بوجود مرحلة فراغ في الدعوة العلنية بين استشهاد علي بن أبي طالب 40 هـ واستشهاد الحسين 61 هـ، وهي الفترة التي حدثت فيها حالة الهدنة ما بين الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان سنة 41 هـ ، مما قد يشير إلى رفضهم لإمامة الحسن، في حين أن معظم الأئمة الزيديين في اليمن من سلالة الحسن، وبالتالي فقد اضطرت الزيدية إلى القول بأن النص يشمل الأئمة أصحاب الكساء علي والحسن والحسين بموجب اشتراكهم في آية التطهير، إلا أن المأزق لم ينتهي عند هذا الحد فهناك فترة فراغ أخرى من المشاركة الثورية العلنية للعلويين ما بين استشهاد الحسين وثورة زيد بن علي 122 هـ شغلها اثنين من الأئمة وهما علي زين العابدين ومحمد بن علي الباقر، وبالتالي فقد اضطرت الزيدية إلى القول بإمامة الحسن بن الحسن بن علي المعاصر للإمامين، وفي محاولة لتبرير هذا الاعتقاد بإمامة الحسن بن الحسن الغير معروف بادعاء الإمامة عموماً فقد اعتبرت أن ثورة العراقيين ضد الوالي الأموي في الكوفة الحجاج بن يوسف الثقفي في عهد عبد الملك بن مروان بقيادة محمد بن الأشعث بن قيس الكندي والتي شارك فيها الشيعة قد قامت تحت راية الحسن بن الحسن(28)، والواقع أن حتى على اعتبار صحة هذه المروية فإنها لا تعد صحيحة حسب شروط الإمامة الزيدية التي عرضها الإمام يحيى بن حمزة، فالحسن بن الحسن لم يدعو إلى نفسه علانية حسب هذه الشروط، إضافة إلى أن المصادر التاريخية تذكر نفيه القاطع لأي علاقة تنظيمية بينه وبين هذه الثورة أثناء المواجهة التي تمت بينه وبين الخليفة الأموي، كما تشير لتوليه بعض الأعمال الإدارية للأمويين رغم رفضه التقليدي لحكمهم(29).
   إن من الواضح أن هذه القواعد وضعت لخدمة الأوضاع الجديدة لليمين الشيعي - في اليمن على وجه الخصوص - في أواخر القرن الثالث والقرن الرابع الهجريين، والذي سعت قياداته لاستقدام قيادة علوية طموحة كي تتمكن من جمع الأتباع حولها بما يحقق لها مصالحها الاقتصادية والسياسية، مستغلة غيبة الإمام الثاني عشر سنة 255 هـ للتخلص من سيطرة الرؤية الثورية المنحازة للطبقات المستضعفة التي تبناها الأئمة الإثنى عشر على الوسط الشيعي، وإيجاد تشيع جديد لا يتعارض مع مصالحها أو طموحاتها .
   إن الدلائل السابقة تؤكد مدى تأثير الصراع الاجتماعي والسياسي على نشأة الفرق والآراء الدينية في الدولة الإسلامية فقد نشأت الزيدية في البداية كتيار سياسي في الوسط الشيعي، شاركت فيه كل القوى الشيعية وإن تميز بانحصار مشاركة اليمين الشيعي في نطاقه، ثم تحولت في أواخر القرن الثالث والقرن الرابع الهجريين إلى تيار سياسي وديني معبر عن آراء واعتقادات اليمين الشيعي في اليمن الممثل في طبقتي الإقطاع وكبار التجار والتي مثلت في أساس طموحاتهما الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .


! هذا الرأي الإيجابي المزعوم لزيد بن علي في الخليفتين الأول والثاني لا أثر له تقريباً عند الزيدية رغم تحاشي بعض علمائهم من الذم العلني لهما، وتشير المدونات التاريخية اليمنية إلى أن معظم علماء الزيدية كان موقفهما من الشيخين سلبياً للغاية . الأمير يحيى بن الحسين . يوميات صنعاء . أبو ظبي 1996 . الطبعة الأولى . منشورات المجمع الثقافي . ص 139، 161 ، 338، 346 .
   ! أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الإمام الخامس عند الشيعة الإثنى عشرية، والرابع عند الشيعة الإسماعيلية، ولد في المدينة المنورة في سنة 57 هـ من أبوين هاشميين فأبوه علي بن الحسين بن علي، وأمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي، وقد قضى حياته كلها في المدينة المنورة وتتلمذ على يديه العديد من المحدثين والفقهاء من السنة والشيعة ولذلك سمي بباقر العلم، توفي في المدينة سنة 114 هـ ودفن في البقيع . محمد بن النعمان (المفيد) . الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد . تحقيق مؤسسة آل البيت لتحقيق التراث . بيروت 1993 . طـ 2 . دار المفيد . ج 2 ص 157 ، 158 .
   ! أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أمه أم ولد كان المختار بن أبي عبيد قد أهداها لوالده عقب سيطرته على الكوفة، ولد سنة 78 هـ في المدينة المنورة، وتلقى علومه على يد والده علي بن الحسين ثم على يد أخيه الأكبر غير الشقيق محمد بن علي الباقر، ويقال أنه تلقى بعض علومه كذلك على يد واصل بن عطاء المعتزلي أثناء زيارته للبصرة، إلا أن المصادر الشيعية تنفي هذه الواقعة بسبب موقف واصل بن عطاء السلبي من جده علي بن أبي طالب، سعى لقيادة ثورة ضد الأمويين في الكوفة إلا أن شقيقه الأكبر منعه ومن الواضح أن زيد التزم برأي شقيقه الباقر فلم يقم بالثورة إلا بعد وفاته بست أو سبع سنوات في سنة 120 أو 121 هـ ، وقد أحرق الأمويين جثمانه في حين دفنت رأسه بالقاهرة بالقرب من السيدة زينب . محمد بن النعمان (المفيد) . م . س . ج 2 ص 172، 173 .
   1 – محمد بن جرير الطبري . تاريخ الأمم والملوك . نسخة كومبيوترية . موقع www.sahab.org  ج 4 ص 204 ، 205 ، 206  .
   2 – يوليوس فلهوزن . الخوارج والشيعة . ترجمة وتقديم / د . عبد الرحمن بدوي . القاهرة 1998 . ط الخامسة . دار الجليل للكتب والنشر . ص 155 .
   ! أبو عبد الله جعفر بن محمد بن علي المعروف بالصادق، الإمام السادس عند الشيعة الإثنى عشرية، والإمام الخامس عند الشيعة الإسماعيلية، أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، ولد بالمدينة سنة 83 هـ وتلقى علومه على يد والده محمد بن علي الباقر، وكان من تلامذته الإمامين مالك بن أنس وأبو حنيفة النعمان وهما من أئمة المذاهب السنية مما يدل على شمولية علومه وعدم اقتصار مكانته على الشيعة، تعرض للملاحقات على يد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بسبب مشاركة بعض أبناؤه في ثورة النفس الذكية سنة 145 هـ، توفي في المدينة في شوال سنة 148 هـ ودفن في البقيع . المفيد – م . س – ج 2 ص 179 ، 180 ، 182، 183، 184، 185 .
   3 – محمد بن النعمان (المفيد) – م . س – ج 2 ص 158 .
   ! غدير بين مكة والمدينة كان يقع في طريق الحج وتذكر مرويات السنة والشيعة أن النبي قد توقف عند هذا الغدير عند عودته من حجة الوداع وقال : " من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم والي من والاه وعاد من عاداه وأنصر من نصره واخذل من خذله " وقد اعترف العديد من محدثي السنة بصحة هذا الحديث كالإمام الطبري الذي ألف كتاباً خاصاً في صحة هذا الحديث، وابن حنبل في مسنده، والنسائي، إلا أنهم اعتبروه دليلاً على فضل علي ليس أكثر، في حين رأى فيه الشيعة إعلاناً من النبي بتولية علي للإمامة من بعده . الإمام يحيى بن الحسين . المعالم الدينية في العقائد الإلهية . تحقيق سيد مختار محمد حشاد . بيروت 1988 م . ط 1 . دار الفكر المعاصر . ص 133 / الإمام جلال الدين السيوطي . تاريخ الخلفاء . بيروت 1974 . بدون رقم الطبعة . دار الفكر . ص 158 .
   4 – أحمد صبري السيد علي . الوصفاء (أنتفاضة الشيعة بالكوفة سنة 119 هـ) . مجلة مرآة سورية الالكترونية . www.syriamirror.net .
   5 - م . س .
   6 – م . س .
   ! أعلن علي بن أبي طالب عدة قرارات اقتصادية في الكوفة، مثل المساواة في العطاء بين العرب وغيرهم من الموالي، وإلغاء قرارات الخليفة الثالث عثمان بن عفان بإقطاع أرض السواد وغيرها من الأراضي الزراعية للبلدان المفتوحة لبعض شخصيات الدولة من الصحابة ومن بعض زعامات القبائل الموالية له، ومنع الاحتكار وتحديد الموازين والأسعار، وقيامه بضرب عملة إسلامية . علي بن أبي طالب . نهج البلاغة . جمع الشريف الرضي . شرح محمد عبده . بيروت 1990 . ط 1 . ص 36، 380، المسعودي . مروج الذهب ومعادن الجوهر . تحقيق / محمد محي الدين عبد الحميد . القاهرة 1967 . بدون ذكر رقم الطبعة . ص 559 ، محمود اسماعيل . سوسيولوجيا الفكر الإسلامي . م . س . ج 1 . ص 58.
   7 – أحمد صبري السيد علي . م . س .
   8 - م . س .
   9 - علي بن أحمد بن حجر العسقلاني . لسان الميزان . نسخة كومبيوترية . مراجعة / دائرة المعارف النظامية بالهند . نسخة مؤسسة الأعلمي للمطبوعات . بيروت 1986 . جـ 1 صـ 6.
   10 – أحمد صبري السيد . م . س .
   11 - م . س .
   12 - م . س .
   13 - م . س .
   14 - م . س .
   15 - علي بن أحمد بن حجر العسقلاني . م . س . جـ 1 صـ 6 .
   ! عرف لينين ديكتاتورية البروليتاريا بأنها : " إن الدكتاتورية الثورية للبروليتاريا هي سلطة تظفر بها البروليتاريا وتحتفظ بها بالعنف على البرجوازية، سلطة لا يحدها قانون " ومهمة هذه السلطة حسب تصور كارل ماركس هي تحطيم آلة الدولة البرجوازية تمهيداً للاستعاضة عنها بآلة جديدة " . لينين (فلاديمير إليانوف إيليتش) . ماركس – أنجلس – الماركسية . . (مجموعة مقالات متفرقة للينين) . (مقال : الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي) . ترجمة / إلياس شاهين . موسكو (بدون ذكر تاريخ الطباعة) . الطبعة الخامسة . ص 516، 518 .
   16 - م . س .
   17 - م . س .
   18 – محمد بن جرير الطبري . م . س . ج 4 ص 197، 198 ، جمال الدين المزي . تهذيب الكمال . مراجعة د . بشار عواد معروف . نسخة كومبيوترية . بيروت 1980 . ط مؤسسة الرسالة . ج 7 . ص 36 و 37 .
   19 – المزي . م . س . ج 4 ص 123 ، ج 24 . ص 33 ، ج 9 ص 170، ج 10 ص 47 .
   20 – المفيد . م . س . ج 2 ص 172 .
   21 -  أحمد صبري . انتفاضة الوصفاء . م . س .
  22 – أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني . مقاتل الطالبيين . شرح وتحقيق السيد أحمد صقر . بيروت (بدون ذكر سنة النشر أو رقم الطبعة) . دار المعرفة . ص 252 .
   23 – م . س . 446 ، 447 .
   24 – علي بن عبد الكريم الفضيل شرف الدين . الزيدية المذهب والطائفة . مؤسسة الإمام زيد الثقافية . صنعاء 1419 . موقع www.izbacf.org .
   25 – م . س . www.izbacf.org .
   26 – يحيى طالب مشاري . الزيدية في اليمن . نسخة كومبيوترية . موقع عقائد www.aqaed.com . ص 3 .
   27 – يحيى بن حمزة . المعالم الدينية في العقائد الإلهية . تحقيق سيد مختار محمد أحمد حشاد . بيروت 1988 . دار الفكر المعاصر . الطبعة الأولى . ص 144، 145 .
   28 – أبو العباس أحمد بن إبراهيم . المصابيح . تحقيق عبد الله بن عبد الله بن أحمد الحوثي . نسخة كومبيوترية . صنعاء 1999 . مؤسسة الإمام زيد الثقافية . موقع www.izbacf.org . فصل الإمام الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب .
   29 – المفيد . م . س . ج 2 ص 24 ، 25 .
 






   الفصل الأول :-
   تأسيس الفرقة الهادوية الزيدية في اليمن

   كان اختفاء الإمام الثاني عشر عند الشيعة في سنة 255 هـ وما نتج عنها من صدمة واهتزازاً عقائدياً، البداية الحقيقية نحو تطلع بعض الطموحين من الأسر العلوية لسد هذا الفراغ الذي أنتجه اختفاء الإمام وطرح شخوصهم كحل بديل لفكرة الإمام المختفي عن طريق إعادة صياغة فكرة الإمامة بما يناسب الأوضاع الجديدة ومصالح الطبقات الاجتماعية المستفيدة منها .
   تشير المصادر الزيدية إلى أن سنة 280 هـ قد شهدت قدوم رسائل أهل اليمن(·!) إلى الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ت / 298 هـ)(·!) في المدينة تعرض عليه تولي السلطة في اليمن([1]1)، والواقع إن هذا الإجراء لم يكن يمثل كافة اليمنيين، فقد خضعت العديد من مناطق اليمن لسيطرة الدعوة الشيعية الإسماعيلية(·!) الناشئة والمعارضة للسيطرة العباسية(2[2])، كما خضعت مناطق أخرى لسيطرة الأسرة الزيادية(!) الموالية للعباسيين([3]3)، وبالتالي فقد كان من الممكن بالنسبة لليمنيين الرافضين للسيطرة العباسية التوحد خلف الدعوة الإسماعيلية، ولعل هذا ما يثير التساؤل حول هذا التصرف لبعض زعامات القبائل الشيعية في اليمن.
   لقد شهدت هذه الفترة من التاريخ الإسلامي ذروة حالات التناقض الاجتماعي في الدولة الإسلامية والذي ظهر بوضوح في حركات التمرد على السلطة العباسية المركزية والتي خضعت بدورها لسيطرة الإقطاع العسكري التركي منذ عهد المتوكل العباسي الذي سعى لتطبيق سياسة تعتمد على المركزية المتشددة للإقطاع والتي لم تتناسب مع حكم الاتساع والتنوع الذي ميز الدولة الإسلامية، ومن ناحية أخرى كانت الطبقة التجارية تسعى لتجاوز الضربات التي وجهها لها العباسيين بداية من عهد المتوكل العباسي، على أثر حسمه للصراع حول قضية خلق القرآن، والتي أفقدتها العديد من المكاسب وأبعدتها عن مواقع التأثير(4[4]) .
   كانت اليمن أحد المناطق التي تفجر فيها هذا النزاع متخذاً شكلاً مذهبياً، فبينما سعت بعض الزعامات القبلية الإقطاعية للاستقلال الجزئي عن العباسيين وهو ما تحقق مبكراً على يد الدولة الزيادية السُنية سنة 245 هـ، كانت الدعوة الشيعية الإسماعيلية التي عبرت عن طموحات الطبقة التجارية تحاول استغلال البعد النسبي لليمن من الناحية الجغرافية والميول الشيعية لمعظم سكانها في محاولة لتأسيس دولة تصلح كقاعدة لإعادة سيطرتها على العالم الإسلامي(5[5])، وقد بقي اتجاهاً لدى الإقطاع اليمني يطمح إلى المحافظة على مكتسباته الاقتصادية ومكانته الاجتماعية بالإضافة إلى الاستقلال تماماً عن الإقطاع العباسي، وهو ما كان يدفعه بالتأكيد إلى الصدام مع التيارين السالفين .
   لقد مثلت دعوة ممثلي هذا التيار ليحيى بن الحسين في سنة 280 هـ محاولة لصياغة رؤية جديدة لعقيدة الإمامة الشيعية تتناسب مع مصالح وطموحات هذا التيار والذي لم يتأقلم كثيراً مع الرؤية الشيعية التقليدية للإمامة .
   تشير المصادر الزيدية إلى أن أحد زعماء اليمن وهو أبا العتاهية الهمداني(!·) قام بمراسلة يحيى بن الحسين في سنة 280 هـ كي يحضر إلى اليمن ويتولى ليتسلم السلطة هناك([6]6)، ومن غير المعروف سبب اختيار أبا العتاهية الهمداني ليحيى بن الحسين على وجه الخصوص على الرغم من صغر سنه الذي لم يتجاوز الخامسة والثلاثين، كما أن المصادر الزيدية تعزي هذا الاختيار إلى ما تمتع به يحيى بن الحسين في تلك الفترة من شهرة فقهية وعلمية وتقوى([7]7)، والواقع أن هذه الصفات كانت منتشرة في العديد من العلويين الآخرين، كما أن تجاهل كتب الرجال والتاريخ لاسمه يشير إلى كون شهرته الفقهية ليست بنفس الدرجة المبالغ فيها التي تظهرها المدونات الزيدية([8]8)(!·)، لكن من الواضح أن كونه حفيداً للقاسم بن إبراهيم الرسي (246 هـ)(!) والذي كان من النشطين ضد الدولة العباسية ربما يكون من أهم أسباب هذا الاختيار مما قد يشير إلى وجود علاقة تنظيمية سرية بين أبا العتاهية وبين هذه الأسرة استمرت طوال الفترة التي تلت وفاة القاسم بن إبراهيم الرسي .
   وقد تمت البيعة في مدينة صعدة(!·) ولقب على أثرها بالهادي إلى الحق سنة 280 هـ، وتشير المصادر الزيدية أنه تمكن من إنهاء الخلافات القبلية المثارة بين قبائل خولان وهمدان وبني الحارث بن كعب وبني عبد المدان والذين رضوا بسلطته([9]9)، على أن بعض المصادر الزيدية تشير إلى ترك الهادي إلى الحق للحكم في اليمن وعودته مرة أخرى إلى المدينة المنورة، وقد أشارت في تبريرها لهذا التصرف إلى ما ذكره يحيى بن الحسين : " أنهم لا يطيعون الله، ولا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر "([10]10)، وكتفسير لهذه المقولة فقد أشارت إلى أن الهادي إلى الحق أراد تطبيق حد شرب الخمر على أبي العتاهية بعد أن بلغه أنه شرب مسكراً إلا أن الأخير رفض الامتثال(10)، وهي أسباب لا تبدو تبريراً منطقياً لقيام الهادي إلى الحق بعزل نفسه والهرب سراً من اليمن، ويبدو أنه حدثت خلافات على السلطة بين أبا العتاهية والهادي إلى الحق أجبرت الأخير على الهرب، مما أثار بعض الانتقادات في الأوساط اليمنية ضد تصرف أبا العتاهية وقيامهم بمحاولة جديدة لاسترضاء الهادي إلى الحق وإعادته للسلطة في صعدة(11[11]).
   كانت الخطوة الأولى لمحاولات السيطرة على اليمن هي فتح مدينة نجران ولا تشير المصادر الزيدية إلى وجود مقاومة تذكر، كما تذكر أنه تمكن من الانتصار على الطرف الشيعي المنافس وهو علي بن الفضل(·!) والذي مكنه من السيطرة على مدينة صنعاء لفترة قصيرة استطاع بعدها بني يعفر الموالون للعباسيين السيطرة عليها وأسر أحد أبناء الهادي إلى الحق([12]12)، وتشير المصادر الزيدية إلى أن هذه المواجهة لم تكن الأخيرة إلا أن مشروع الهادي إلى الحق واجه العديد من الصعوبات بسبب تعدد خصومه مما قلل من تأثير انتصاراته وانتهى بتقلص نفوذه في مدينة صعدة(13[13])، ولم يكن مصير محاولات أبناه (محمد المرتضى و أحمد الناصر)(·!) أفضل رغم تحقيقهم بعض النجاحات في مواجهة الدولة التي سعى علي بن الفضل لتأسيسها خاصة بعد وفاة الأخير في سنة 303 هـ([14]14) بل أن محمد المرتضى اضطر أمام إخفاقاته إلى اعتزال الإمامة والتنازل عنها لأخيه الناصر وتسريح أنصاره القادمين من طبرستان سنة 301 هـ([15]15)، إلا أنهما لم يتمكنوا من تحقيق انتصارات مؤثرة على الموالين للعباسيين رغم حدوث انشقاقات متعددة في صفوفهم، على أن الواقع أن الدعوة الهادوية ذاتها شهدت حالة من الضعف نتجت عن الخلافات والانشقاقات الفكرية التي حدثت عقب وفاة الإمام أحمد الناصر، بين القاسم بن الناصر الذي تلقب بالإمام المختار لدين الله وأخيه يحيى بن الناصر الذي تلقب بالمنصور بالله، وانقسام القبائل المعتنقة للمذهب الهادوي بين طرفي الصراع، الذي انتهى بدمار صعده واتفاق القبائل على خلع إمامتهما معاً لإنهاء النزاع([16]16) ومن الملاحظ أن المدونات الزيدية المعاصرة لهذا الصراع واللاحقة له لم تشر إليهما بالإمامة.
   لقد دخلت الدعوة الهادوية بعدها في حالة من الاختلال والانزواء السياسي في مقابل الأسر والقبائل اليمنية الموالية للعباسيين كآل يعفر وآل الضحاك، كما انزوى أبناء الهادي إلى الحق وأصبح نفوذهم في صعدة قاصراً على وضعهم الديني كأحفاد للإمام المؤسس للفرقة الهادوية، وقد تمت بعض المحاولات لإحياء الفكر الهادوي من قبل بعض العلويين من غير أسرة الهادي، فقد قدم إلى صعدة في سنة 389 هـ القاسم بن علي العياني الذي كان يقيم في نجران بين قبائل خثعم على أثر استدعاء له من قبل القبائل اليمنية الموالية لفكر الهادي لتولي الإمامة في صعدة، وتشير المصادر التاريخية أنه أقام بعد ذلك في عيان واتخذها عاصمة له(·!) مما قد يثير تصورات عن وجود انقسام في تأييد القبائل الهادوية له، خاصة أن توليه للإمامة جوبه بمعارضات قوية خاصة من قبل أحفاد الهادي إلى الحق الذين قادوا العديد من التمردات على سلطته مما أضعف نتائج جهوده وأضطره للتخلي عن الإمامة في سنة 391 هـ لعدم وجود أنصار وأقام في عيان حتى وفاته([17]17).
   ومن الغريب أن الابن الأصغر للقاسم العياني " الحسين بن القاسم العياني "(!·)، هو الذي قام بأمر الإمامة عقب وفاة والده رغم أنه لم يتجاوز التاسعة عشرة في حين رفض أخيه الأكبر جعفر بن القاسم التصدي للإمامة رغم خبرته السياسية والعسكرية، وقد حقق الحسين بن القاسم بعض النجاحات في بداية ولايته حيث تمكن من الاستيلاء على صنعاء وصعدة وتحجيم نفوذ آل الهادي، إلا أنه تعرض للهزيمة من آل الضحاك الموالين للدولة العباسية وقتل سنة 404 هـ، إلا أنه تمكن من الحصول على تعاطف ضخم بين أنصاره مما أدى لظهور فرقة جديدة باسم الحسينية ومن الواضح أنها كانت مختلفة نوعاً عن الفكر العقائدي الذي أسسه الهادي إلى الحق مما دفع المؤرخين الهادويين إلى محاولة تشويه الحسين بن القاسم عن طريق نسبة بعض المقولات غير المنطقية له وتصويره كمختل عقلياً(·!)([18]18)، وتذكر المصادر الزيدية أن أتباعه اعتقدوا بأنه المهدي المنتظر وانتظروا عودته([19]19)، والواقع أن هذه الفكرة بعيدة تماماً عن تصور الفكر الهادوي الزيدي في اليمن للإمامة، ومن المرجح أن نسبة هذه الفكرة لأتباع الحسين بن القاسم تمثل محاولة لتبرير رفضهم الاعتراف بالأئمة التاليين له، وإظهارهم كخارجين على الفرقة الهادوية .
   لقد كان مقتل الحسين بن القاسم العياني يمثل نهاية لمحاولات إحياء الدولة الهادوية، حيث شهدت الفترة التالية له عودة انتشار الدعوة الإسماعيلية وحصولها على تأييد العديد من القبائل وهو ما ساهم في قيام الدولة الصليحية سنة 453 هـ بزعامة الداعي علي بن محمد الصليحي التي سيطرت على معظم الأراضي اليمنية لفترة طويلة، وإن شهدت نوع من التسامح الفكري والمذهبي اتسم به الإسماعيليون عموماً وهو ما منح الدعاة الزيديين الفرصة للاهتمام بإعادة الصياغة العلمية للمذهب والدعوة له في أرجاء اليمن(20[20]) .
   لقد كانت فترة حكم الهادي إلى الحق وخلفاؤه في صعدة محاولة لتأسيس ما عرف بالفرقة الهادوية الزيدية، ورغم الانقسامات التي شهدتها هذه الفرقة فقد كانت آراء الهادي إلى الحق الدينية خاصة في موضوع الإمامة هي الأساس الذي احتكمت إليه هذه الفرق المختلفة مما يثير العديد من التساؤلات حول حقيقة انتسابها لزيد بن علي والذي لا يوجد له أي تأثير في أفكارها وطروحاتها الفقهية والعقائدية .
   إن العقائد التي وضحها الإمام الهادي إلى الحق في كتبه، تشير إلى تأثره الكبير بفكر المعتزلة، ففي كتاب " المنزلة بين المنزلتين " اعتبر الهادي إلى الحق أن أصول الدين هي : " التوحيد، العدل والحكمة، صدق الوعد والوعيد، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمنزلة بين المنزلتين، والإمامة) وباستثناء اعتباره للتوحيد والعدل والإمامة كأصول للدين، فإن الشيعة (سواء الإثنى عشرية أو الإسماعيلية) لا يضعون صدق الوعد والوعيد ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالمنزلة بين المنزلتين، بين الأصول([21]21)(·!).
   كما أشار الهادي إلى الحق في كتابه إلى عقائد أخرى، كالإيمان بعدم إمكانية رؤية الله تعالى في الآخرة، ورفض التشبيه والتجسيم، والاعتقاد بخلق القرآن([22]22)، ومن ناحية أخرى أشار الهادي إلى الحق في رسالته إلى أهالي صنعاء إلى احترامه لجميع الصحابة وأمهات المؤمنين : " ولا أنتقص أحداً من الصحابه الصادقين والتابعين بإحسان، المؤمنات منهم والمؤمنين، أتولى جميع من هاجر، ومن آوى منهم ونصر، فمن سب مؤمناً عندي استحلالا فقد كفر، ومن سبه استحراما فقد ضل عندي وفسق، ولا أسب إلا من نقض العهد والعزيمة، وفي كل وقت له هزيمة، من الذين بالنفاق تفردوا وعلى الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرة بعد مرة تمردوا، وعلى أهل بيته اجترءوا وطعنوا"([23]23).
   إن عقائد الهادي إلى الحق الموضحة في كتبه ورسائله تبدو خليطاً ما بين العقائد الشيعية والاعتزالية، مع ملاحظة أن هناك نقاط اتفاق بين المذهبين في كثير من هذه المعتقدات كاعتبار التوحيد والعدل من أصول الدين، والإيمان بعدم إمكانية رؤية الله تعالى في الآخرة، ورفض التشبيه والتجسيم، والاعتقاد بخلق القرآن (عند المتكلمين الشيعة)([24]24)، وقد أضاف عقيدة الإمامة إلى أصول الدين وكونها في أهل البيت النبوي خاصة من الشيعة، وإن كان قد أقام عليها بعض التعديلات التي تسمح له بتوليها، ويبدو تأثره الواضح بالزيدية في اعتباره الإيمان بالمنزلة بين المنزلتين والوعد والوعيد كأصل من أصول الدين وهما من المعتقدات المميزة للفكر الاعتزالي([25]25)، كما أضاف إلى اعتقاداته احترام جميع الصحابة وأمهات المؤمنين من الفكر السني رغم السلبية التي ينظر لها معظم الشيعة إلى بعض الصحابة وأمهات المؤمنين الذين اختلفوا مع علي بن أبي طالب، مما يوحي بأن الهادي إلى الحق كان يرغب في تأليف مذهباً جامعاً لكافة الأطروحات الإسلامية ويخدم طموحاته للاستيلاء على الخلافة، ويبدو ذلك واضحاً من تكرار عبارته حول الإقامة على أصل ما اتفق عليه المسلمون وترك ما اختلفوا فيه فيقول في تبيان عقيدته حول التوحيد : " فلما شهدوا لنا أنه واحد ليس كمثله شيء، أخذنا بذلك وتركنا اختلافهم، إذ نقضوا به شهادتهم "([26]26).
   والواقع أن الانشقاقات التي حدثت في الصف الشيعي عقب غيبة الإمام الثاني عشر، والصراعات التي شهدتها الدولة الإسلامية نتيجة لسيطرة الإقطاع العسكري على الدولة، ساعدا على وجود محاولات للتوفيق بين المذاهب والتيارات المتعارضة، وقد تمثلت هذه المحاولات بوضوح في تجربة الموحدين في المغرب على الجانب السني، والهادوية في اليمن على الجانب الشيعي، على أن هذه التجارب في الغالب لم تفعل سوى إضافة مسميات وفرق جديدة للصراع الدائر .  



   ! تذكر المصادر الزيدية أن سبب خروجه إلى اليمن هو مراسلة أحد ذوي النفوذ واسمه أبو العتاهية الذي أرسل للهادي يطلب منه القدوم ليبايعه ويتسلم الأمر منه ويذكر الإمام يحيى بن الحسين بن هارون : فخرج عليه السلام إلى هناك، فبايعه أبو العتاهية وعشائره وجماعة أهل تلك الناحية، وقام بين يديه مختلعاً متجرداً تقرباً إلى اللّه تعالى وإنابة إليه، وذلك سنة ثمانين ومائتين، أيام الملقب بالمعتضد، وله حين ظهر خمس وثلاثون سنة ". يحيى بن الحسين بن هارون . الإفادة في تاريخ الأئمة السادة . تحقيق / محمد يحيى سالم عزان . نسخة كومبيوترية . صنعاء 1416 . مؤسسة الإمام زيد الثقافية . موقع www.izbacf.org . فصل (الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين).
   ! أبو الحسين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ولد بالمدينة في سنة 240 هـ، وتذكر المرويات الزيدية العديد من الصفات والمميزات له حول شهرته بالعلم والورع والتقوى وهي مرويات فيها قدر كبير من المبالغة نظراً لتجاهل كتب الرجال السنية والشيعية له رغم حرصها على الترجمة لكل العلماء حتى من المذاهب المخالفة بما فيها الزيدية، إلا أن هذا لا ينفي تميزه بهذه الصفات بالفعل وإن كانت شهرته قاصرة على مناطق الحجاز واليمن ولم تصل إلى درجة كبرى تؤهله لطرح نفسه كإمام مذهب، وقد بويع بالإمامة في اليمن سنة 280 هـ، وتوفي في مدينة صعدة سنة 298 هـ ودفن في جانب من المسجد الجامع بصعدة . " م . س . فصل (الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين).
   [1] - م . س . فصل (الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين).
·    ! تنسب الدعوة الشيعية الإسماعيلية إلى إسماعيل بن جعفر بن محمد الصادق المتوفي سنة 145 هـ، وقد تميزت في تأكيدها على أن الإمامة الشيعية بعد الإمام جعفر الصادق (148 هـ) هي في أبناء إسماعيل مخالفة بذلك اعتقاد الغالبية العظمى من الشيعة الذين آمنوا بأن الإمامة في سلالة موسى بن جعفر الكاظم (ت 183 هـ)، خاصة أن إسماعيل توفي في حياة والده وبالتالي فمن غير الممكن اعتباره إماماً، والواقع أن المؤسس الحقيقي لهذه الفرقة هو محمد بن إسماعيل بن جعفر (ت 193هـ) حيث تتهمه المصادر الإثنى عشرية وبعض المصادر السنية بتحريض الخليفة العباسي هارون الرشيد على قتل الإمام الكاظم كمقدمة لادعائه الإمامة . " أحمد صبري السيد علي . إخوان الصفا بين الفكر والسياسة . القاهرة 2004 . دار مصر المحروسة . الطبعة الأولى . ص 114، 115 .
   [2] -  محمد جمال الدين سرور . النفوذ الفاطمي في جزيرة العرب . القاهرة 1993 . دار الفكر العربي . الطبعة الأولى . ص 62، 63 .
   [3] - م . س . ص 61، 62 .
   [4] - محمود إسماعيل عبد الرازق . سوسيولوجيا الفكر الإسلامي (طور الازدهار) . بيروت 2000 – طبعة مؤسسة الانتشار العربي . الطبعة الأولى . ص 62 .
   [5] - محمد جمال الدين سرور . م . س . ص 61، 62 .
·    ! أشارت المصادر الزيدية إلى أنه كان من الملوك اليمن، ويبدو هذا التعريف غامضاً كما أن المصادر التاريخية لم تذكر شيئاً عنه، ومن الواضح أنه كان أحد الزعماء القبليين المسيطرين على منطقة صعدة وهو ما دفع المصادر الزيدية إلى وصفه بلقب ملك، ومن المحتمل أن يكون أبا العتاهية أحد الدعاة للعلويين الذين لاقت دعوته قدراً كبيراً من النجاح الأمر الذي أهله لدعوة الإمام الهادي لتولي السلطة في اليمن " . الإمام يحيى بن الحسين بن هارون . م . س . فصل (الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين) ، أبو العباس أحمد بن إبراهيم . م . س . فصل (الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين) .
   [6] - الإمام يحيى بن الحسين بن هارون . م . س . فصل (الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين) ، أبو العباس أحمد بن إبراهيم . م . س . فصل (الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين) .
   [7] - الإمام يحيى بن الحسين بن هارون . م . س . فصل (الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين) ، أبو العباس أحمد بن إبراهيم . م . س . فصل (الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين) .
   [8]  - الإمام يحيى بن الحسين بن هارون . م . س . فصل (الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين) ، أبو العباس أحمد بن إبراهيم . م . س . فصل (الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين) .
·    ! على سبيل المثال لم يشر جمال الدين المزي إلى الإمام الهادي إلى الحق، كما لم يشر إليه ابن حجر العسقلاني في كتابه " لسان الميزان " رغم ترجمته للعديد من علماء الدين الشيعة الإمامية والزيدية، كما لم يشر إليه النجاشي في رجاله ضمن علماء الشيعة رغم اهتمامه بالإشارة لعلماء الزيدية، كما أن ابن النديم لم يذكر له الكثير من المؤلفات في الفهرست بما يدل على قلة تأثيره في الوسط الثقافي الإسلامي . جمال الدين المزي . تهذيب الكمال . مراجعة د . بشار عواد معروف . نسخة كومبيوترية . بيروت 1980 . ط مؤسسة الرسالة ، علي بن أحمد بن حجر العسقلاني . لسان الميزان . نسخة كومبيوترية . مراجعة / دائرة المعارف النظامية بالهند . نسخة مؤسسة الأعلمي للمطبوعات . بيروت 1986 ، محمد بن إسحاق بن النديم . الفهرست . نسخة كومبيوترية . بيروت 1978 . دار المعرفة . الطبعة الأولى . ص 198 ، أبو جعفر الطوسي . الفهرست . موقع يعسوب الدين www.yasoob.com .

·   ! تقع مدينة صعدة في شمال اليمن وتبعد عن مدينة صنعاء بحوالي 243 كيلو متر، وهي مدينة زراعية وتشتهر بزراعة البن، كما تبرز بها الصناعات الحرفية كونها من مراكز استخراج الحديد، وهي مركز الفكر الزيدي في اليمن منذ دخوله على يد الهادي إلى الآن . ياقوت بن عبد الله الحموي . معجم البلدان . نسخة كومبيوترية . موقع www.yasoob.com . بيروت 1979. طبعة دار إحياء التراث. ج 3 ص 156 .

   [9] - أبو العباس أحمد بن إبراهيم . م . س . فصل (الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين) .
   [10] - م . س . فصل (الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين) .
   [11] - م . س . فصل (الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين) .
·   ! أبو الحسن علي بن الفضل الجدني من ذرية ذي جدن وهم فرع من قبيلة سبأ، من غير المعروف تاريخ ولادته إلا أن بعض تفاصيل حياته نقلتها المرويات التاريخية، وقد اتفقت على أنه كان من الشيعة الإثنى عشرية في البداية، وفي أثناء زيارته للإمام الحسين بكربلاء تعرف على الدعاة الإسماعيليين الذين استغلوا ما كان يعانيه من الأرق العقائدي عقب اختفاء الإمام الثاني عشر وادعوا أمامه معرفتهم بموضع الإمام الثاني عشر وتمكنا من تجنيده وإرساله إلى اليمن مع الحسن بن فرح بن حوشب (منصور اليمن)، إلا أن علي بن الفضل إنشق فيما بعد على الدعوة الإسماعيلية وتتهمة المصادر الإسماعيلية والسنية والزيدية على السواء بالانحلال الديني والخلقي، إلا أن هذه التهم مستبعدة مع سيطرة الطباع والتقاليد القبلية في اليمن على الأوضاع الاجتماعية، كما أنها من مصادر معادية، وأغلب الظن أن علي بن الفضل تراجع إلى المذهب الإثنى عشري عقب اكتشافه للخدعة وعدم تطابق صفة الإمام الإسماعيلي مع المرويات الإثنى عشرية، وقد توفي علي بن الفضل في سنة       303 هـ. محمد بن مالك الحمادي اليماني . كشف أسرار الباطنية . تحقيق محمد عثمان الخشت . الرياض 1988 . مكتبة الساعي (بدون ذكر رقم الطبعة) . ص 62، 63 ، النعمان بن حيون التميمي . افتتاح الدعوة . تحقيق عارف تامر . بيروت 1996 . دار الأضواء الطبعة الأولى . ص 20، 21، 22، 23 ، علي بن محمد العلوي . سيرة الهادي إلى الحق . تحقيق سهيل ذكار (مجموعة رسائل عن القرامطة) . دمشق 1982 . دار حسان الطبعة 2 . ص 96 .
   [12] - علي بن محمد العلوي . م . س . ص 93، 95 ، عز الدين بن الأثير الجزري . الكامل في التاريخ . نسخة كومبيوترية . موقع www.sahab.org . ج 6 أحداث سنة 288 هـ .
   [13] - علي بن محمد العلوي . م . س . ص 99، 100.
·   ! الإمام المرتضى محمد بن يحيى بن الحسين، ولد سنة 278 هـ، وبويع له بالخلافة عقب وفاة والدة الهادي سنة 298 هـ في صعدة رغم امتناعه عن قبول تولي الإمامة في البداية، إلا أنه اعتزل الإمامة بعد ثلاث سنوات 301 هـ لأسباب غير معروفة وإن اوجزتها المصادر الزيدية في عدم طاعة القبائل اليمنية له، وتوفي بصعدة في سنة 310 هـ  ، أما الإمام الناصر أحمد بن يحيى بن الحسين أخو الإمام المرتضى، من غير المعروف سنة مولده، وقد كان غائباً أثناء وفاة والده الهادي، تولى الإمامة عقب تنازل أخيه المرتضى عنها سنة 301 هـ وتوفي سنة 315 هـ وتنسب له المصادر الزيدية أنه السبب في إضعاف نفوذ دولة علي بن الفضل والقضاء عليها عقب موقعة نغاش سنة 307 هـ . أبو العباس أحمد بن إبراهيم . م . س . فصل (الإمام المرتضى محمد بن يحيى) وفصل (الإمام الناصر أحمد بن يحيى) ، - علي بن محمد العلوي . م . س . ص 108 .
   [14] - علي بن محمد العلوي . م . س . ص 106، 108، 109 .
   [15] - علي بن محمد العلوي . م . س . ص 103 .
   [16] - مجموعة باحثين . الإمامة في اليمن .. تاريخ من الدماء والدمار . صحيفة الميثاق . موقع www.almethaq.net.ye . العدد الصادر بتاريخ 29 / 6 / 2004 .

   ! عيان: بفتح أوله، وتشديد ثانيه، يجوز أن يكون من قولهم: عان الماء يعين إذا سال، أو من عين التاجر إذا باع سلعته بعين وهو عيان، أو من عين الماء، مكان عيان: كثير العيون، أو يكون رجل عيان الذي يصيب بالعين كثيرا، ويجوز غير ذلك: وهو بلد باليمن من ناحية مخلاف جعفر، شمال محافظة صنعاء وقد اتخذها القاسم العياني عاصمة له وتوفي بها سنة 393 هـ . أيمن فؤاد السيد . تاريخ المذاهب الدينية في بلاد اليمن . القاهرة 1988 . الدار المصرية اللبنانية الطبعة الأولى . ص 238، 239 ، ياقوت بن عبد الله الحموي . م . س . ج 4 ص 171 .

   [17] - مجموعة باحثين . الإمامة في اليمن . م . س .
·   ! الإمام المهدي لدين الله الحسين بن القاسم بن علي العياني، ولد في سنة 356 وتولى الإمامة سنة 393 هـ وقد كانت له الكثير من المؤلفات العلمية حيث يروى أنها بلغت 73 مصنفاً، توفي سنة 404 هـ ودفن بمدينة ريدة . الحسين بن ناصر النيسائي الشرفي . مطمح الآمال . نسخة كومبيوترية . مؤسسة الإمام زيد الثقافية . موقع www.izbacf.org . فصل (الإمام الحسين بن القاسم العياني) .
·   ! قال ابن الوزير : الحسين بن القاسم كان من أجل أهل البيت وأوسعهم معرفة . بلغ عمره اثنتين وعشرين سنة، وبلغت مصنفاته نحو الثمانين، وقد حدث له اختلاط في عقله، وصدرت عنه أفعال وأقوال شاهدة بذلك منها دعوى الأفضلية على رسول االله وأن كلامه أبهر من القرآن . عبد الغني محمود عبد العاطي . الصراع الفكري في اليمن بين الزيدية والمُطرفية . القاهرة 2001 . دار عين للدراسات الطبعة الأولى . ص 15 .
   [18] - م . س . ص 15 ، أيمن فؤاد السيد . م . س . ص 240 .
   [19] - م . س . 15 ، م . س . ص 240 .
   [20] - م . س . ص 18 ، محمد جمال الدين سرور . م . س . ص 78 .
   [21] - الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين . مجموع رسائل الإمام الهادي إلى الحق . رسالة المنزلة بين المنزلتين . نسخة كومبيوترية . مؤسسة الإمام زيد الثقافية موقع www.izbacf.org . فصل (شهادة جميع الأمة لنا بحقية ما نحن عليه) .
·   ! أصول الدين عند الشيعة الإثناعشرية هي التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد، وبعض علماء الشيعة يعتبر أن أصول الدين هي التوحيد والنبوة والمعاد فقط، أما عند الإسماعيلية فأصول الدين هي الولاية والطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد. القاضي النعمان بن محمد . دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام . تحقيق آصف بن علي أصغر فيظي . القاهرة 1985 . دار المعارف الطبعة الثالثة . ج 1 ص 2 ، محمد تقي مصباح اليزدي . دروس في العقيدة الإسلامية . قم 1421 هـ ق . طبعة مؤسسة الهدى للنشر والتوزيع الطبعة الثانية . (يتحدث الكتاب عموما عن أصول الدين والعقيدة الإسلامية) .
   [22] - الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين . م . س . باب (التوحيد)، وباب (خلق القرآن) .
   [23] - الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين . م . س . رسالة (جواب لأهل صنعاء على كتاب كتبوه إليه عند قدومه البلد) . باب (الترضية على الصحابة وأمهات المؤمنين) .
   [24] - المفيد . أوائل المقالات . تحقيق إبراهيم الأنصاري . بيروت 1993 . دار المفيد الطبعة الثانية . ص 51، 56، 57 .
   [25] - م . س . ص 36 ، 37 .39 .
   [26] - - الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين . رسالة المنزلة بين المنزلتين . م . س . باب (شهادة جميع الأمة لنا بحقية ما نحن عليه) .


   الفصل الثاني :-

   نشأت المُطرفية في الوسط الزيدي



   من غير المعروف على وجه التحديد بداية ظهور المُطرفية كفرقة لها رؤية متميزة في الفكر والعقائد الهادوية، والمصادر الزيدية التقليدية لا تقدم صورة واضحة عن نشأة هذه الطائفة، وإن حاولت التأكيد على وجود ارتباط ما بينها وبين بعض معتنقي المذهب الهادوي من الإسماعيلية وإن كانت لم تتفق على شخصية هذا الداعي([1]1)(!·)، وهي في لجوئها لهذا الشكل من النقد تستخدم نفس أسلوب التعامل الفكري السائد في ذلك العصر مع المذاهب المعارضة للسلطة القائمة والذي يسعى لوضعها في نطاق مؤامرة على الدين ذاته في محاولة لإقامة حواجز نفسية بينها وبين العوام .
   على أن وجود اتصال فكري ما بين الإسماعيلية والزيدية في اليمن ليس أمراً مستبعداً بل أن عقائد المُطرفية تبدو بالفعل قريبة نوعاً من الفكر الفلسفي للتشيع والذي كان الإسماعيلية أحد أقطابه.
   وتتفق المصادر في أن مُطرف بن شهاب هو الشخصية الأكثر تأثيراً في أفكار هذا المذهب رغم خلافها حول شخصية المؤسس الحقيقي له، وتذكر هذه المصادر أن مُطرف بن شهاب كان من أتباع الإمام الحسين بن القاسم العياني (ت / 404 هـ)([2]2)، مما قد يشير إلى أن بدايات هذا المذهب كانت متأثرة بالأفكار التي روج لها الإمام الحسين بن القاسم والتي أثارت استهجان علماء الزيدية اللاحقين، كما قد تشير إلى وجود بعض المؤثرات الفلسفية الإسماعيلية على أفكار هذا الإمام رغم اصطدامه معهم عسكرياً([3]3)(!·)، على أنه من غير المعروف مدى الاختلاف ما بين أفكار مُطرف بن شهاب والفرقة التي نسبت للحسين بن القاسم العياني، كما لا توضح المصادر موقف الحسينية من ظهور المُطرفية الأمر الذي يوحي بنوع من الايجابية، ويبدو أن ما سمي بالفرقة الحسينية لم يكن سوى تأييد سياسي لهذا الأمام ومشروعاته في مواجهة معارضيه أكثر من كونه فرقة جديدة، في حين كانت المُطرفية هي المروج الحقيقي لأفكار هذا الإمام العقائدية والفلسفية، ومن غير المستبعد أن تسعى المصادر الزيدية للتعمية على صلة المُطرفية بهذا الإمام العلوي - رغم الانتقادات الموجهة له – حرصاً على قطع أي صلة لها بالأسرة العلوية، وهي ممارسة سبق واستخدمها العباسيون مع الأدارسة والفاطميين([4]4) .
   لقد أشار الإمام عبد الله بن حمزة إلى أن أول اصطدم بالمُطرفية هو الشريف زيد بن علي الذي أظهر المذهب الزيدي بصنعاء، كما أشار إلى ردود بعض الأئمة والعلماء اللاحقين للإمام الحسين بن القاسم العياني عليهم كالإمام أبي الفتح بن الحسين الناصر الديلمي (ت / 444 هـ) وعبد الله بن المُختار بن الناصر، والحسن بن محمد المهول، والشريف حمزة بن الإمام أبي هاشم الحسن بن عبد الرحمن (وهم من أسرة الهادي إلى الحق)([5]5).
   إن هذه الردود قد تشير إلى عدة أمور حول الموقف السياسي للمُطرفية، حيث من الواضح أنها اشتركت مع الفرقة الحسينية في رفض سلطة الإمامين التاليين للحسين بن القاسم العياني الحسن بن عبد الرحمن وأبي الفتح الديلمي، كما أن تعدد الردود الواردة عن أسرة الهادي إلى الحق قد يوحي بأن المشكلة الأساسية للمُطرفية هي رفضهم اقتصار منصب الإمامة على البيت الهادوي تماشياً مع المبدأ الأساسي للمذهب .
   إن الاتهامات الموجهة للحسين بن القاسم العياني بالجنون والتخليط وادعاء الوحي ربما تكون ناتجة عن أن مشروعة كان يسعى بالأساس لتحجيم النفوذ السياسي والاقتصادي للإقطاع اليمني ومنح الطبقة التجارية دورها التقليدي المعروف في اليمن، مما أدى لتخلي الإقطاعيين الشيعة عنه في مواجهته للإقطاع السُني، ومن الواضح أن فكر المطرفية العقائدي مثل التنظير الفكري والعلمي لهذا المشروع الاجتماعي، وهو ما يبرر حالة انسجامهم مع سيطرة الدولة الصليحية الإسماعيلية المروجة لمشروع مشابه في معظم فتراتها بل تشير المصادر إلى أن مُطرف بن شهاب كان مقرباً من الداعي الفاطمي علي الصليحي، كما يفسر كذلك صدامهم مع الأئمة من أسرة الهادي([6]6)(!) .

   عقائد المُطرفية

   لقد نُسبت للمُطرفية العديد من العقائد والأفكار التي تعبر عن الجذور الفكرية التي تأثر بها مؤسسوا هذا المذهب .
   من الملاحظ أن دعاة المُطرفية لجئوا في دعوتهم للمذهب إلى فكرة إنشاء هجرات للدعوة، وهي فكرة متأثرة إلى حد كبير بالتجربة القرمطية في العراق([7]7)، وقد أشار الإمام عبد الله بن حمزة في معرض تبريره لعدم قبول توبة المُطرفية إلى اعتقادهم بجواز الكذب لإنقاذ النفس([8]8)، وفي حالة صدق هذا الادعاء للإمام عبد الله بن حمزة فهو نوع من العرض المشوه لاعتقاد المُطرفية بجواز استخدام التقية، وتشير هذه المعتقدات إلى تأثر المُطرفية باتجاهات شيعية أخرى كالإمامية والإسماعيلية، وهي اتجاهات حرص الأئمة الزيديين على مواجهتها وتجنب وجود أي نشاط لها في اليمن .
   ويبدو التأثر الواضح للمُطرفية بالفكر الإسماعيلي في اعتقادها الأساسي الذي أثار الجدل حول الأصول والجواهر، فقد اتفق المُطرفية مع غالبية المُسلمين على أن العالم ككل مُحدث مخلوق، إلا أنهم اعتقدوا بأن بعض هذه المخلوقات هي أصول للعالم وهي الماء والهواء والرياح والنار وهي التي خُلق منها بقية المخلوقات كالإنسان والحيوان والنبات التي أطلقوا عليها اسم الفروع نظراً لتغيرها من الزيادة إلى النُقصان، وقد اعتقد المُطرفية أن الله جعل هذه الأصول أضداداً متعادية وبالتالي فإن عملية الخلق الفرعية نشأت كنتيجة مباشرة لحالة التضاد والصراع بين هذه الأصول وليس بالإشراف الإلهي المباشر(9[9]).
   لقد استدل المُطرفية على صحة هذا المعتقد ببعض أقوال الإمام الهادي إلى الحق فنقلوا عنه   قوله : " لو أنكم أنصفتم عقولكم وتركتم المُكابرة عنكم ثم رددتم متشابه الأمور إلى محكمها وما شذ من فروعها إلى أصلها، ثم نظرتم إلى النطفة مم هي ومم كانت حتى تنتهوا إلى ما منه ابتدأت وماتت، لوجدتم أصل ذلك إنشاء الله من الطين، وأصل الطين من الماء بأيقن اليقين .
   وكذلك فأصل خلق الشياطين فمن مارج من نار، فإذا رجعتم إلى الأصول الثلاثة المفطورة المبتدعة من الريح الجارية المسخرة وما خلق الله سبحانه من الماء وفطر فوقه من يحجب الهواء، ثم خلق من هذه الثلاثة الأشياء جميع ما درأ وبرأ، لكان حينئذ يصح لكم القياس ولا يقع عليكم إنشاء الله الالتباس"(12)، كما نقلوا عنه قوله في تفسير الآية : " أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما "(الأنبياء / 30)، " إن الله تبارك وتعالى الخالق لكل شيء والمصور له والمدبر خلق الماء والهواء والرياح والنار فابتدع هذه الأشياء ابتداعاً وانتزع تكوين تصويرها انتزاعاً من غير ما أصل كان مع الواحد الرحمن فهو الله الواحد الأحد الموجد لكل ما يوجد . خلق الله تبارك وتعالى هذه الطبايع مختلفة متضادة غير مؤتلفة فجعلها أصولاً لكل ما درأه وخلقه سبحانه وبرأه "([10]10) .
   وعلى الرغم من أن هذه النصوص صريحة في تأييد معتقد المُطرفية إلا أنه لا يمكن الاستدلال عن طريق هذه النصوص المجتزأة على حقيقة فكر الإمام الهادي، وهل كان يقصد بالفعل أن تضاد وصراع هذه الأصول هو السبب المباشر للمخلوقات الفرعية كما اعتقد المُطرفية أم أنه اكتفى بجعلها الأصول التي تم استخدامها في عملية الخلق الفرعية بمباشرة الذات الإلهية ؟ .
   وفي كل الأحوال فإن هذا المعتقد صريح في تأثره بفكر المتكلم والفيلسوف الشيعي الإمامي هشام بن الحكم ووافقه عليه بعض الشيعة([11]11)، وكذلك فكر عمرو بن بحر الجاحظ المعتزلي(12[12])، إلا أن المؤثر الأكثر قرباً الذي يمكن أن يكون المُطرفية قد استفادوا منه هذه الأفكار هم الإسماعيلية الذين يعتقدون بنفس الفكرة بناء على تصورهم لنظرية الإبداع والفيض وكون المخلوقات قد تولدت عن الأركان الأربعة([13]13)، إلا أن ذلك لم يعن عدم وجود فروق بين الطائفتين، فقد اعتقدت الإسماعيلية بأن هذه الأركان الأربعة هي الماء والهواء والأرض والنار مستبعدة الرياح، كما اعتقدت بخضوعها لتأثير حركة الأفلاك، كما رتبتها من ناحية الأهمية إلى مدى قربها من حركة الأفلاك، وبالتالي فقد كانت النار هي الركن الذي ظهر أولاً، ثم الهواء، فالماء، وأخيراً الأرض وهي الأكثر بعداً عن الأفلاك، وعلى الرغم من أن هناك خلاف في صياغة المعتقدين إلا أن تأثر المُطرفية بالإسماعيلية واضح في رؤيتهم التدريجية والتراتبية للخلق .
   كما اعتقدت المُطرفية بعدم جواز فعل وخلق الله تعالى للشر أو الفعل القبيح مع قدرته عليه، وقد فسروا نشأة الشر في العالم إلى الممارسات الإنسانية، وإن كانوا قد أشاروا إلى عد انفصال العالم عن الذات الإلهية بناء على خضوعه للقوانين التي خلقها الله(14[14]).
   إن هذا الاعتقاد يقترب كثيراً من الفكر الشيعي الإثنى عشري والإسماعيلي، وبعض مدارس المعتزلة، فقد اعتقد الشيعة " بأن الله قادر على خلاف العدل كما أنه قادر على العدل، إلا أنه لا يفعل جوراً ولا ظلماً ولا قبيحاً "([15]15)، أما الإسماعيلية فقد كان لهم تفسيرهم المميز لفكرة وجود الشر اعتماداً على رؤيتهم الفلسفية " إن الشر لا أصل له في الإبداع، وسمي عجز الأشياء، لحدوث بعضها من بعض شراً بمعنى التخلف عن اللحوق بالخير الأفضل المتقدم عليه، فمتى غفل المفضول عن اللحوق بدرجة الفاضل، ورضى لنفسه لنفسه بالمكان الخسيس الرذل فهو الشر المحض البعيد عن الخير وهو النحس البعيد عن السعد "(16[16]).
   كما كان للُمطرفية اعتقاداً متميزاً حول القرآن رغم اتفاقهم مع الزيدية على كونه مخلوق، إلا أنهم اعتقدوا أن الله تعالى يلقي القرآن في قلب المَلَك ويلهمه إياه إلهام النحلة، بما يعني أن القرآن مخلوق على الملك، وبناء على اعتقاد المُطرفية بأن الأعراض تسمع سماع العلم، ولا تسمع سماع الحس لأن الحواس لا تقع إلا على الأجسام، فإن تعبير نزول القرآن إنما يشير إلى معنى التبليغ لا إلى الانحدار والانفصال والانتقال([17]17).
   إن هذا المُعتقد يتأثر كثيراً برؤية الإسماعيلية رغم رفض الإسماعيلية لفكرة خلق القرآن على اعتبار أن تعبير الخلق في القرآن الكريم اقترن بفكرة الإيجاد من مادة سابقة كخلق الإنسان من طين وخلق الجان من مارج من نار، واعتقد الإسماعيلية أن ما يليق بالقرآن هو الإبداع، بمعنى إيجاده لا من مادة سابقة عليه([18]18)، وبالتالي فإن الإسماعيلية يؤكدون على أن معنى نزول القرآن إنما هو التبليغ وليس الانفصال والانتقال المرتبط بالأجسام، ومن الواضح أن المُطرفية في معتقدهم سعوا للتدليل على هذه الفكرة باستخدام المُصطلحات الهادوية ليس إلا فهذه الرؤية لهم عن القرآن لا تنسجم مع نظرية الخلق التي يروج لها المعتزلة .
   إلا أن المعتقد الأكثر تميزاً لدى المُطرفية هو رؤيتهم للنبوة، فقد عرفوا النبوة بأنها " علو النبي وارتفاعه على أعلى درجات المتقين التي يستحق بها هذا المقام، وهي معرفته في ذلك الوقت الذي تنبى فيه، ونبو النبي هو زيادته وعلوه وهو فعله "، ويرد المُطرفيين على المعتقدين بأن النبوة جزاء وبالتالي فهي فعل الله لا النبي " وهذا لا يصح لأنا نقول له هل حكم الله لنبي أو لغير نبي . فإن قال لغير نبي جاز الحكم لسائر الناس، وإن قال لنبي فقد تقدمت النبوة الحكم، فهي إذاً غير الحكم "([19]19)، إن مشكلة هذا الاعتقاد هو اصطدامه بأحد أهم المفاهيم الإسلامية المتعارف عليها بين غالبية المسلمين، فإذا كانت النبوة فعل النبي فلابد أنها متاحة لجميع البشر بما قد ينفي عقيدة كون محمد (ص) خاتم الأنبياء وكون القرآن الكريم هو آخر الكتب المشرعة المنزلة من الله، ومن الواضح أن هذا المعتقد له صلة ما بالحسين بن القاسم العياني والفرقة المنسوبة له، ولعله يبرر الاتهامات الموجهة له باعتقاده أنه أفضل من النبي، وأن كلامه أبهر من القرآن.
   إن هذا المعتقد يبدو متفرداً بين جميع الفرق الإسلامية بكافة تنوعاتها بما فيها المعتزلة والتي تؤكد على أن النبوة هي تفضل وأمانة قلدها الله تعالى من كان في علمه الوفاء بها والقبول لها والثبات عليها من غير جبر، ومن غير الواضح المصدر الذي استقى منه المُطرفية هذه الفكرة، وعلى الرغم من أن التيارات الفلسفية قد أنكرت فكرة التفضل إلا أن دوافعها لهذا الإنكار تختلف تماماً عن دوافع المُطرفية بحيث لا يبدو ممكناً إحالة هذه الرؤية إلى التأثر بالفلاسفة المسلمين، كما أن التيارات الشيعية المغالية والتي تؤمن بتناسخ الأرواح(·!) لم تؤمن بكون النبوة تفضل واعتقدت أنها نوع من الاستحقاق للجزاء الحسن في النشأة السابقة([20]20)، فهل تأثر المُطرفية بأفكار الغلاة في هذه العقيدة ؟ الواقع أن المروي من معتقدات المُطرفية لا يشير إلى إيمانهم بفكرة التناسخ إطلاقاً، إلا أن الأقرب أنهم تأثروا بآراء بنو نوبخت(·!) الشيعة في هذا المجال رغم أن رأيهم عد من الآراء الشاذة في الوسط الشيعي([21]21).
   أن الواضح من هذه المعتقدات هو وجود قدر كبير من المبالغة في ربط الكثير من الباحثين المُطرفيين بالمدرسة الاعتزالية، فمن الواضح أن المؤثرات الفلسفية والشيعية في أفكارهم أكبر من غيرها خاصة في المعتقدات التي مثلت موضع الخلاف بينهم وبين أتباع الزيدية المخترعة، ويبدو أن المُطرفية كانوا من منطلق انتماؤهم الطبقي أكثر ارتباطاً بالتيارات الشيعية الأخرى وحاولوا نقل أفكارها للوسط الزيدي الخاضع لسيطرة الإقطاع باستخدام مصطلحات الإمام الهادي إلى الحق تجنباً للصدام مع المتأثرين والمستفيدين من هذه الأفكار .


   [1] - أحمد بن سليمان . الحكمة الدرية . تحقيق د . عبد الغني محمود عبد العاطي . نص من كتاب : الصراع الفكري في اليمن بين الزيدية والمطرفية . م . س . ص 112 .
·   ! أشار الإمام أحمد بن سليمان أن اسم هذا الداعي هو حسين بن عامر . م . س . ص 112 .
   [2] - عبد الغني محمود عبد العاطي . م . س . 12، أيمن فؤاد السيد . م . س . ص 242 .
   [3] - م . س . ص 240 .
·   ! ذكر مسلم اللحجي أن الإمامين القاسم العياني والحسين بن القاسم كانا يسترجحان أشياء من مذهب الفاطميين مخالفين بذلك المذهب الهادوي، والواقع أن الصدام العسكري أو الديني مع أتباع مذهب ما يؤدي أحياناً للتأثر بهم فكريا، ولعل حالة الفقيه السلفي ابن تيمية هي الأشهر، فرغم عداؤه الواضح للشيعة إلا أنه تأثر بهم في بعض فتاواه كاعتبار طلاق الثلاث طلقة واحدة . م . س . ص 240 .
   [4] - ابن الأثير . م . س . ج 8 . (أحداث سنة 402 هـ).
   [5] - الإمام عبد الله بن حمزة . المجموع المنصوري . رسالة (أجوبة مسائل تتضمن ذكر المطرفية) . نسخة كومبيوترية . مؤسسة الإمام زيد الثقافية . موقع www.izbacf.org . ج 2 . باب (ذكر ابتداء أمر المطرفية وموقف الآل منهم) .
   [6] - أيمن فؤاد سيد . م . س . ص 243 .
   [7] - عارف تامر . القرامطة . دمشق 1997 . دار الطليعة الجديدة الطبعة الأولى . ص 60، 61 .
   [8] - عبد الله بن حمزة . المجموع المنصوري . م . س . الرسالة (الهادية بالأدلة البادية في تبيين أحكام أهل الردة) . ج 2 . باب بدأ الكلام على المطرفية .
   [9] - سليمان المحلي . البرهان الرائق . تحقيق د . عبد الغني محمود عبد العاطي . نص من كتاب : الصراع الفكري في اليمن بين الزيدية والمطرفية . م . س . ص 53 ، 54، 55 .
   [10] - م . س . ص 55 .
   [11] - أبو الحسن الأشعري . مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين . نسخة كومبيوترية . موقع الإيمان www.al-eman.com .
   [12] - محمد بن أبي القاسم الشهرستاني . الملل والنحل . تحقيق عبد الرحمن خليفة . القاهرة 1348 هـ . مطبعة محمد علي صبيح الطبعة الأولى . ج 2 ص 80 .
   [13] - إخوان الصفاء . الرسالة الجامعة . تحقيق مصطفى غالب . بيروت 1984 . دار الأندلس الطبعة الثانية . ص 160، 161،
   [14] - سليمان المحلي . البرهان الرائق . م . س . ص 64 .
   [15] - المفيد . أوائل المقالات . م . س . ص 56، 57 .
   [16] - إخوان الصفا . م . س . ص 50 .
   [17] - عبد الغني محمود . م . س . ص 25 .
   [18] - أحمد صبري . إخوان الصفا . م . س . ص 65، 66 .
   [19] - سليمان المحلي . م . س . ص 87، 88 .
·   ! أطلقت تعريف المغالية نظراً لشهرته التاريخية كتدليل على بعض التيارات الشيعية التي اعتقدت بالتناسخ كالبكتاشية ، مع تحفظي على التسمية ذاتها .
   [20] - الشيخ فضل الله الزنجاني . التعليقات على أوائل المقالات . طبع مع كتاب أوائل المقالات للمفيد . م . س . ص 169، 170.
·   ! بنو نوبخت : من الأسر الشيعية الشهيرة منسوبون إلى نوبخت الفارسي المنجم، نبغ منهم الكثير من العلماء والمتكلمين كأبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي، وأبو محمد الحسن بن موسى النوبختي، وقد عملوا في خدمة الدولة العباسية منذ بداية جدهم الأكبر . م . س . ص 144، 145 .
   [21] - المفيد . م . س . ص 63، 64 .
 



  الفصل الثالث :-
   الصراع بين المُطرفية والإمامة في اليمن

   على الرغم من رفض المُطرفية الاعتراف بالأئمة الذين دعوا لأنفسهم عقب قتل الإمام الحسين بن القاسم العياني، فإن الخلاف اقتصر في تلك المرحلة على المواجهات الفكرية ربما بسبب عدم وجود سلطة ونفوذ حقيقي لهؤلاء الأئمة وخضوع اليمن لسيطرة الدولة الصليحية والتي سمحت بقدر كبير من الحرية الدينية والمذهبية في اليمن([1]1).
   على أن ضعف الصليحيين ثم سقوطهم سنة 547 هـ وهجوم الأيوبيين على اليمن بقيادة أخو صلاح الدين الأيوبي توران شاه وقضائهم على الدويلات الإسماعيلية الصغيرة في عدن وزبيد في الفترة من سنة 569 هـ إلى سنة 571 هـ منح الأئمة الزيدية الفرصة للنهوض مرة أخرى ومحاولة إحياء دولتهم([2]2) .
   لقد بدأت هذه المحاولات في عهد الإمام أحمد بن سليمان المتوكل الذي أعلن دعوته في سنة 532 هـ، وقد تقبل المُطرفية هذا الإعلان ببرود فلم يعلنوا تأييدهم أو معارضتهم له، ورغم مبايعة الشيخ محمد بن عليان بن سعد للإمام المتوكل سنة 541 هـ في أعقاب زيارة استطلاعية كان الغرض منها فيما يبدو هو اختبار مدى تجاوب الإمام مع الرؤية المُطرفية، إلا أن هذا الإجراء لم يدفع باقي الهجرات المُطرفية لإعلان ولائها للمتوكل وظلت تتعامل مع الأمر بلا مبالاة([3]3) .
   على أن تغير موقف المُطرفية ارتبط بحادثة مقتل الشيخ محمد بن عليان على يد حاتم بن أحمد اليامي حاكم صنعاء الأمر الذي دفع علماء المُطرفية إلى تأييد الإمام المتوكل ومبايعته في محاولة لإيجاد قوة عسكرية وسياسية مناصرة في خلافهم مع حاكم صنعاء([4]4) .
   ومن الواضح أن الإمام المتوكل لم يبد أي إشكالات دينية على عقائد المُطرفية في ذلك الوقت، بل أنه عند دخوله صنعاء وسيطرته عليها سنة 545 هـ قام بتعيين القاضي جعفر بن عبد السلام قاضياً عليها رغم أنه كان يعد من المُطرفية في ذلك الوقت .
   على أن نجاح المتوكل في السيطرة على اليمن مثل بداية الخلاف بينه وبين المُطرفية الذين خشوا فيما يبدو من أن يقيم المتوكل حكم وراثي في أسرته مما يتعارض مع رؤيتهم السياسية والتي اعتمدت على أن كل من النبوة والإمامة هي فعل العبد وبالتالي فهي غير خاضعة للوراثة، وبالتالي فقد بدأ المُطرفيين في السعي لإضعاف سلطة الإمام المتوكل خاصة بعد أن تمكن من اجتذاب القاضي جعفر بن عبد السلام بعيداً عن هذا المذهب، وهو موقف لم يكن مستغرب من القاضي، فقد تراجع عن المذهب الإسماعيلي معتنقاً المذهب المُطرفي في فترة صعوده وازدهاره، ثم تراجع عنه عندما التحق بسلطة الإمام المتوكل([5]5)، وقد أدى إذاعة المطرفية لهذه الحقائق عن القاضي إلى توتر العلاقة بينهم وبين الإمام المتوكل إلى درجة قيامه باستعدادات عسكرية لتأديبهم لولا قيام زعيمهم إبراهيم بن الحجلم بتجديد البيعة للإمام تجنباً لهذا الصدام الذي يبدو أن المُطرفية كانوا حريصين على تجنبه خاصة أنهم لم يكن لهم أي نشاطات أو استعدادات عسكرية تمكنهم من الصمود في مواجهات من هذا النوع([6]6) .
   والواقع أن هذا التجديد للبيعة إن كان قد أنهى المواجهة العسكرية بين المُطرفية والإمام المتوكل فإنه لم ينهي الحرب والمواجهة الفكرية بينهما، فقد ألف الإمام المتوكل رسالة خاصة في الرد على المُطرفية هي " الهاشمة لأنف الضلال من مذاهب المُطرفية الجهال "، كما وجه لمذهب انتقادات في كتب أخرى له، ومن ناحية أخرى سعى القاضي جعفر بن عبد السلام إلى مواجهتهم عن طريق المناظرات([7]7)،
   ولم تنتهي هذه المواجهات إلا عقب وفاة الإمام المتوكل سنة 566 هـ، ووفاة القاضي جعفر بن عبد السلام سنة 573 هـ، مما سمح للمُطرفية بالعودة للانتشار مرة أخرى.
   وقد شهدت سنة 594 هـ ظهور دعوة الإمام عبد الله بن حمزة من صعدة، الذي تمكن من إحراز بعض التفوق على الأيوبيين، مما دفع المُطرفيين للاعتراف بإمامته على الزيدية، ومن الواضح أن الإمام عبد الله بن حمزة لم يكن له أي مشاكل عقائدية مع المُطرفيين بدليل ترحيبه بهذا الاعتراف وتعيينه لبعض المطرفيين كولاة على بعض الأقاليم، وهو إجراء يبدو غريباً بالنسبة للمُطرفية الذين تجنبوا العمل السياسي منذ نشأتهم، كما يبدو من الغريب بالنسبة للإمام عبد الله بن حمزة أن يمنحهم هذه السلطة مع إدراكه لمعتقداتهم المخالفة لرؤيته، مما يثير تساؤلات حول السر خلف هذا الإجراء من الإمام ؟! على أن سعي الإمام لاستدراجهم للعمل السياسي ربما كان معبراً عن رغبته في إسقاط ما يتحلون به من قدسية – وهي سر شعبيتهم – نتيجة إدراكه لعدم قدرتهم على أداء مثل هذه الأعمال، وهو ما حدث بالفعل فقام الإمام بعزلهم عن أعمالهم إلا أن الأجراء الإضافي الذي اتخذه الإمام ضدهم يشير إلى نواياه الحقيقية حيث قام بمنع أموال الزكاة عنهم، وهو إجراء ليس له أي علاقة لفشل بعض المُطرفية في تصريف الأعمال الإدارية المكلفين بها([8]8) .
   على أن المواجهة العسكرية بين الإمام والمُطرفية تأخرت رغم هذا الموقف ربما بسبب انشغال الإمام بمواجهاته مع الأيوبيين وإدراكه لشعبية المُطرفيين بالإضافة لوساطة الأمير المنتصر بالله محمد بن المفضل المعروف بالعفيف بينهم وبين الإمام عبد الله بن حمزة([9]9) .
   وقد شهدت سنة 602 هـ عقد الإمام لهدنة بينه وبين الأيوبيين يبدو أنه رغب في استغلالها للقضاء على المسألة المُطرفية تماماً، وبالتالي فقد تم تلفيق اتهام على أحد المُطرفيين بأنه قال :    " أن الله تعالى ساوى بين النبي واليهودي وما اختص نبيه بفضل ولا اجتباه لرسالة "، وقد تم إحضار هذا الشخص وضربت عنقه في ساحة القرية، كان هذا الاتهام هو المقدمة الإعلامية التي استغلها الإمام لتبرير الممارسات المغرقة في العنف التالية ضد المُطرفية، فقد توالى قتل المُطرفيين لاتهامات شبيهة على يد أتباع الإمام، وقد برر المطرفية حوادث القتل هذه إلى هزيمة عبد الله بن حمزة أمام هؤلاء الدعاة المُطرفيين([10]10) .
   ومن الغريب أن المُطرفيين خضعوا لهذا الاستفزاز بسهولة وقاموا بسب الإمام، كما أرسلوا يطلبون تأييد القبائل وسعوا للاستعانة بالأيوبيين في صنعاء، كما قاموا بنصب الشريف يحيى بن منصور وهو من سلالة الهادي إلى الحق أميراً عليهم، وجمعوا الأموال استعداداً لمواجهة عسكرية من الإمام([11]11)، وهي إجراءات تنقصها الحنكة السياسية ومن الواضح أنها كان لها مؤثرات سلبية على وضع المُطرفية حيث بدوا كمعادين وخارجين على الزيدية كما أن استعانتهم بقوى غير زيدية لم يكن له صدى جيد بكل تأكيد .
   لقد أعلن المُطرفية طلبهم مناظرة الإمام في الموعد الذي حدده لهم في ثلا وأعلنوا أن تخلف الإمام عن المناظرة يعني سقوط إمامته وأرسلوا لكافة المُطرفية بالتجمع في ثلا كما طلبوا من مشايخ ثلا حمايتهم وتأمينهم، وقد شكل هذا الموقف إحراجاً للإمام الذي لم يغامر بالمواجهة واعتذر عن المناظرة، وإن كان قد أعلن عن كون المطرفيين كفار ومرتدين عن الإسلام مما أدى لنفور الناس منهم.
   لقد تلا هذا الإعلان قيام الإمام بحملات عسكرية لإرهاب المطرفية وإجبارهم على التراجع عن أفكارهم، ولم تخلو هذه الحملات من قيام الإمام بقتل العديد من علمائهم أثناء جولته على مناطق نفوذهم([12]12) .
   على أن هذه الإجراءات لم تؤد للقضاء على مذهب المُطرفية، ويبدو أن الإمام أضطر للتهدئة لانشغاله بصراعه مع الأيوبيين مرة أخرى، إلا أن سنة 610 هـ شهدت مناظرة بين الإمام عبد الله بن حمزة وأحد علماء المُطرفية محمد بن منصور بن مفضل، الذي أنكر عليه تكفيره للمُطرفية والحكم بردتهم، كما هاجم عدد من المُطرفية بعض حصون الإمام، الأمر الذي أدى لأن يقوم الإمام بحملات إبادة عسكرية استهدفت القضاء التام على هذا المذهب، وقد أثار هذا العنف المذهبي الذي استخدمه عبد الله بن حمزة ضد المُطرفية العديد من التساؤلات والاستهجانات مما اضطر الإمام إلى إصدار رسالة " أجوبة مسائل تتضمن ذكر المُطرفية " حاول فيها تبرير العنف الذي استخدمه في مواجهتهم إلى درجة ارتكاب مجازر جماعية ضدهم([13]13).
   لقد أدت هذه الممارسات العنيفة إلى انحسار فكر المُطرفية لحد كبير بسبب اعتماده على شريحة النخبة المثقفة وافتقاده لقاعدة شعبية مترابطة، وافتقاد زعماؤه براعة الأداء السياسي الأمر الذي مكن عبد الله بن حمزة من تحجيم مذهبهم .
   ورغم أن المذهب لم ينتهي تماماً من اليمن حتى وفاة عبد الله بن حمزة سنة 614 هـ فإنه ضعف تماماً حتى من الناحية المعرفية، ولم يحتج علماء الزيدية المخترعة إلى كثير من الجهد العلمي للقضاء عليه تماماً بعد أن تم القضاء على مصادره العلمية .
   إن تجربة المُطرفية مع الإمامين المتوكل والمنصور توضح أن فكر المُطرفية كان مرتبطاً بالنخبة المثقفة أكثر من ارتباطه بالعوام من الناس الأمر الذي أضعفهم من ناحية إمكانية تشكيلهم لقوة عسكرية تمكنهم من حماية هجرهم، وبالتالي فقد اضطروا إلى تجنب المواجهات مع السلطات السياسية قدر الإمكان، والاكتفاء بالمناقشات الثقافية والتعليمية مما أفقدهم الوعي السياسي والتواصل المباشر مع الجمهور وتكوين قاعدة جماهيرية لاستغلالها كعامل ضغط على السلطة القائمة، وهو ما سمح فيما بعد للإمام عبد الله بن حمزة (المنصور) بالقضاء على معتقدهم في زمن قياسي لم يزد عن عشر سنوات .
   إن الملاحظ أن معظم المذاهب والمعتقدات التي انتجتها الطبقة التجارية كالفكر الاعتزالي، والتشيع الإسماعيلي والتشيع الزيدي المُطرفي اتسمت بنقطة ضعف رئيسية وهي ارتباطها بالنخب المثقفة مما أدى لانزوائها وانحصارها في مناطق محددة وانقراض بعضها تماماً كالمعتزلة والمُطرفية وهو ما يعكس أزمة هذه الطبقة في التاريخ الإسلامي وعدم قدرتها على القيام بدورها التقليدي في التطور الاجتماعي والسياسي .


   [1] - محمد جمال الدين سرور . م . س . 78، 79 .
   [2] - م . س . ص 104 ، 105 .
   [3] - عبد الغني محمود . م . س . ص 94 .
   [4] - م . س . ص 94 .
   [5] - م . س . ص 94، 95 .
   [6] - م . س . ص 94، 95 .
   [7] - م . س . ص 94، 95 .
   [8] - م . س . ص 35 .
   [9] - م . س . 36 ، ابن كثير الدمشقي . البداية والنهاية . نسخة كومبيوترية . موقع www.sahab.org . ج 13 أحداث سنة 596 هـ .
   [10] - عبد الغني محمود . م . س . ص 37، 38 .
   [11] - م . س . ص 38 .
   [12] - م . س . ص 38 إلى ص 42 .
   [13] - م . س . ص 43، 44 . عبد الباري طاهر . علي محمد زيد في كتابه " تيارات معتزلة اليمن " . مقال . مجلة نزوى . عدد 19 سنة 1999 . ص 255، 256 ، الإمام عبد الله بن حمزة . م . س . رسالة (أجوبة مسائل تتضمن ذكر المُطرفية) .

   خاتمة :

   لقد كانت نشأة الزيدية كتيار سياسي داخل الجسد الشيعي غير مرتبطة بآراء أو معتقدات محددة، على أن اختفاء الإمام الثاني عشر في منتصف القرن الثالث الهجري أدى إلى بروز مشكلة القيادة في أوساط، الطبقتين الاجتماعيتين الإقطاعية والتجارية المعتنقتين للمذهب الشيعي في اليمن، واللتين كانتا ترغبان في الحفاظ على معتقداتهما التي توفر لهما قدراً كبيراً من الاستقلال عن الدولة، وفي نفس الوقت عدم التنازل عن مكتسباتهما الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فقد كان من الضروري طرح نظرية جديدة للإمامة تتفق مع الوضع الجديد لهاتين الطبقتين .
   إن النتيجة الأولى لهذا البحث هي اكتشاف عدم علاقة الزيدية في اليمن بالإمام زيد بن علي، وارتباطها بالآراء العقائدية والفقهية للإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين مؤسس هذه الفرقة، والواقع أن التشابه الوحيد بين آراء الإمامين هو في حرصهما على ضرورة الثورة العسكرية ضد السلطة أموية / عباسية .
   أما النتيجة الثانية فتتمثل في اكتشاف مدى ارتباط الفرق الدينية الزيدية بالبيئة اليمنية وكونها أُسست لتلائم الأوضاع في هذه الرقعة الجغرافية دون غيرها من العالم الإسلامي وهو ما قد يعد تفسيراً لعدم وجود الزيدية في أي مكان آخر من العالم الإسلامي، وعدم دراية المؤرخين المسلمين بنشأة وانتهاء هذه الفرق في الوسط الزيدي .
   النتيجة الثالثة ترتبط بنشأة المطرفية ومدى علاقتها بآراء الإمام الحسين بن القاسم العياني، وبالآراء الدينية التي طرحتها الفرق الدينية الأخرى كالمعتزلة والإسماعيلية والشيعة الإثنى عشرية، والواقع فإن الزيدية في آرائها تمثل خليطاً مجتمعاً من الآراء العقائدية والفقهية المختلفة وإن تميزت بلون شيعي كان ضرورياً لتثبيت سلطة الأئمة، في حين بدت المطرفية متأثرة بنفس هذا الأسلوب في آرائها التي يراد بها محاولة تحقيق التقارب بين الآراء المختلفة للفرق الإسلامية، وإن تميزت بقدرتها على إنتاج آراء جديدة ومتفردة نتجت عن انتماء زعمائها ومؤسسيها للطبقة الوسطى التي عرف أبنائها بثقافتهم الواسعة، وهو ما أثر على الآراء العقائدية للمطرفيين من منطلق تأثرهم بالجو العام للمعتقد الزيدي الهادوي .
   على أن النتيجة الأساسية لهذا البحث هي التوصل إلى مدى فاعلية وتأثير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على آراء الفرق الدينية والصراعات القائمة بينها والتي تعتمد على مدى تناقض المصالح الاجتماعية والاقتصادية، وقد بدا ذلك واضحاً في نشأة الفرقة الهادوية في اليمن، ثم نشأة المطرفية والحسينية كطروحات متعددة داخل الهادوية حملت الشعور بالرفض لاحتكار أسرة الإمام الهادي السلطة والنفوذ السياسي دون غيرها من الأسر العلوية، وكذلك رفض سيطرة الإقطاع المطلقة على اليمن .
   وإذا كانت الإسماعيلية والمعتزلة قد عبرتا عن طموحات الطبقة التجارية في العالم الإسلامي، فإن المطرفية كانت تمثل خصوصية الطبقة التجارية اليمنية ومدى شعورها بالتميز، وسعيها لجعل طروحاتها ذات قبول من كل الفرق الإسلامية بما يجعل من اليمن منطلقاً لمشروع ضخم يشمل العالم الإسلامي كله، وهو نفس الطموح الذي سعى الهادي إلى الحق لتحقيقه .
   لقد تميز التشيع منذ بداياته بصدامه المرير مع طموحات الإقطاع والطبقة التجارية الكبرى لاحتكار الثروة، ويبدو أن الحل الأساسي الذي اهتدى إليه الهادي إلى الحق هو إيجاد نوع من التشيع المرن في تعامله مع هذه الطموحات الطبقية بما يمكن العلويين من السيطرة على العالم الإسلامي والقضاء على السلطة العباسية .
   على أن هذا المشروع واجهته مشكلات لم يكن من السهل تجاوزها، تمثلت في وجود مشروعات أخرى كانت مطروحة كذلك في اليمن ولها كذلك شرعيتها المستمدة من القرآن والسنة ومناهجها العقلية والفلسفية، وقد استنزفت الصراعات مع هذه المشروعات الحضارية قدرات الأئمة الزيدية، بالإضافة إلى الخصائص الجغرافية لليمن والتي لم تسمح للدول اليمنية السابقة بالتوسع وتجاوز الحدود التاريخية لليمن على الإطلاق، كما أدت كذلك لانغلاق الفرقة الزيدية الهادوية – المعبرة عن هذا المشروع – وعدم قدرتها على الانتشار خارج اليمن .
   إن المطرفية كفرقة دينية لم تكن نهايتها غريبة قياساً إلى ما انتهت إليه كل الفرق التي أسستها الطبقة التجارية والتي واجهت نفس هذه النهاية أو على الأقل شهدت حالة من الانزواء والتقوقع كالإسماعيلية والإباضية والمعتزلة، الأمر الذي يشير إلى مدى ضعف وهشاشة هذه الطبقة وعدم قدرتها على القيام بدورها التاريخي في التطور الاجتماعي، وهو ما قد يطرح تساؤل هام حول السبب في نجاح الطبقة التجارية البرجوازية في القيام بثورتها التاريخية في أوروبا وفشل نظيرتها في الشرق في تحقيق نفس هذا الدور ؟ .
   الواقع أن حالة اللامركزية التي عاشتها أوروبا في أغلب تاريخها والناتجة عن رسوخ حالة الإقطاع المدني أو العسكري ربما كان لها دور في عدم قدرة الإقطاع على مواجهة الثورات البرجوازية، في حين أن اعتماد الدولة في الشرق على الزراعة والري الدائم عن طريق الأنهار أدى إلى تثبيت دور الدولة المركزية كراعية ومشرفة على الحياة الاقتصادية المعتمدة بالكامل على الزراعة .
   وعلى الرغم من حالات التفتت التي كانت تتعرض لها الدولة الإسلامية الناتجة عن التوسع العسكري، فإن الدول الجديدة كانت تحوي بدورها مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية تجعلها تمثل دولة مركزية في حد ذاتها .
   من ناحية أخرى فإنه من غير الممكن حتى الآن اعتبار الإقطاع الإسلامي مشابه للإقطاع الأوروبي، فقد كان الإقطاع الإسلامي خاضعاً لسيطرة الدولة التي تملك القدرة على المنح والسلب في آن واحد، في حين تميز الإقطاع الأوروبي بقدر ضخم من الاستقلالية الأمر الذي أدى لوجود حالة من التناقض والصراع في داخل الطبقة الإقطاعية ذاتها، سمح للبرجوازية بقدر من الحرية لتحقيق نموها الاقتصادي ونفوذها السياسي الذي سمح لها بتحقيق ثورتها .
   وفي هذا الإطار لابد من الإشارة إلى أن قوانين الميراث الإسلامية لا تسمح إطلاقاً بنمو الإقطاع، حيث يؤدي تقسيم الميراث بين كل الأبناء حتى البنات منهم إلى تفتيت وحدة الأرض الزراعية، في حين حرص الإقطاع الأوربي على الاحتفاظ بوحدة كيان الأرض الزراعية عن طريق اختصاص الابن الأكبر بوراثة الأب .
   إن هذه الأسباب ربما كان لها دور كبير في فشل الطبقة التجاري الإسلامية عبر تاريخها في تحقيق أي تطور اجتماعي بالعالم الإسلامي في مقابل نجاح نظيرتها الأوروبية في تحقيق هذا الدور، على أن هذا التميز الشرقي ربما أدى إلى قيام العديد من الانتفاضات الاشتراكية التي سبقت الفكر الاشتراكي الأوروبي كانتفاضة القرامطة والخرمية والزنج، وفي العصر الحديث فإن الثورات الشيوعية ارتبطت بالإقطاع الشرقي في الأساس الأمر الذي قد يشير إلى وجود ‘ختلاف بين التطور الاجتماعي في الغرب ونظيره في الشرق .
 



 
المصادر والمراجع

أ - المطبوعة




   1 - أحمد صبري السيد علي
   إخوان الصفا بين الفكر والسياسة . القاهرة 2004 . دار مصر المحروسة . الطبعة الأولى .


   2 - إخوان الصفاء
   الرسالة الجامعة . تحقيق مصطفى غالب . بيروت 1984 . دار الأندلس الطبعة الثانية .


   3 - أيمن فؤاد السيد
   تاريخ المذاهب الدينية في بلاد اليمن . القاهرة 1988 . الدار المصرية اللبنانية الطبعة الأولى .


   4 - جلال الدين السيوطي
   تاريخ الخلفاء . بيروت 1974 . بدون رقم الطبعة . دار الفكر .


   5 - عارف تامر
   القرامطة . دمشق 1997 . دار الطليعة الجديدة الطبعة الأولى .


   6 - عبد الباري طاهر
   علي محمد زيد في كتابه " تيارات معتزلة اليمن " . مقال . مجلة نزوى . عدد 19 سنة 1999 . ص 255، 256 .


   7 - عبد الغني محمود عبد العاطي
   الصراع الفكري في اليمن بين الزيدية والمُطرفية . القاهرة 2001 . دار عين للدراسات الطبعة الأولى .


   8 - علي بن أبي طالب
   نهج البلاغة . جمع الشريف الرضي . شرح الإمام محمد عبده . بيروت 1990 . دار الكتب العلمية . ط 1 .


   9 - علي بن الحسين الأصفهاني  (أبو الفرج)
   مقاتل الطالبيين . شرح وتحقيق السيد أحمد صقر . بيروت (بدون ذكر سنة النشر أو رقم الطبعة). دار المعرفة .


   10 - علي بن الحسين المسعودي
   مروج الذهب ومعادن الجوهر . تحقيق / محمد محي الدين عبد الحميد . القاهرة 1967 . بدون ذكر رقم الطبعة .


   11 - علي بن محمد العلوي

   سيرة الهادي إلى الحق . تحقيق سهيل ذكار (مجموعة رسائل عن القرامطة) . دمشق 1982 . دار حسان الطبعة 2 .



   12 - محمد بن أبي القاسم الشهرستاني
   الملل والنحل . تحقيق عبد الرحمن خليفة . القاهرة 1348 هـ . مطبعة محمد علي صبيح الطبعة الأولى .


   13 - محمد تقي مصباح اليزدي
   دروس في العقيدة الإسلامية . قم 1421 هـ ق . طبعة مؤسسة الهدى للنشر والتوزيع الطبعة الثانية .


   14 - محمد جمال الدين سرور
   النفوذ الفاطمي في جزيرة العرب . القاهرة 1993 . دار الفكر العربي . الطبعة الأولى .


   15 - محمد بن مالك الحمادي اليماني

   كشف أسرار الباطنية . تحقيق محمد عثمان الخشت . الرياض 1988 . مكتبة الساعي (بدون ذكر رقم الطبعة) .


   16 - محمد بن النعمان (المفيد)
   الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد . تحقيق مؤسسة آل البيت لتحقيق التراث . بيروت 1993 . طـ 2 . دار المفيد .
   أوائل المقالات . تحقيق الشيخ فضل الله الزنجاني . بيروت 1993 . طـ 2 . دار المفيد .


   17 - محمود إسماعيل عبد الرازق
   سوسيولوجيا الفكر الإسلامي . القاهرة 1988 . دار مدبولي . الطبعة الثالثة .
   سوسيولوجيا الفكر الإسلامي (طور الازدهار) . بيروت 2000 – طبعة مؤسسة الانتشار العربي . الطبعة الأولى .


   18 - لينين (فلاديمير إليانوف إيليتش)
   ماركس – أنجلس – الماركسية . . (مجموعة مقالات متفرقة للينين) . (مقال : الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي) . ترجمة / إلياس شاهين . موسكو (بدون ذكر تاريخ الطباعة). الطبعة الخامسة.


   19 - النعمان بن حيون التميمي

   افتتاح الدعوة . تحقيق عارف تامر . بيروت 1996 . دار الأضواء الطبعة الأولى .

   دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام . تحقيق آصف بن علي أصغر فيظي . القاهرة 1985 . دار المعارف الطبعة الثالثة .


   20 - يحيى بن الحسين
   يوميات صنعاء . أبو ظبي 1996 . الطبعة الأولى . منشورات المجمع الثقافي .


   21 - يحيى بن حمزة
   المعالم الدينية في العقائد الإلهية . تحقيق سيد مختار محمد حشاد . بيروت 1988 م . ط 1 . دار الفكر المعاصر .


   22 - يوليوس فلهوزن
   الخوارج والشيعة . ترجمة وتقديم / د . عبد الرحمن بدوي . القاهرة 1998 . ط الخامسة – دار الجليل للكتب والنشر .






ب – الإلكترونية
   1 - أحمد صبري السيد علي
   الوصفاء (أنتفاضة الشيعة بالكوفة سنة 119 هـ) . مدونة (بهزاد) . مدونة الباحث الشخصية . ahmadsabryali.maktoobblog.com


   2 - أحمد بن إبراهيم (أبو العباس)
   المصابيح . تحقيق عبد الله بن عبد الله بن أحمد الحوثي . نسخة كومبيوترية . صنعاء 1999 . مؤسسة الإمام زيد الثقافية . موقع www.izbacf.org .


   3 - إسماعيل بن كثير الدمشقي (أبو الفدا)
   البداية والنهاية . نسخة كومبيوترية . موقع www.sahab.org . ج 13 أحداث سنة 596 هـ.


   4 - جمال الدين المزي
   تهذيب الكمال . مراجعة د . بشار عواد معروف . نسخة كومبيوترية . بيروت 1980 . ط مؤسسة الرسالة .


   5 - الحسين بن ناصر النيسائي الشرفي
   مطمح الآمال . نسخة كومبيوترية . مؤسسة الإمام زيد الثقافية . موقع www.izbacf.org .


   6 - الإمام عبد الله بن حمزة 
   المجموع المنصوري . رسالة (أجوبة مسائل تتضمن ذكر المطرفية) . نسخة كومبيوترية . مؤسسة الإمام زيد الثقافية . موقع www.izbacf.org .


   7 - علي بن أحمد بن حجر العسقلاني
   لسان الميزان . نسخة كومبيوترية . مراجعة / دائرة المعارف النظامية بالهند . نسخة مؤسسة الأعلمي للمطبوعات . بيروت 1986 .


   8 - علي بن إسماعيل الأشعري (أبو الحسن)
   مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين . نسخة كومبيوترية . موقع الإيمان www.al-eman.com .


   9 - علي بن عبد الكريم الفضيل شرف الدين
   الزيدية المذهب والطائفة . مؤسسة الإمام زيد الثقافية . صنعاء 1419 . موقع www.izbacf.org .


   10 - علي بن محمد بن الأثير الجزري
   الكامل في التاريخ . نسخة كومبيوترية . موقع www.sahab.org .


   11 - مجموعة باحثين
   الإمامة في اليمن .. تاريخ من الدماء والدمار . صحيفة الميثاق . موقع www.almethaq.net.ye . العدد الصادر بتاريخ 29 / 6 / 2004 .


   12 - محمد بن إسحاق بن النديم
   الفهرست . نسخة كومبيوترية . بيروت 1978 . دار المعرفة . الطبعة الأولى .


   13 - محمد بن جرير الطبري
   تاريخ الأمم والملوك . نسخة كومبيوترية . موقع www.sahab.org .


   14 - محمد بن الحسن بن علي الطوسي (أبو جعفر)
   الفهرست . موقع يعسوب الدين www.yasoob.com


   15 - ياقوت بن عبد الله الحموي

   معجم البلدان . نسخة كومبيوترية . موقع www.yasoob.com . بيروت 1979. طبعة دار إحياء التراث. ج 3 ص 156 .



   16 - يحيى بن الحسين (الهادي إلى الحق)
   مجموع رسائل الإمام الهادي إلى الحق . رسالة المنزلة بين المنزلتين . نسخة كومبيوترية . مؤسسة الإمام زيد الثقافية موقع www.izbacf.org .


   17 - يحيى بن الحسين بن هارون
   الإفادة في تاريخ الأئمة السادة . تحقيق / محمد يحيى سالم عزان . نسخة كومبيوترية . صنعاء 1416 . مؤسسة الإمام زيد الثقافية . موقع www.izbacf.org .


   18 - يحيى طالب مشاري
   الزيدية في اليمن . نسخة كومبيوترية . موقع عقائد www.aqaed.com .
 





ليست هناك تعليقات: