هل من الممكن أن يكون هذا الترافق المريب للاعتداءات
الداعشية على العراق والاعتداءات الصهيونية على غزة مصادفة ؟
إن المأزق
الذي يعاني منه الكيان الصهيوني والمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط ربما لا يسمح
لنا بمثل هذه التصورات المثالية عن إنطلاق أي أحداث بهذا المستوى عفوياً ودون
ترتيبات مسبقة . فتنظيم داعش يعد أحد المجموعات الإرهابية الوظيفية التي يستخدمها
الأمريكيون لتنفيذ مخططاتهم في منطقة مختلفة من العالم الإسلامي مثل سوريا ومصر
والعراق ولبنان ، وبالتالي فتحركاته محسوبة بالمصالح الأمريكية ، أما الكيان
الصهيوني فما يحتاجه لم يعد مجرد الاعتراف من المحيط العربي بقدر ما يجب أن تضخ في
رئتيه الأنفاس لمجرد البقاء ، نتيجة المأزق الاقتصادي الذي يعانيه كأحد النتاجات
المشوهة للرأسمالية العالمية ، مما أدى لنتائج سلبية أخرى على المستوى السياسي
والعسكري برزت بوضوح في مواجهته للمقاومة اللبنانية سنة 2006 ، ثم مواجهته
للمقاومة في غزة سنة 2009 .
هذه المفارقة
في إثارة الاضطرابات الدموية بالعراق وغزة في آن واحد قد تكون إشارة إلى ارتباط
المحاولات الأمريكية والغربية القادمة لتأمين مشروعاتهما وكذلك الكيان الصهيوني ،
بالعراق عبر تفتيته من الداخل وهو ما سيؤدي لإضطرابات أكبر في محيطه الشرق أوسطي ،
وربما يشير الاهتمام الغربي بتقديم الدعم العسكري لإقليم كردستان دون العراق كدولة
في مواجهة داعش ، إلى أن هذا التفتيت سيبدأ بفصل كردستان العراقية عن الوطن الأم ،
وأن الدور الأساسي لداعش الآن ، بعد تحولها المثير للتساؤل من التوجه ناحية بغداد
والجنوب إلى التوجه لكردستان ، لا يعدو أن يكون خلق المبررات لهذا الدعم المكثف
بحيث يتحول الإقليم لقوة عسكرية تفوق قوة الدولة المركزية في بغداد ، ويتمكن من
الحفاظ على مكتسبه الأساسي من هذه الأزمة وهو الاستيلاء على كركوك الغنية بالنفط .
إن الدافع إلى
دعم مخطط فصل كردستان عن العراق ، هو ما اكتشفته الإدارة الأمريكية من أن القوة
الكردية في العراق تساهم في التوازن بين العرب الشيعة ونظرائهم السنة وهو أكبر
الأسباب التي تحول حتى الآن من انفجار الوضع الطائفي بين كليهما . فالأكراد ينتمي
معظم للمذهب السني ، وهم يقتربون في هذه الجزئية من العرب السنة ، لكن توجهاتهم
قومية بالأساس وليست دينية أو طائفية مما يجعل تأثيرهم في الوضع الطائفي ضعيفاً
للغاية ، خاصة مع إرتباط العرب السنة كذلك بالتوجهات القومية لحزب البعث السابق ،
الأمر الذي يضعهما السنة العرب والكرد في حالة تنافر من ناحية المصالح ، كما أدى
لتقارب نوعي بين العرب الشيعة والسنة القلقين من قوة المكون الكردي واستقلاله
الذاتي والقريب من الانفصال في المصالح والأهداف عن باقي العراق .
وبالتالي
فانفصال المكون الكردي عن العراق سوف يمثل إزالة لهذا التوازن القائم وسيسهل من
عملية الإشعال الطائفي بين الشيعة والسنة من العرب ، وهو ما فشلت داعش في إثارته
بعد أن فقدت بسرعة تعاطف السنة العراقيين نتيجة همجيتها وجموح أتباعها لعمليات
السلب والنهب .
لقد كانت نقطة
الضعف الرئيسية في تأسيس العالم الغربي للوحدات الصليبية في العصور الوسطى بالشرق
الأوسط ، أو في تأسيسه للكيان الصهيوني أن الكتلة السكانية الغالبة للكيانين لا
تنتمي حضارياً ودينياً للمحيط السكاني لهما ، وهو ما سيتم تلافيه في حال تم تأسيس
دولة كردية مستقلة ، فالشعب الكردي أصيل في انتمائه للمنطقة ، كما يدين بنفس
معتقدات باقي سكانها ، وبالتالي فوجوده سيكون أكثر رسوخاً ، وأكثر قوة في تحقيق
الأهداف التي سيتم دعمه في مقابلها ، كما أن صدامه الحتمي مع باقي الدول المحيطه
سيجعل مصالحه في البقاء تلتقي مع مصالح الكيان الصهيوني الذي يخوض مواجهة مع نفس
هذه الدول .
إن الدولة
الجديدة لن تكون فقط جاذبة للعنصر السكاني الكردي ، وإنما ستجتذب الأقاليم الكردية
الواقعة في نطاق الدول المحيطة (إيران، تركيا وسوريا) ، والتي تسعى بدورها لتحقيق
الاستقلال القومي ، وهو ما سيشعل حالة من الاضطراب والعنف في المنطقة المحيطة
بالعراق ، وسيخفف الضغط بكل تأكيد على الكيان الصهيوني كون هذه الاضطرابات تشمل
إيران وسوريا ، وهما القوتين الكبيرتين في المواجهة مع هذا الكيان ، كما سيعيد
إحياء مشروع تفتيت سوريا الذي كان قد بدأ في التراجع مع الانتصارات المؤثرة للجيش
السوري .
إن تداعيات
مثل هذا الإجراء لن تكون قاصرة على الأكراد فقط ، فتأسيس دولة عراقية عربية ذات
غالبية شيعية كبيرة ، خاصة في الجنوب سيكون له تأثيره في السعي الشيعي بشرق
الجزيرة العربية نحو التوحد مع هذه الدولة ، وربما يشمل هذا التوجه الإيرانيين من
العرب ذوي الغالبية الشيعية ، وهنا سيكون على بعض دول الخليج وخاصة السعودية
وإيران مواجهة مسعى آخر للانفصال بدواعي طائفية وقومية .
أما سوريا
ولبنان ، فهما أكثر جاهزية للانفصال بسبب تنوعهما السكاني من الناحية الدينية
والقومية ، وطبيعتهما الجغرافية الوعرة والتي تضع حواجز طبيعية بين سكان في الدولتين
، مما يوجد بعض السهولة في ترسيخ حالة الانفصال القومي والطائفي ، ومن المؤكد أن
الزعامات الداخلية لهذه الطوائف ستسعى لتحقيق استقلالها في حال شعرت بسقوط
الدولتين السورية واللبنانية أو فشلها في مواجهة المجموعات المتطرفة ، في محاولة
لتأمين مناطقها والحفاظ على مكتسباتها ضد هذه المجموعات التكفيرية .
إن نجاح
المشروع الأمريكي والغربي في تكريس إستقلال كردستان يعني دخول الشرق الأوسط في
حالة من الهياج الطائفي والعنصري ، سيؤدي لتفتيت وحداته السياسية إلى دويلات صغيرة
متناثرة وقائمة على أسس من النقاء العنصري والطائفي ، تتبنى خطاب رجعي يروج لثأريات
تاريخية قديمة كأسس للمحاجزات بين هذه الشعوب ، كما ستمنح الشرعية لمشروع الكيان
الصهيوني في الإعلان عن نفسه كدولة يهودية خالصة ويقضي تماماً على القضية
الفلسطينية ومحور المقاومة لها .
ويبقى التساؤل
، هل تمتلك الولايات المتحدة القدرة في الفترة الحالية على تحقيق مثل هذا المخطط ؟
والإجابة على هذا التساؤل سترتبط بمدى تطور الأزمة الرأسمالية في العالم ،
فالولايات المتحدة لم تعد القطب الواحد نتيجة لهذه الأزمة وعادت روسيا للبروز مرة
أخرى كقطب قوي يمكنه إفساد المشاريع الأمريكية والغربية ، بل أن الولايات المتحدة
ذاتها صارت تعاني من مشكلات داخلية عادت للبروز مرة أخرى كنتيجة لهذه الأزمة لعل
أخطرها عودة مظاهرة التمييز العنصري ضد السود كما حدث مؤخراً في ضاحية فرغسون ،
وأثار احتجاجات واسعة للمواطنين من أصول إفريقية ، ومثل هذه التناقضات في المجتمع
الأمريكي مرشحة للتزايد مع إتساع حجم الأزمة ، وقد تتخذ مظاهر أخرى دينية أو عرقية
.
أحمد صبري السيد علي
24 أغسطس 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق