الجمعة، 15 أغسطس 2014

الصهيوني وأتباعه الذين لم يتعلموا الدرس




   ثمان سنوات مرت منذ تحقيق المقاومة الإسلامية لانتصارها على الكيان الصهيوني في 2006 ، وتحطيمها لحاجز الخوف العربي من الصراع الذي طالما راهن عليه العدو الصهيوني بعد أكثر من تجربة تمكن فيها من هزيمة جيوش عربية بفعل الدعم الأمريكي والغربي الهائل له .

 
   في 2006 كان الدعم الغربي والأمريكي بصفة خاصة ، ويضاف عليهما دعم بعض العرب لهذا الكيان رغبة في التخلص من المقاومة وما تسببه من حرج وتعثر لمصالحهم المرتبطة بالخضوع لهذا الكيان ، ومراهنة البعض على المحاجزات الطائفية والمناطقية التي نجحت القوى التكفيرية في إثارتها والترويج لها بين العرب والمسلمين . لكن رغم ذلك تمكنت المقاومة من فرض إرادتها ، وبعد شهر من الصدام كان على العدو الصهيوني بكل عجرفته أن يتوسل إتفاقاً يحفظ له ماء وجهة ولو بشكل وهمي .
   لقد كانت الصدمة هائلة بعد كل ما تم إنفاقه من أموال ومجهودات كبيرة على مشروع إثارة التوترات الطائفية والعرقية في المنطقة ، وأكتشف المروجون لهذا المشروع سريعاً أن إخفاق الكيان الصهيوني قد أدى لبروز روح جديدة واعية وناضجة لدى المواطن العادي الذي كان يحتاج فقط لانتصار كبير يمنحه الشعور بالقيمة والتفاؤل اللازم لتجاوز حالات الاحباط والهزيمة النفسية التي كانت الانظمة العربية حريصة على ترسيخها .
   في أثناء الصراع أهدت جريدة الدستور المصرية ضمن أحد أعدادها للقراء صورة لسماحة السيد حسن نصرالله ، وحقق هذا العدد مبيعات ضخمة للغاية وانتشرت هذه الصورة التي قام عدد كبير من المصريين بكل تنوعاتهم الدينية والفكرية بتزيين منازلهم ومحال عملهم بها ، ورغم مساعي التيارات التكفيرية إلى محاولة التخفيف من حدة هذا الإعجاب عبر التركيز على البعد الطائفي وتحريم الدعاء لحزب الله بالانتصار على الكيان الصهيوني ، لم يلق المصريون (السنة في معظمهم) بالاً لهذه الأصوات التي بدت نشازاً للغاية[1] .
   المفاجأة الأكثر قسوة على هذه التيارات وعلى السلطة الحاكمة في هذا الوقت ، كانت الدراسة الميدانية التي أجراها مركز ابن خلدون وشملت شريحة كبيرة من المصريين متنوعي الانتماءات حول الشخصية السياسية الأكثر قرباً من الشعب المصري ، ووقتها صدمت السلطة الرسمية بأن السيد حسن نصرالله احتل المركز الأول ، تلاه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ، بينما أتى الرئيس المصري المخلوع مبارك في المركز الحادي عشر[2] .
   وبالرغم من أن الأحداث التالية ، من بعد هذا الانتصار قد أدت لقدر من الانطفاء لهذا الوهج الكبير ، خاصة مع تداعيات قضية سامي شهاب في سنة 2009 ، إلا أن السيد نصرالله وحتى الآن مازال يحتفظ بقدر كبير من مكانته لدى المصريين .
   والآن ، لا يبدو أن القطاع المعادي للمقاومة ضد الكيان الصهيوني قد تعلم من الدرس السابق ، فهذا الكيان الذي سعى بكل طاقته لعدم تكرار هذه الهزيمة ، وقام ببناء ما أطلق عليه القبة الحديدية لتفادي سقوط الصواريخ فوق رؤوس مواطنيه ، إرتكب هذه المره أخطاء أكثر سوءاً من الأخطاء السابقة .
   سلسلة الأخطاء تبدأ من فشل القبة الحديدية في منع سقوط صواريخ المقاومة التي اكتشفت القيادة الصهيونية أنها تطورت كذلك عن السابق ، كما أن تكتيكات عمل المقاومة على أرض المواجهة كبدت العدو خسائر جسيمة في أرواح جنوده .
   من الناحية السياسية ، يرى الكثير من المراقبين أن حكومة الكيان الصهيوني لم تحسن التصرف سواء في اختيارها لموعد توجيه الضربة العسكرية دون امتلاك معلومات كاملة عن العدو مما اعتبر فشلاً مخابراتياً ، بالاضافة إلى أن القسوة المفرطة في الضربات الموجهة خاصة للمدنيين والاطفال وترافقها مع الجرائم التي يرتكبها تنظيم داعش في العراق والشام أدى للربط بين الموقفين ونشر حالة من العداء والكراهية للكيان الصهيوني ، كما أدى لإحراج الانظمة الداعمة له عندما كشف رئيس وزراء العدو عن أن هذه المعركة قد اكسبت كيانه صداقات مع دول عربية جديدة .
   أما المطبلين والمروجين للكيان الصهيوني ، عبر التقليل من إنجازات المقاومة الفلسطينية والسعي لاختزالها في فصيل واحد دون باقي الفصائل الأخرى المتواجدة بقوة في ساحة المعركة ، والادعاء الكاذب بأن الصهاينة يرغبون في مجرد القضاء على هذا الفصيل ، فهم أيضاً لم يتعلموا من درس المعركة السابقة ، ولم يتمكنوا من إقناع الشعب المصري باختزال القضية الفلسطينية في العداء لفصيل واحد فقط ، أو في التعاطف مع وحشية الكيان الصهيوني والاقتناع بأن المقاومين هم من يستهدفون المدنيين وليس الكيان الصهيوني كما ادعى أحد الإعلاميين .
   وإذا كان الانتصار الذي تحقق في 2006 قد أدى في الواقع لسقوط شرعية نظام مبارك وإدارك الشعب المصري أن وجوده يمثل خطر على مكانة بلاده وقيمتها الحضارية الكبرى في المنطقة ، فإن حرب غزة أدت بالفعل لاحتراق الكثير من الوجوه الإعلامية التي ظنت ، خطأ ، بأن المصريين يمكن أن يتقبلوا مرة أخرى ما كان يفرضه عليهم مبارك سابقاً ، فلا الدولة المصرية الجديدة قبلت رؤيتهم في التخلي عن دعم الشعب الفلسطيني ورفع يدها عن قضية تمثل أحد محاور الأمن القومي لمصر ، ولا الشعب المصري تقبل اختزال فلسطين وشعبها في إطار فصيل واحد مهما بلغ حجمه .
   يبقى أن القيمة الأساسية للانتصار الجديد في غزة هي التأكيد على أن الكيان الصهيوني لم يعد قادراً على إخافة العرب بالدعم الغربي والأمريكي ، أو العبث بالمعنويات العربية المنهارة بدعم الجيش الذي لا يمكن هزيمتها أو الدويلة التي ولدت لتبقى وهو ما سعت أنظمة عربية للترويج له عبر آلتها الإعلامية ، كما أنها صدقت تماماً على كلمة السيد حسن نصرالله الذي قال فيها أن عهد الهزائم العربية قد انتهى .

أحمد صبري السيد علي
15 أغسطس 2014



[1] سمع أهالي إحدى المدن الكبرى في الدلتا الشيخ السلفي محمد حسان يتحدث عن نبؤات التحالف بين أهل السنة والأمريكيين ضد الرافضة ، وعقب نهاية المعارك سعت هذه التيارات إلى التشكيك في حقيقة انتصار حزب الله بل وفي مصداقية الأهداف الوطنية والدينية للمقاومة ، وفي شهر أغسطس 2006 فوجيء المصريون بالشيخ القرضاوي يثير ضجة غير مفهومة حول إعتناق المصريين للمذهب الشيعي ويطالب إيران بالتوقف عن التبشير بالمذهب . وفي أواخر عام 2006 وبالأخص في شهر رمضان كانت محاولات الإثارة الطائفية قد أصبحت صريحة ، حيث استغل التيار السلفي قيام جريدتي " الغد " و" الفجر " بنشر ملفات تتعلق بأحداث تاريخية إسلامية كان من بينها انتقادات وجهت لبعض الشخصيات الصحابية وخاصة السيدة عائشة ، كي يسعى للانقلاب على الصورة الجيدة التي تكونت لدى المصريين بخصوص الشيعة والمقاومة الإسلامية ، وهنا تم إقحام حزب الله واسم أمينه العام في هذه القضية دون مناسبة .
[2] عمرو الباز . حسن نصر الله هو الأكثر شعبية بين المصريين . موقع أهل القرآن www.ahl-alquran.com . بتاريخ 26/6/2012 . قام مركز ابن خلدون باستطلاع الرأي في أكتوبر 2006 وكانت نتيجته مفاجأة مؤلمة لدى الساسة المصريين والتيارات السلفية ، فقد جاء السيد حسن نصرالله في المركز الأول برصيد 1205 صوت في استطلاع أهم عشرين شخصية في العالم والشرق الأوسط ، تلاه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد برصيد 996 ، بينما جاء أسامة بن لادن في المركز الرابع ، والشيخ مهدي عاكف مرشد جماعة الاخوان في المركز السابع ، الشيخ يوسف القرضاوي في المركز العاشر ، والرئيس المصري حسني مبارك في المركز الحادي عشر ، وجاء الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز في المركز الخامس عشر .

ليست هناك تعليقات: