السبت، 26 يناير 2013

قرار الفوضى


   في تاريخ مصر القديمة ، يظل عصر الفرعون بيبي الثاني ذو مميزات خاصة ، فعلى الرغم من أن أعمار الفراعنة والمصريين بشكل عام كانت تتميز بالقصر ، إلا أن هذا الفرعون يحمل الرقم القياسي في سنوات حكمه التي بلغت 94 عاماً هي الأكبر على مستوى العالم ، أي أن هذا الفرعون توفي وسنه يتجاوز المائة عام .

 
   وكعادة كل الحكام الذين يتشبثون بالسلطة لفترات طويلة ، ترك بيبي الثاني الدولة وهي تعاني من الكهولة والتفكك ، ودخلت البلاد من بعده في حالة من الفوضى لم تساعد مرن رع الثاني على الاستمرار فخسر العرش بعد سنة واحدة من توليه ، وتم تولية نيت إقرت إحدى أميرات هذه الاسرة للمسئولية لمدة عامين وبعدها انتهت الأسرة ، وشهدت مصر سقوطا مدوياً للدولة المركزية حيث حكم أمراء الإقطاعات مقاطعاتهم حكماً مستقلاً ، ويروي المؤرخ المصري مانيتون أن الأسرة السابعة شهدت تولية 70 ملكاً خلال سبعين يوماً ، أي أن كل منهم لم يحكم أكثر من يوماً واحداً .
   ما يمكن أن نستخلصه من هذا الحدث التاريخي ، أن البلاد المتطرفة في مركزيتها والتي تقوم فيها الدولة بدور مهم ومقدس في حياة الأفراد ، تتعرض لحالة من التفسخ والفوضى بعد فترات الحكم الطويلة لأحد الملوك والتي تنتهي في الغالب بتراجع الدولة عن أداء دورها التاريخي في حياة الأفراد . كما يمكننا ان نستنتج كذلك أن الفترات الانتقالية التي تحتاجها هذه النوعية من الدول تكون ، على الأغلب ، طويلة من الناحية الزمنية مقارنة بغيرها .
   لكن ماذا عن مصر الآن ؟ الواقع أن سلبيات عصر مبارك وتداعياته لا تختلف كثيراً عن الفرعون سالف الذكر ، بالرغم من الابتعاد الزمني الكبير ، كما أن عدم قدرة كل القوى المعارضة على التوصل لطرح يؤسس لدولة بديلة يدفعها إلى الصدام المتعادل في القوة عبر اللجوء لإقناع الشارع بسلبيات الطرف الآخر وليس بالمشروع الذي تنوي تطبيقه بالفعل .
   إن الصورة المصرية المطروحة الآن لا تشير لهدوء واستقرار قريب ، فالاخوان لا يمتلكون هذا القدر من الأفق القادر على اتخاذ قرارات تدفع باتجاه الاستقرار والتنازل عن خطوات التمكين والسيطرة الفجة ، بالاضافة لاستهتارهم الصريح بالمواطنين الفقراء وعدم السعي ، على الاقل ، للتخفيف من معاناتهم ، ولا المعارضة قادرة على اتخاذ قرار الاطاحة بحكم الاخوان انطلاقا من برجوازيتها التي تجبرها على اللجوء للضغط الناعم نظراً لعدم امتلاكها بالفعل مشروع مقابل .
   إن هذا الواقع الفوضوي الذي دخلته مصر يتحمل مسؤوليته الاخوان المسلمين الذين اصروا على السعي في خطواتهم تجاه السيطرة على البلاد عبر استخدام البلطجة السياسية ، وسوف يكونوا مخطئين للغاية لو تصورو أنهم سيتمكنون من إجبار البلاد على الهدوء بالقوة ، خاصة مع الوضع اليومي الصعب الذي يعانيه المواطن المصري العادي . ولا يبقى لدى الاخوان سوى الحرص على ابقاء الفوضى خشية ظهور بديل قوي قادر على محاسبتهم على هذه الممارسات .
   لا يبدو أن العامل الداخلي فقط هو الذي قرر اللجوء لواقع الفوضى ، فهناك العامل الخارجي كذلك والذي يشهد حالة من الصراع ما بين قوى خليجية حول السيطرة على الواقع المصري ، فإذا كانت قطر قد أصبحت تسيطر على قدر منه عبر الإخوان ، فتحذير وزير الداخلية الإماراتي ضاحي خلفان من فشل يوم 25 يناير في اسقاط الاخوان وتمكنهم من الافلات يشير إلى وجود مساهمات من دول خليجية أخرى تخشى سيطرة الاخوان على مصر وتداعيات هذه السيطرة على أوضاعها الداخلية ، وبالتالي فقد بدات في ضرب الجماعة بمعاقلها . أما الدور الغربي فيبدو مرتبكاً وغير قادر على دراسة الموقف بشكل صحيح ، خاصة مع تحقيق اليمين الديني الصهيوني نجاحات لا باس بها في انتخابات الكيان الصهيوني ، مما يعمق التناقضات بين الكيان الصهيوني والمحيط العربي وقد يؤدي لاشتعال مواجهات غير محسوبة العواقب . ويبقى الدور الأمريكي الذي تعاطف مع الاخوان في البداية ، لكنه بدأ في الفترة الأخيرة من توجيه الانتقادات الصريحة للحلفاء ، وهو يهدف في الواقع إلى عدم تمكين قوى سياسية معينة من السيطرة على مصر غير مضمونة التوجه ، نظراً لعدم قدرته حالياً على شن حروب عسكرية بالشرق مرة أخرى في حال خرجت هذه القوى عن النسق المرسوم لها .
   من الواضح إذن ان الفوضى في مصر قد أصبحت القرار أو الفكرة التي توصل إليها الجميع بعد أن ظهر للجميع مدى فشل القوى السياسية التقليدية في إقامة الدولة التي يحلم بها الشباب الثائر في الشوارع ، ولهذا فلا يجب أن ننتظر هدوءاً أو استقراراً قريباً في مصر .

أحمد صبري السيدعلي

ليست هناك تعليقات: