يخطيء
من يظن أن الأحداث في مصر تتصاعد ، ما بين الحكومة الإخوانية والمعارضة المتشكلة
من أطياف سياسية مختلفة ، فالواقع أنها تعاني في هذه المرحلة من عدم قدرتها على
التصاعد والاضطرار للمراوحة في دائرة مفرغة .
فالإخوان
المسلمين لم يتمكنوا من صياغة مشروع حقيقي يمكنهم تقديمه للشعب المصري كبديل عن
المرحلة المباركية ، كما لم يتمكنوا من الوصول لنقطة الوسط مع الأطياف السياسية في
مصر بحيث يتم إعادة تأسيس الدولة الجديدة على قواعد مرضية ومتوافق عليها من الجميع
، وانفردوا بصياغة دستور لم يحظى برضا نسبة كبيرة من الشعب المصري ولا يخدم سوى
مصالح جماعتهم ، ضمن محاولاتهم للاستئثار بالسلطة وإعادة إنتاج العهد السابق بنكهة
دينية .
في
المقابل لا يبدو حال المعارضة المصرية أفضل من الحكومة ، فهي أيضاً لا تمتلك
مشروعاً واضحاً لبناء الدولة الجديدة وصيانة مصالح الكادحين الذين تم السطو على
حقوقهم طوال 40 عاماً ، كما تتميز قياداتها بقدر من الانتهازية السياسية الذي
يجعلها دائماً قادرة على عقد المساومات والقفز على شعاراتها وتجاوز تضحيات
الجماهير ، الأمر الذي لم يمكنها حتى الآن من توجيه أي ضربة سياسية حقيقية للتيار
الإسلامي بالرغم من السخط الجماهيري تجاهه وما يعانيه من هزال فكري وسياسي واضح .
إن
كلاً من الحكومة والمعارضة إنما يعبران عن النخبة التي نشأت وتطورت في عهدي
الرئيسين السادات ومبارك ، حيث تحولت مصر من الاشتراكية بكل ما لديها من مثل عليا
، إلى الرأسمالية الطفيلية وما يحيط بها من انتهازية وتقنين للفساد الإداري
والسياسي ، وهذه النخب هي الابنة المخلصة للوعي المزيف الذي شاب هذه المرحلة ،
وبالتالي لا يبدو أنها ، بكل تنوعاتها ، ترغب حقاً في إسقاط الدولة القديمة ، بل
لا ترغب حتى في القضاء على الممارسات والسلوكيات المتبعة في إداراتها والتي كانت
أحد أسباب الثورة .
إن
المراقب للسجال الإعلامي بين الطرفين على القنوات الفضائية أو مواقع التواصل
الإجتماعي ، يمكنه أن يلحظ بسهولة حجم المسخ الذي ظهر عليه وعي النخبة المصرية ،
وفي خضم هذا السجال لا مجال متاح لرصد فكرة واحدة ذات قيمة بقدر ما يشاهد بوضوح
مدى المهارة التي يبديها الجميع في السخرية التي تصل أحياناً إلى حد البذاءة
الصريحة ، بالإضافة إلى الشتائم المبطنة والطعن في الطرف الآخر بكل الأشكال
المتدنية ، فالجميع يتسابق لإبراز حجم التشوه الذي يعانيه باعتباره تميزاً .
لقد
شاركت هذه النخب في الحركة الجماهيرية التي قام بها الشعب المصري بهدف القضاء على
الاستئثار المباركي بالسلطة والثروة ، وهو الهدف الوحيد الذي تحقق حتى الآن ،
بينما لم تبحث هذه النخب عن تحقيق مطالب الطبقات الكادحة ولم تخرج في مظاهرة
مليونية واحدة تطالب فيها بحقوق العمال أو فقراء الفلاحين أو حتى القضاء على الفقر
، واقتصرت مطالبها حتى الآن على الحرية السياسية لضمان نصيبها في الكعكة المصرية .
لقد
ساهمت النخبة السياسية والثقافية المصرية لفترات طويلة في تحجيم حركة الجماهير ضد
مبارك بفضل تدجينها وصفقاتها مع النظام ، وهي أيضاً من ساهم في ركوب الإخوان لموجة
ثورة عارضوها وسخروا منها في البداية ، لرفضهم التام تبني مشروع محدد للثورة
والتوافق على قيادة موحدة لحركتها ، وهو ما كان كفيلاً بتحقيق قدر كبير من طموحات
الشعب المصري في حال كانت أهداف هذه النخبة منسجمة مع شعاراتها ذات البريق
الإعلامي عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية ؛ وهم الآن من يسمحون بقفز بقايا
عهد مبارك على الثورة لنفس هذه الأسباب لتعود الأمور إلى نقطة الصفر مرة أخرى .
إن
السبب في دخول الأوضاع السياسية بمصر لهذه الحلقة المفرغة هو هذه النخبة التي
منحها المصريون ثقتهم فعبثت بها أكثر من مرة لتحقيق مصالحها الخاصة ، وكان أسوأها
توجيه المواطنين لانتخاب مرشح الإخوان بالرغم من وعيهم التام لما تتسم به هذه
الجماعة من فاشية واضحة ، وهي الآن تسعى لإعادة تثوير الجماهير مرة أخرى بهدف
إسقاطه ليس لفشله السياسي الواضح بقدر التوجس من خطورته على مصالحها وتنصله من
تعهداته لهذه النخب بمشاركتها إياه في الحكم .
لا
يمكن توقع حلولاً حالية للأوضاع في مصر ، بل أن الأمور مرشحة للبقاء لفترة أطول في
موقعها ، حتى لو نجح التحرك المتوقع في يوم 30 يونيو بقيادة حركة تمرد في تحقيق
أهدافه وإقناع الجماهير للتواجد بكثافة في شوارع القاهرة ، وحتى لو قام بالضغط على
الرئيس للقبول بانتخابات مبكرة ، فالواقع أن البديل المدني المطروح لن يتمكن من
تحقيق الكثير كونه لا يختلف كثيراً عن الإخوان .
أحمد صبري
السيد علي
29 مايو
2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق