الخميس، 31 يناير 2013

الاخوان وتفكيك مصر


   كيف يمكن أن نفسر ظهور مجموعات شبابية كالبلاك بلوك ؟ ربما كنا ، كمصريين اعتدنا دائماً ان يتم كل شيء تحت رعاية الدولة ، غير قادرين على فهم التغيرات الاجتماعية الحادثة الآن والتي أفرزت كل السلبيات المتراكمة طوال 40 عاماً منذ قرر السادات الانقلاب على المشروع الذي بداه الزعيم جمال عبدالناصر . وبالتالي ينتابنا الشعور بالاستغراب والقلق من بروز هذه المجموعات الغير واضحة من ناحية شخوصها وأسلوب عملها والتي تحمل غموضا يشبه ما ترصده الدراما الغربية تجاه بعض المجموعات المشابهة .

 
   وبغض النظر عن الراعي لهذه المجموعات أو حقيقة موقفها من حركة الشارع المصري ، فالواقع أن ظهورها يعد إشارة إلى وصول الدولة لحالة التفكك وسقوطها كقيمة في حياة المواطن المصري خاصة الشباب الذين يشعرون بحالة كبيرة من القلق تجاه المستقبل والغضب من الواقع .
   إن ظهور مثل هذه المجموعات كفكرة يتحمل مسؤوليته قادة التيار الإسلاموي الذين اعتادوا على تهديد وتوعد التيارات المعارضة باطلاق العنان لمليشياتهم المسلحة في حال نفذ صبرهم من رفض التيارات الوطنية لمشروعهم الرجعي ، وبقدر ما يدرك هؤلاء المتوعدون مدى ذعر النخبة من دخول البلاد في حالة صدام داخلي ، بقدر ما فشلوا في فهم طبيعة الشباب الثائر في شوارع البلاد والذي لن يفكر بمثل هذه الحكمة المرتعدة ، وإنما سيفكر الأساليب التي يجب أن يتبعها أثناء المواجهة المتوقعة ، وبالتالي فقد بدأ يسعى للاستفادة من التكتيكات والاساليب التي سبق واستخدمتها الحركات الثورية الاجتماعية في أوروبا ، ولا أحد يدري إلى أي حد يمكن أن تتطور هذه النوعية من الافكار .
   لقد كانت أحداث الاتحادية صادمة لكل من شارك في الحراك الاجتماعي ضد مبارك والذي ظل حتى اللحظات الأخيرة يعتبر الاخوان والسلفيين ذوي شرعية لمشاركتهم إلى حد ما بالثورة ، إلا أن حجم ما تعرضوا له من عنف اختلط بقدر أكبر من الاحتقار والاستعلاء الاسلاموي تجاه الآخر كان غير متصور ، ودفع البعض منهم لاكتشاف أن الاسلامويين لن يتورعوا عن اللجوء إلى أعلى درجات البلطجة الشوارعية عندما يفقدون القدرة على الإقناع عبر وسائل السياسة سعياً لفرض واقعهم الذي يريدونه مهما كانت عدد الضحايا .
   لكن هل ستتوقف الفوضى عند حد انفلات الشارع المصري ؟ إن التاريخ المصري في طوال عهوده يشير إلى أن سقوط الدولة المركزية يتبعه حالة من الاستقلال الجزئي للاقاليم المصرية ، وهو ما قد يؤدي إليه التعامل الضحل مع الاوضاع خاصة بالنسبة لمناطق النوبة والصعيد وخط القناة ، وكل منها تتميز بخصوصيات يمكن أن تكون مجالاً للعبث .
   لقد أدى الحكم القضائي بإحالة أوراق 21 متهماً في قضية أحداث ستاد المصري ببورسعيد إلى فضيلة المفتى لحالة من الفوضى غير المسبوقة في هذه المدينة الهادئة . وهو غضب لم يكن نابعاً فقط من الحكم القضائي بقدر ما يختزل شعور عميق بالاهانة لكبرياء المدينة الباسلة التي قدمت الكثير من التضحيات دون أن تحصل على أي قيمة في المقابل . مثل هذا الحكم لن يكون الأخير ، فمازال هناك جولة النطق بالحكم يوم التاسع من مارس ، ثم ستدخل القضية إلى محكمة النقض بما يعني جولات غضب أخرى سيثيرها سكان هذه المدينة التي تشعر بالغبن في مقابل العاصمة ، وهو ما سينسحب كذلك على باقي مدن القناة التي تعاني من نفس الظروف .
   كما أن التعامل الاستعلائي المستخدم من قبل حكومة الاخوان تجاه النوبيين في مصر سوف يؤدي إلى ردود أفعال كانت حركة " كتالة " مجرد مقدمة لها ، ولا يمكن توقع إلى مدى ستتطور خاصة مع وجود إضطرابات بأقليم النوبة في السودان المرتبط بعلاقات عرقية مع النوبيين المصريين .
   إن هذا التعامل الضحل مع آليات الدولة لن يفرز سوى ردود أفعال عدائية تجاهها ، وستؤدي بالجماهير للمضي في إسقاطهم لهيبتها وقيمتها نظراً لعدم قدرتها على تقديم أي شيء لهم ، وربما كان رد فعل مواطني خط القناة على قرار فرض حالة الطواريء وحظر التجول الذي اتخذه رئيس الجمهورية هو مظهر واضح لهذه الحالة العدائية الساخرة من قرارات بهذا المستوى من الشدة ، في الوقت الذي تفشل فيه الدولة المصرية في القيام بواجب حماية سكان هذه البلدان أو على الأقل في تنظيفها وتنظيم الاوضاع بها .
   إن النتيجة إذن هو تفكيك الشارع وأجزاء الكيان المصري ووضعه على أهبة الاستعداد للانفجار الذي سيفرز كل هذه التناقضات ويجعلها في موضع الصراع الصريح الذي لن يكون بين طرفين وإنما بين أطراف تتقاطع مصالحهم وأهدافهم عن نقاط مختلفة .


أحمد صبري السيدعلي

ليست هناك تعليقات: