الأحد، 10 فبراير 2013

البرجوازية المصرية والثورة (رعب الفوضى وآلام السقوط)


   على الرغم من حالة الارتباك التي يتسم بها المشهد السياسي والاجتماعي المصري في الفترة الأخيرة ، فالواقع أن النتيجة الوحيدة المؤكدة في هذه اللحظة هي أن النخبة البرجوازية التي تقود الحراك المصري تسقط ، بكل تنوعاتها وفصائلها ، ولم تعد قادرة على فرض مشاريعها أو مصالحها الخاصة على الشباب الغاضب في شوارع البلاد ، تحت أي مسميات أو شعارات صارت ممجوجة ولا تثير سوى السخرية .

 
   لقد كانت الأزمة الحقيقية للكادحين في مصر منذ البداية هي أن قيادة هذا الحراك الاجتماعي ينتمون للبرجوازية المصرية ، التي فشلت منذ نشأتها وحتى قيام ثورة يوليو في حسم كل حركاتها الاجتماعية نظراً لعدم قدرتها من الأساس على صياغة مشروع خاص بها .
   لقد كانت ثورة 23 يوليو بقيادة الضباط الأحرار هي الحركة البرجوازية الوحيدة التي كتب لها النجاح ، وتمكن عبدالناصر بفضل جماهيريته وشعبيته بين الضباط من حماية هذا التحرك الاجتماعي من الانحراف الذي أراد اليمين الديني ممثلاً في الإخوان المسلمين توجيه الثورة إليه عبر التآمر مع السفارة الأمريكية . لكنه في المقابل ، ونظراً لأن مشروعه تمت صياغته من أعلى ولم يحظى بنفس الجماهيرية التي حظي بها عبدالناصر كزعيم ، لم يتمكن من ترك كوادر سياسية قادرة على حماية مشروعه من التحطم على يد الإنحرافات اليمنية التي قادها السادات بمساعدة الاخوان ووجهت السلطة المصرية إلى التعلق بطرف الإمبريالية والقضاء على استقلالها واستقلال البلاد .
   هذه الخطايا البرجوازية هي التي قضت تماماً على كل طموحات الشعب المصري ، عبر تاريخه الحديث ، تجاه تحقيق الاستقلال والتطور ، وهي أيضاً التي قضت على النجاحات الأولية التي حققها بتحركه الجماهيري الضخم ضد مبارك ، وبينما كان الشارع المصري يطمح إلى تغيرات وتطورات في وضعه الاقتصادي والاجتماعي ، كانت البرجوازية تفكر فقط في إسقاط مبارك لا أكثر ، وحتى الآن حيث انقسمت حول الموقف من محمد مرسي ، لا يفكر مؤيدوه سوى في بقائه مهما كلفهم الأمر ، ولا يفكر معارضوه سوى في خلعه مهما كلفهم الأمر ، وكلا الموقفين يحمل قدراً من الدجل لأنهما دائماً ، وفي نفس الوقت ، لا يتورعان عن عقد مساومة تقسيم الأرباح والتي تطيح ، من بين بنودها ، بكل الضحايا الأبرياء الذين سقطوا نتيجة تفاعلهم مع هذه الزعامات .
   إن فشل الثورة الأساسي لا يخضع إذن لسوء أداء محمد مرسي ، أو ضعف حكومة هشام قنديل ، وإنما يخضع لعدم وجود مشروع ثوري بالاساس ، والأهم عدم وجود قيادة ثورية لا تقبل المساومة بطموحات الجماهير ، قيادة بمستوى لينين ، ماو تسي تونج والإمام الخميني . وهو ما افتقده الحراك الاجتماعي المصري حتى الآن ، وسوف يستمر لمرحلة أطول من الناحية الزمنية حتى يتمكن الشارع المصري من طرح قيادته الخاصة المنفصلة عن حسابات الربح والخسارة التي تجريها البرجوازية المصرية المشوهة في حركتها السياسية .
   إن فوضى الشارع المصري الآن هي دليل واضح على عدم اكتمال قناعاته بكل الاطراف السياسية المطروحة وعدم ثوريتها كذلك ، وبقدر ما تمثل هذه الفوضى رعباً حقيقيا لكل البرجوازيين نظراً لكونها تهدد مصالحهم الخاصة ، فإنهم في المقابل يدركون عدم قدرتهم على تقديم أي شيء لهذه الجماهير المحتشدة ، ويكتفي بعضهم بوصفها بـ" البلطجية " ، بينما يجعجع الطرف الآخر بأن " الجماهير هي التي تقودنا " وكلا التعبيرين مجرد إنعكاس لخواء الطرفين .
   ما يجب أن يهتم به الشباب الممتليء سخطاً على كل ما يحيط به من غموض وانتهازية النخبة ، ليس الصدام مع الشرطة واستهلاك طاقته الثورية في محاولات حرق أقسامها ، فالشرطة لن تتغير دون إرادة سياسية ، مهما احترقت أقسامها وتعرض ضباطها وجنودها لحجارة المتظاهرين ، وإنما من الضروي في البداية صياغة عقيدة ثورية جامعة لطموحات الجماهير المصرية ، واكتشاف قائد ثوري يسعى لتطبيقها دون مساومات .

ليست هناك تعليقات: