الأحد، 13 مارس 2011

عن الثورة المضادة .. والأحزاب



منذ أن تمكنت الثورة من إجبار مبارك على التخلي عن منصب الرئيس والجميع يتحدث بهستيريا عن الثورة المضادة ، ومحاولات تقليل المكاسب التي تتوقعها الجماهير الثائرة ، أو الإلتفاف عليها وإفراغها من مضمونها بحيث تتحول في النهاية لمكاسب شكلية ليس أكثر .

 
وربما يمكن التماس العذر لكل المتخوفين نتيجة جسامة التضحيات والتي اختلطت ما بين الدماء مسالة وأرواح مزهقة وتغييب في السجون ووراء الشمس أيضاً ، لكن على كل حال ينبغي على الجميع الاطمئنان فلا يمكن لأي ثورة مضادة النجاح الآن مهما كانت محاولاتها ، خاصة وأن الجماهير مازالت تتجمع بالآلاف في ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر من الاسكندرية إلى أسوان .. ومازال التظاهر في الشارع حالة عامة أصبح المصريون يمارسونها ببساطة بعد أن استمروا لسنوات ينظرون بعيون جذلة لأي مظاهرة يكتشفونها مصادفة نظرا لندرتها وغيابها عن الشوارع .
كي تكون هناك ثورة مضادة أو لو أردنا الدقة تحرك مضاد ، يجب أن تتواجد بالأساس أنظمة داعمة لهذا التحرك ، وكان من الممكن أن يكون الأمر مثيرا للقلق لو كانت أمريكا بنفس عافيتها قبل سبتمبر 2008 ، أو لو كانت الأنظمة العربية المجاورة لمصر بنفس قوتها القديمة ، لكن الحقيقة الظاهرة بوضوح تؤكد أن كل الانظمة المحيطة تشعر مهددة وضعيفة ولا تمتلك الامكانية لدعم تحرك مضاد أو حتى مواجهة الأوضاع الدخلية لديها لأن الثورة هذه المرة ليست خاصة بمصر فقط وإنما هي حالة عامة في العالم العربي ولن تلبث أن تتحول لحالة عامة في العالم بصفة عامة ضد الرأسمالية بعد أن وهنت قواها نوعا ما نتيجة الأزمة الأخيرة .
الواقع أن ما يحدث ليس تحركاً أ, ثورة مضادة على الإطلاق فلا يوجد ثورة بلا جماهير حاشدة ولا تحرك بلا دعم خارجي ، وهو كذلك ليس التفاف على مطالب الجماهير ، فالمباركيين لا يسعون الآن سوى للاحتفاظ فقط برقابهم ، وإدراكهم لمدى قوة الشعب المصري الآن ومدى ضخامة ما تمكن من إنجازه ربما يكون أكثر من إدراك الجماهير الثائرة لقدراتها التي أسقطت كل شيء مبارك والسلطة والقمع في لحظات .. ولو إرادت إسقاط أي شيء آخر فسوف تسقطه ولن تحتاج سوى للتجمع بالملايين في ميدان التحرير يوم الجمعة وقضاء يوم مرح هناك لتصاب كل القوى المعادية بالذعر والهستيريا وتبدأ في ترديد النغمة المرتبكة حول ضرورة أن تستقر الأوضاع والخطر الذي ينتظر الاقتصاد المصري إذا لم تتوقف تظاهرات الثائرين وضغطهم المتتالي لدفع باتجاه محاكمة الجميع بلا استثناء ..
الفتنة الطائفية لم تكن سوى محاولة للإلهاء وبعثرة الشارع المصري المتحد ، ونتيجتها كانت عكسية في الواقع .. حيث اكتشف الجميع خطورة أن تشهد مصر صداما طائفيا لن يعني سوى القضاء على الدولة بالاساس ومصير أسوأ من مصير السودان والصومال مع فارق أن المسلمين والمسيحيين يتقاسمون كل شيء في مصر ، ومجموعاتهم البشرية متداخلة تماما .. ولا مجال لايجاد مناطق مسلمة ومناطق مسيحية .. ولن يستمر الأمر كثيرا قبل أن يعود التوحد في المطالب مرة أخرى وأهمها محاكمة كل المسئولين في الفترة السابقة ..
ما تشهده مصر ليس عجيبا ، فقد تكرر في كل الثورات السابقة ، حيث يسعى المنتمون للنظام البائد إلى إرباك الحالة كي يتمكنوا فقط من الفرار برقابهم ، وفي بعض الثورات الأخرى لم يتورعوا عن إرتكاب إغتيالات وتفجيرات لشخصيات عامة من الثوار .. في حين لم يتمكن أنصار النظام البائد سوى من استئجار بعض البلطجية ، وربما خشوا إن تمادوا أكثر من الصدام بالجيش وهو صدام سيمثل التعجيل بنهايتهم تماما .
من ناحية أخرى يبدي البعض من النشطاء خشية كبيرة من إقامة انتخابات تشريعية في الفترة الحالية ويبرر تخوفاته من أن الجهتين الوحيدتين المنظمتين في مصر هما الحزب الوطني ، والأخوان المسلمون ، وكلاهما يثيران الذعر بالنسبة لهؤلاء .
على أن هذه التخوفات تبدو وهمية في الواقع إذا ما نظرنا إلى حقيقة الحزب الوطني والذي لم يكن سوى تجمع أشبه بمحفل ماسوني لأصحاب المصالح ورجال الأعمال نظرا لامساكه بكافة مفاتيح السلطة والثروة في البلاد ، أما الآن فلا مجال للقول بأن هذا الحزب منظم أو أنه سيتمكن من الحصول على نتائج كبيرة في الانتخابات خاصة مع حالة الوعي الثوري التي ارتفعت بالإدراك الجماهيري للواقع الذي ينبغي لهم أن يسيطر على البلاد .
وقد أدرك المنتسبين لهذا الحزب هذه الحقيقة قبل إدراك الآخرين لها وبدأت الكوادر الخاصة به تسعى للابتعاد عنه بقدر الإمكان والبحث عن مسميات ومظلات جديدة تمكنها من العيش بهدوء والاحتفاظ بآمال في مستقبل سياسي ، استقالات تشبه إعلان التوبة أو البراءة من التاريخ الأسود ، ولن يلبث أن يجد هذا الحزب نفسه بلا أتباع سوى شخصيات معدودة ، وحتى الذين ابتعدوا عن الحزب سيظل وجودهم به لفترات عائقا أمام أي محاولة للحصول على قدر ولو صغير من مكاسب الثورة .
إن الفرصة مهيئة أمام الأحزاب الجديدة الآن كي تقوم بدور مكثف في الإعلان عن نفسها وبرامجها طوال الفترة القادمة مستغلة الرغبة القوية لدى الجماهير في القيام بأي دور مؤثر في حياتهم ، هناك حالة جوع قاسية للممارسة السياسية في البلاد سوف تختزل الكثير من الوقت الذي تظن الأحزاب السياسية أنها تحتاجه في الفترات الطبيعية .

ليست هناك تعليقات: