الاثنين، 28 يوليو 2014

الصراعات الدينية وجوهر الأديان




   هل الصراعات بين الأديان تعبر عن جوهرها التصادمي مع الآخر ؟ أم أنها مجرد قراءة متطرفة وغير واعية لنصوصها ؟
   يوجه بعض المثقفون الاتهام للأديان (بتنوعاتها السماوية والأرضية) بكونها معبرة عن ثقافات العصور الوسطى والتي ترفض الآخر بطبيعتها ، وبالتالي فإنها غير قادرة على التعبير عن الواقع الإنساني في العصر الحديث .

 
   إن هذا الاتهام ربما كان سيكتسب مصداقية أكبر لو كانت العصور الوسطى قد شهدت بالفعل نفياً تاماً أو حتى دائماً للآخر ، وعلى سبيل المثال فقد شهد العصر الفاطمي تولي عدد من المسيحيين قيادة الدولة كوزراء ، كما تولى ابن ميشا اليهودي ولاية الشام في عهد العزيز بالله ، ناهيك عن تولي عدد من الوزراء السنة قيادة الدولة الشيعية الأكبر في العالم الإسلامي آنذاك ، وشهد عهد الحافظ لدين الله حادثة ملفتة وذات دلائل حيث تولى الوزير بهرام الأرمني الوزارة ولقب بسيف الإسلام رغم كونه مسيحياً .
   وفي المقابل ، فإن الإمبراطور الألماني فريدريك بارباروسا ، والذي شارك في الحملة الصليبية الثالثة ، لم يكن متعصباً دينياً أو معادياً للإسلام رغم هذه المشاركة ، وكانت حاشيته الخاصة متنوعة بين المسيحيين والمسلمين واليهود .
   وبشكل عام فإن الدول في العصور رغم أنها كانت تقوم على شرعية الأديان ، إلا أن معظم الحكام لها كانوا يسمحون لتابعي الديانات الأخرى بتولي بعض الوظائف في الحاشية الخاصة بهم ، فوظيفة الطبيب لدى الخلافات الإسلامية الثلاث تولاها عدد كبير من الأطباء المسيحيين واليهود ، كما تولاها كذلك عدد من الأطباء المسلمين لدى الملوك والأباطرة الأوربيين[1] .
   وعلى الرغم من أن الأمور بالنسبة للآخر الديني أو الطائفي لم تكن وردية على الإطلاق ، إلا أنه من الضروري القول أن النظم والسلطات الحاكمة كذلك لم تكن معبرة بشكل ملتزم عن جوهر التشريعات الدينية ، بقدر ما عبرت عن مصالحها ونفوذها ، وهنا لا يمكننا محاكمة الأديان بشكل تام وتوجيه الاتهامات لها .
   إن التاريخ يشير إلى حقيقة أن القراءات المتنوعة للأديان بما فيها القراءات المتطرفة لم تكن يوماً تصادمية مع الآخر بشكل فعلي ، إلا عندما تقوم بتحريضها سلطة قمعية ترغب في استغلالها لدعم نفوذها . فقد استغلت السلطة العباسية بعض متشددي الحنابلة في فترات معينة كانت ترغب خلالها في الإيحاء بإلتزامها الديني في مواجهة الدول المنافسة لها كالفاطميين في مصر والأمويين في الأندلس ، كما دعم الإنجليز في العصر الحديث الحركة الوهابية في أثناء صراعهم لتأمين طريقهم إلى مستعمرتهم الكبرى الهند والذي يمر عبر الخليج ، وكان من الضروري كذلك إضعاف الدولة العثمانية لوراثة نفوذها في الشرق بشكل عام[2] .
   ولاحقاً برزت السياسات الدينية وأهميتها لدى الدول التي عبرت عن توجهات علمانية راسخة ، حيث قام عدد من الرؤساء الأمريكيين من الحزب الجمهوري باستغلال الانتماءات الدينية في حملاتهم الانتخابية ، والترويح للقراءات المتشددة للدين والتي تنظر بقلق واتهام للأقليات والسود ، في محاولة لجعل الانتماء الديني والعنصري هو قاعدة الصوت الإنتخابي بدلاً من الحقوق والمكتسبات الاقتصادية والاجتماعية ، وهو ما برز في درجاته القصوى عندما اعتبر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش (العلماني من الناحية الإفتراضية) أن حربه ضد أفغانستان والعراق هي حرب صليبية جديدة .
   في الهند أحد أعرق الحكومات العلمانية ، سعت رئيسة الوزراء أنديرا غاندي للعبث بالمنظومة الدينية للتغلب على حالة الاستياء التي سادت الطبقات الدنيا بسبب توجهاتها الرأسمالية ، ودعمت بعض التيارات الدينية المتطرفة في الوسط الهندوسي ، مثل حزب جانا سانج وتنظيم راشتريا سوايامسيفاك سانج ، وهي أحزاب وتنظيمات سعت دائماً لتوجيه اتهامات للمسلمين والمسيحيين بعدم الانتماء للهند ، بل أنها سعت لدعم زعيم متطرف في الطائفة السيخية وهو بهندرانوال بالرغم من ميوله الانفصالية الواضحة ، وهو ما أدى لحالة من العداءات الطائفية بين الهنود وراحت رئيسة الوزراء نفسها ونجلها كذلك ضحية لهذا الصراع الذي كانت أحد المحرضين عليه[3] .
   إن الحالتين السابقتين تشيران لمدى سعي بعض الحكومات العلمانية للحالة الدينية عبر دعم تيارات تتبنى رؤى متشددة للنصوص الدينية في محاولة لتحقيق مكاسب سياسية محددة ، ومثل هذه الرؤى ما كان لها أن تشكل حالة إجتماعية بين المؤمنين بأي دين لولا أن الحكومات المعنية منحتها القدرة والمجال الإعلامي والنفوذ في مواجهة المخالفين لها لمنح رؤيتها الوجاهة والسيطرة .
   لقد شهدت المجتمعات الدينية العديد من التنوعات ، وكانت دائماً قادرة على تقبلها دون مشاكل حقيقية ، عندما تكون السلطة الحاكمة واعية تماماً بضرورة تحقيق السلم الاجتماعي ، إلا أن الصدامات ما بين الأديان سواء في البلد الواحد أو بين البلدان خضعت على الدوام لسعي سلطة ما لاستغلالها ، وهي سلطة لم تكن في أغلب الأحوال مرتبطة بشكل حقيقي بالمعتقد الديني التي تسعى لترويج رؤية متطرفة له .

أحمد صبري السيدعلي
28 يوليو 2014



[1] تعد أسرة بختيشوع من أكثر الأسر المسيحية شهرة بمجال الطب في العهد العباسي . وينقسم اسم بختيشوع باللغة السريانية إلى مقطعين هما : بخت ويعني عبد ، ويشوع ويعني المسيح .
[2] قدمت الحكومة البريطانية مبلغ 5 آلاف جنيه استرليني لدعم الحركة الوهابية الأولى بالاضافة للخبرات العسكرية وهو ما يفسر إنتصاراتها الأولى على بعض القوى العثمانية في الشام والعراق .
[3] شهدت باكستان أوضاعاً مشابهة ، فبعد انقلاب الجنرال ضياء الحق على حكومة ذوالفقار علي بوتو ، سعى لمحاولة إجتذاب التيارات الدينية المتطرفة مقابل إضطهاده للأقليات الأخرى وخاصة الطائفة الأحمدية .

ليست هناك تعليقات: