الأحد، 18 نوفمبر 2012

بقايا الأزهر أقصاء الشيعة أم إسقاط مكانته (رداً على كتيباته التكفيرية بحق الشيعة)

علماء الأزهر مع السيد الشريعتمداري في قم
الصورة مأخوذة من مجلة روزاليوسف

بقايا الأزهر
أقصاء الشيعة أم إسقاط مكانته
رداً على كتيباته التكفيرية بحق الشيعة

   بدلاً من المقدمة
   في الأساطير القديمة ، تبدو أسطورة طائر العنقاء الأكثر إثارة لعلامات الاستفهام ، فهذا الطائر الضخم الذي يحيى بمفرده لمدة 500 عام في بلاد الشرق السعيدة (اليمن على الأغلب) ، يتوجه بإرادته إلى معبد إله الشمس (رع) في هليوبوليس ليحترق هناك ، ثم ومن نفس الرماد يتمكن من إحياء نفسه مرة أخرى والعودة إلى بلاده ، وهنا لا يملك الانسان سوى طرح التساؤل عن سبب الاستسلام للاحتراق مادام يمتلك هذه القدرة الفائقة في العودة من ذات الجسد مرة أخرى ؟! وهو تساؤل استهجاني يفسد ، تحت ضغط الحبكة الفاشلة للقصة ، جاذبية الاستماع إلى الاسطورة عبر وضعها ، مرغماً ، تحت سطوة ما هو عقلاني ومنطقي .. وضروري .
   تفرض قصة هذا الطائر نفسها بشدة على كل متابع للشأن الديني في مصر ، حيث يضطر للمقارنة بين هذا الاحتراق والفناء الإرادي ، الغير مبرر ، لطائر العنقاء وبين ممارسات القيادات الأزهرية الحالية التي تسهم دون ضرورة في القضاء على المكانة المحترمة لهذه المؤسسة الدينية بين كل مسلمي العالم من مختلف الطوائف ؛ مكانة بذل علماء كبار سابقين جهدهم كي يتمكنون من ترسيخها كأحد عناصر قوة ونفوذ هذا البلد في محيطه العربي والاسلامي .
   بالتأكيد ، لم يكن الأزهر كمؤسسة دينية ، ومنذ نشأته في عهد الفاطميين ، مستقلاً على الإطلاق ، سواء في المذهب الذي يدعو إليه ، أو في فتاواه ورؤيته الدينية ، وظل دائماً خاضعاً لإرادة السلطة السياسية وخطوطها الحمراء ، وإن كانت في المقابل ، من منطلق وعيها بمصالحها ومدى تأثير الدين على الواقع المصري ، حريصة على أن يبدو الأزهر وقياداته في وضع مميز أمام الجماهير ، بالرغم من أن رجل الشارع العادي في مصر يعي تماماً حقيقة الإرتباط بين المؤسستين (الرئاسية والدينية) والمصالح التي يعبر عنها الأزهر الشريف في اتجاهاته الدينية .
   في القرن الـ19 ومع سيادة البرجوازية المصرية الناشئة والمدعومة بحكم أسرة محمد علي ومشروعها الساعي لتأسيس دولة علمانية تجمع ما بين الليبرالية وفي نفس الوقت ممراعاة واحترام التقاليد والأعراف السائدة ، تم افساح المجال للتيارات الدينية المتعددة بالتواجد الفعلي على الأرض ، واستفاد من هذه الحالة عدة طوائف كالشيعة ، الأحمدية القاديانية ، البروتستانت بكنائسهم المتعددة ، البابيين والبهائيين كذلك ، وواكب الأزهر الشريف هذه الحالة المنفتحة والتي انتجت فيما يتعلق بالشيعة حواراً راقياً بمستوى كتاب " المراجعات " الذي حوى رسائل متبادلة بين الشيخ سليم البشري المالكي شيخ الجامع الأزهر ، والسيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي أحد علماء الشيعة حول مبحثي إمامة المذهب المتعلقة بدليل ضرورة الأخذ عن أهل البيت ، والإمامة العامة المتعلقة بالخلافة عن النبي (ص) ؛ وبالرغم من الخلافات والاعتراضات التي يبديها التيار السلفي حالياً بشأن مصداقية الكتاب ، المطبوع أكثر من مرة في مصر بتقديمات من علماء أزهريين ، إلا أن رقي الحوار ما بين العالمين يمثل انعكاساً للحالة الحضارية الناهضة التي سادت هذه الفترة .
فتوى الشيخ شلتوت بجواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامة والزيدية

   وفي المرحلة اللاحقة من الأربعينات وحتى انتصار الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979 واصل الأزهر هذا الدور تحت رعاية الدولة المصرية التي كانت حريصة في هذا الوقت على عدم التدخل في شئون الجماعات الدينية مادامت لم تتجاوز حدودها ، وكان تأسيس جماعة " التقريب بين المذاهب الإسلامية " ثم فتوى شيخ الأزهر محمود شلتوت بجواز العمل بمذهبي الشيعة الجعفرية والشيعة الزيدية ذروة هذا النشاط الحضاري الذي رعته الدولة المصرية ، رغم انتقالها من الليبرالية إلى الاشتراكية ، ثم تحولها النهائي للاقتصاد المشوه على يد السادات .
   إلا أن عهد مبارك شهد العديد من التحولات القاسية والتي أثرت بشكل سلبي على مكانة مصر ووضعها الإقليمي ، عندما قبل الانخراط في جبهة العداء لمحور المقاومة للصهيونية والامبرالية تحت قيادة السعودية ، وذلك في مقابل الدعم المطلق لنظامه ولا شيء أكثر .. ومن هنا بدأ دور الأزهر يتحول تدريجياً إلى نفس الاتجاه الذي اتخذته السلطة ، بل أن تراجع مكانة مصر في العالمين العربي والإسلامي إدى إلى تراجع مكانة الازهر كذلك ، بعد أن ظهر في الساحة منافس جديد تمثل في التيار السلفي ومعاهدة الدينية في السعودية وشبه القارة الهندية .
علماء الأزهر مع المرجع الشيعي السيد الشريعتمداري
الصورة مأخوذة من مجلة روزاليوسف

  
إلا أن هذه التحولات لم تدفع الأزهر على الإطلاق إلى الانزلاق في مواجهة طائفية علنية مع الشيعة ، نظراً لوعي السلطة السياسي ، في هذه الفترة ، بخطورة هذا الملف على وضعها الداخلي ، وحرصها على عدم قطع الروابط بشكل نهائي مع الطوائف الأخرى ، ومع أن نشاط جماعة " التقريب بين المذاهب الإسلامية " توقف تماماً في عهد مبارك ، إلا أن هذا لم يمنع من وجود تواصل بين علماء أزهريين وبين نظرائهم من الشيعة ، وكان من بين هؤلاء الشيخ يوسف القرضاوي ، وشيخ الجامع الأزهر محمد سيد طنطاوي الذي بعث برسالة ودية إلى مؤتمر " لنعمل معاً تمهيداً لعصر الظهور " الذي أقيم في لندن تحت رعاية جمعية آل البيت الإسلامية العالمية بمشاركة وفود وشخصيات من 30 دولة بينها مصر ، تضمنت الحديث عن فضائل أهل البيت ، بل أن الرسالة ورد بها ذكر حديث النبي (ص) : " من سره أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي .. فليوال علياً من بعدي وليوال وليه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي فإنهم عترتي وخلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا انالهم الله شفاعتي "[1] ، كما أدلى بتصريح لمجلة النور اللندنية الشيعية حول القضية الطائفية عقب لقائه بالشيخ محمد مهدي شمس الدين (ره) في القاهرة : " أولاً أكرر رفضي المطلق لمحاولات التفريق بين جموع المسلمين تحت مقولة هذا سني وهذا شيعي ، فهذا التفريق لا أعرف له اساساً في الدين ، ومدى علمي أن كل مسلم ينطق بالشهادتين ويحافظ على أركان الإسلام ولا ينكر أمراً أقره الدين والشرع فهو مسلم وكفى ، دون النظر إلى مسألة المذاهب ، فالإسلام لا يجزأ ، والمسلم لا يجب أن يصنف بين السني والشيعي وغير ذلك ، لأن ذلك من شأنه تفريق المسلمين وإضعاف العقيدة "[2] .
لقاء الشيخ شمس الدين مع شيخ الأزهر وبابا الاسكندرية في مصر
الصورة مأخوذة من مجلة النور

   إلا أن هذه الفترة شهدت كذلك نمواً ضخماً تحت رعاية السلطة للتيار السلفي الممول من المملكة السعودية ، والذي تمكن عبر هذا الدعم من بسط سيطرته تدريجياً على الواقع الديني في مصر ، وبالرغم من عدم تأسيسه لكيان تنظيمي محدد إلا أنه استطاع اختراق جماعة الاخوان المسلمين ، التي ظهرت في أوساطها آراء تتعارض مع البراجماتية التي عرفت بها ، بالاضافة لاختراقه للأزهر الذي كان يعد قلعة الأشعرية ، ومن هنا أصبحت مشيخة الأزهر في الواقع مجرد منصب وظيفي يقوم بإيجاد التوازن الذي تسعى إليه السلطة بين جماعتين وظيفيتين كذلك ، حتى لا ينفرد أي منهما بالسيطرة على الشارع المصري بما يسمح له بالانفلات عن سيطرة الدولة .
   خلال هذه الفترة ضحت السلطة المصرية بالكثير من مكانة المؤسسة الأزهرية بين الجماهير ، إلا أن الطبيعة المحافظة للمؤسسة وعدم انجرافها تجاه الفتاوى المندفعة في الاقصاء للآخر جعل الأزهر ، نوعاً ما ، يمثل الجدار الذي يحتمي به الجميع خوفاً من التوغل السلفي/الإخواني ، وكان الأكثر احتماء به الأقليات خاصة الشيعة ، المسيحيين وهما الأكثر توجساً من القمع الديني في حال سيطر الاتجاه الإسلاموي على الواقع المصري .
   يبقى التساؤل عن السبب الذي دعا الأزهر لإحراق البقية الباقية من قيمته الجماهيرية ، والانخراط بكل صراحة في عملية إقصاء طائفية تجاه مواطنين مصريين ؟!
   الواقع أن الإجابة عن هذا التساؤل يمكن استنتاجها من السطور السابقة ، فعقب سقوط مبارك أدركت قيادات الأزهر أن شعبيتهم الحقيقية بين الجماهير المصرية كانت معتمدة بالأساس على السلطة ، ومن الضروري للحفاظ على بقائهم وبقاء هذه المؤسسة داخل الإطار " الأشعري " بذل الجهد من أجل إيجاد شعبية مستقلة في الشارع المصري (السني) ، وفي ذات الوقت الحفاظ على الإرتباط التقليدي بالسلطة ، ويبدو أن ذهن قادة الأزهر لم يتفتق سوى عن وسيلة المزايدة على السلفيين في إظهار الكراهية والعداء للشيعة تحت لافتة مواجهة " المد الشيعي " ، دون تعريف لمعنى مصطلح " المد " ، والإجابة عن مدى شرعية قمع الآخر ومحاربة حق الانسان الأصيل في اعتناق الافكار والترويج لها ؛ أو إن كان محاربة " المد الشيعي " بالتعبير السلفي/الأزهري سوف يليه محاربة لأفكار أخرى تنتشر بكثافة في هذه الفترة كالمذهب القادياني ، البهائية وحتى الإلحاد .
   وبالرغم من أن سياسة المزايدة عبر الاقصاء والكراهية لن تنفع قيادات الأزهر كثيراً داخل الوسط الجماهيري الذي خضع منذ فترة طويلة للتيار السلفي ، ولم يعد بإمكان الأزهريين منافستهم في هذه الصناعة ، فمن الواضح أن موقع مشيخة الأزهر قد تحسن في الآونة الأخيرة ، ليس نتيجة عدائه المستحدث للتشيع ، وإنما كرد فعل مباشر لتدني شعبية الاخوان والسلفيين إلى درجة كبيرة نظراً لأدائهما السياسي الفاشل عقب الثورة ، وهو ما أجبر جماعة الإخوان الوارثة للحزب الوطني على إتمام التحالف بينها وبين الأزهر وتأجيل الدخول في صدام مع مشيخته ذات الطابع الأشعري ومحاولة أخونتها كغيرها من مؤسسات الدولة ، إلى ما بعد انتهاء الصدام مع السلفيين ، خشية استيلائهم على هذه المؤسسة الهامة[3] .
   على أن محاولة كسب دعم الشارع السني في مصر ضد الهجمات السلفية لا تعد السبب الوحيد الذي دفع الأزهر للتنصل من تراثه التقريبي والاندفاع بهذا السعار إزاء تبني منهجية طائفية ، فالواقع أن العديد من المؤسسات الدينية الرسمية في العالم العربي قد سقطت في فخ الترويج الطائفي ، ضمن مشروع الحرب القادمة والمنتظر توجيهها لمحور المقاومة الذي تمثل إيران وحزب الله (الشيعيان) جزءاً أصيلاً منه من قبل الإمبريالية الأمريكية والصهيونية ، وهو ما يفسر مثل هذا الانقلاب السريع وغير المفهوم على مسلمات المؤسسة الأزهرية ، والتي لم يتم تجاوزها حتى في أكثر فترات العلاقات المصرية/الإيرانية سوءاً ، حينما كانت الحكومة المصرية تعبث بحرية المواطنين الشيعة في سبيل إثبات ولائها للأمريكيين أو استدرار دعماً مادياً من آل سعود .
   إن حرص الأزهر على إتمام التحالف مع السلطة الجديدة ، والبحث عن مكانة مستقلة في الواقع المصري لن تفلح حتى مع تراجع شعبية خصومة ، فالحقيقة التي لا يرغب الكثيرين في الاعتراف بها هي أن هذا الصعود الأخير للتيارات الإسلاموية جعل مكانة الدين ذاته في مأزق واضح ، وساهم في نشر المنظومات الفكرية المعادية للدين كالإلحاد ، اللاأدرية واللادينية والتي تعادي الأديان حتى مع الإيمان بالخالق ، كما أن الانهيار الحضاري المصري دفع بالعديد من المصريين تجاه معتقدات دينية متنوعة تنتشر بكثافة نظراً لما تلحظة من رجعية وتخلف الخطاب الديني في مصر بكافة تنوعاته بما فيها الخطاب الرسمي ، ولن تسهم محاولته سوى في خسارته لمكانته لدى الأقليات المصرية التي كانت تعتقد أن بإمكانها الاحتماء به وبطرحه الديني الأكثر ميلاً للرزانة والوعي بالواقع مقارنة بالإخوان والسلفيين ، بالاضافة لخسارته قيمة كانت كبيرة للغاية في الوسط الشيعي سمحت بأن يكون الأزهر في مرحلة سابقة المؤسسة الدينية الوحيدة المجمع على احترامها بين جميع المسلمين بمختلف طوائفهم ، وهي خسارة لن يكون بالامكان تعويضها وإعادة بنائها بسهولة على طريقة طائر العنقاء .
   عقب إثارة ما أطلق عليه أزمة الحسينيات الشيعية في شهر مايو من هذا العام ، والتي كانت مفتعلة من قبل إعلام يرغب في تغزية الهوس الديني للتغطية على ادائه المتدني ، قام الأزهر بتشكيل لجنة أطلق عليها " لجنة مكافحة التشيع " ، وهي تسمية غريبة للغاية خاصة أن الأزهر مؤسسة رسمية ومن غير الطبيعي أن تتخذ موقفاً عدائياً تجاه معتقد يدين به مواطنين خاضعين لرعاية هذه الدولة ، على أن ما يثير التساؤل بالفعل في اسم اللجنة كان هذا التشابه الغريب بينها وبين فرعاً كان قد تشكل بجهاز أمن الدولة في عهد المخلوع مبارك ، وتم الاستعانة بعلماء أزهريين لإلقاء محاضرات في سجن طره على الضباط حول المذهب  الشيعي ، وهو ما اعترف به الشيخ عبدالمنعم البري استاذ الثقافة الاسلامية بكلية الدعوة ، ورئيس جبهة علماء الأزهر (تم حلها) : " استدعاء وزارة الداخلية عدداً من العلماء المتخصصين في المذاهب الشيعية جاء بعد دخول آلاف الشيعة إلي محافظة 6 أكتوبر ومحاولتهم التغلغل في المجتمع المصري السني لنشر المذاهب الشيعية وهو ما عرفت به وزارة الداخلية وتقوم الآن بمواجهته عن طريق تعليم ضباط مباحث أمن الدولة كيفية التعامل معه " ، كما اعترف البري بان الغرض من هذه المحاضرات هو التعريف بخطر الشيعة وما يدعون له ، حيث طالبهم بالتحرك السريع للحفاظ علي أمن مصر[4] .
   إن هذا التشابه بين اسمي ومهام اللجنتين المؤسستين لمواجهة التشيع سواء في في رئاسة مبارك أو عقب سقوطه ، والذي اشرف الأزهر عليهما في العهدين ، ربما يشير إلى أن فكرة إقحام الأزهر كمؤسسة دينية سنية كبرى في محاولات التحريض الطائفي التي تجري مؤخراً ليست وليدة " مد شيعي " ، بقدر ما تدخل ضمن مشروع كان يتم التجهيز له في العهد السابق وتأخر تنفيذه حتى ظهور طبيعة السلطة الجديدة التي مثلت ، بدورها ، إمتداداً لنفس السياسات.
   على أن الاضافة التي قدمتها المؤسسة الأزهرية هذه المره كان قيام مجلتها الرسمية عبر عدديها في شهري رمضان وذي الحجة بنشر كتابين لمؤلفين سلفيين على عداء مع المنهج الأشعري الذي تتبناه المؤسسة ، كما أن خلفية تأليفهما لكلا الكتابين هو الرفض للمشروع التقريبي الذي شاركت به المؤسسة الأزهرية ، وهما كتابي : صورتان متضادتان عند السنة والشيعة الإمامية لأبي الحسن الندوي ، والخطوط العريضة لدين الشيعة لمحب الدين الخطيب ، وكلاهما يتضمن تكفيراً صريحاً للمسلمين الشيعة .
   وبالرغم من أن كلا الكتابين سبق وأن تم نشرهما أكثر من مرة في مصر بداية من الأربعينات بالنسبة لكتاب الخطوط العريضة ، والسبعينات بالنسبة لكتاب صورتان متضادتان ، إلا أن صدورهما في طبعة جديدة والترويج لهما عبر المجلة الرسمية للأزهر يمنحهما في الذهنية المصرية التقليدية شرعية وانتشاراً أكبر لافكارهما الإقصائية والتكفيرية بخصوص الشيعة .
   وقد حظي الكتابين بتقديم واحتفاء واضح من الكاتب الدكتور محمد عمارة رئيس تحرير المجلة ، والذي كان يصنف حتى فترة قريبة من بين الكتاب الاسلاميين المعتدلين ، خاصة في مواجهة الآخر ، وسبق له إصدار كتاب بعنوان " فتنة التكفير " تم نشره بواسطة المجلس الأعلى للشئون الاسلامية في ديسمبر 2006 ، ومع أنه وجه انتقادات لكل الفرق (باستثناء الأشاعرة) معتبراً أنها تمتلك نصوصاً تكفيرية بحق الآخر ، إلا أنه بشكل عام اعتبر أن المسائل التي انتقدها هي ما يعيق اتمام التقريب بين المذاهب الاسلامية بصورة حقيقية ، ولم تمثل هذه الانتقادات موجباً لتكفير الشيعة أو اقصائهم من الناحية الدينية والاجتماعية من وجهة نظره .
   محمد عمارة بين عامي 2006 ، 2012
   في كتابه "  فتنة التكفير " يبدي محمد عمارة لغة أكثر منهجية وتسامحاً تجاه الطوائف الأخرى كالمعتزلة والشيعة ، وبالرغم من انتصاره للمذهب الأشعري بشكل عام ، وهو المعتقد الرسمي للأزهر ، باعتباره الفكر الصحيح من وجهة نظره ، ومعتمداً على نصوص سمحاء في ظاهرها ترفض التكفير ، تم إخراجها من سياقها الحقيقي المنحصر بفرق أهل السنة (الأشعرية والماتريدية والسلفية بالاضافة للمذاهب الأربعة الفقهية) إلى سياق أكبر وأوسع شمل الفرق الإسلامية بشكل عام والذي كان قائلي هذه النصوص يعتبرونها كافرة[5] ، إلا أن هذا الاشكال المنهجي لا ينفي معقولية ومقبولية خطابه إلى حد كبير .
   في الفصل الأول من الكتاب يضع محمد عمارة خمسة نقاط يرى أن الاجماع عليها كان من أسباب تفوق المسلمين سابقاً وهي : وحدة العقيدة ، وحدة الشريعة ، وحدة الحضارة ، وحدة الأمة ، وحدة دار الإسلام . وفي المقابل يرى عمارة أن نزعة التكفير مثلت " النقمة " التي قصمت وحدة الأمة ، مؤكداً أن الباب سينفتح واسعاً أمام الاختراقات المعادية التي نشهد الكثير منها هذه الأيام[6] .
   ويشير عمارة في الفصل الثاني من كتابه إلى منجزات جمعية التقريب بين المذاهب الإسلامية التي نشأت في القاهرة والتي كان من بينها صدور فتوى الشيخ محمود شلتوت بجواز العمل بالمذهبين الشيعيين الجعفري والزيدي[7] ، موجهاً في نفس الوقت عتاباً إلى الطرف الشيعي بأنه لم تصدر من قبله فتوى مماثلة بجواز تعبد المسلم الشيعي بالفقه السني ، وذلك بالرغم من وعيه بأن الشيعة من الأساس لا يرون كفر السنة ، بل أن هناك خلافاً بينهم حول تكفير النواصب وهم الذين يناصبون العداء لأهل البيت[8] ، كما أن فتاوى عدد كبير من علماء الشيعة بجواز الصلاة خلف أئمة السنة في صلاة الجماعة تدليل آخر على نظرتهم الإيجابية لابناء المذهب السني[9] .
   وفي هذا الإطار يوجه محمد عمارة انتقاداته إلى دستور الجمهورية الإسلامية في إيران الصادر بعد الثورة الإسلامية كونه أكد على أن المذهب الجعفري وحده هو مذهب الدولة ، ونص على أن هذه المادة لا يجوز تغييرها فيما يطرأ على مواد هذا الدستور من تغييرات[10] ، وقد فسر عمارة هذا النص في الدستور الإيراني باعتباره مصادرة على المذاهب السنية ورفضاً لها .
   والواقع أن محمد عمارة في انتقاده هذا اعتمد على معلومة ناقصة قد تعد دليلاً على ضعف اضطلاعه في حال حملت على حسن النية ، لأن النص في الدستور الإيراني بالمادة الثانية عشرة يقول : " الدين الرسمي لإيران هو الإسلام و المذهب الجعفري "الإثني عشري" ، و هذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير .
و أما المذاهب الإسلامية الأخرى و التي تضم المذهب الحنفي و الشافعي و المالكي و الحنبلي و الزيدي فإنها تتمتع باحترام كامل ، و أتباع هذه المذاهب أحرار في أداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم ، و لهذه المذاهب الاعتبار الرسمي في مسائل التعليم و التربية الدينية و الأحوال الشخصية ( الزواج و الطلاق و الإرث و الوصية ) و ما يتعلق بها من دعاوى في المحاكم .
و في كل منطقة يتمتع أتباع أحد هذه المذاهب بالأكثرية ، فان الأحكام المحلية لتلك المنطقة - في حدود صلاحيات مجالس الشورى المحلية - تكون وفق ذلك المذهب ، هذا مع الحفاظ على حقوق أتباع المذاهب الأخرى "[11] وبالتالي فلا يوجد اهمال أو اقصاء للمذاهب الاسلامية الأخرى ، بل أن المادة الثالثة عشرة من الدستور الإيراني تنص على حقوق اتباع الديانات الأخرى : " الايرانيون الزرادشت و اليهود و المسيحيون هم وحدهم الاقليات الدينية المعترف بها ، و تتمتع بالحرية في اداء‌ مراسمها الدينية ضمن نطاق القانون . و لها أن تعمل وفق قواعدها في الأحوال الشخصية و التعاليم الدينية "[12] .
   وأخيراً يطالب محمد عمارة في كتابه بضرورة تجاوز الاجتهادات التي تكفر الصحابة الذين أخروا خلافة الامام علي بن أبي طالب ، ونظيرتها التي تكفر الشيعة كما في كتب شيخ الاسلام ابن تيمية وبعض الأئمة السلفيين باعتبارها هي التي تهدد الوحدة الإسلامية[13] .
   إن ما طرحه محمد عمارة ، بالرغم من انحيازه غير العلمي للمذهب الأشعري[14] ، يبدو معتدلاً لحد كبير بحيث يدفع إلى التساؤل عن أسباب تبنيه موقفاً مخالفاً لتراثه الفكري السابق عبر نشر مؤلفات قديمة تسعى لاقصاء الشيعة ، وقد ألفت من أشخاص لديهم تحفظاتهم كذلك على المذهب الأشعري للأزهر .
   هذا التحول من قبل عمارة لا يمكن تحميله للوسط الشيعي بأي حال ، فالشيعة لم يتغيروا في 2012 عنهم في 2006 ، مازال بينهم مستنيرون يرون حرمة سب الصحابة حتى لو كانوا مخالفين للامام علي بن أبي طالب ، وحرمة التطاول على أم المؤمنين عائشة رغم مواجهتها العسكرية له[15] ، وأيضاً مازال بينهم كذلك متعصبون يرفضون التجاوز عن المواقف التاريخية ويتشبثون بما انتجته من محاجزات بين المسلمين بشكل عام . لم يتغير الشيعة ولم يتغير السنة كذلك ، فواقعهم مماثل للواقع الشيعي والذي يعبر عن أزمة إجتماعية وحضارية يعاني منها الشرق بشكل عام . فلماذا غير الدكتور محمد عمارة موقفه الآن ؟
   من المؤكد أن الموقف العدائي الجديد للدكتور عمارة من الشيعة ليس مرتبطاً باسباب فكرية أو مذهبية ، وإلا لتبنى العداء للشيعة منذ البداية عندما تحول من الماركسية ، التي اعتنقها في الخمسينات ، إلى الفكر الإسلامي في السبعينات ، في موائمة غريبة مع تغير موقف النظام الحاكم من هذا التيار وسعى السادات إلى الاستعانة بمجموعاته المتطرفة والاستقواء بها في مواجهة التيارات الوطنية المعارضة له .
   إن إجابة التساؤل السابق تقع على عاتق الدكتور عمارة ، والذي أصبح مطالباً من موقع مسئوليته كمفكر مرموق بأن يضع تبريراً مقبولاً لهذا التحول الفكري ، والذي انتقل من وضع خارطة طريق للتقريب بين المذاهب في سنة 2006 ، إلى المساهمة في مشروع تحريضي طائفي ومحاولة تبرير الاقصاء بحق مواطنين مصريين لهم حقوق ككل مجموعة دينية وفكرية أخرى بهذا البلد .
 
غلاف كتاب أبو الحسن الندوي
الذي أعادت صحيفة الأزهر نشره
   الخطيب - الندوي بين احتفاء عمارة والواقع التاريخي
   قدم الدكتور محمد عمارة كتيبين لكل من محب الدين الخطيب ، وأبو الحسن الندوي واصفاً أياهما في مقدمتيه على المؤلفين بلقب " العلامة " ، ولا أنوي في الواقع الرد على الألفاظ التقريظية التي اطلقها عمارة بكثافة على الشخصيتين ، في محاولة لتجهيز القاريء كي يتقبل ما كتباه دون جدال أو محاولة للبحث في مصداقيته ، باعتباره عبقرية علمية وكشف غير مسبوق ، ولن أتوقف كثيراً عند عبارات الإشادة المبعثرة في فقرات المقدمة ، وإنما سأكتفي بالتعليق على ما تعمد محمد عمارة إخفائه أو على الأقل التقليل من أهميته بحيث يمر دون علامات استفهام أو شكوك لدى القاريء حول المؤلفين .
   في مقدمته على كتاب صورتان متضادتان عند السنة والشيعة الإمامية لأبي الحسن الندوي ، يقول دكتور محمد عمارة في التعريف بالعلامة الندوي : " وفي " دار العلوم – ندوة العلماء " تلقى الندوي دروس العلوم الاسلامية – الحديث .. والتفسير .. والفقه .. وعلوم القرآن – على أكابر علماء هذه العلوم في الهند .. والتقى بشاعر الاسلام محمد إقبال .. كما التقى بالعلامة أبو الأعلى المودودي "[16] ، ويقول : " ولقد ألقى الندوي بثقله في الدعوة الإصلاحية الإسلامية بشبه القارة الهندية ، مؤلفاً في قضاياها .. ثم انتخب وكيلاً للشئون التعليمية " بندوة العلماء " سنة 1953 "[17] .
   ومن الغريب أن تمر هذه العبارة على شخصية مثل محمد عمارة دون أن يسعى لتعريف القاريء بـ " ندوة العلماء " ومدى قيمتها كجزء أساسي من التعريف بقيمة الندوي الذي تولى وكالتها للشئون التعليمية ، إلا أن عمارة تجاوز عن هذا التساؤل لسبب أو لآخر .
   نشأت ندوة العلماء كممثلة لاتجاه الدعوة الديوبندية والتي تبنت المذهب الحنفي في الفقه والماتريدي في الاعتقاد ، كما تبنت في السلوك بعض الاتجاهات الصوفية كالجشتية والنقشبندية ، إلا أنها لاحقاً نحت منحى قريب للغاية في تزمتها من الدعوة السلفية وخاصة عندما تولى زعامة هذا الاتجاه الشيخ محمد قاسم الناناتوي والذي أسس المدرسة الإسلامية العربية في ديوبند سنة 1866 .
   أما ندوة العلماء  فقد تم تأسيسها سنة 1908 ، وذلك بمساعدة من الحكم الانجليزي الذي قدم منحاً مالية لعلمائها ، كما قام حاكم الهند الانجليزي السير جان سكوت هيوس باهداء قطعة أرض للقائمين عليها لبنائها وتولى بنفسه افتتاح ندوة العلماء وهو ما نشرته مجلتها " الندوة " : " لقد وافق فخامة الحاكم للدولة المتحدة على أنه بنفسه سيقوم بوضع حجر الأساس لدار العلوم ندوة العلماء ، وقد تم ذلك بتاريخ 28 نوفمبر 1908 .. إن هذه المناسبة كانت الأولى من نوعها حيث تم وضع حجر الأساس لمعهد ديني بيد شخص ينتمي لدين آخر "[18] ، ويقول البيان المنشور في نفس المجلة عن العلاقة مع الانجليز : " ونحن على يقين أن المسلمين كما يسلم إذعانهم لحكومتهم يزيدون من هؤلاء العلماء الناشئين طاعة وانقياداً للحكومة . والآن نقدم إلى جنابكم أزكى التشكرات حيث تفضلتم علينا بقطعة من الأرض لنرفع عليها قواعد مدرستنا "[19] .
   والواقع أن ندوة العلماء  لم تخف على الإطلاق حقيقها ولائها للحكم الانجليزي في الهند ، بل تجاوز الأمر من الولاء إلى الترويج للاحتلال الانجليزي في الهند : " حقاً أن الندوة في معزل عن السياسة ، ولكن لما كان هدفها الاساسي تخريج علماء مستنيرين ، فمن واجب هؤلاء العلماء إطلاع القوم على بركات هذه الحكومة ونشر أفكار تساعد أهل البلاد على الوفاء لها "[20] .
   ولابد من الإشارة إلى أن المدرسة الديوبندية قد اتخذت اتجاهاً متقارباً مع التيار الوهابي في عهد رشيد أحمد الكنكوهي صديق محمد قاسم الناناتوي والذي تولى الاشراف على جامعة ديوبند بعد وفاته ، إلى درجة أن المسلمين في الهند كانوا يسمونهم وهابيين وهو ما يقوله الشيخ محمد منظور نعماني في كتابه المخصص للدفاع عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب : " ودخلت في مدرسة إسلامية في مدينتي، كان مدرسوها من خريجي دار العلوم ديوبند، وكان الناس يدعونهم "وهابيين"..غير أني ما رأيت في هؤلاء المدرسين شيئاً من الأوصاف الخسيسة أو التهم الشنيعة التي كان القوم يوجهها إليهم، بل رأيتهم يؤكدون على طاعة الله ورسوله، وعلى امتثال الشريعة الاسلامية وتطبيقها على الحياة والمجتمع، وبجانب ذلك كانوا يرفضون- بكل شدة – عبادة القبور والأولياء، واتخاذ الأضرحة، والأعياد والمهرجانات التي يقيمها المبتدعة على القبور والأضرحة، وما إلى ذلك من البدع والخرافات، وإني أحمد الله على أن عشرتي فيهم وجلوسي إليهم، ودراستي لحياتهم، واطلاعي على أحوالهم، كل ذلك أكد لي أن ما اشتهر في الناس عنهم من صفات السوء والنذالة، شئ لا يقوم على أساس "[21] .
   على أن الدعوة الوهابية ذاتها ، والتي يبدو من النص السابق أنها تجانست بقدر ما مع الديوبندية ، قد وجهت لها كذلك اتهامات كثيرة بكونها مدعومة من قبل الإحتلال الانجليزي الذي ساهم في إدخالها للهند ، فقد ذكرت مجلة " جتان " الناطقة باسم البريلويين : " أنهم افتوا بأن الانجليز هم أولو الأمر ، وأن الهند دار الإسلام . ثم تحول هذا الغراس الذي غرسه الانجليز بعد أيام إلى حركة دينية "[22] .
   كما ذكرت مجلة " طوفان " : " بكل مكر ودهاء غرس الانجليز غراس الحركة النجدية أيضاً في الهند ، وتولو رعايتها بأنفسهم إلى أن اكتمل نماؤها وازدهارها "[23] .
   هذا إذن موقف ندوة العلماء من الاحتلال الانجليزي في الهند ، كما هو موقف حلفائها من المدرسة الوهابية ، وهو بالتأكيد موقف من تعلموا فيها كذلك ومن بينهم مؤلف الكتاب ، ويحق لنا هنا طرح التساؤل حول السيد الندوي والذي لم يؤلف كتيبه إلا عقب إنتصار الثورة الإسلامية في إيران ، كما لو أن الشيعة قد ظهروا في الساحة فجأة بانتصار الثورة ، ولم يكن لهم في الهند تواجداً ضخماً وأسسوا فيها سلطنة بيجابور وهي إحدى سلطنات ملوك الطوائف[24] ، وفي المقابل لم نلمح للسيد الندوي موقفاً حقيقياً في مواجهة المحتل الإنجليزي لبلاده .
   أما السيد محب الدين الخطيب مؤلف كتاب الخطوط العريضة لدين الشيعة والذي تنتمي أسرته إلى العارف بالله عبدالقادر الجيلاني القطب الصوفي الشهير ، فيقول الدكتور محمد عمارة في تأريخه لحياته : " سافر إلى اليمن – في أكتوبر 1907 للعمل بها .. فعمل معلماً وموظفاً في بعض مدارس صنعاء .. كما شغل إحدى الوظائف بالقنصلية البريطانية بمدينة الحديدة "[25] ، وإذا كان من الممكن احسان الظن بالدكتور عمارة فيما يخص إخفائه لطبيعة مدرسة ندوة العلماء بالهند ، فإنه ليس معذوراً على الإطلاق فيما يخص محاولته التعمية على طبيعة تحركات محب الدين الخطيب ما بين المدن العربية ، ربما لأنها بالتأكيد سوف تثير ريبة القاريء .
   لقد صاغ الدكتور عمارة مسألة التحاق محب الدين الخطيب بوظيفة في القنصلية البريطانية بالحديدة كما لو كانت قد تمت صدفة بعد وصوله لليمن ، لكن الحقيقة هي أنه ذهب إلى اليمن ومدينة الحديدة من أجل الالتحاق بهذه الوظيفة التي سعى إليها بنفسه كما يعترف في بعض مخطوطاته أن فارس بك خوري الترجمان الأول بالقنصلية البريطانية في دمشق كان يبحث عن شاب عربي مسلم يجيد العربية والتركية ليشغل وظيفة الترجمان للقنصل الانجليزي بالحديدة ، وقد سعى الخطيب بنفسه للالتحاق بهذه الوظيفة عندما علم بالأمر[26] .
   ولا يملك القاريء العادي لهذا الاعتراف الذي دونه الخطيب سوى أن يتم طرح تساؤل حقيقي حول سبب حرص شخصية تحررية مثله على العمل في القنصلية الممثلة للمحتل البريطاني بالحديدة ، خاصة أن هذه الفترة تركت أثرها على حياته السياسية ، فانتقل من الولاء للشريف حسين الذي أعلن الثورة العربية ضد الدولة العثمانية بتحريض من بريطانيا ، إلى الولاء لأعدائه من آل سعود الذين قامت دولتهم بدعم بريطاني كامل[27] .
   لقد تواجد الخطيب في القاهرة لفترة قبل انتقاله إلى اليمن حيث تعرف على الشيخ رشيد رضا ، ويبدو أن كلاهما قد حاز على ثقة الآخر ، فقبل انتقال الخطيب إلى الحديدة لاستلام عمله في القنصلية البريطانية التحق بجمعية الشورى العثمانية تحت تأثير الشيخ رضا والذي كتب له تفويضاً بأن يتخير من الرجال الصالحين لعضويتها من يشاء[28] .
   ومن الملاحظ أنه حتى هذه اللحظة لم يكن يحمل أي افكار عدائية تجاه الشيعة ، بل أنه وأثناء وجوده في الحديدة في سنة 1908 ، كان الصراع بين الاتراك والإمام يحيى حميد الدين إمام الشيعة الزيدية متواصلاً ، وعقب انتصار ثورة جمعية الاتحاد والترقي على السلطان عبدالحميد تولى الخطيب ، باعتبار ان جمعة الشورى العثمانية في الحديدة هي فرع لجمعية الاتحاد والترقي ، الوساطة بين الحكومة الجديدة في استانبول وبين الامام في صنعاء ، وهي وساطة أدت بالفعل لتوقف الحرب وتوقيع الصلح بين الطرفين[29] ، بل أن الخطيب يذكر أنه قبل رحيله عن اليمن كتب إلى الإمام يحيى كتاباً يودعه فيه ، ورد عليه الامام يحيى برسالة وصفها الخطيب بأنها " بليغة عظيمة "[30] .
   ثمة علامتي استفهام يجب طرحهما هنا ، تعقيباً على عمل الخطيب في القنصلية البريطانية بالحديدة وعلاقاته الإيجابية مع الشيعة الزيدية ، وهما ما مدى علاقته بالمشروع البريطاني/السعودي ؟ ومتى بدأ عدائه للشيعة ؟
   إن الملاحظ في تاريخ محب الدين الخطيب أن حركته لم ترتبط أبداً بأي عداء للانجليز ، بقدر ما ارتبطت بالحراك القومي العربي في مواجهة حركة التتريك ، وهو حراك دعمه البريطانيون بكل تأكيد ضمن مشروعاتهم لتقويض الدولة العثمانية عبر تفكيكها إثنياً[31] ، بل أنه عندما عاد إلى القاهرة سنة 1911 عمل محرراً في جريدة المؤيد التي كان مؤسسها الشيخ علي يوسف قد بدأ يتخذ خطاً مهادناً للانجليز بداية من سنة 1901 تبعاً لموقف الخديو عباس حلمي[32] ، وعلى الرغم من أن مصر كانت واقعة تحت الاحتلال البريطاني منذ سنة 1882 فقد كان من المثير للغرابة أن يكتب محب الدين الخطيب في صحيفة المؤيد مطالباً بمقاطعة البضائع الإيطالية نظراً لاحتلال إيطاليا لليبيا سنة 1911 ، في الوقت الذي كان فيه يعيش بالقاهرة وفي ظل احتلال انجليزي ويعمل في صحيفة مهادنة تماماً للانجليز ومعادية للحزب الوطني بزعامة مصطفى كامل ، ولا يوجه هذه المطالب للبضائع الانجليزية[33] .
   إلا أن دور محب الدين الخطيب عقب قيام الحرب العالمية الأولى ربما كان الأخطر والأكثر وضوحاً في تحديد علاقته بالانجليز ، فقد حاولت الدولة العثمانية في هذه الفترة بذل الكثير من الجهود لتوثيق صلاتها مع أمراء الجزيرة العربية كشريف مكة ، والشريف الادريسي في عسير ، عبدالعزيز آل سعود في نجد وآل الرشيد في حائل ، واستعانت بجهود عدد من المثقفين المؤيدين لها مثل شكيب أرسلان (درزي) ، عبدالعزيز جاويش وسليمان البارودي[34] .
   وفي المقابل تبنى رشيد رضا ومحب الدين الخطيب الموقف المناقض ومحاولة تجميع الأمراء العرب في الجزيرة على هدف الثورة ضد الدولة العثمانية واستقلال البلاد العربية عبر التحالف مع الانجليز[35] ، وقد كلف محب الدين الخطيب من قبل جمعية الجامعة العربية التي رأسها استاذه رشيد رضا بالسفر إلى السيد طالب النقيب في البصرة ، ثم بعدها لابن سعود في نجد لبحث هذه الدعوة معه ، بينما سيسافر آخر إلى الامام يحيى باليمن وثالث إلى شريف مكة[36] .
   وقد سافر السيد الخطيب بالفعل بصحبة عبدالعزيز العتيقي بمعرفة السلطات البريطانية في مصر ، وذكرت الوثائق البريطانية أنه تم إبلاغ وزارة الخارجية البريطانية عبر شيتام مسئول السفارة بالقاهرة أنهما ستحركان على باخرة إيطالية متجهة إلى بومباي ومنها إلى الكويت ، وقد طالب شيتام في برقيته وزارة الخارجية بضرورة إبلاغ حكومة الهند والمقيم البريطاني في الكويت بالتعاون معهما[37] .
   وبالرغم من أن الخطيب ورفيقه كانا في مهمة لخدمة البريطانيين ، إلا أنه لسوء حظهما فقد تم اعتقالهما في ميناء بوشهر الايراني أثناء توجههما من بومباي إلى الكويت عبر المخابرات الانجليزية ، ثم نقلا إلى البصرة نتيجة وصولهما إلى الخليج بعد إعلان الدولة العثمانية انضمامها لألمانيا في الحرب العالمية الأولى ووجود منشورات معهما تثبت اتصالهما بالسيد طالب النقيب في العراق والذي كان قد اتخذ بالفعل موقفاً معادياً لبريطانيا ، فقد تقدم الخطيب إلى السير برسي كوكس بتوضيح مهمته ، وعقب وصول إفادات من مصر حول المهمة الحقيقية للخطيب ورفيقه تم إطلاق سراحهما ليعود الخطيب إلى القاهرة[38] .
   إن هذه الحقائق التي يعترف بها الخطيب نفسه كانت كفيلة بتوجيه اتهاماً مباشراً له بالعمالة للبريطانيين ، لو تعلقت بشخص ينتمي إلى المذاهب المخالفة كالشيعة أو الاتجاهات الفكرية كاليسار ، إلا أنه تم التجاوز عنها من قبل التيارات السلفية ، والدكتور محمد عمارة عمداً مقابل المؤلف الصغير الذي كتبه الخطيب في مواجهة الشيعة .
   إن الارتباط بالدور الإنجليزي استمر مع محب الدين الخطيب أثناء الحرب العالمية الأولى ، فعقب إعلان الثورة العربية بقيادة الشريف حسين سنة 1916 تم إرساله عن طريق البريطانيين مع نوري السعيد إلى الحجاز ضمن مجموعة من الجنود العرب غادروا السويس في أول أغسطس 1916 ، وهناك أصدر مجلة القبلة التي خرج عددها الاول إلى القراء في 16 أغسطس من نفس العام الامر الذي يشير إلى أن الخطيب ذهب في مهمة تم التحضير لها بشكل متكامل ربما أكبر من قدرات الشريف حسين[39] .
   ومع تغير الرهانات الانجليزية من الشريف حسين إلى ابن سعود لدرجة دعمه في الاستيلاء على حائل والحجاز وغيرها من أقاليم الجزيرة ، فقد تغيرت رهانات محب الدين الخطيب كذلك ، وظهرت توجهاته السلفية فجأة بالتوائم مع انتصارات آل سعود المعادين لأسرة الشريف حسين ، حيث رحل إلى مصر سنة 1920 وعمل في الأهرام لخمس سنوات أسس بعدها المكتبة السلفية ومجلة الزهراء سنة 1924 ، وصحيفة الفتح سنة 1926 ، وأخيراً جمعية الشبان المسلمين سنة 1927[40] ، ومن هنا يمكننا أن نؤرخ بداية عداء الخطيب للشيعة بظهور الدولة السعودية الحديثة الذي دفعه لتبني الخط السلفي والانقلاب على الاتجاه القومي العروبي في مواجهة الاتراك ذي الروح الليبرالية ، ومما يثير التساؤل هو السبب الذي دعاه لتذكر الشيعة فجأة سنة 1946 ليصدر بحقهم هذا الكتيب الصغير بالرغم من أن تواجدهم في القاهرة يعود للقرن التاسع عشر[41] ، إن الاجابة يذكرها الخطيب دون أن يدري في فصل كتيبه الاول : " ونضرب لذلك مثلاً بمسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة ، فقد لوحظ أنه أنشئت لدعوة التقريب بينهما دار في مصر ينفق عليها من الميزانية الرسمية لدولة شيعية ، وهذه الدولة الشيعية الكريمة آثرتنا بهذه المكرمة فاختصتنا بهذا السخاء الرسمي ، وضنت بمثله على نفسها وعلى ابناء مذهبها ، فلم تسخ مثل هذا السخاء لانشاء دار للتقريب في طهران أو قم "[42] .
   وبغض النظر عن صحة معلومات محب الدين الخطيب من ناحية إشراف طهران على هذه الدار ، فالنص يشير إلى أن الخطيب لم ينطلق إلى هذه المواجهة مع دار التقريب بين المذاهب الاسلامية من منطلق العداء المذهبي الحقيقي للشيعة ، بقدر ما حمل كتابه خلفيات سياسية كانت تتوجس من محاولات إيران التوغل مرة أخرى في مصر ، بعد توتر العلاقات بين البلدين على إثر الطلاق الملكي بين الإمبراطورة فوزية والإمبراطور الإيراني محمد رضا بهلوي ، وهو تقارب كانت الدولة السعودية تنظر إليه بقدر كبير من القلق[43] كونه يتعارض مع مساعيها للسيطرة على الواقع المصري عبر نشر المنظومة السلفية ، وهو ما دفع الخطيب الذي نشأ في الشام حيث يتواجد الشيعة بمذاهبهم الإثنى عشرية والاسماعيلية ، وصادق إمام الزيدية في اليمن ، وعاصر العلاقات والمحاولات التي قام بها استاذه رشيد رضا للتقارب مع الشيعة في إيران ومصر إلى درجة زيارة حسينيتهم في القاهرة دون أن يسجل أي اعتراضات عليه ، إلى الالتفات فجأة لخطورة الشيعة على عقيدته السنية[44] .

   مقدمتي عمارة :
   في مقدمتيه على الكتابين المنشورين ، يبدي الدكتور محمد عمارة قدراً كبيراً من الاستهانة بالمنهجية العلمية ، والمتاجرة بعدم دراية القاريء المصري ، على الأغلب ، بتفاصيل القضية المذهبية في التراث الإسلامي ، وبالتالي فهو يطلق لقلمه العنان في إطلاق الاتهامات التي يعلم ، بصفته كاتباً إسلامياً مرموقاً ، عدم قيمتها من الناحية العلمية ، وأنها لا تعدو أن تكون سباباً طائفياً لغرض يختلف تماماً عن الحقيقة التي كان من الضروري عليه ، وهو يحظى بهذه المكانة ، أن يلتزم بها .
   يبدأ عمارة مقدمته على كتاب " الخطوط العريضة لدين الشيعة " بمحاولة تفسير عنوانه الغريب في صياغته : " قد يستغرب البعض استخدام محب الدين الخطيب مصطلح (دين الشيعة) بدلاً من (مذهب الشيعة) أو (فرقة الشيعة) .. لكن الذين خبروا حقيقة عقائد الشيعة الإمامية يدركون دقة هذا الاصطلاح .. بل ويعرفون أن علماء الشيعة أنفسهم لا ينكرون ذلك ، وإن منهم لمن جاهر باستخدامه .. فشيخ الطائفة نعمة الله الجزائري (1212 هـ/1797 م) يعلن في كتابه (الأنوار النعمانية) مفارقة الشيعة لأهل السنة والجماعة حتى في الألوهية والنبوة "[45] .
   إن هذا التفسير التبريري لعنوان يمتليء بالكراهية الطائفية والاقصاء ، فضلاً عن كونه يظهر الدكتور عمارة بصورة مثيرة للشفقة ، فإنه يستهين للغاية بالحقائق العلمية التي يعرفها جيداً محمد عمارة وسبق له أن تناولها في كتبه بخصوص الشيعة .
   يبرر عمارة اقصائية الخطيب وتكفيريته التي ظهرت بوضوح في استخدامه لعنوان " دين الشيعة " باعتبار أنهم يمثلون دين آخر غير الاسلام ، بأن علماء الشيعة أنفسهم لا ينكرون ذلك ، أي أنهم يعتقدون بعدم تابعيتهم للاسلام ، ولا أدري كيف أمكن لعمارة التجاوز على كل التراث الاسلامي الشيعي من الكتب الاصولية والفقهية الاسلامية ، كي يطلق هذا التبرير الساذج المصحوب بكذبة صريحة أن الشيعة الذين يشهدون بالتوحيد والنبوة للرسول (ص) يعترفون بانهم ديانة مستقلة ، بل ويعتبر استخدام الخطيب لعبارته في عنوان كتابه دقيقاً كمحاولة فاشلة في تجميل شيء قبيح في كينونته . ولم يجد عمارة ما يستدل به على مقولته سوى مقطع للسيد نعمة الله الجزائري الذي عاش في القرن الثامن عشر الميلادي يقول فيه حسب النص الذي نقله عمارة : " إننا لم نجتمع معهم (أي أهل السنة والجماعة الذين يمثلون أكثر من 90 % من المسلمين) على إله ولا نبي ، ولا على إمام ، وذلك أنهم يقولون : أن ربهم هو الذي كان محمد نبيه ، وخليفته أبو بكر .. ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي ، بل نقول إن الرب الذي خليفته ابو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا "[46] . وهكذا تجاهل عمارة كل التراث الشيعي الذي بدأ ، حسب تصوراته ، من عصر الامام جعفر الصادق (80 - 148 هـ) وتعلق بمقولة لأحد علماء الشيعة المتأخرين والذي عاش في القرن الثالث عشر الهجري والثامن عشر الميلادي ، أي بعد عشر قرون من البداية التي يزعمها عمارة للتشيع ، وخلال هذه الفترة تعمد عمارة عدم الالتفات لمؤلفات ككتاب أوائل المقالات للشيخ المفيد (الشيعي) والذي عدد فيه عناصر الاتفاق والاختلاف بين الشيعة والفرق الاسلامية الأخرى دون نفي لها ، كما تجاهل مؤلفات أخرى ككتاب الفرق بين الفرق لعبدالقاهر البغدادي (الأشعري) والذي كال اتهامات التكفير والزندقة لكل الفرق الاسلامية المخالفة ، كي يحول فقط عنوان محب الدين الخطيب إلى تعبير دقيق .
   على أن العبارة المتطرفة للسيد نعمة الله الجزائري ، والتي لا يمكن تبريرها كذلك ، لم يكن المقصود منها تابعية الشيعة لدين آخر غير الاسلام ، ولا خروج السنة عن الاسلام في المقابل بقدر ما كان يشير بها لنفي صحة خلافة أبي بكر سواء من ناحية الصحة العقائدية أو من ناحية رضا النبي (ص) بمثل هذا الاجراء الذي اتخذ بعد وفاته ، يقول الكاتب الشيعي علي آل محسن : " إن كلام السيِّد نعمة الله الجزائري رحمه الله واضح جداً ، فإنه يريد بهذا الكلام لازمه ، وهو نفي خلافة أبي بكر لا أكثر ولا أقل ، فمراده بقوله (إن النبي الذي نصب أبا بكر خليفة لا نعتقد به) هو أنه لا يوجد نبي هكذا حتى نعتقد به ، فالقضية سالبة بانتفاء موضوعها ، فإن نبيّنا (ص) لم ينصب أبا بكر خليفة . وكذلك لا يوجد رب قد أرسل نبيًّا كان خليفته أبا بكر حتى نؤمن به ، فإن ربَّنا سبحانه لم يرسل نبيًّا هكذا .. إلا أن الإنصاف يقتضي أن نقول : إن تعبير السيّد الجزائري قدس سره : (أنّا لا نجتمع معهم على إله ولا على نبي ولا على إمام) بالمعنى الذي أوضحناه تعبير غير حسن ، لا يحسن صدوره منه ولا من غيره وإن كان المراد منه صحيحاً وواضحاً ، وذلك لأن المغرضين قد اتّخذوه وسيلة للتشويش به على العوام وإيهامهم بأن الشيعة لا يعتقدون بالله سبحانه ولا بنبوّة نبيِّنا محمد (ص) كما صنع الكاتب وغيره ، فكان الأولى بالسيّد رحمه الله أن يذكر المعنى المراد بعبارات غير موهمة "[47] .
   والواقع أن علي آل محسن في تعامله النقدي مع النص كان أكثر حيادية ومنهجية من الدكتور عمارة ، بالرغم من امتلاك الأخير للقب العلمي ، نظراً لعدم سعيه إلى الاعتساف لتحويل عبارات الاقصاء الديني ذات الخلفيات السياسية والمدفوعة الثمن من قبل دولة ما[48] ، إلى تعبيرات دقيقة من الناحية العلمية .
   على أن اصرار الدكتور عمارة على المجازفة والتجاوز على المنهجية العلمية لم يتوقف عند هذا الحد وإنما تطور في الصفحة اللاحقة إلى درجة التضليل للقاريء عندما سعى لاستدلال بمروية في كتاب " الكافي " للكليني واصفاً إياه بأنه " بمثابة البخاري عند أهل السنة "[49] بينما يعلم الدكتور عمارة تماماً أن الشيعة ليس لديهم كتاب حديث صحيح بنفس المستوى الذي ينظر به السنة لأحاديث محمد بن إسماعيل البخاري : " لم يغال به احد غلو محدثي السنة في البخاري ، ولم يدع احد بأنه صحيح بجميع مروياته لا يقبل المراجعة والمناقشة سوى جماعة من المتقدمين تعرضوا للنقد اللاذع من بعض من تأخر عنهم من الفقهاء والمحدثين ، ولم يقل احد : بان من روى عنه الكليني فقد جاز القنطرة كما قال الكثيرون من محدثي السنة في البخاري ، بل وقف منه بعضهم موقف الناقد لمروياته من ناحية ضعف رجالها ، وإرسال بعضها ، وتقطيعها ، وغير ذلك من الطعون ، التي تخفف من حدة الحماس له ، والتعصب لمروياته "[50] .
   أما عن المروية التي استند إليها فقد قام باقتطاع النص من رسالة طويلة منسوبة للامام الرضا أرسلها إلى تلميذه عبدالله بن جندب حول تفسير الآية 35 من سورة النور وقد اقتطع منها عمارة هذا الجزء : " إن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق ، يردون موردنا ، ويدخلون مدخلنا ، ليس على ملة الاسلام غيرنا وغيرهم إلى يوم القيامة "[51] .
   وأصل المروية التي اقتطعها الدكتور عمارة هي كالتالي : " أما بعد ، فإن محمدا كان أمين الله في خلقه ، فلما قبض النبي صلى الله عليه وآله كنا أهل البيت ورثته ، فنحن أمناء الله في أرضه ، عندنا علم المنايا والبلايا وأنساب العرب ومولد الاسلام ، وما من فئة تضل مائة به وتهدى مائة به إلا ونحن نعرف سائقها وقائدها وناعقها ، وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الايمان وحقيقة النفاق ، وإن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم أخذ الله علينا وعليهم الميثاق ، يردون موردنا ويدخلون مدخلنا ، ليس على ملة الاسلام غيرنا وغيرهم إلى يوم القيامة ، نحن آخذون بحجزة نبينا ونبينا آخذ بحجزة ربنا - والحجزة النور - وشيعتنا آخذون بحجزتنا ، من فارقنا هلك ومن تبعنا نجا ، والمفارق لنا والجاحد لولايتنا كافر ، ومتبعنا وتابع أوليائنا مؤمن ، لا يحبنا كافر ولا يبغضنا مؤمن ، ومن مات وهو يحبنا كان حقا على الله أن يبعثه معنا "[52] .
   ومن الواضح في المروية أن الامام علي بن موسى الرضا ربط الكفر ببغض أهل البيت النبوي والجحود لهم (وهو ما كان منتشراً في العهدين الأموي والعباسي) ، بحيث يصبح المقصود بملة الاسلام التي أشار إليها (ليس على ملة الإسلام غيرنا وغيرهم) هو الاسلام بالمعنى الصحيح ، حسب اعتقاده، وليس الانتماء للدين الاسلامي بشكل عام .
   على أن عمارة تجاهل في الواقع العديد من نصوص الشيعة الايجابية تجاه الآخر والتي لا يمكنني تصور أنه ليس له دراية بها ، لعل أهمها ما ينسب للامام جعفر الصادق : " معاشر الشيعة ، كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً ، قولوا للناس حسناً ، احفظوا ألسنتكم وكفّوها عن الفضول وقبيح القول "[53] ، " يا معشر الشيعة إنكم قد نسبتم إلينا ، كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا ، ما يمنعكم أن تكونوا مثل أصحاب علي - رضوان الله عليهم - في الناس ، وإن كان الرجل منهم ليكون في القبيلة فيكون إمامهم ومؤذنهم ، وصاحب أماناتهم وودائعهم ، عودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم ، صلوا في مساجدهم "[54] .
   إن تجاهل الدكتور عمارة لمثل هذه المرويات وحرصه على اقتطاع مرويات أخرى من سياقها لتشويهها بهدف تبرير الهدف النهائي له وللكاتب بتكفير مجموعة كبيرة من المسلمين لا هو عبث يقوم فيه أحد أصحاب الدرجات العلمية بممارسة التجهيل المتعمد تجاه القاريء البسيط اعتماداً على قلة دراية الغالبية من المصريين بالمذهب الشيعي .
   وبعيداً عن النصوص الشيعية التي استعرضها الكاتب في اتهامة للشيعة بتأليه أئمتهم وتحريف القرآن ، وهو ما سأناقشه بالفعل ضمن الافكار المطروحة في كتاب الخطوط العريضة لدين الشيعة ، فقد رأى عمارة القفز إلى اسلوب الخلط بين ما هو تاريخي وسياسي وبين ما هو ديني عبر الربط بين رفض الشيعة لبعض الصحابة وبين ممارساتهم السياسية : " وبسبب هذه العزلة عن كل هذا الذي صنعه الصحابة ومن والاهم ، بل والحقد عليهم ، سقط قطاع من الشيعة في مستنقع الخيانة عندما تحالفوا مع الصليبيين ضد صلاح الدين الأيوبي (532 – 589 هـ 1137 – 1193م) وعندما تحالفوا مع هولاكو (614 – 663 هـ 1217 – 1265م) ضد الأمة وخلافتها العباسية .. وعندما تحالفوا – أخيراً – مع الإمبريالية الأمريكية والمسيحية الصهيونية اليهودية على تدمير العراق وتفتيته سنة 2003 م "[55] .
   والأمر هنا يتجاوز الغرابة ليصل إلى مرحلة الشعور بالشفقة تجاه هذا الانحدار المنهجي الذي يعانيه دكتور عمارة لاسباب غير معروفة عندما يربط ما بين الانتماء والتشيع وبين السقوط في مستنقع الخيانة بينما التاريخ يمتليء بالخيانات التي ارتكبها بعض المنتسبين للسنة كذلك وممن ساهموا في في دعم العدو ، بداية من العلاقات المتبادلة بين العباسيين ودولة الفرنجة المعادية للخلافة الأموية بالاندلس ، والعلاقات الأموية بالدولة البيزنطية المعادية للخلافة العباسية في بغداد كنوع من المكايدة المتبادلة[56] ، وانتهاء بمؤامرة بعض الحكومات العربية (السنية) على المقاومة الاسلامية في لبنان بقيادة السيد حسن نصرالله سنة 2006 ودعمهم للكيان الصهيوني في مواجهته .
   إن فكرة الربط بين الخيانة ومعتقد ما (كالعداء للصحابة) لا يمكنها أن تصمد أمام أقل قدر من النقد عقلياً كان أو تاريخياً ، وإلا فالدكتور عمارة مطالب بتفسير الاسباب التي دعت الشافعية (المتأثرين بالصحابة) في أصبهان سنة 633 هجرية إلى استدعاء المغول لغزو مدينتهم والاتفاق معهم بالسماح لهم بدخول المدينة مقابل التخلص من أتباع المذهب الحنفي[57] ، وتفسير خيانة الملك السلجوقي قلج أرسلان وتعاونه مع الحملة الألمانية الصليبية كي تمر إلى الشام سنة 586 هـ .
   أما عن الخيانة عبر التعاون مع الصليبيين في مواجهة صلاح الدين الأيوبي ، فعلى الدكتور عمارة تفسير خيانة صلاح الدين الأيوبي لمولاه نور الدين واستقوائه بالصليبيين وتقاعسه عن مهاجمتهم حتى لا ينفتح الطريق أمام نور الدين إلى مصر[58] ، كما لم يفسر خيانته للخلافة العباسية عندما هادن الصليبيين في فلسطين وتنازل لهم عن مدن كان قد حررها بالفعل من صور إلى حيفا كي يتفرغ لمواجهة الخليفة الناصر العباسي[59] ، والتنازل عن المدن الإسلامية كانت عادة في الاسرة الأيوبية فقد كررها من بعدها ابني أخيه الكامل والأشرف عندما تنازلا عن القدس للملك الصليبي فريدريك الثاني سنة 626 هـ ، كما تنازل إسماعيل الايوبي سنة 641 للصليبيين عن بعض المدن مقابل دعمه في مواجهة ابن أخيه الصالح أيوب في مصر[60] ، وسيكون عليه كذلك تفسير أسباب تعاون بعض الملوك المسلمين (السنة) مع الجيش المغولي كبدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل الذي تشدد في نصح هلاكو بقتل الخليفة العباسي المستعصم ، مادام التعاون المزعوم لبعض الشيعة يزعجه لهذه الدرجة[61] .
   ويصل الأمر إلى مرحلة تجاوز الخجل عندما يتهم الشيعة بالتآمر على ضرب العراق واحتلاله سنة 2003 متجاهلا عمدا أن القوات الأمريكية والغربية المهاجمة أنطلقت من قواعد عسكرية تستضيفها دول عربية محكومة من قبل السنة ، بل أن بعض الجيوش الأمريكية مرت من قناة السويس أمام أعين المصريين السنة وحكومتهم بقيادة مبارك دون أن يحرك ساكناً ، والأهم أن الذين تعاملوا مع الأمريكيين واستفادوا منهم هم جمع من كل العراقيين ومن بينهم السنة وعلى رأسهم قادة الحزب الاسلامي السني (الاخوان المسلمين) وقادة الاكراد السنة .
   إن القاعدة التي بنى عليها د عمارة اتهاماته للشيعة بالخيانة لا يمكن تبريرها سوى عبر إطار الحقد المذهبي الذي بات يحمله تجاه الشيعة وهو ما افقده كل ما يجب أن يتسم به من اتزان منهجي ، ونقله إلى مرحلة الدجل الطائفي تجاه الآخر .
   في مقدمته على كتاب صورتان متضادتان عند السنة والشيعة الإمامية لأبي الحسن الندوي ، يقول دكتور عمارة : " إن الموقف الشيعي من الصحابة – وهم الجيل القرآني الفريد ، الذي أقام الدين ، وأسس الدولة ، وفتح الفتوح وصنع الحضارة – إنما يستهدف - في الحقيقة – إلغاء تاريخ الأمة وتاريخ الإسلام .. وإذا كان ذلك مستحيلاً ومستعصياً على التحقيق ، فإن النتيجة – بالحتم – إخراج الشيعة من هذا التاريخ ، ومن هذه الحضارة التي ازدهرت عبر هذا التاريخ "[62] .
   الواقع أن عبارة دكتور عمارة حول استهداف الشيعة إلغاء تاريخ الأمة وتاريخ الإسلام غامضة للغاية ، وكان عليه أن يوضح ما الذي يقصده من محاولة الشيعة إلغاء التاريخ ؟ ويبدو أن دكتور عمارة كان يقصد إلغاء الصورة الناصعة التي اعتادت التيارات الاسلاموية أن تروجها للتاريخ الاسلامي باعتباره تاريخاً ملائكياً ، في حين تتضمن المدونات التاريخية – السنية والشيعية – للكثير من الاحداث التي تظهر بكل وضوح الصدامات والصراعات الدنيوية بين المسلمين بما فيهم جيل الصحابة الذين تركوا النبي (ص) متوفياً واتجهوا للصراع على خلافته ولم يحضر الكثير منهم صلاة الجنازة عليه ، وهنا يلجأ التيار الاسلاموي للقمعية في تناول هذه الاحداث والتغطية عليها عبر النهي عن استعراض الخلافات بين الصحابة ، وهو ما يسعى دكتور عمارة لترويجه كذلك من طرف خفي ، وعلينا أن نتساءل الآن من الذي يرغب في إلغاء التاريخ ؟
   إن الدكتور عمارة ، وخلفه تياراً دينياً رجعياً ضخماً ، يطلبون من الشيعة تجاهل ما ثبت لديهم من أحداث تاريخية ومواقف عدائية صريحة لأهل البيت الذين يتشيعون لهم من قبل بعض الشخصيات الصحابية ، بهدف المحافظة على مظهراً وردياً وهمياً ومزيفاً لعهد الصحابة بعد وفاة النبي (ص) وذلك بغض النظر عن الحقائق التاريخية التي يعترف بها المؤرخون السنة قبل الشيعة ، وإلا فعليهم أن يكونوا خارج التاريخ والحضارة الاسلامية .
   ولا أدري لو كان الدكتور محمد عمارة منتبهاً لما يقوله خاصة أنني لا أعرف بالضبط الآلية التي يمكن أن يلجأ إليها لاخراج الشيعة من التاريخ والحضارة الاسلامية ، وعلى فرض أنه تمكن من ذلك فإن ما يطالب به يعني أخراج شخصيات كالفرزدق ، الكميت ، السيد الحميري ، البحتري ، أبو تمام ، ابن الرومي ، المتنبي ، الفردوسي ، جابر بن حيان ، ابن سينا ، الفارابي ، علي بن رضوان ، اخوان الصفا ، ملا صدرا ، الحسن بن الهيثم ، ودول كالبويهيين والحمدانيين والفاطميين والادارسة .. الخ ما الذي يمكن أن يبقى للحضارة الاسلامية إذا قام الدكتور عمارة في لحظة عسف وعنجهية طائفية بشطب هؤلاء واعتبارهم من خارجها ؟ .
   إن مقدمتي الدكتور محمد عمارة على الكتيبين الصادرين من مجلة الأزهر سوف يمثلان نقطة سوداء مخجلة في تراثه الفكري ، لما تظهرانه من انعدام للمنهجية العلمية ، واقصائية طائفية فاضحة ، وضحالة معلوماتية ، وتشوش في الرؤية غير مقبول من كاتب يحظى بمثل هذه الشهرة لدى عدد كبير من المثقفين .
أحمد صبري السيد علي
المنصورة
نوفمبر 2012



[1] معوض حامد . تفاصيل المؤتمر السادس لشيعة العالم . تحقيق صحفي بصحيفة جريدة مصر الصادرة عن حزب مصر العربي الاشتراكي . العدد 128 بتاريخ 1/12/1997 . ص7 .
[2] سوسن عبدالباسط . جهاد دون عدوان وغرور . حوار مع شيخ الأزهر بمجلة النور . العدد 70 مارس 1997 . ص19 .
[3] يطالب المتظاهرون من كافة التيارات السلفية حتى هذه اللحظة بضرورة إصلاح الأزهر وجعل منصب المشيخة بالانتخاب ، وأقالة شيخ الأزهر أحمد الطيب والمفتي علي جمعة بدعوى أنهما من رموز النظام السابق .
[4] مصراوي . صحيفة: الداخلية تستدعي علماء لتدريب ضباط أمن الدولة علي محاربة الفكر الشيعي . خبر بموقع مصراوي http://www.masrawy.com بتاريخ 30/6/2012 .
[5] نقل محمد عمارة فقرة من حجة الإسلام الغزالي : " يقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالي (450 ، 505 هـ / 1058 ، 1111 م) : إنه لا يسارع إلى التكفير إلا الجهلة .. وينبغي الاحتراز من التكفير ما وجد الإنسان إلى ذلك سبيلاً ، فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة ، المصرحين بقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، خطأ والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم " . ومن جانب آخر تجاهل محمد عمارة ، أن قائل هذه العبارة له كتاب ضخم في تكفير المسلمين الشيعة الاسماعيلية بعنوان (فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية) .
[6] محمد عمارة . فتنة التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية . القاهرة 2006 . ص 12 ، 13 .
[7] م . س . ص 19 – 23 .
[8] فراج إسماعيل . قالوا إنه تشنيع على مذهبهم تنتجه الذريعة السياسية / علماء شيعة: لا نسب الصحابة ولا نقول بتحريف القرآن ولا نكفر السنة . موقع الشيخ حسن الصفار http://www.saffar.org نقلاً عن موقع قناة العربية . 12/11/2012 .
[9] افتى عدد كبير من مراجع الشيعة بجواز الصلاة خلف الامام السني مثل الامام الخميني ، السيد الخامنئي ، السيد محمد حسين فضل الله .
[10] محمد عمارة . م . س . ص 23 ، 24 .
[11] دستور الجمهورية الاسلامية الإيرانية . موقع مجلس النواب البحريني http://www.nuwab.gov.bh . بتاريخ 12/11/2012 .
[12] م . س . بتاريخ 12/11/2012 .
[13] محمد عمارة . م . س . ص 26 .
[14] الانحياز للمعتقد ممارسة طبيعية بكل تأكيد ، لكن تحريف نصوصه إلى مدى أوسع مما تدل عليه في مواجهة الآخر ، يمثل انحيازاً غير علمي بكل تأكيد ، وتصرف عمارة مع نصوص الغزالي يمثل الدليل الأوضح على تجاوزه للمنهجية ، بالرغم من أن لا نصوص الغزالي ولا عصره يدلان على هذا الانفتاح العقائدي المستنير الذي يرغب عمارة من الاشارة إليه عن طريقها .
[15] افتى بهذه الفتوى عدد من مراجع الشيعة اشهرهم السيد الخامنئي مرشد الثورة الإسلامية في إيران ، والسيد محمد حسين فضل الله (رحمه) في أكثر من مناسبة .
[16] محمد عمارة . مقدمة كتاب صورتان متضادتان لابي الحسن الندوي . طبعة القاهرة 2012 (هدية مجلة الازهر لشهر رمضان 1433) . ص 3 .
[17] م . س . ص 4 .
[18] ميرزا طاهر أحمد . زهق الباطل (مجموعة خطب) . طبعة الشركة الاسلامية المحدودة . لندن 2005 . ص 45 ، 46 . نقل المؤلف هذا النص من عدد مجلة الندوة الصادر في ديسمبر 1908 عدد 11 مجلد 5 ص 1،2 .
[19] م . س . ص46 . نقل المؤلف هذا النص من العدد السابق لمجلة الندوة ص 7 .
[20] م . س . نقل المؤلف هذا النص من عدد مجلة الندوة الصادر في يوليو 1908 مجلد 5 ص 1 .
[21] محمد منظور نعماني . دعايات مكثفة ضد الشيخ محمد بن عبدالوهاب . طبعة مكتبة الفرقان . لكهنؤ 1980 . ص 17 ، 21 . نسخة كومبيوترية من موقع المكتبة الشاملة http://shamela.ws .
[22] ميرزا طاهر أحمد . زهق الباطل (مجموعة خطب) . م . س . ص 44 . نقل المؤلف هذا النص عن عدد مجلة جتان  الصادر في لاهور يوم 15 أكتوبر 1962 .
[23] م . س ص 44 . نقل المؤلف هذا النص عن عدد مجلة طوفان الباكستانية الصادر في 7 نوفمبر 1962 .
[24] أحمد محمود الساداتي . تاريخ المسلمين في الهند . القاهرة 1970 . ص 170 – 172 .
[25] محمد عمارة . مقدمة كتاب الخطوط العريضة لدين الشيعة لمحب الدين الخطيب . طبعة القاهرة 2012 . هدية مجلة الأزهر لشهر ذي الحجة 1433 . ص 4 .
[26] محمد عبدالرحمن برج . محب الدين الخطيب ودوره في الحركة العربية . طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب . القاهرة 1990 . ص 28 ، 29 .
[27] محمد أبو الإسعاد . السعودية والإخوان . القاهرة 1996 . ص 13 – 17 .
[28] محمد عبدالرحمن البرج  . م . س . ص 27 .
[29] م . س . ص 55 ، 56 .
[30] م . س . ص 57 .
[31] لا أدافع هنا عن الدولة العثمانية ، كما لا اقصد من هذه العبارة الهجوم على التيار القومي العربي ، وإنما فقط أشير إلى محاولات البريطانيين لاستغلال سلبيات الدولة العثمانية في تفكيكها تمهيداً للحلول الغربي محلها في السيطرة على أملاكها في الشرق ، ومحاولة إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين .
[32] محمد برج . م . س . ص 65 ، سليمان صالح . الشيخ علي يوسف وجريدة المؤيد . الهيئة المصرية العامة للكتاب . مجموعة تاريخ المصريين . القاهرة 1197 . ص 41 – 43 . نشير غلى أن صحيفة المؤيد هي التي قامت بنشر كتاب قاسم أمين عن تحرير المرأة في حلقات متتالية على صفحاتها .
[33] محمد برج . م . س . ص 66 .
[34] م . س . ص 97 .
[35] م . س 98 – 102 .
[36] م . س ص 103 ، 104 .
[37] م . س . 105 – 107 .
[38] م . س ص 107 – 113 .
[39] م . س . ص 120 ، 121 .
[40] م . س . ص 148 .
[41] علي مبارك . الخطط التوفيقية . المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق . الطبعة الأولى . القاهرة 1306 هجرية . ج1 ص92 ، ج . و . مكفرسون . الموالد في مصر . الهيئة المصرية العامة للكتاب . القاهرة 1998 . ص265 . يقول علي باشا مبارك في الخطط التوفيقية (والأعاجم القاطنون بالقاهرة يفضلون السكن بالقرب من المشهد الحسيني عن غيرها ويتظاهرون في مولده بالزينة الفاخرة والولائم العظيمة ويحزنون عليه حزنهم المشهور وهو من ابتداء المحرم من كل سنة يجتمعون في منزل يتخذونه لذلك ويكسونه من الداخل بالكشمير والأقمشة المفتخرة ويفرشونه بالبسط والسجاجيد ويوقدونه وقدات فائقة ويدعون من أرادوا من اصحابهم وأحبابهم وبعد الأكل يقوم منهم خطيب يصعد فوق منبر صغير ويخطب خطبة بالفارسية تتضمن رثاء أهل البيت ويترنم فيها بالنوح والتعديد وإظهار الحزن والأسف والكآبة ويبكي ويبكي الحاضرين وبعد فراغه يشربون الشاي وينصرفون وهكذا يفعل في الليلة الثانية والثالثة إلى ليلة عاشوراء فيتوسعون في الوليمة ويكثرون من دعوة الامراء والأعيان ثم بعد الساعة الثانية من الليل يتهيئون في صورة موكب يحضره كبيرهم وصغيرهم ويصطفون صفوفا وبأيديهم السيوف وبين صفوفهم شاب على حصان ملبسه كملبسهم البياض فمتى أنتظموا مشوا نحو المشهد الحسيني وهم يصيحون ويقولون حسن حسين ويبكون بحزن ويضربون جباههم وصدورهم بما في ايديهم من السلاح والدم يسيل على ملابسهم ومتى كانوا عند المشهد وقفوا برهة ثم يعودون إلى المنزل من طريق أخرى على الصورة التي ذكرناها) ، ويقول مكفرسون (والاشارة فيما سبق إلى (عاشوراء) تدعو إلى صواب الاضافة ، بأن هناك احتفالاً كبيراً ثانياً يتمركز حول مكان (رأس الحسين) ، (كان يقام) حتى حوالي وقت الحرب العظمى 1914-1918 في العاشر من محرم . فبعد الحداد عند الضريح ، كان يسير موكب مكون أساساً من الدراويش الشيعة إلى (التكية الفارسية) ، يضرب المنتظمون فيه أنفسهم بالسيوف ويصرخون ، (يا حسن) ! (يا حسين) . وعندما شاهدت هذه الترنيمة Threnody كان يقود هذا الموكب صبي يرتدي البياض ويركب فرساً صغيراً أبيض اللون . كان متحمساً بصورة مشفقة مع صوته وسيفه . كان كل من الجواد وراكبه قرمزيين كما كانت كذلك الشوارع قبل الوصول إلى التكية . فاذا وضع في الاعتبار كيف كانت العداوة بين " السنة " و" الشيعة " ، في أجزاء كثيرة من عالم الاسلام ، وأن الأغلبية العظمى من القاهريين " سنيون " ، فان تقديرا كبيرا – واحد من كثير – يستحق للتسامح المصري ، في اتحاد السنة والشيعة في رابطة واحدة في المسجد ، وأن لا شيء يرى في الموكب سوى التعاطف والمشاركة الوجدانية) .
[42] محب الدين الخطيب . الخطوط العريضة لدين الشيعة . القاهرة 2012 . هدية مجلة الأزهر عدد ذي الحجة 1433 . ص 35 .
[43] من الملاحظ أن هذا القلق مازال ممتداً حتى الآن ، ومازال كل تقارب مصري إيراني يعد تهديداً للعلاقات المصرية السعودية ويستفز التواجد السلفي الموال للأخيرين أيما استفزاز .
[44] محمد رشيد رضا . تعقيب الكاتب على مقال (البدع والخرافات والتقاليد والعادات عند الشيعة) . مجلة المنار . موقع www.shamela.ws  . نسخة وورد . م32 ص 96 . يقول رشيد رضا (ولم أنتقد بدع الشيعة التي يأتونها في يوم عاشوراء أو غيره من الأيام بل كنت أجيب دعوة جمعيتهم بمصر كل سنة إلى المأتم الذي يقيمونه في تكيتهم بالحمزاوي لأجل التأليف) .
[45] محمد عمارة . مقدمة كتاب الخطوط العريضة لدين الشيعة لمحب الدين الخطيب . م . س . ص 8 .
[46] م . س . ص 8 .
[47] علي آل محسن . لله وللحقيقة (رداً على كتاب لله ثم للتاريخ) . موقع شبكة الشيعة العالمية http://shiaweb.org . بتاريخ 18/12/2012 . ج2 ص 464 ، 465 .
[48] الباحث يشير هنا إلى مؤلف الكتاب محب الدين الخطيب وعلاقته بآل سعود في قترة كتابته لهذا الكتيب .
[49] محمد عمارة . مقدمة كتاب الخطوط العريضة لدين الشيعة لمحب الدين الخطيب . م . س . ص 9
[50] السيد هاشم معروف الحسني . دراسة في الحديث والمحدثين . شبكة الشيعة العالمية http://shiaweb.org . بتاريخ 19/12/2012 . ص 132 .
[51] محمد عمارة . م . س . ص9 .
[52] علي بن إبراهيم القمي . تفسير القمي . موقع يعسوب الدين http://www.yasoob.com . بتاريخ 19/12/2012 . ص 104 .
[53] الشيخ الصدوق . الأمالي . موقع يعسوب الدين http://www.yasoob.com . بتاريخ 19/12/2012 . ص 484 .
[54] علي الطبرسي . مشكاة الأنوار . موقع يعسوب الدين http://www.yasoob.com . بتاريخ 19/12/2012 . ص 134 .
[55] محمد عمارة . مقدمة كتاب الخطوط العريضة لدين الشيعة لمحب الدين الخطيب . م . س . ص 15 .
[56] محمد محمد مرسي الشيخ . دولة الفرنجة وعلاقتها بالأمويين في الاندلس حتى أواخر القرن العاشر الميلادي 755 – 976 م / 138 – 366 هـ . ط مؤسسة الثقافة الجامعية . القاهرة 1981 . ص 165 – 168 ، 269 ، 270 .
[57] مختار جبلي . حملات الغزو المغولي للشرق كما عاشها العلامة بن أبي الحديد المدائني . فصل من شرح نهج البلاغة . طبعة دار لارماتون . باريس 1995 . ص 56 ، 57 .
[58] حسن الأمين . صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصليبيين . دار الجديد . بيروت 1994 . ص 198 ، 204 .
[59] م . س . ص 114 – 120 .
[60] م . س . ص 196 – 198 .
[61] فؤاد عبدالمعطي الصياد . المغول في التاريخ . طبعة دار النهضة العربية . بيروت 1980 . ج 1 ص 269 ، 278 ، 279 ، 290 .
[62] محمد عمارة . مقدمة كتاب صورتان متضادتان عند السنة والشيعة الإمامية . م . س . ص 14 .

ليست هناك تعليقات: