الأحد، 27 أبريل 2008

ماذا بعد 6 إبريل (رؤية تاريخية)



لا يمثل السادس من إبريل الماضي الحدث الأبرز في نضال الشعب المصري ، فقد شهدت فترات السبعينات والثمانينات أحداث أكثر قوة وأضخم جماهيرية لكنها انتهت وتواصلت الممارسات الحكومية في تطوراتها نحو الأسوأ ، وربما كان السبب الأساسي في نهايتها يكمن في ما حققه النظام من اتساع ضخم في رقعة المهمشين اجتماعياً وسياسياً بين قطاعات الجماهير … هؤلاء الذين تم ابتذال أخلاقهم وثقافتهم بشكل تدريجي عبر وسائل الإعلام المختلفة ، وكانوا لفترات طويلة هم المعوق لأي عمل سياسي حقيقي نتيجة تمسكهم بالقدر القليل من المكاسب التي أُلقي بها إليهم .

 
ومع التشجيع على العمل بالخارج وخاصة بالخليج العربي ، وما تلاه من غزو الفكري سلفي لمصر فقد تمت عملية ابتذال الوعي والضمير الديني للمصريين عموماً عبر نشر منظومة دينية تعتمد على ذهنية بدوية في تعاملها مع النصوص المقدسة غير عابئة بكل هذا التراث الحضاري الذي انتجه المسلمون في تاريخهم العريق والذي اعتمد كذلك على نفس النصوص المقدسة في تشييد حضارته الضخمة … وهكذا تحولت هذه النصوص فجأة إلى معوق للتطور الحضاري والاجتماعي ، واستخدمت بالتالي كمعوق لأي تطور سياسي عبر نشر ثقافة طاعة الحاكم بر أو فاجر .
إن هذا الابتذال الأخير ساهم في تطورات جديدة على مستوى الواقع الديني المصري ، فابتذال الوعي والثقافة والضمير الديني أوجد احتقان طائفي كإنعكاس للاحتقان الاجتماعي الموجود بالفعل كنتيجة سلبية لاتساع عملية التهميش الاجتماعي والسياسي ، الأمر الذي أدى لاضافة تناقضات جديدة كان المتوقع أن تكون في صالح استقرار النظام لفترة .
إلا أن هذه المرحلة لا تستمر من ناحية تاريخية لفترات طويلة ، فاستمرار تدهور الوضع الاقتصادي وتزايد الإفقار في أوساط هذه الشريحة دفع بها بشكل متسارع إلى الانخراط بعشوائية - حتى الآن - في مجال المعارضة الجزئية للنظام ، وشهدت نهايات العام الماضي وبدايات العام الحالي أكثر الإضرابات خطورة وإثارة للاهتمام ، حيث قام موظفوا الضرائب العقارية الذين يمكن وصفهم بانعدام القدرة على التنظيم تماماً بتنظيم إضراب منظم وواعي للحصول على مستحقاتهم ومساواتهم بالضرائب العامة ، وكان تنظيم موظفين حكوميين لإضراب بهذا النوع كافياً بالنسبة لأي نظام واعي لدق أجراس الإنذار ومراجعة السياسات المستخدمة خوفاً من تدهور أكبر .
لكن في السادس من أبريل صدم العالم بأحداث المحلة الكبرى والتي تبرأ منها مثقفوا الأحزاب والأخوان والحركات السياسية ، كما تم الحجر على العمال وحبسهم في إطار ورديات العمل ، وبالتالي فقد اكتشف العالم أن من قام بكل هذه الاحتجاجات هم من المهمشين الذي طالما ارتبطوا بمصالح مع النظام ، وها هو قد تمكن من تحويل ولائهم في غمرة انشغال قادته بجني الثمار .
والآن يبدو أن المراحل القادمة سوف تشهد تطورات أخرى على مستوى الوعي ، فالاحتقان السياسي الدائم سوف يقضي بشكل واضح على الابتذال الثقافي للمهمشين مع اكتسابهم للوعي السياسي ، كما أن ثمة تغيرات أخرى بدأت تشهدها ساحة الوعي الديني ، فحالات الغلاء افقدت كل الدعوات العنصرية التي انطلقت من أوساط متشددة إسلامية أو مسيحية مصداقيتها ، وبداية من إضراب الضرائب العقارية الذي تفاعل معه مسلمون ومسيحيون كادحون في مواجهة مسلمين ومسيحيين متعاملين مع النظام يبدو أن المسار الجديد سوف يتخذ منحى طبقي أكثر منه ديني ، وهو ما سيفقد النظام نقطة قوة أخرى من نقاط استقراره .
أن من الواضح أن الأوضاع في مصر قد وصلت إلى مرحلة اللاعودة فالتطور باتجاه تدهور وانهيار الأمور أصبح يسير بعشوائية سرعة القطار ، ورغم أن مثل هذه النهاية مازالت مبكرة إلا أنها الآن أصبحت تشبه الحتمية التاريخية .

ليست هناك تعليقات: