الاثنين، 31 ديسمبر 2012

ما بعد الدستور


   نجحت جماعة الاخوان وتحالفها المكون من التيارات الاسلاموية في تمرير الدستور عبر استفتاء اشتمل على كل انواع الانتهاكات المعروفة ، بالاضافة إلى أساليب أخرى ملتوية دفعت بعض مراسلي الشبكات الاخبارية الاجنبية للقول بأن جماعة الاخوان تعطي العالم دروساً في التزوير .

 
   على أن اقرار الدستور لا يبدو أنه منح البلاد أي قدر من الاستقرار ، وبدا الرئيس أثناء القائه لكلمته في مجلس الشورى كما لو أنه يتحدث عن دولة أخرى غير التي يعيش فيها المصريين ، بينما كان يشير إلى حجم المنجزات الوهمية التي تم تحقيقها ، مما دفع ببعض الهيئات الرسمية إلى الرد عليه وتوضيح حجم الاخطاء التي اشتملت عليها خطبته .
   لا يمكن لأي انسان انكار ما تعنيه مصر من أزمة اقتصادية حقيقية ، وبغض النظر عن أرقام الرئيس المعلنة في خطبته ، فالمواطن العادي يعاني بالفعل من ارتفاع كبير في الاسعار لن يتمكن من تحمله خاصة في ظل تهاوي قيمة الجنيه المصري امام الدولار وباقي العملات الاجنبية .
   ومع الاداء الاقتصادي السيء للحكومة الاخوانية ، لم تتمكن من تحقيق منجزات في الملفات الأخرى ، وخاصة الملف الامني ، وملف حقوق مصر في مياه النيل المعرضة للخطر ، بل وحتى الملف النضالي في مواجهة الامبريالية العالمية والكيان الصهيوني والذي طالما جعجعت إعلاميات الاخوان المسلمين به اهتز إلى حد كبير بعد الدور المصري في إيقاف انقاذ رئيس الوزراء الصهيوني من ورطة غزة والذي امتدحه قادة الكيان والقيادة الأمريكية علناً ، وأخيراً عاد القيادي الاخواني عصام العريان من رحلته لأمريكا التي انتقد فيها الهولوكوست النازي لليهود ، ليطلق نداءاً غريباً للغاية يطالب من خلاله اليهود الذين كانوا مصريين بالعودة إلى مصر مرة أخرى واستعادة حقوقهم ، بمعنى أن ملايين من ذوي الولاء للكيان الصهيوني سوف يتاح لهم العودة إلى هذه البلاد وامتلاك رؤوس أموال ومواقع اقتصادية حساسة مرة أخرى . والأسوأ أن يدافع القيادي الاخواني بحزب الحرية والعدالة حمدي حسن عن هذا الموقف الغريب ، والذي لا يضع الأمن القومي المصري في اعتباره على الإطلاق ، قائلاً أن الهدف هو تفريغ فلسطين المحتلة من اليهود وأرجاعهم لبلادهم مرة أخرى بعد تغير الوضاع ، وهو تبرير يصل لمرحلة متدنية من السذاجة والاستخفاف بعقول المصريين .
   إن المشروع الصهيوني لم يقم على اضطهاد اليهود في دول العالم ، كما يوحي العريان وحسن ، وإلا فعليهما تبرير أسباب هجرة اليهود للكيان الصهيوني حتى الآن بعد أن انتهت هذه المرحلة من التاريخ ، وإنما قام كبؤرة إستيطانية تسعى لخدمة أهداف الإمبريالية الغربية وأطماعها في المنطقة ، وعندما يسعى الاخوان لإدخال كل هذا العدد من المنتمين لجنسية العدو الصهيوني أياً كانت أصولهم فهم في الواقع إنما يسمحون بتفخيخ هذا البلد وإخضاعه من الناحية الاقتصادية والسياسية للسيطرة الصهيونية دون الحاجة لأي مواجهات عسكرية .
   والواقع أن هذه الحقوقية الانسانية المفرطة لا تستقيم على الإطلاق مع الطبيعة الاقصائية لدى الاخوان الذي ضمنوا دستورهم المعروض على الشعب مواد كان بعضها يهدف لاقصاء شخصيات معينة مصرية معارضة لهم والبعض الآخر يهدف لاقصاء طوائف معينة من المصريين كالشيعة بشكل واضح وصريح ولم يخجل بعض الازهريين من الخروج على الإعلام والتصريح بهذه الاهداف الاقصائية . في الوقت الذي يطالب فيه النظام الملايين من المنتمين للكيان المعادي لمصر والذي راح في المواجهات معه آلاف الشهداء بالعودة مرة أخرى دون ذرة احترام لهذه الدماء .
   إن هذا الموقف لا يمكن أن يكون معبراً عن هفوة سقط فيها عصام العريان خاصة أن توقيت التصريح لا يسمح بقبول مثل هذا التبرير ، بقدر ما يعبر عن تصور للأسلوب الذي يسعى به الاخوان الحصول على الدعم الغربي حتى ولو كان المقابل هو بيع ما تبقى من استقلال البلاد الذي سيصبح مجرد كلمة مفرغة من أهم مضامينها .
   لا ريب أن كل ما سبق يعبر في الواقع عن أزمة طاحنة قادمة في الأفق ، وهو ما يدفع القيادات الاخوانية للتصرف بمثل هذا الأسلوب بحثاً عن حماية نظامهم والسعي لاستكمال تجربتهم السياسية والتي ستتوج عبر مجلس الشورى بحزمة من القوانين الضامنة لعدم سقوطهم عن الحكم مرة أخرى . وفي سبيل مساعيها لتأمين وضعها ، عبر القوى الدولية من الخارج ، والاطارات القانونية من الداخل ، ترتكب الجماعة الاخوانية الخطأ تلو الآخر ظناً منها أن الشعب المصري ، الذي لم يعد لديه أي قبول لمعاناة أخرى ، سوف يلتفت إلى تصريحات قياداتها الوردية أو أرقامهم الدالة على منجزات وهمية لم يرى الشعب منها شيئاً على الاطلاق ، أو سيعبأ بدعوات الشرعية والاحتكام للصندوق عندما يكتشف أن الدستور الذي تم وضعه في 48 ساعة وطرحه للاستفتاء في 15 يوماً لن يتمكن من تحقيق أي رفاهية أو حياة كريمة لهم ، بل وسيؤدي لفتح المجال أمام اعدائهم التاريخيين للعودة إلى مصر والسيطرة الاقتصادية عليها .
   والبرغم من أن الحالة الثورية للشعب المصري تعرضت للخذلان من القيادات البرجوازية أكثر من مرة منذ نجاح الجماهير في إزاحة مبارك ، آخرها ما قامت به هذه القيادات من خيانة الجماهير المحتشدة في الشوارع ودعوتها لها بالرضا والمشاركة في الاستفتاء الأمر الذي منح نظام الاخوان طوق نجاة كانوا قد يئسوا من العثور عليه ، إلا أن هذه الاساليب في عقد الصفقات أو إجبار الآخرين عليها لن يمكن اللجوء إليها مرة أخرى في حال شهدت مصر انفجار الجياع ، الذي يبدو لكل المراقبين قادماً في الأفق وتتخوف منه قيادات الاخوان ، ولن يخضع هؤلاء على الاطلاق لقيادة هذه الزعامات ، كما لن يلتزم بأي صفقات لهم مع السلطة.
   إن نجاح الاخوان في تمرير الدستور لن يطلق يدهم في العبث بشئونها كما يتخيلون ، ولن يمنح نظامهم الأمان الذي يتوقعونه مع هذه الممارسات المعبرة بكل صراحة عن نظام قمعي يسعى بكل قوته وبكل الاساليب إلى السيطرة على مفاصل الدولة كي يتمكن من تطبيق مشروعه بالكامل وإظهار وجهه الحقيقي دون أي مخاوف ، وهي محاولات مع خطورتها إلا أنها ستكون السبب في إثارة المشكلات حوله وإفقاده الدعم الخارجي الذي اعتمد عليه كثيراً في الفترة الماضية . 


أحمد صبري السيدعلي

ليست هناك تعليقات: