الخميس، 17 يناير 2013

الإخوان والدولة المتهالكة


   لا يمكننا إنكار أن حسني مبارك ، وبعد ثلاثين عاماً من حكمه ، ترك مصر دولة متهالكة فاقدة للمكانة والشخصية واستقلال القرار السياسي ، بل ووصل التهالك أيضاً إلى الانسان المصري ذاته الذي اصبح مشدوداً ما بين تطرفين ، وابتذلت ثقافته ووعيه حتى وصل لدرك أدنى مما يمكن تصوره .

 
   إلا أن التساؤل الذي يطرح نفسه والبلاد تمر بعدد متلاحق من الكوارث ، منذ انتخاب محمد مرسي كرئيس للجمهورية في الصيف الماضي ، ما الذي تحقق على يديه من مساع لتطوير هذه الدولة المتهالكة ؟ ماذا تم في هذه البلاد غير محاولات تمكين جماعة الاخوان المسلمين من السلطة والثروة ، ومن ثم اقصاء التيارات السياسية الأخرى ؟
   لايمكن لمحمد مرسي وجماعة الاخوان المسلمين الاستمرار في التحجج بالميراث الأسود من مبارك ، كما لو أن الأخير قد ألقى به على كتف الإخوان المسلمين دون مساعي حثيثة بل ومسعورة منهم للحصول عليه بأي وسيلة كانت ، لقد استولوا على الثمرة إذن وهم يعرفون تماما مواضع الفساد فيها ، ولا يمكن قبول حجج الفساد المباركي لفترة أطول بينما يستمر الاخوان على الحكم دون القيام بمسئولياته أو حتى بعضها .
   لا يدرك الاخوان المسلمين وهم يتمسكون بمثل هذه الحجج الساذجة أنهم في الواقع يدفعون الناس للترحم على النظام السابق ، الذي كان على الأقل ، أكثر حنكة في اختيار حججه ومبرراته ، ولم يسع احدهم للتهوين من قسوة مثل هذه الكوارث المتتالية كما فعل احد مشايخ الاخوان بل ويعتبرها لا تستحق كل هذه الضجة ، ويطالب المصريين بتكريم مرسي يوم 25 يناير القادم بطريقة مثيرة للسخرية .
   الآن لم يبق للمصريين سوى أن يصابوا بالزلازل والبراكين كي تكتمل حصيلة الكوارث التي تعرضوا لها قبل اتمام مرسي لسنة واحدة من أربع سنوات ، التي يطالبنا الاخوان باحتمالها جميعا دون انتقادات أو تظاهرات أو اي احتجاجات كي يتمكنوا من الحصول على فرصتهم كاملة ، ولا يدري المصريون ما هو العدد المطلوب من الضحايا القادر على إجبار الاخوان بالاعتراف بحقيقة أنهم لا يمتلكون مشروعاً بالاساس ، وأن رؤيتهم للسلطة لم يكن من بين بنودها استحقاق الشعب لأي نهضة أو تطور في الحقوق والخدمات ، بقدر ما ارتكزت على حقوق الاخوان في كل شيء بهذه البلاد .
   لا ريب أن مشكلة جماعة الاخوان المسلمين الوحيدة في هذه اللحظة ليس كيفية تطوير الدولة المتهالكة التي تركها مبارك ، ولكن محاولة ألا تؤثر هذه الاحداث على كثافة الجماهير المتوقع نزولها يوم 25 يناير القادم في الذكرى الثانية للثورة على مبارك ، والتي قد تتحول بفعل الاعداد الكبيرة لثورة ثانية ضد الجماعة وسياساتها الضحلة في إدارة الدولة المصرية ، التي وصل انحدارها في عهدهم إلى مرحلة نشوء حركات ذات طبيعة إنفصالية بالنوبة كرد فعل على اساءة الاخوان لهذا الجزء من الشعب المصري واعتبارهم اياه مجرد " جالية " نوبية في مصر .
   إن الضحالة وقصور الأفق في إدارة بلد كمصر لم ينحصرا فقط في السياسات الداخلية ، فلا أتوقع أن تكون هناك أي متابعة من قبل منظرو الجماعة لما يحدث في دولة إفريقية وإسلامية كمالي والتي تدخلت فيها القوات الفرنسية منذ أيام للقضاء على الجماعات المتطرفة التي احتلت شمال البلاد ، دون أي توضيح لموقف مصر كدولة كبرى أفريقية وإسلامية كان من المفترض أن يكون لها دور مؤثر في مثل هذه الاحداث .
   لن ننكر أن مبارك ترك مصر متهالكة في هذا الجانب أيضاً بعد أن افقدها ، بعمالته للإمبرالية الامريكية ، مكانتها على كل المستويات العربية والافريقية والاسلامية ، لكنني في الوقت ذاته لا أظن أن ورثة مبارك من الاخوان المسلمين يبذلون أي قدر من الجهد لاصلاح هذا الواقع ، أو على الأقل يدركون حجم ما يحدث في شمال أفريقيا وتأثيره على مصر ، أو لديهم حتى معرفة بطبيعة هؤلاء المتمردين في مالي والذين يمثلون الجزء المتطرف من تحالف الطوارق الامازيغي (هناك أيضاً جبهة تحرير أزواد وهي جبهة مدنية) الممثل للقاعدة في شمال أفريقيا ، وفي إشارة بسيطة نذكر أن تحالف الطوارق يمتد من غرب أفريقيا حتى مصر ، وهو مكون من عدة قبائل أمازيغية أهمها قبيلة هوارة ، وهي القبيلة الاكبر في صعيد مصر .
   المتابعين لتطورات الاحداث في مالي يدركون أن الحرب الفرنسية هناك لا تهتم بمالي بقدر اهتمامها بثرواتها من الذهب واليورانيوم والنفط والغاز الطبيعي ، وكونها منطقة تقاطع مصالح جيوسياسية واقتصادية للدول الكبرى في أفريقيا ، كما يدركون أيضاً أن هذه المعارك لن تنتهي سريعاً وقد تتوسع آثارها لتشمل الجزائر ، النيجر ، تشاد وليبيا ومناطق أخرى تضم كذلك اقليات من الطوارق .
   يبقى التساؤل عن موقف مصر من كل هذه الأحداث كدولة كبرى في المنطقة تمتلك بعداً أفريقيا واسلامياً ؟ بل ما مدى دراية الحكومة المصرية واهتمامها بهذه التطورات من الأساس ؟ يبدو الأمر سلبياً كالعادة ، ولا نكاد نلمح فارقا بين نظام مبارك ونظام مرسي في عدم الاعتناء بهذا الجانب الهام من العالم ، وكما تعامل نظام مبارك بسلبية مع أحداث السودان والصومال التي افقدت مصر مكانتها في الشرق الافريقي ، فإن نظام مرسي يتعامل كذلك بمنتهى السلبية مع أحداث مالي لتفقد مصر كل مكانتها الافريقية والاسلامية .
   الواقع أنه مهما كانت نتائج يوم 25 يناير القادم في الصدام بين الاخوان والقوى السياسية الأخرى ، فلا يجب على الجماعة أن تتصور أي إمكانية لهدوء الأوضاع في مصر أو قدرتهم على إحكام السيطرة عليها طالما يهتمون فقط بسيطرتهم على الدولة دون القيام بالتزاماتها التي من بينها الاهتمام بتطور وضع المواطن المصري من غير الاخوان إلى الأفضل .

أحمد صبري السيدعلي

ليست هناك تعليقات: