الأحد، 6 مارس 2011

المتأقلمون



طوال الفترة التي تلت انتصار الثورة لم أنجح على الإطلاق في التقبل أو حتى التعاطف مع الخلفية التي ينطلق منها هؤلاء الذين يبدون استيائهم من الأوضاع الحالية ويقولون أن مصر حل بها الخراب لم يعد بها أمان … بسبب الثوار
اتساءل عن متى كانت مصر مرفهة وآمنة في عهد مبارك كي يتحدثون عن الخراب وعدم الأمان عقب الثورة ؟! والأسوأ أنهم يتجنبون تماما في لحظات تجنيهم المتعمدة والمتعسفة الحديث عن المتسبب في هذه الأوضاع ، ويستمرون في الترديد بآلية أن الثورة تسببت في أضرار وكان يمكنها ترك مبارك لنهاية مدة رئاسته ، أو ترك وزارة شفيق … الخ



وبعيدا عن مقولات العمالة والتي تصدق على نسبة كبيرة بالفعل ممن يتحدثون بهذه اللغة ، فهناك أصناف أخرى من الناس تمكنت بغرابة من أن تتأقلم مع القهر والإذلال اليومي والذي أصبح يعرف متى سيبدأ وإلى أين ينتهي ليبدأ من جديد ، وبالتالي فالحرية بالنسبة له وضع غريب ، غامض وغير معتاد ، وأن يكون إنسانا محترما وغير خانع وله حقوق يجب أن تكون محترمة مصطلحات بلا مدلول في ذهنه الذي اعتاد على مصطلحات (سعادتك ، سيادتك ، تحت أمرك ، باشا) ، بحيث أجاد تماما استخدام كل المفردات اللغوية المستعطفة والساعية لاستدرار الشفقة والتعاطف من جانب أي مسئول كي يحصل على منحة هنا أو علاوة هناك
لا يشعر هؤلاء بأي قدر من التأثر لما كان يتعرض له الآخرون الذي رفضوا التأقلم مع هذه الأوضاع بتنوعاتهم من بطش السلطة ، من اعتقالات ، تعذيب ، محاكمات عسكرية ، قضايا وتنظيمات ملفقة للبهائيين والشيعة ، ولا لم يثر ضيقهم ما عاناه الكثيرون من بطالة وفقر وأمراض مستعصية نتيجة سوء السياسات وانحصارها في خدمة مصالح مجموعة محددة من رجال الأعمال قاموا عبر النهب المنظم والمقنن بتكوين ثروات مهولة من حقوق هذه الجماهير ، بل لم يثر عاطفتهم هؤلاء الذين قتلهم النظام لمجرد خروجهم في المظاهرات للمطالبة برحيله وهو حق قانوني ودستوري متاح لكل الشعوب ، والبعض أوجد مبرراً لهذه الممارسات ، يجعل بطريقة تثير السخرية من المتظاهرين الضحايا مذنبين ومستحقين لما يُفعل بهم ، لأنهم اصطدموا بصلاحيات الرئيس ومن حقه أن يدافع عن وضعه وسلطته ، ثم وبكل بساطة الخروج على الحاكم حرام ؟!! ومع أن مثل هذا المبرر المثير للازدراء لا يستحق مجرد الرد .. حيث يحتوي التراث الاسلامي على عدد لا يحصى من الثورات التي قامت ضد السلطة وتبنتها شخصيات عظمى كالحسين وعبدالله بن الزبير ، إلا أن مجرد ترديد هذه المقولات لا يشير سوى إلى الخوف القاسي من عدم القدرة على التأقلم مع أوضاع جديدة مجهولة بلا سلطة سائدة أو عبارات تزلف ومبايعات مبتذلة لمسئولين .
من غير الممكن إذن تقبل موقف هذه النوعية أو حتى التعاطف معها ، وليس أكثر من أن يتم النظر إليهم بقدر من الشفقة والرثاء

ليست هناك تعليقات: