الاثنين، 7 مارس 2011

ثورة ليبيا .. وفخ العراق القديم



 ربما لم يكن هذا هو التطور الذي كان يدور بذهن الثوار الليبيون عندما قرروا أخيرا أن ينهوا أربعين عاما من الاسفاف السياسي الذي مثله القذافي والذي جعل ليبيا بدوره مثار السخرية في كل انحاء العالم العربي عبر شطحاته الغرائبية في كاقة القضايا .

 
إلا أن التطورات التي شهدتها الثورة أخذتها إلى مسار مختلف تماما عن ما حدث في مصر وتونس واللتين اعتمدتا بالاساس على تحركات جماهيرية مكثفة وصدام مع الشرطة وحياد من جانب الجيش .
لقد فوجئت الثورة الليبية في البداية برد الفعل العنيف الذي قام به القذافي وجيشه على التظاهرات السلمية ، مما أدى في الوقت نفسه إلى حدوث ردود أفعال جماهيرية غاضبة وانقسامات في الجيش ، الذي انضم جزء كبير منه إلى الثوار ، وعند هذه النقطة تحولت الثورة من السلمية إلى الثورة المسلحة ، وبقدر ما كان انضمام قطاعات من الجيش انتصارا للثورة بقدر ما أدى إلى ضخ قدر كبير من الهواء في رئة القذافي المختنقة وأوجد الحل الذي كانت الدول الغربية يحتاج إليه .. فقد اصبح من المبرر للقذافي أن يستخدم السلاح بعد أن تساوى الطرفين في التسليح … هنا يجب علينا أن نستعيد قليلاً الثورة التي خاضها العراقيون في 1991 والتي سميت بالثورة الشعبانية عندما انتفضت مناطق الجنوب والشمال وكاد صدام حسين أن ينتهي حكمه بالفعل ، لولا التدخلات الغربية والأمريكية عبر نفس السيناريو الذي نراه الآن ، بحيث يتم تمكينه من القضاء على الثورة في مقابل وضع حظر جوي على المناطق الثائرة .. وتمكن صدام حسين من القضاء على الثورة والتنكيل بالثوار ، وبقي يحكم العراق بانتظار الطريقة التي تراها أمريكا مناسبة لانهاء حكمه .
ربما كانت الأمور مختلفة كثيرا الآن حيث تشتعل الثورة الليبية كامتداد لثورات عربية متعددة تطمح لتأسيس عالم عربي جديد تحكمه الجماهير ، كما أن الانظمة التي سبق وأن دعمت صدام حسين أصبحت هي الأخرى - حتى الغربية منها - في أوضاع حرجة لا تتيح لها تدعيم أي حاكم آخر ، وهذه النقطة في صالح الثورة الليبية بالتأكيد ، لكن في المقابل لابد من التركيز على حقيقة أن القرار بمساندة القذافي هو قرار غربي بالاساس نابع من الشعور بالخطورة على الكيانات الرأسمالية المتحكمة ، ويهدف إلى بعض الأغراض :
أولاً : قطع الاتصال المتوقع بين ثورتي مصر وتونس بمنع أنضمام ليبيا إليهما وتحويلها إلى منطقة عاذلة بحيث لا يكون هناك تواصل ثوري بين الدول الثلاث قد يؤدي لنوع من التنسيق ، خاصة بعدما لاحظ الغرب أن حالة التقارب بين المصريين والتونسيين بعد الثورة قد شهدت ارتفاعا ملحوظا على عكس الفترات السابقة .
ثانياً : تحويل ليبيا إلى منطقة انقسامات واضطرابات دائمة سوف يؤدي إلى شغل الوضع الداخلي المصري عن القضية الفلسطينية والسعي الدائم لتهدأة الوضع مع الكيان الصهيوني .
ثالثاً : استهلاك قدر كبير من الموارد في تأمين الحدود على الجانبين المصري والتونسي بحيث تسير معدلات التنمية بدرجة أبطأ من المتوقع .
رابعاً : التفتيت المتوقع لليبيا سوف يؤدي بكل تأكيد إلى بعض المكاسب بخصوص البترول المصدر للغرب بسبب وضع الحكومة الليبية في حالة قضاءها على الثورة تحت السيطرة الغربية الكاملة .
ويبقى التساؤل حول الحل الذي يجب أن يلجأ إليه الثوار الليبيين لعدم تكرار السيناريو العراقي ؟! أعتقد أن الخطأ الأساسي الذي ارتكب هو الارتكان إلى المواجهة العسكرية وعدم الاهتمام بايقاظ التظاهرات في المدن الليبية التي مازالت تحت سيطرة القذافي ، وبالتالي لابد كي تنتصر الثورة الليبية أن تعود مرة أخرى لإحياء التظاهر بشكل مكثف ، ورغم أن جنون القذافي قد دفعه سابقا إلى اللجوء للتوحش كي ينقذ نفسه ومعه مصالح العالم الغربي المذعور ، فإن خروج التظاهرات الرافضة له بكثافة لن يمكنه من أي تجاوز للخطوط الحمراء نظرا لالتزامها بالسلمية كما سيجبره على التقليل من هجماته التي يوجهها إلى المناطق المحررة للاحتفاظ بالتواجد العسكري لحمايته .. وبالتالي سوف يعيد الوجه السلمي مرة أخرى إلى الثورة الليبية ويسقط محاولات الغرب في تصويرها كحرب أهلية يتحول طرفاها تدريجيا إلى عدوين متساويين في القيمة .. وهو بالتأكيد انتصار كبير يسعى إليه القذافي ومن حوله .

ليست هناك تعليقات: