الاثنين، 24 يونيو 2013

الدين بين الإنسانية والغريزة

يشعر المرء بالكثير من الاستغراب لما تتمتع به المنظومة السلفية من قدرة جبارة على فصل التابعين لها عن الحد الأدنى من المشاعر الإنسانية وتحويلهم بشكل كامل إلى مطيعين لفتاواها مهما بلغت قسوتها وتطرفها وعدائها مع البديهيات الآدمية ناهيك عن بديهيات الدين ذاته .

 
أتذكر في فترة التسعينات نشرت الصحف حادثة مروعة لأحد اتباع المجموعات المتطرفة والذي قام بقتل ابنته الصغيرة تعذيباً لرفضها ارتداء النقاب تحت تأثير فتاوى أحد مشايخ هذا التيار والذي أخبره بأن ابنته يسكنها جن يجبرها على رفض الامتثال للشريعة .

وفي سنة 2003 قام أحد السلفيين في رأس غارب بإبلاغ مباحث أمن الدولة عن شقيقه الذي شوهد وهو يصلي على تربة كالتي يصلي عليها الشيعة وكان هذا البلاغ مقدمة لحملة اعتقالات طالت الكثيرين من الشيعة في هذه الفترة ، كما دفع التيار السلفي المدعو حمزة نجل الشيخ حسن شحاته للابلاغ عن والده ومنح جهاز أمن الدولة المبرر لاعتقاله سنة 2009 ، وقد تجرد كلا الشخصين من كافة مشاعر الولاء للقرابة حاسمين الخلافات المذهبية عبر استخدام جهاز الامن .

وأخيراً وبعد عامين من التهييج الطائفي الذي مارسته كافة التيارات الدينية في مصر ضد الشيعة وساهمت مجلة الأزهر في إثارته أكثر من غيرها ، قام سكان زاوية أبو مسلم بالاعتداء على جيران لهم من أهل بلدتهم وقتل بعضهم وسحلهم بتهمة التشيع .

من الضروري هنا الاعتراف بان المنظومة السلفية يحق لها أن تفخر بقدراتها على إزالة كل ما في نفس الإنسان من تعاطف أو رفق تجاه الآخر ومنحه المبرر الدائم لكل جريمة يرتكبها في مواجهة المخالف له ، وهذا الخلاف جريمة لديهم وحده تستحق الكثير بدءا من المقاطعة عندما تكون الدولة ليست دولتهم وانتهاء بالقتل عندما تكون الدولة متساهلة معهم للحد الذي رأيناه .

سوف يكون من السهل على السلفي العادي إراحة ضميره بمبرر واضح فهناك فديوهات للشيخ وهو ينتقد بشكل لاذع شخصيات صحابية مقدسة لدى الوسط السني بشكل عام كالسيدة عائشة ، لكنه لن يتمكن من الاتيان بمروية عن النبي ص يبيح فيها قتل الآخرين لمجرد التطاول على الصحابة ، فالنبي ص سامح الصحابة الذين طعنوا في عرض السيدة عائشة في حادثة الإفك ، بل أنه ، في مروية شهيرة ، استمع للرجل الذي سب أبي بكر أمامه دون تعليق باعتبار ان الملائكة كانت ترد عن أبي بكر . كما سيشعر بحرج بالغ عندما يجد نفسه مضطرا لمواجهة حقيقة سب بعض الصحابة لبعضهم البعض أثناء الفتنة الكبرى . بل أن موقفه سيصبح أسوأ إذا قرأ حديث النبي (سباب المسلم فسوق) ولم يقل كفراً أو ردة عن الدين بأي حال .

ثمة مبرر آخر جاهز دائماً ويردده السلفيين الآن ، فالسنة يعانون في سوريا والعراق والأحواز (بحسب زعمهم) ، وهو ما يبرر قتل الشيعة إنتقاماً لهم ، ومن يردد هذه العبارة السخيفة يتجاهل عمداً وبسوء نية القرآن الكريم والذي يقول (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (الزمر/7) أي لا تأثم آثمة إثم آثمة أخرى غيرها ، ولا تؤخذ إلا بإثم نفسها كمال قال الطبري في تفسيره .

مثل هذه النصوص القرآنية الكريمة والسنة النبوية المطهرة والحقائق التاريخية تثبت بوضوح أن المنظومة السلفية هنا لا تعتمد على الدين أو التاريخ بقدر ما تعتمد على إثارة الغرائز الحيوانية لدى أتباعها تجاه الآخرين مستغلين الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات ويسهل من خلالها انتشار العنف كحالة عامة بمظاهر متعددة سواء دينية أو جرائمية .

في الفيديو الذي نشرته بعض الصحف الالكترونية برر هؤلاء القتلة جريمتهم بأن الشيخ يقيم حفلة زواج متعة جماعية ، وهو مبرر ساذج للغاية ناهيك عن كونه يعاني من جهل واضح بزواج المتعة وبأن بعض الصحابة كما يروي البخاري ظل يعتقد بحليته حتى وفاته مثل أبي أيوب الأنصاري ، بل ان الشيخ أحمد حسن الباقوري السني الأزهري اباح زواج المتعة للشباب في السفر ، والواقع أن هذا الشاب لا يعرف بالضبط لماذا قتل الشيخ حسن شحاته وأتباعه ؟ لقد اكتفى باتباع غريزة الغضب لديه في مواجهة كل شيء محيط به وانتهى الأمر وبقى أن يسعى لايجاد المبرر عقب انتهاء الجريمة والتي تبرأ منها حتى المحرضين السلفيين ، وربما سيسعى لاي مبرر آخر مختلف عندما تحدث تداعيات أخرى أسوأ تجعل أهالي هذه القرية في مرمى غضب المصريين .

يدرك كل المتخصصين في علم الاجتماع أن العداء للاقليات ينتشر في مراحل التأزم الاقتتصادي وما يتبعه من تهميش قطاعات ضخمة من الكادحين وانتشار البطالة ، إلا أن هذا لا يمنع كذلك من أن المنظومات الإعلامية والدينية في مصر قد تم تركها لمن لا يتحمل المسئولية ويسعى لاستخدام الاثارة في مثل هذه المسائل الحساسة لتحقيق نجومية إعلامية رخيصة على حساب حقوق وأرواح بعض المواطنين كل جريمتهم أنهم اختاروا مذهباً يخالف مذهب الأكثرية والتي بدورها لا تعرف الكثير عن احكام وتاريخ مذهبها ولن تجد مصرياً يجيبك لو سألته عن مذهبه وسيكتفي بالقول أنه مسلم لا أكثر .

لقد تسببت كل المنظومة الدينية والإعلامية بتنوعاتها في مصر عندما استصغرت الحجم العددي للشيعة معتبرة اياهم طائفة غير مؤثرة وبالتالي يجوز استغلال وجودها للعبث الإعلامي والتحريض الديني ضمن حلمتها على سوريا وإيران والمقاومة في لبنان والصراع بين التيارات المدنية والدينية دون وعي بتأثير ما يفعلونه على ذهن المتلقي العادي ، فتم هرس الطائفة الشيعية في محاولات كلا الطرفين إثبات ولائه للاطراف المنزعجة من خط المواجهة مع الكيان الصهيوني .

إن ما أبرزته هذه الحادثة كذلك هو عدم وجود دوراً حقيقياً للدولة في مصر الآن بعد ان انتهت تماماً على يد مبارك ثم الاخوان ، لقد تمت هذه المأساة تحت سمع وبصر الشرطة دون تدخل لحماية الضحايا ، ومن المعروف تاريخيا أن غياب دور الدولة في مصر يؤدي دائماً لتفكيكها وتحويلها لكانتونات متصارعة ، وهذا ما سيحدث في حال استمرت حالات ابتعاد الدولة بالتوازي مع تصاعد المد الديني المتطرف .

الأمر لن يتوقف عند هذا الحد ، وبعد الطائفة الشيعية هناك أيضاً البهائيين والصوفية والمسيحيين ، وحتى هناك الصراع بين التيارات السلفية المختلفة ، والتي كانت تتبادل التكفير ، وتاريخ العداء بين الشوقيين وغيرهم من المجموعات السلفية لم ينساه من عاصر الثمانينات والتسعينات ، أما من يتبعون أفكاراً لا دينية أو إلحادية فسوف يكون لهم قصة أخرى ضمن كل هذا الهياج والهوس الديني الذي يعاني منه المجتمع المصري . والخاسر الاساسي في هذا الصراع هو الإنسان المصري ذاته ، الخاسر لكل تراثه الحضاري الراقي والساقط في حفرة الكراهية والتي تعد مقدمة ملائمة للغاية للحروب الطائفية .

نشر في موقع صحيفة  الفجر

ليست هناك تعليقات: