الاثنين، 18 فبراير 2013

سقوط السلفيون وعصيان بورسعيد


   الصدام الجديد ما بين الإخوان والسلفيين ، والذي ظهر أمام الجميع عقب استغناء مؤسسة الرئاسة عن خدمات مستشار الرئيس لشئون البيئة خالد علم الدين مصحوباً بشائعات غير معروفة المصدر تتحدث عن سوء استغلاله لمنصبة . لا يبدو مستغرباً إذا ما وضع في الاعتبار التراث العدائي ما بين الطرفين من الناحية العقائدية بالرغم من كل الجعجعات حول كون الطرفين من أهل السنة ، وتحالفهما السياسي في مواجهة العلمانيين والشيوعيين الذين وصفوا بالعداء للاسلام .

 

   الواقع أن التداعيات الأخيرة أكدت مدى ما يمتلكه الاخوان من مهارة تفتيت المعارضين عبر المساومات السياسية ، وما بين العصا والجزرة تمكن الاخوان من استغلال الانتهازية البرجوازية التي تتميز بها فصائل المعارضة ونجحوا في الايقاع بجبهة الانقاذ وعزلها عن جمهورها بعد أن قبل قادتها الخضوع للاستفتاء على الدستور ، ومع هذا السقوط السياسي بدأت الخلافات بين القيادات الانقاذية تظهر بوضوح لدرجة تهدد بتهاوي البقية الباقية منها .
   وبنفس هذا الاسلوب نجح الاخوان في تفتيت الجانب السلفي الذي بدأ متوحدا جذاباً لجماهيره عقب الثورة ، وانتهى مهلهلاً ومنشقاً على نفسه ، خاصة بعد السقطات الإعلامية القاسية التي وقع فيها بعض المعبرين عن الدعوة السلفية والتي عكست مدى سذاجتهم في هذا الجانب .
   وبديهي أن هذا النجاح أدى لشعور الاخوان بعدم وجود معارضة حقيقية قادرة على إزاحتهم من السلطة في الوقت الراهن مادام الجميع قابل للمساومة والانشقاق عبر شعارات ممجوجة عن تغليب مصلحة الوطن والتفكير الحكيم ، ولا حاجة واقعية لأي تحالفات قد تكبل أيديهم في العمل على أخونة الدولة بشكل كامل ، وهو ما انتقده حزب النور عبر تقديمه للرئيس ملف أخونة الدولة المتضمن لثلاثة عشر الف وظيفة قام الجماعة بالاستيلاء عليها في الجهاز الاداري ، وهو ما دفع الحزب لاحقاً لاتهام مؤسسة الرئاسة بأن قرارها تجاه علم الدين هو بمثابة عقاب لهذا الملف .
   وبغض النظر عن الخلفيات المباشرة لقرار إقالة علم الدين ، فالواقع أن الاخوان المسلمين يشعرون حالياً بقدر أكبر من الاطمئنان على محاولاتهم السيطرة على الدولة ، ليس من منطلق قوة جماعتهم وإنما لعدم وجود البديل الثوري الحقيقي القادر على قيادة الجماهير في مواجهتهم.
   ولكن يبقى التساؤل حول دور الجماهير كفاعلية حقيقية في الشارع ؟ الواقع أن العصيان المدني الذي يقوم به أبناء بورسعيد الآن والذي يحقق نجاحاً واستجابة منقطعة النظير ، يشير إلى أي مدى يمكن أن تنجح حركة الشعب المصري في إفراز قياداتها الخاصة من بين متظاهريها ، بعيداً عن ذوي الياقات البيضاء ، وهي قيادات لا تحتاج سوى لقدر من الوعي الثوري الذي ستكتسبه من توالي التجربة العملية ، وإن كان حرصها على تحقيق مطالبها الثورية وكونها متواجدة بشكل دائم بين الجماهير في الشوارع لن يسمح بإجراء أي مساومات حول هذه المطالب . وسرعان ما ستكون هذه القيادات قادرة على اتخاذ قرارات مؤثرة بما يهدد مصالح الجماعة واستقرارها في السلطة .
   إن نجاح التجربة البورسعيدية حتى هذه اللحظة ، رغم التجاهل الإعلامي والرئاسي ، قد يمثل خبرة جديدة تضاف للوعي الجماهيري المصري ، وقد يتم استخدامها على نطاق واسع في مدن القناة ، ثم في باقي المحافظات المصرية من قبل متظاهرين غير عابئين بقيادات جبهتي الانقاذ والضمير أو بتكفير التيارات السلفية للخارجين على أمير المؤمنين ، وهنا سيكتشف قيادات الجماعة السلبية الوحيدة لنجاحهم في تحطيم التيار السلفي وجبهة الانقاذ ، وهي عدم وجود القيادة القابلة للمساومة باسم الدين أو باسم المصلحة الوطنية والشرعية الانتخابية .
   إن سقوط النخبة البرجوازية لا يمثل سقوطاً للحراك الجماهيري وإنما تخليصاً له من مصالح هذه النخبة ، وإطلاقاً لسراحه من سيطرة فسادها وانتهازيتها باتجاه تحقيق مطالبه الثورية التي لن تتوقف فقط عند حد العدالة الاجتماعية .

ليست هناك تعليقات: