الأحد، 10 أغسطس 2014

حكاية داعش .. ووحدة المستضعفين




   ربما تكون هناك أسباب وتحليلات سياسية واقتصادية واجتماعية متنوعة لظهور ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي يرمز إليه باختصار داعش . إلا أن أياً من هذه التحليلات لن يمكنها أن تخفي حقيقة أنه لولا ضعف المجتمعات العربية والإسلامية وترهلها وسقوط مصداقية مثلها العليا وقيمها الحضارية على أرض الواقع لما تمكن هذا التنظيم من تحقيق اختراقات بدول مركزية كبرى لم يكن ليجرؤ سابقاً على التواجد بها .

 
   لا ريب أن هناك قوى مستكبرة ضخمة تسعى بالفعل لإضعاف العالم العربي واستنزاف قواه ، ومن الممكن أن نشير إلى حقيقة أن تحركات هذا التنظيم التقت بشكل مريب مع التحركات الصهيونية ضد المقاومة في غزة ، كما أفادت لمرحلة ما عدة قوى دولية وإقليمية كانت تسعى لضمان عدم عودة مواطنيها المتورطين في الحرب ضد سوريا إلى بلدانهم وكان من الضروري فتح المجال لهم في مكان آخر كالعراق لبدأ مغامرة جديدة ربما تؤدي لدعم المغامرة السابقة في سوريا والتي كانت على وشك السقوط تماماً .
   إلا أن كل هذه المؤامرات والترتيبات لم تكن لتنجح سواء في سوريا أو العراق أو في أي مكان آخر ، لولا سقوط العالم العربي والإسلامي بشكل عام في حالة من الاستغراق المرضي في العصبية الطائفية والعنصرية القومية ، وهي حالة إمتدت كذلك للغرب الأوروبي المتقدم من الناحيتين العلمية والاقتصادية ، ويتمتع بقدر من الرفاهية الاجتماعية والتطور السياسي[1] ، لكن هذا لم يمنع السويسريين من النظر بشكل عدائي للمآذن الإسلامي واستصدار قانون يمنع بنائها بحجة عدم تلائمها مع النمط المعماري السويسري .
   إن ظهور التنظيمات أمثال داعش بآرائها الساذجة في تطرفها وجموحها ، والتي يبدو أنها ستثير الكثير من الاضطراب في العالم الإسلامي في حال صحة الأنباء الواردة من العراق حول نية هذا التنظيم إلغاء بعض الآيات التي تدعو للتسامح مع الآخر وخاصة أهل الكتاب ، بدعوى أنها مدسوسة من اليهود والنصارى[2] ، هذا الظهور لا يمكن أن يحقق أي نتائج بين مجتمعات تمتلك الوعي الديني والإنساني ، بقدر ما تحصل على الكثير من الأتباع بين مجتمعات تجبرها الأزمات الاقتصادية الضخمة وما تنتجه من إحباطات إجتماعية على التأثر بأمراء الحرب الذين يروجون لتعاليم تسعى لتفسير الأزمات الناتجة عن الظلم الإجتماعي وسوء توزيع الثروات بكونها لعنة إلهية سقطت على المؤمنين نتيجة وجود الآخر المخالف لهم من الناحية الدينية أو القومية ، وفي مذبحة أبو مسلم[3] التي ارتكبت ضد بعض الشيعة في مصر في يونيو من السنة الماضية ، ظهر في إحدى الفيديوهات التي تم تداولها للحادثة رجل من أهل القرية يتوعد الضحايا قبل الاعتداء الفعلي عليهم لكونهم السبب في كل ما يعيشه أهل القرية من معاناة يومية معتبراً أن مجرد وجودهم هو ما يسبب هذه الأزمات .
   في مقال سابق أشرت إلى ما كتبه الباحث الأمريكي سكوت هيبارد حول تبني بعض النخب العلمانية لتيارات متطرفة بغرض تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية ، وقد أشار الباحث إلى هذه الممارسات في دول مثل مصر والهند والولايات المتحدة الأمريكية ، لكن ما لم يشر إليه الباحث هو أن الولايات المتحدة لم تكتف بتدعيم التنظيمات المتطرفة لديها في الداخل ، بل دعمت هذه التنظيمات في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بهدف إثارة الغبار حول حقيقة ممارساتها الاستعمارية في المنطقة ، وهكذا يتحول العالم العربي تحت سيطرة الدعاوى العنصرية والمذهبية لمواجهة إيران بدلاً من مواجهة أمريكا والكيان الصهيوني ، ويتحول المسلمين السنة تحت سيطرة الدعاوى المذهبية لمواجهة الرئيس السوري العلوي بشار الأسد (بحسب الفتوى الأخيرة لأحد علماء هذه التيارات) بدلاً من مواجهة رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو ، ويتحول الشيعة للشعور بالغضب والسخط تجاه الفلسطينيين المعتدى عليهم وعلى وطنهم بدلاً من توجه هذا الغضب تجاه الكيان الصهيوني المعتدي[4] . وفي وسط مثل هذه المحاجزات الطائفية والعنصرية والمعبرة عن ضعف المجتمعات وسقوط الوعي والقيم الحضارية الإنسانية بها يصبح من السهل على الولايات المتحدة تمرير العديد من مشروعاتها الاستعمارية وتحجيم قدرات القوى المقاومة لها نتيجة إتساع مجال فخاخ الطائفية والعنصرية التي تحول التنوع من مجال للإثراء الثقافي والفكري إلى نقطة ضعف ووسيلة لتفكيك المجتمعات والقضاء على استقرارها .
   لقد أمتلك علماء الدين الإسلامي الذين أسسوا لجمعية التقريب بين المذاهب الإسلامية في منتصف القرن العشرين رؤية واضحة للمستقبل جعلتهم يدركون مدى خطورة الاستغراق في الخلافات الطائفية والعنصرية ، إلا أن تجربتهم بقدر ما كانت رائدة فإنها بكل أسف اقتصرت على النخبة في الطائفتين السنية والشيعية ، ومازالت لقاءات الجانبين حتى الآن تتم على مستوى العلماء ، بالرغم من أن السنة والشيعة كطائفتين غير قاصرة على العلماء ، هناك مواطنون متنوعو الانتماءات الطبقية والفكرية والسياسية كان يجب وضعهم في الاعتبار ضمن هذا التواصل بين الطائفتين ، وحتى هذه اللحظة يفتي الكثير من السنة والشيعة بإيمان بعضهما البعض لكن الكراهية بين المنتمين للطائفتين تنتشر دون إلتفات لهذه الفتاوى .
   إن الأزمة الحالية في الشرق لم تعد قاصرة على السنة والشيعة ، فهناك طوائف أخرى تعيش في العالم العربي والإسلامي مسلمة وغير مسلمة يجب أن تحظى بحق الحياة الكريمة في موطنها ، وما يجب أن يتم التأسيس له ليس فقط وحدة إسلامية وإنما وحدة مستضعفين في مواجهة القوى المستكبرة في العالم ، كما لا يجب أن تعتمد على لقاءات علماء الدين والنخبة في الطوائف المختلفة وإنما من الضروري وضع الجماهير المنتمية لهذه الطوائف والديانات والقوميات في الاعتبار من أجل استعادة فاعلية المجتمعات وقوتها وقيمها الحضارية في مواجهة العبث الاستكباري .

أحمد صبري السيدعلي
10 أغسطس 2014



[1] تعتبر الأوضاع في الغرب متقدمة مقارنة بالشرق ، لكنها ليست كذلك في الواقع إذا ما قورنت بالمعايير العامة حيث تعاني العديد من الدول الغربية من إتساع دائرة البطالة منذ الازمة الاقتصادية في 2008 ، وهو ما يفسر حجم انتشار العنصرية ضد المهاجرين ، وكذلك انتشار العنصرية ضد الأفارقة واليهود في إيطاليا ، بل وإنتشار العنصرية بين المدن الايطالية ذاتها خاصة مدينة نابولي .
[2] انتشرت هذه الأنباء على مواقع التواصل الإجتماعي كما انتشر فيديو على موقع يوتيوب مأخوذ من قناة آفاق يؤيد هذه المعلومة ، ولا يمكن التأكد من مدى مصداقيتها ، لكن الممارسات المتطرفة لهذا التنظيم ضد المسيحيين والأيزيديين والشيعة ربما تبرر ظهور مثل هذه الآراء حول معتقداته .
[3] قرية أبو مسلم تابعة لمركز أبو النمرس بمحافظة الجيزة ، وتعاني القرية من أهمال كبير في الخدمات كالمياه والكهرباء ، واستغلت التيارات المتخلفة هذه المعاناة في تحريض الأهالي على الشيخ حسن شحاته بدعوى قيام الشيعة بالاحتفال بالنصف من شعبان عبر تبادل الزوجات كما ظهر من هذا الفيديو المنشور على موقع يوتيوب .
[4] لا تعد هذه الأمثلة حالات سائدة في الوسط الجماهيري للسنة أو الشيعة وإنما أشرت إليها لكونها متواجدة بالفعل حتى لو كانت لا تعبر عن الرأي العام داخل الطائفتين . وعلى سبيل المثال ارتفعت شعبية سماحة السيد حسن نصرالله بين المصريين بكل طوائفهم عقب الانتصار على الكيان الصهيوني في 2006 ، ولم يلتفت المصريون إلى بعض الفتاوى التي حرمت تأييد حزب الله .

ليست هناك تعليقات: