الخميس، 6 ديسمبر 2012

طعم سوهان .. يوميات من زيارة لإيران (1)

فندق لاله بتهران


طعم سوهان
يوميات من زيارة لإيران
(1)

   " خوش آمديد " عندما سمعت هذه العبارة الترحيبية من المرافق الإيراني الذي كان في استقبالنا بمطار إمام خميني بطهران ، لم أكن قد صدقت أنني بالفعل تجاوزت هذا الحاجز الذي اجتهد نظام مبارك طوال 30 عاماً في إقامته للحيلولة بين رؤية الشعب المصري بوضوح لحالة ثورية رائعة قام بها الشعب الإيراني . كنت بالفعل إبناً مخلصاً لهذه المرحلة التي جعلت إيران كياناً بعيداً وغامضاً للغاية بالرغم من تعاطفي الصريح مع الثورة الإسلامية والدور الإيراني المقاوم للإمبريالية الأمريكية ، وإعجابي بشخص الإمام الخميني ، لكن كل هذه الخلفيات لم تحل بيني وبين حقيقة أن السفر لإيران ظل في داخلنا كمصريين يبدو كنوع من انتهاك التابو ، وربما لن نتمكن من تحطيمه بسهولة .

 
   لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتاح لي فيها فرصة السفر لإيران ، كانت هناك مرة سابقة سنة 2001 ، عندما فاز بحثي (الحقوق السياسية في فكر الإمام علي – من منطلق العدالة) بالجائزة الثانية من مؤتمر (الإمام علي والعدالة والوحدة والأمن) الذي عقد في طهران ، ولم أتمكن بكل أسف من إتمام الزيارة لرفض الجيش منحي تصريحاً بالسفر ، نظراً لتوجيهات تواجدت وقتها بعدم منح المسافرين لبعض البلدان تصريحات السفر وكان على رأسها إيران بكل تأكيد .
   تركت هذه التجربة أثرها ، واستمر الأمر حتى أثناء الحصول على تأشيرات الخروج في مطار القاهرة ، كان لدي توجس كبير بأن هناك ما سيحدث ليمنعني من المواصلة ، وهو ما كان لدى ضابط الجوازات كذلك حيث التفت ناحيتي باستغراب يقترب من الاستهجان متسائلاً عن سبب زيارتي لإيران ، وإن كنت أنتمي للسنة أم للشيعة .. لم يكن الضابط يعبر عن شعور خاص ، بقدر ما عبر عن طبيعة تم غرزها لدى المصريين مهما اختلف رأيهم حول التجربة الإيرانية بأن السفر لإيران يحمل مشكلة ما ، وبالتأكيد لم ينتهي تماماً أثر كل مبتذلات العهد المباركي ونتائج انبطاحاته السياسية المتنوعة في سبيل البقاء بالسلطة من الذهنية المصرية بشكل كامل حتى الآن .
   تحولت إيران إلى ما يشبه لوحة سيريالية تتداخل فيها العديد من المتناقضات واللامعقوليات ، ما بين التعاطف مع الدور الايجابي الذي تقوم به في دعم المقاومة ، والمادة الإعلامية المشوهة التي تسعى وسائل الإعلام العربية والاجنبية للترويج لها عن الواقع في إيران . وزاد من تعقيدها أن النخبة المصرية التي يتطلع الشعب المصري لمواقفها وآرائها في كل قضاياه باعتبارها الأكثر دراية كانت ، فيما يخص إيران ، أكثر خضوعاً لما تطرحه الإعلاميات العربية لاسباب متعددة ليس من بينها اعتقادها الفعلي ان المطروح هو الحقيقية .
   حينما صافحت مرافقنا الإيراني لم تسعفني حصيلتي القليلة من الفارسية في العثور على رد مناسب ، لم أجد ما أقوله سوى الابتسام والسؤال بارتباك عن أحواله " أحوال شما چطوره است ؟ " ، كان نطقي رديئاً بكل تأكيد وذلك بالرغم من دراستي للفارسية في قسم التاريخ لمدة ثلاث سنوات لا أظن أنها ساهمت في تعريف أي طالب منا بأي قدر من اللغة أو تاريخها أو تاريخ البلاد التي تتحدثها . كان هذا الأهمال كذلك من آثار عداء الحاكم السابق لإيران ، الذي بلغ حداً من الاندفاع لدرجة رفض الاستفادة من السياحة الايرانية ، التي كان بإمكانها دعم قطاع جيد من السياحة الدينية ، وربما لو كان قد ابدى قدراً من الذكاء والمرونة في هذه الناحية لقدر له الاستمرار لبعض الوقت .
   مع خروجي من مطار إمام خميني وتحرك السيارة بنا متجهة إلى الفندق ، ابديت بعض الضيق نظراً لتشابه الطرق في طهران مع مصر باستثناء اللافتات المكتوبة بالفارسية والتي لم تكن كافية لاقناعي انني بالفعل في طهران ولست في القاهرة . أعربت عن خيبة أملي لمرافقيّ الذين سبق لهما القدوم مرات سابقة ، وكان رد أحدهما : " عندما تستيقظ صباحاً وتلقي بنظرة من النافذة ستعرف أن طهران مختلفة " . لم أتصور بدقة مغزى كلماته إلا عندما القيت نظرة بالفعل من نافذة الفندق مع بدايات الفجر ، أما اختلاف طهران فتلك قصة أخرى .

أحمد صبري السيدعلي
6 ديسمبر 2012

ليست هناك تعليقات: