الخميس، 10 يناير 2013

الانشقاقات السلفية


   لم يكن الانشقاق الذي شهده حزب النور السلفي وخرج من رحمه مشروع لحزب سلفي جديد هو حزب الوطن مفاجأة للباحثين ، وذلك بالرغم من الجعجعات الإعلامية التي صاحبت نشأة حزب النور والادعاءات بأن التيار السلفي يمتلك كثافات عددية ضخمة تؤهله لتحقيق نصيب لا بأس به من الاصوات في أي انتخابات تشريعية .

 
   إن هذه الانشقاقات هي نتيجة واضحة لصدام التيارات السلفية مع واقع مجتمعاتهم ، وخروجهم من الحقبات التاريخية الماضية التي سعوا بشكل عبثي لاستدعائها وتطبيقها على واقع يختلف من ناحية قوانينه وطبيعته ، وبالتالي كان الصدام مروعاً ومؤثراً لحد كبير في شعبية وجماهيرية هذا التيار برمته ، كما كشف للجماهير المصرية حقيقة أن التيارات الاسلاموية بشكل عام لا تمتلك مشروعاً حقيقياً يمكنها أن تحقق من خلاله أي تطوراً أو تقدماً حقيقياً في أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية سوى بعض الشعارات حول الارتباط بالشريعة .
   كان دخول التيار الإسلاموي في مضمار السياسة مدعاة لتسليط الاضواء الإعلامية على رموزه ونشطائه ، وفوجيء المصريون بلغة خطاب سياسية ضحلة وغير واقعية ، آخرها المطالبة بعودة اليهود لمصر بدعوى إخلاء الكيان الصهيوني من اليهود وعودة الفلسطينيين ، وهي دعوى اثارت سخرية المصريين والصهاينة على حد سواء ، ولم يكن خطاب التيار السلفي أقل ضحالة حيث خرج المتحدث الرسمي لحزب النور في نهايات سنة 2011 ليدلي بتصريحات لإذاعة الجيش الصهيوني وأكد فيها أن حزبه لا يعادي معاهدة السلام وأن مصر ملتزمة بكل الاتفاقيات التي وقعت عليها مع أي دولة بما فيها إسرائيل ، كما عبر عن ترحيب حزبه بكل سائح يأتي لزيارة مصر حتى لو كان إسرائيلياً ، مشدداً على أن حزبه لا يريد خلق صراعات في المنطقة .
   وبقدر ما كشفت الممارسة السياسية للمصريين أن التيار الاسلاموي ليس مبدئياً في ممارساته ، ولديه القدرة والجرأة على تجاوز مسلماته الفكرية المعلنة في سبيل وصوله إلى السلطة بغض النظر عن أي خسائر قد تلحق بالبلاد ، فقد كشف الواقع المصري أيضاً للقيادات الاسلاموية أنه أكثر ضخامة من قدرة منظومتهم الرمادية على استيعابه ، ولا مجال على الإطلاق لتطبيق ثقافة " السمع والطاعة " التي اعتادوا ممارستها على كوادرهم الجاهزة مقدما لتبني أي تبريرات من الممكن أن تقدم لتجاوزات من هذا النوع حتى لو كانت تجاوزات سلوكية كالتي صدرت من بعض معمميهم عقب نجاحهم في دخول البرلمان .
   على أن السقوط الأبرز كان في معركة الدستور والتي شهدت ، نتيجة للعصبوية الإسلاموية ، حالة من الاصطفاف ما بين الشعب المصري من جهة وهذا التيار بكل تنوعاته من جهة أخرى ، مما أدى لسقوطهم في الفخ الذي حذر منه الشيخ أحمد النقيب أحد شيوخهم : " ومن هنا سيعتمد الحزب السلفي على طائفة ، ويتحرّك من خلال طائفة ، مُتخلّيا بذلك عن فكر الأمة والأخذ بيدها ، وهذه خسارة كبيرة ؛ لأن الحزب السلفي سيحرقُ رصيده الذي ربّاه قبل الحزب " ، فقد تحولت التيارات الاسلاموية ، ومن بينها السلفيين ، في أعقاب هذه الاحداث لمجرد طوائف لها وضعها المستقل البعيد عن الواقع المصري العام ، وأدت الاندفاعات التكفيرية من التيارات الاسلاموية ، والتي نتج عنها سقوط ضحايا وشهداء في صفوف المتظاهرين ، إلى ترسخ المحاجزة بين الطرفين .
   إن انشقاق حزب النور لن يكون الاخير بين الاحزاب السلفية ، وبعيدا عن طبيعة المنظومة السلفية غير المؤهلة بشكل عام لقيادة دولة بحجم مصر نظراً لموقفها الاقصائي من الآخر بشكل عام ، وبالأخص المرأة وطوائف لها كيانها القوي في مصر كالاقباط ، فالواقع أن التيار السلفي ذاته يدرك أن استمراره في العملية السياسية يقتضي منه تقديم عدد من التنازلات تمثل حقائق لدى المنظومة الفكرية السلفية كالقبول بالديموقراطية وولاية المرأة التشريعية على الرجال ، وولاية المسيحي على المسلم ، وكانت هذه التنازلات هي سبب الانشقاق في التيار السلفي عندما بدأت فكرة تأسيس الحزب ، كما أنها ستكون سبباً لانشقاقات أخرى عندما يسعى حزب " الوطن " للتوجه بخطوات ناحية الليبرالية وتقديم تنازلات أخرى كي يرث مكانة حزب " النور " ويدعم صفوفه بكوادر من المواطنين بشكل عام بحثاً عن المكاسب السياسية ، مما سيزيد الصدام بين الواقع والفكرة الأصيلة التي يقوم عليها الحزب .

أحمد صبري السيد علي

ليست هناك تعليقات: