الأربعاء، 29 مايو 2013

النخبة المصرية بين الحراك الجماهيري والانتهازية السياسية



يخطيء من يظن أن الأحداث في مصر تتصاعد ، ما بين الحكومة الإخوانية والمعارضة المتشكلة من أطياف سياسية مختلفة ، فالواقع أنها تعاني في هذه المرحلة من عدم قدرتها على التصاعد والاضطرار للمراوحة في دائرة مفرغة .

 
فالإخوان المسلمين لم يتمكنوا من صياغة مشروع حقيقي يمكنهم تقديمه للشعب المصري كبديل عن المرحلة المباركية ، كما لم يتمكنوا من الوصول لنقطة الوسط مع الأطياف السياسية في مصر بحيث يتم إعادة تأسيس الدولة الجديدة على قواعد مرضية ومتوافق عليها من الجميع ، وانفردوا بصياغة دستور لم يحظى برضا نسبة كبيرة من الشعب المصري ولا يخدم سوى مصالح جماعتهم ، ضمن محاولاتهم للاستئثار بالسلطة وإعادة إنتاج العهد السابق بنكهة دينية .
في المقابل لا يبدو حال المعارضة المصرية أفضل من الحكومة ، فهي أيضاً لا تمتلك مشروعاً واضحاً لبناء الدولة الجديدة وصيانة مصالح الكادحين الذين تم السطو على حقوقهم طوال 40 عاماً ، كما تتميز قياداتها بقدر من الانتهازية السياسية الذي يجعلها دائماً قادرة على عقد المساومات والقفز على شعاراتها وتجاوز تضحيات الجماهير ، الأمر الذي لم يمكنها حتى الآن من توجيه أي ضربة سياسية حقيقية للتيار الإسلامي بالرغم من السخط الجماهيري تجاهه وما يعانيه من هزال فكري وسياسي واضح .
إن كلاً من الحكومة والمعارضة إنما يعبران عن النخبة التي نشأت وتطورت في عهدي الرئيسين السادات ومبارك ، حيث تحولت مصر من الاشتراكية بكل ما لديها من مثل عليا ، إلى الرأسمالية الطفيلية وما يحيط بها من انتهازية وتقنين للفساد الإداري والسياسي ، وهذه النخب هي الابنة المخلصة للوعي المزيف الذي شاب هذه المرحلة ، وبالتالي لا يبدو أنها ، بكل تنوعاتها ، ترغب حقاً في إسقاط الدولة القديمة ، بل لا ترغب حتى في القضاء على الممارسات والسلوكيات المتبعة في إداراتها والتي كانت أحد أسباب الثورة .
إن المراقب للسجال الإعلامي بين الطرفين على القنوات الفضائية أو مواقع التواصل الإجتماعي ، يمكنه أن يلحظ بسهولة حجم المسخ الذي ظهر عليه وعي النخبة المصرية ، وفي خضم هذا السجال لا مجال متاح لرصد فكرة واحدة ذات قيمة بقدر ما يشاهد بوضوح مدى المهارة التي يبديها الجميع في السخرية التي تصل أحياناً إلى حد البذاءة الصريحة ، بالإضافة إلى الشتائم المبطنة والطعن في الطرف الآخر بكل الأشكال المتدنية ، فالجميع يتسابق لإبراز حجم التشوه الذي يعانيه باعتباره تميزاً .
لقد شاركت هذه النخب في الحركة الجماهيرية التي قام بها الشعب المصري بهدف القضاء على الاستئثار المباركي بالسلطة والثروة ، وهو الهدف الوحيد الذي تحقق حتى الآن ، بينما لم تبحث هذه النخب عن تحقيق مطالب الطبقات الكادحة ولم تخرج في مظاهرة مليونية واحدة تطالب فيها بحقوق العمال أو فقراء الفلاحين أو حتى القضاء على الفقر ، واقتصرت مطالبها حتى الآن على الحرية السياسية لضمان نصيبها في الكعكة المصرية .
لقد ساهمت النخبة السياسية والثقافية المصرية لفترات طويلة في تحجيم حركة الجماهير ضد مبارك بفضل تدجينها وصفقاتها مع النظام ، وهي أيضاً من ساهم في ركوب الإخوان لموجة ثورة عارضوها وسخروا منها في البداية ، لرفضهم التام تبني مشروع محدد للثورة والتوافق على قيادة موحدة لحركتها ، وهو ما كان كفيلاً بتحقيق قدر كبير من طموحات الشعب المصري في حال كانت أهداف هذه النخبة منسجمة مع شعاراتها ذات البريق الإعلامي عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ؛ وهم الآن من يسمحون بقفز بقايا عهد مبارك على الثورة لنفس هذه الأسباب لتعود الأمور إلى نقطة الصفر مرة أخرى .
إن السبب في دخول الأوضاع السياسية بمصر لهذه الحلقة المفرغة هو هذه النخبة التي منحها المصريون ثقتهم فعبثت بها أكثر من مرة لتحقيق مصالحها الخاصة ، وكان أسوأها توجيه المواطنين لانتخاب مرشح الإخوان بالرغم من وعيهم التام لما تتسم به هذه الجماعة من فاشية واضحة ، وهي الآن تسعى لإعادة تثوير الجماهير مرة أخرى بهدف إسقاطه ليس لفشله السياسي الواضح بقدر التوجس من خطورته على مصالحها وتنصله من تعهداته لهذه النخب بمشاركتها إياه في الحكم .
لا يمكن توقع حلولاً حالية للأوضاع في مصر ، بل أن الأمور مرشحة للبقاء لفترة أطول في موقعها ، حتى لو نجح التحرك المتوقع في يوم 30 يونيو بقيادة حركة تمرد في تحقيق أهدافه وإقناع الجماهير للتواجد بكثافة في شوارع القاهرة ، وحتى لو قام بالضغط على الرئيس للقبول بانتخابات مبكرة ، فالواقع أن البديل المدني المطروح لن يتمكن من تحقيق الكثير كونه لا يختلف كثيراً عن الإخوان .

أحمد صبري السيد علي
29 مايو 2013

ليست هناك تعليقات: