الاثنين، 17 ديسمبر 2012

ماذا لو كانت النتيجة " نعم " ؟


   في عام 1946 طرح دستور فرنسا المؤسس للجمهورية الرابعة للاستفتاء وحصل على نسبة تصويت لم تتجاوز 53 % ، وقامت الحكومة الفرنسية بتطبيقه متجاهلة ضرورة التوافق الوطني عليه ومعتمدة على الاغلبية العددية الضئيلة ، لكن في المقابل استمرت فرنسا في اضطرابات سياسية لمدة 12 عام ، بالرغم من ان الجمهورية الرابعة التي قامت على هذا الدستور مثلت مرحلة نمو اقتصادي مميز لفرنسا إضافة لقيامها بإعادة إعمار الصناعة ، وانتهت هذه المرحلة بوضع دستور جديد سنة 1958 في عهد ديجول وافق عليه 82 % من الشعب الفرنسي .

 
   وبعيداً عن الدجل الإعلامي الذي يمارسه البعض من المؤيدين للاخوان المسلمين عبر الاستدلال بدستور 46 الفرنسي دون ذكر نتائجه المباشرة بما يمثل التدليس على المواطنين ، فالتساؤل يطرح نفسه هنا حول ما يتوقعه الاخوان المسلمين من دستور بهذا الشكل ؟ فالجمهورية الرابعة في فرنسا نشأت في اعقاب الحرب العالمية الثانية ، وتمكنت من تحقيق نمواً اقتصادياً حقيقياً في فترة مثلت مرحلة جيدة من الرأسمالية ، ومع ذلك لم تتمكن من تحقيق الاستقرار السياسي بناء على دستور مهتز بالاساس ولم يحقق توافق وطني حقيقي . فهل يتوقع الاخوان الذين يحكمون بلداً مضطرباً منذ عامين ويعاني من انهيار اقتصادي أن يستقر بوجود هذا الدستور وما سوف يترتب عليه ؟!
   لا يملك الاخوان المسلمين سوى محاولة ايهام الشعب المصري بان هناك غالبية قد أيدت الدستور عبر اخراج النتيجة النهائية ، التي يتحفظون عليها حتى الانتهاء من المرحلة الثانية ، مائلة باكتساح أو على الاقل بنسبة 75 % لصالح دستورهم ، لكن هذا التزييف للحقيقة لن يمنع واقع الشارع المصري من التحرك والاضطراب ، كما لم تمنع انتخابات 2010 بنتائجها التسعينية من الثورة على مبارك واسقاطه .
   ربما كان من الصعب على أي محلل سياسي أن يخمن بدقة ما يفكر فيه الاخوان عبر الاصرار على هذا الدستور باعتبار ما يمتلكون من خبرة سياسية مفترضة ، إلا أنه من الواضح تماماً حاجة الاخوان لبناء سلطتهم في مصر عبر أخونتها بشكل كامل بداية من الدستور الذي سيمنح باقي اجراءات التمكين الشرعية اللازمة للقيام بها لتبدأ الجماعة بعدها تحويل هوية الإدارات التنفيذية والشرطة والجيش إلى الولاء الكامل لها .
   وبديهي أن تكون الجماعة قد توقعت ردود افعال جماهيرية ، وحتى ردود الافعال من جانب مؤسسات الدولة التي درجت لعقود على كراهية الاخوان والعداء لهم ، ولا يوجد تفسير مقبول لاصرارها مع ذلك على المضي قدماً في خططها إلا مع نيتها في اللجوء ، بناء على دستورها ، إلى استخدام أقصى درجات القمع تجاه معارضيها من أجل تحقيق الاستقرار اللازم لاستكمال شكل الدولة في مواجهة الداخل والخارج ، وهنا سوف تكون الجماعة قد مارست غباءاً سياسياً بكل تأكيد .
   كان من الممكن للجماعة ممارسة هذه الاساليب المندفعة عبر الشرعية الثورية لو كانت هي الداعية للثورة ، أو على الاقل شاركت فيها منذ البداية وقادتها ، وهو ما لا تتمتع به الجماعة ، فلا هي جماعة ثورية من الناحية الايدلوجية ، ولا هي شاركت في الايام الأولى من الثورة والتي كانت أكثر قسوة مما بعدها ، وهي بالتالي لا تمتلك شرعية الانفراد بالواقع السياسي في مصر ، ولجوئها إلى القمع السياسي سيؤدي إلى لجوء الآخر إلى العنف المقابل وبالتالي سقوط الدولة ، بل أن اصرارها على أخونة البلاد لن يحقق نجاحاً يذكر بقدر ما سيؤدي لتفجير الصراعات في مؤسساتها وهو ما بدأ بالفعل داخل المؤسسة القضائية .
   إن النتيجة النهائية لهذا الاستفتاء ، في كل الأحوال ، لن تكون في صالح الاخوان المسلمين الذين اصبحوا ومعهم فصائل التيار الاسلاموي مصطدمين بشكل فعلي مع الغالبية العظمى من جماهير الشعب المصري ، وهو صدام سيزداد حدة نتيجة عدم امتلاكهم لمشروع حقيقي يهتم بالتنمية الاقتصادية ومع القرارات القادمة برفع الاسعار وما ستكتشفه الجماهير من سلبيات الدستور الجديد كإسقاط بعض التزامات الحكومة تجاهها في بعض المجالات كالتأمين الصحي وارتباط الاجور باسعار السوق ، مما سيزيد من معاناة الاسر المصرية البسيطة ، كما ستتسع مساحة العداء لهم حتى من بين الشرائح والفئات التي لا تهتم سوى بتحقيق أي قدر من الاستقرار والهدوء وهم الطرف الأكبر المؤيد لأي دستور .

أحمد صبري السيد علي

ليست هناك تعليقات: