الأحد، 24 أغسطس 2014

الأنفاس الأمريكية بين الاعتداءات على العراق وغزة




   هل من الممكن أن يكون هذا الترافق المريب للاعتداءات الداعشية على العراق والاعتداءات الصهيونية على غزة مصادفة ؟

 
   إن المأزق الذي يعاني منه الكيان الصهيوني والمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط ربما لا يسمح لنا بمثل هذه التصورات المثالية عن إنطلاق أي أحداث بهذا المستوى عفوياً ودون ترتيبات مسبقة . فتنظيم داعش يعد أحد المجموعات الإرهابية الوظيفية التي يستخدمها الأمريكيون لتنفيذ مخططاتهم في منطقة مختلفة من العالم الإسلامي مثل سوريا ومصر والعراق ولبنان ، وبالتالي فتحركاته محسوبة بالمصالح الأمريكية ، أما الكيان الصهيوني فما يحتاجه لم يعد مجرد الاعتراف من المحيط العربي بقدر ما يجب أن تضخ في رئتيه الأنفاس لمجرد البقاء ، نتيجة المأزق الاقتصادي الذي يعانيه كأحد النتاجات المشوهة للرأسمالية العالمية ، مما أدى لنتائج سلبية أخرى على المستوى السياسي والعسكري برزت بوضوح في مواجهته للمقاومة اللبنانية سنة 2006 ، ثم مواجهته للمقاومة في غزة سنة 2009 .
   هذه المفارقة في إثارة الاضطرابات الدموية بالعراق وغزة في آن واحد قد تكون إشارة إلى ارتباط المحاولات الأمريكية والغربية القادمة لتأمين مشروعاتهما وكذلك الكيان الصهيوني ، بالعراق عبر تفتيته من الداخل وهو ما سيؤدي لإضطرابات أكبر في محيطه الشرق أوسطي ، وربما يشير الاهتمام الغربي بتقديم الدعم العسكري لإقليم كردستان دون العراق كدولة في مواجهة داعش ، إلى أن هذا التفتيت سيبدأ بفصل كردستان العراقية عن الوطن الأم ، وأن الدور الأساسي لداعش الآن ، بعد تحولها المثير للتساؤل من التوجه ناحية بغداد والجنوب إلى التوجه لكردستان ، لا يعدو أن يكون خلق المبررات لهذا الدعم المكثف بحيث يتحول الإقليم لقوة عسكرية تفوق قوة الدولة المركزية في بغداد ، ويتمكن من الحفاظ على مكتسبه الأساسي من هذه الأزمة وهو الاستيلاء على كركوك الغنية بالنفط .
   إن الدافع إلى دعم مخطط فصل كردستان عن العراق ، هو ما اكتشفته الإدارة الأمريكية من أن القوة الكردية في العراق تساهم في التوازن بين العرب الشيعة ونظرائهم السنة وهو أكبر الأسباب التي تحول حتى الآن من انفجار الوضع الطائفي بين كليهما . فالأكراد ينتمي معظم للمذهب السني ، وهم يقتربون في هذه الجزئية من العرب السنة ، لكن توجهاتهم قومية بالأساس وليست دينية أو طائفية مما يجعل تأثيرهم في الوضع الطائفي ضعيفاً للغاية ، خاصة مع إرتباط العرب السنة كذلك بالتوجهات القومية لحزب البعث السابق ، الأمر الذي يضعهما السنة العرب والكرد في حالة تنافر من ناحية المصالح ، كما أدى لتقارب نوعي بين العرب الشيعة والسنة القلقين من قوة المكون الكردي واستقلاله الذاتي والقريب من الانفصال في المصالح والأهداف عن باقي العراق .
   وبالتالي فانفصال المكون الكردي عن العراق سوف يمثل إزالة لهذا التوازن القائم وسيسهل من عملية الإشعال الطائفي بين الشيعة والسنة من العرب ، وهو ما فشلت داعش في إثارته بعد أن فقدت بسرعة تعاطف السنة العراقيين نتيجة همجيتها وجموح أتباعها لعمليات السلب والنهب .
   لقد كانت نقطة الضعف الرئيسية في تأسيس العالم الغربي للوحدات الصليبية في العصور الوسطى بالشرق الأوسط ، أو في تأسيسه للكيان الصهيوني أن الكتلة السكانية الغالبة للكيانين لا تنتمي حضارياً ودينياً للمحيط السكاني لهما ، وهو ما سيتم تلافيه في حال تم تأسيس دولة كردية مستقلة ، فالشعب الكردي أصيل في انتمائه للمنطقة ، كما يدين بنفس معتقدات باقي سكانها ، وبالتالي فوجوده سيكون أكثر رسوخاً ، وأكثر قوة في تحقيق الأهداف التي سيتم دعمه في مقابلها ، كما أن صدامه الحتمي مع باقي الدول المحيطه سيجعل مصالحه في البقاء تلتقي مع مصالح الكيان الصهيوني الذي يخوض مواجهة مع نفس هذه الدول .
   إن الدولة الجديدة لن تكون فقط جاذبة للعنصر السكاني الكردي ، وإنما ستجتذب الأقاليم الكردية الواقعة في نطاق الدول المحيطة (إيران، تركيا وسوريا) ، والتي تسعى بدورها لتحقيق الاستقلال القومي ، وهو ما سيشعل حالة من الاضطراب والعنف في المنطقة المحيطة بالعراق ، وسيخفف الضغط بكل تأكيد على الكيان الصهيوني كون هذه الاضطرابات تشمل إيران وسوريا ، وهما القوتين الكبيرتين في المواجهة مع هذا الكيان ، كما سيعيد إحياء مشروع تفتيت سوريا الذي كان قد بدأ في التراجع مع الانتصارات المؤثرة للجيش السوري .
   إن تداعيات مثل هذا الإجراء لن تكون قاصرة على الأكراد فقط ، فتأسيس دولة عراقية عربية ذات غالبية شيعية كبيرة ، خاصة في الجنوب سيكون له تأثيره في السعي الشيعي بشرق الجزيرة العربية نحو التوحد مع هذه الدولة ، وربما يشمل هذا التوجه الإيرانيين من العرب ذوي الغالبية الشيعية ، وهنا سيكون على بعض دول الخليج وخاصة السعودية وإيران مواجهة مسعى آخر للانفصال بدواعي طائفية وقومية .
   أما سوريا ولبنان ، فهما أكثر جاهزية للانفصال بسبب تنوعهما السكاني من الناحية الدينية والقومية ، وطبيعتهما الجغرافية الوعرة والتي تضع حواجز طبيعية بين سكان في الدولتين ، مما يوجد بعض السهولة في ترسيخ حالة الانفصال القومي والطائفي ، ومن المؤكد أن الزعامات الداخلية لهذه الطوائف ستسعى لتحقيق استقلالها في حال شعرت بسقوط الدولتين السورية واللبنانية أو فشلها في مواجهة المجموعات المتطرفة ، في محاولة لتأمين مناطقها والحفاظ على مكتسباتها ضد هذه المجموعات التكفيرية .
   إن نجاح المشروع الأمريكي والغربي في تكريس إستقلال كردستان يعني دخول الشرق الأوسط في حالة من الهياج الطائفي والعنصري ، سيؤدي لتفتيت وحداته السياسية إلى دويلات صغيرة متناثرة وقائمة على أسس من النقاء العنصري والطائفي ، تتبنى خطاب رجعي يروج لثأريات تاريخية قديمة كأسس للمحاجزات بين هذه الشعوب ، كما ستمنح الشرعية لمشروع الكيان الصهيوني في الإعلان عن نفسه كدولة يهودية خالصة ويقضي تماماً على القضية الفلسطينية ومحور المقاومة لها .
   ويبقى التساؤل ، هل تمتلك الولايات المتحدة القدرة في الفترة الحالية على تحقيق مثل هذا المخطط ؟ والإجابة على هذا التساؤل سترتبط بمدى تطور الأزمة الرأسمالية في العالم ، فالولايات المتحدة لم تعد القطب الواحد نتيجة لهذه الأزمة وعادت روسيا للبروز مرة أخرى كقطب قوي يمكنه إفساد المشاريع الأمريكية والغربية ، بل أن الولايات المتحدة ذاتها صارت تعاني من مشكلات داخلية عادت للبروز مرة أخرى كنتيجة لهذه الأزمة لعل أخطرها عودة مظاهرة التمييز العنصري ضد السود كما حدث مؤخراً في ضاحية فرغسون ، وأثار احتجاجات واسعة للمواطنين من أصول إفريقية ، ومثل هذه التناقضات في المجتمع الأمريكي مرشحة للتزايد مع إتساع حجم الأزمة ، وقد تتخذ مظاهر أخرى دينية أو عرقية .

أحمد صبري السيد علي
24 أغسطس 2014

ليست هناك تعليقات: