الخميس، 2 يوليو 2020

حول الرؤية الماركسية للدين وأمراض البرجوازية الصغيرة

حول الرؤية الماركسية للدين 

وأمراض البرجوازية الصغيرة

مقدمة :

   منذ أيام كتب أحد الرفاق الماويين مقالاً تحت عنوان [ بصدد الموقف البرجوازي الصغير الانتهازي من الدين والتراث القروسطي ][1] ، وكان بالنسبة له بمثابة التتويج ، وربما الحسم لنقاش تم عبر موقع " تويتر " حول الدين ، وخاصة الدين الإسلامي ، ومدى العلاقة بينه وبين الماركسية ، ونظراً لطبيعة موقع " تويتر " والتي لا تمكن كتابه من التعبير بوضوح عن أفكارهم وتسعى لإجبارهم على الاختصار المشوه أحياناً للفكرة ، فيبدو أن الرفيق المذكور قد قرر ، تحت ضغط الغضب غير المبرر ، أن بإمكانه حسم الموقف عبر كتابة مقال مطول استعان فيه برؤية العفيف الأخضر[2] في مقاله " من نقد السماء إلى نقد الأرض " والذي مثل تقديمه لكتاب فلاديمير لينين " نصوص حول الموقف من الدين " .


   كان رأيي أنه من الضروري القطيعة مع التراث القروسطي المسيطر لكن هذا التراث كذلك يتضمن حركات عبرت عن الكادحين وخاضت نضالات ثورية بعضها كلل بالنجاح كالخشبية والزنج والقرامطة والبابكية وغيرها من الانتفاضات التي شارك بها الموالي والعبيد وفقراء الفلاحين والحرفيين ، بالإضافة إلى أن الإسلام في حد ذاته وفي نشأته مثل ثورة اجتماعية على الأرستقراطية القبلية والمجتمع العشائري وحمل طموحات العبيد والفقراء العرب أو من أطلق عليهم القرآن الكريم " المستضعفون " ، ومثل هذا التراث يمكن استخدامه والبناء عليه في المجتمعات الإسلامية ، وأن العداء يجب أن يتركز على المؤسسات التي تقوم بمحاولة تكييف الدين لخدمة مصالح الطبقات المسيطرة .

   وفي المقابل اعتبر الرفيق هذا الرأي معبراً عن نزعة برجوازية صغيرة ، وانتهازية وتدليس وهرطقة ... الخ من النعوت المتشنجة التي ضمنها في مقاله المطول وتغريداته ، والتي تثير الاستغراب في الواقع خاصة التهمة الأخيرة " الهرطقة " وهي لا محل لها في الماركسية أصلاً إلا على سبيل المجاز كونها تليق بعقيدة جامدة ومؤسسية وليس الماركسية بكل تأكيد[3] .

   وبعيداً عن التشوش الواضح بالمقال وما أبداه الرفيق من عدم وعي بالنصوص الماركسية وتطوراتها أو حتى بمنهجية قراءتها ، بالإضافة لعدم درايته بالتاريخ والتراث الإسلاميين ، وهو ناتج عن تأثره واستسلامه الذهني سالف الذكر لكتابات العفيف الأخضر ، فإن الموضوع المثار يستحق بكل تأكيد الكتابة والنقاش حوله سواء على مستوى النظرية أو الممارسة العملية نظراً لأهميته ، وهو الدافع الوحيد الذي أجبرني على كتابة هذا الرد ، وإلا فإن المقال الذي اتعب الرفيق نفسه في إدباجه يعاني من سيادة اللغة الساخطة مما افقده التناسق ووضوح الفكرة[4] .

   في تعليقه على المقال بحسابه على موقع " تويتر " أشار الرفيق المذكور إلى أن المقال ليس موجهاً لشخص لكنه موقف أيديولوجي ناقد لكل الطرح البرجوازي الصغير والانتهازي التلفيقي مؤكداً أنه لا ينبغي أن نجامل أحد بهذه الثوابت الأيديولوجية لأننا لو فعلنا ، على حد تعبيره ، سننتهي إلى ليبراليين ، خاتماً تغريدته بعبارة " فليكن هذا سجالاً بين خطين " .

   ورغم أن السجال بين الخطين يفترض أن يكون داخل الحزب ، وليس قبل مجرد التأسيس لتواجد فاعل وحقيقي للماويين بين الجماهير العربية والذي يمثل تجاوزاً للظروف الذاتية والموضوعية للمرحلة الحالية ، كما أن مقاله لم يتضمن سوى الطرح الذي قدمته بشكل موجز أثناء النقاش ، لكن وفي كل الأحوال يبقى مشكوراً كونه سعى لتجاوز الجدال الشخصي غير المنتج لقضية بهذا المستوى من الأهمية في المجتمعات الشرقية عموماً ، وإثارتها في صورة مقالات الأمر الذي مثل دافعاً لكتابة رد ملتزم بالمنهجية العلمية ، وتحريك المياه الراكدة في الأوساط الاشتراكية .

   على أنه من الضروري التأكيد بأن هذا الرد وإن كان سيناقش ما طرحه الرفيق في مقاله سالف الذكر من انتقادات وآراء ، إلا إن الأمر لا يتعلق بالرفيق المذكور – وله كل الاحترام طبعا – لكنه يسعى لمناقشة قضية لها أهميتها وحساسيتها في الواقع الاجتماعي العام وداخل الأحزاب الماركسية خصوصاً .

   في هذا المقال سوف أناقش في البداية كيفية التعامل مع النصوص الماركسية ، وعلاقتها بالممارسة العملية للقادة الماركسيين وخاصة لينين وماو تسي تونغ .

   وفي النقطة الثانية سوف أناقش النشأة الثورية للإسلام ، والرد على آراء الرفيق كاتب المقال وما ذكره العفيف الأخضر في مقاله سالف الذكر بخصوص اعتبار الإسلام يهودية ثانية والمجموعات الإسلامية الثورية وخاصة الإسماعيلية .

   وفي النقطة الأخيرة سوف أناقش المدلول الطبقي لبعض الاتهامات التي استخدمها الرفيق المذكور .

   يبقى من الضروري الإشارة إلى أنني كنت أتمنى أن يكون النقاش حول هذه القضية في مرحلة لاحقة لتأسيس تواجد حقيقي للماركسية اللينينية الماوية في العالم العربي ، وليس في هذه المرحلة التي تشهد نوع من التراجع والتشويه والانقسام بينهم ، فأصبح ينطبق عليهم المثال الذي استخدمه كارل شابر في مقاله " أيها البروليتاريون " عن صيادي الدببة الذين تقاتلوا على فراء الدب قبل أن يروه[5] .

1- كيف يمكن التعامل مع النصوص الماركسية حول الدين ؟ وهل يمكن الفصل بينها وبين الممارسة العملية للقادة الماركسيين لينين ، ستالين وماو تسي تونغ ؟

   في خطوة صارت معتادة لدى بعض الماركسيين ، وللأسف لدى بعض الماويين على وجه الخصوص ، يبدأ الرفيق مقاله باستعراض نصوص ماركسية حول الدين منزوعة من سياقها بل وفي أغلب الأحيان لا علاقة لها بالموضوع المثار أصلاً ، وهي في جوهرها تشبه لحد كبير طريقة الكتاب السلفيين في التشبث بالنصوص الدينية والتمحور حولها على حساب الواقع ، وإذا كان هذا مقبولاً لدى الرجعيين من مدعي التدين ، فإنه ليس مقبولاً على الإطلاق بالنسبة لمن ينسب نفسه للماركسية الأمر الذي دفع لينين إلى وصف أمثال هذا الفريق بالماركسيين " من الماركة المسجلة " في كتابه " مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية "[6] ، هذا في الوقت الذي يسخر فيه الرفيق بمقاله من مقولة الإسلاميين بأن الإسلام صالح لكل زمان ومكان : " هؤولاء لا يختلفون بشيء عن السلفيين الذين يعتقدون بصلاحية الدين لكل زمان و مكان " فالواقع أن الرفيق لم يختلف عنهم كثيراً حيث يجلب نصوصاً وردت لمعالجة أوضاع معينة في زمن معين ويعتقد بعصمتها وصلاحيتها في كل مكان وزمان .

   انطلق الرفيق في مقاله من النصوص الماركسية على طريقة حراس العقيدة النقية الذين رفضهم ماو تسي تونغ سابقاً نتيجة تبنيهم لنزعة الباب المغلق في مواجهة الجبهة المتحدة المناهضة للإمبريالية اليابانية بل ووصفهم لها بالتكتيك الانتهازي[7] : " إن الماركسية اللينينية تعارض " مرض الطفولة " في الصفوف الثورية "[8] ، وفي غمرة استعانته بالنصوص الماركسية تناسى الرفيق أن موضوع الحوار بالأساس ليس الموقف العام من الدين ، وهو ما ينطبق على كل الأديان سواء وثنية أو توحيدية ، وإنما هو حول التراث الثوري في الإسلام على وجه الخصوص والذي لا يمكن أن ينكره أي دارس للتاريخ الإسلامي على الإطلاق ، وهنا فقد كان على الرفيق أن ينطلق من الواقع الخاص وليس من النصوص العامة أو المتعلقة بواقع خاص مختلف كالواقع الصيني أو الروسي مثلاً ، كما كان من الضروري أن يستعرض الممارسات العملية للقادة الماركسيين لينين وماو تسي تونغ فيما يتعلق بالموقف من الإسلام عندما تمكنوا من تأسيس دولتين كالاتحاد السوفيتي وجمهورية الصين الشعبية ليفهم المغزى الحقيقي من هذه النصوص .

   ولنستعرض النصوص التي لجأ إليها الرفيق في بداية مقاله وقبل أن يكتب كلمة واحدة حول موضوع النقاش ، وهي سبع نصوص يمكن تقسيمها إلى مجموعتين :

   الأولى : نصوص لكل من ماركس وأنجلس ويلاحظ أنها نصوص مبكرة جداً وكلها لم تتجاوز 1848 ، بل أن النصين المنسوبين لماركس ظهرا في كتابه " نقد فلسفة الحقوق عند هيجل " والذي صاغه ماركس سنة 1843 أي قبل لقائه بإنجلس وصياغة رؤيتهما الشيوعية[9] ، وبالرغم من أن موقفهما من الدين ، بشكل عام ، لم يتغير كثيراً ، إلا أن وعيهما تجاه دوره الثوري في التاريخ قد تطور لاحقاً وبدا واضحاً في كتاب فريدريك إنجلس " حرب الفلاحين في ألمانيا " .

   الثانية : ثلاث نصوص لكل من لينين وماو تسي تونغ ، ومن الملفت أن نصي ماو تسي تونغ لم يذكرا الدين بشكل صريح وإنما أشار أحد هذه النصوص إلى معارضة الماركسية لسائر الأفكار الإقطاعية والخرافية .

   لكن ما يجمع بين هذه النصوص هو عدم علاقتها بموضوع النقاش أصلاً ، فلم يكن المطروح هو الإيمان بالدين من عدمه وإنما كان الموضوع الأساسي هو استخدام التراث الثوري الديني والبناء عليه في المجتمعات الإسلامية ، وأن العداء يجب أن يوجه للمؤسسات الدينية .

   المجموعة الأولى : نصوص لماركس وإنجلس

1- " إن إلغاء الدين من حيث هو سعادة وهمية للشعب هو ما يتطلبه صنع سعادته الفعلية . إن تطلب تخلى الشعب عن الوهم حول وضعه هو تطلب التخلي عن وضع بحاجة إلى وهم " ـ ـماركس

2-  " لا يمكن إلغاء كل أشكال العبودية إلا بالقضاء على كل أشكال العبودية " . ماركس

3-   "الشيوعية تلغي كل الحقائق الثابتة مثل الدين " - البيان الشيوعي

4-  " كانت كل الأديان إلى حد اليوم تعبير لتطور المراحل التاريخية لشعوب مفردة أو مجمعة. لكن الشيوعية هي مرحلة التطور التاريخي الذي يجعل كل الأديان الموجودة سطحية و تؤدي إلى اضمحلالها ". ـ إنجلز

   في البداية من الضروري الإشارة إلى أن الرفيق لم ينقل النص رقم (3) بأمانة ، أو أنه نقله دون تثبت من مرجع ما وليس من المصدر الأصلي ، فالنص : " الشيوعية تلغي كل الحقائق الثابتة مثل الدين " المنقول من البيان الشيوعي أتى في إطار استعراض البيان لبعض الاتهامات الموجهة للشيوعيين ، يقول النص الأصلي : " وفوق ذلك ، هناك حقائق أبدية مثل الحرية والعدالة ، ألخ .. هي واحدة في جميع أوضاع المجتمع والتبدلات التي تطرأ عليها ، ولكن الشيوعية تلغي الحقائق الأبدية ، وتلغي كل الأديان وكل الأخلاق ، بدلاً من إعادة تشكيلها على أسس جديدة . فهي بذلك تناقض كل التجربة التاريخية السابقة " ويرد أنجلز على هذا الاتهام بقوله : " فإلام يفضي هذا الاتهام ؟ إن تاريخ كل المجتمع القديم قد تأسس على الصراع الطبقي ، صراع اتخذ أشكالاً مختلفة في عصور مختلفة "[10] .

   إن هذا الخطأ من الرفيق لا يمكن سوى أن يوضع في خانة التدليس ، الذي يتهمني به في مقاله دون سبب واضح ، أو خانة عدم الاضطلاع وكلاهما لا يمكن قبوله ممن يجد في نفسه القدرة على التصدي للتحريفات البرجوازية الصغيرة والانتهازية ... إلى آخره من هذه الأوصاف التي صاغها في مواجهتي بهذا النقاش ، ولو أنه قرأ البيان الشيوعي بالفعل لمد نظره قليلاً حيث كان سيجد عبارة أدق ربما تخدم هدفه : " والثورة الشيوعية هي الأكثر جذرية في قطعها مع علاقات الملكية التقليدية ، وليس من المستغرب أن تقطع في مجرى تطورها ، بجذرية أكثر مع الأفكار التقليدية "[11] .

   كما أن النص رقم (2) وهو : " لا يمكن إلغاء كل أشكال العبودية إلا بالقضاء على كل أشكال العبودية "[12] ، المأخوذ من كتاب " نقد فلسفة الحقوق عند هيجل " لم ينقل بشكل كامل حيث يقول ماركس : " إن تحرر ألمانيا الوحيد الممكن عملياً هو تحررها على أساس النظرية التي تنادي بأن الإنسان هو الكائن الأسمى للإنسان ذاته . في ألمانيا ، الانعتاق من العصر الوسيط ليس ممكناً إلا إذا جرى في نفس الوقت الانعتاق من امتداداته الجزئية . في ألمانيا ، لا يمكن تحطيم أي شكل من أشكال العبودية إلا بتحطيم كل أشكال العبودية . إن ألمانيا ، التي تغوص إلى أعماق الأشياء ، لا تستطيع أن تصنع ثورة دون أن تصنع الثورة التي تقلب كل شيء رأساً على عقب . إن انعتاق الألماني هو انعتاق الإنسان "[13] . واعتقد أن وضع النص بهذه الصورة المتكاملة يبدو مختلفاً في مدلوله عن النص المقتطع من سياقه الذي أورده الرفيق في مقاله ، حيث كرر ماركس تخصيص رؤيته بالوضع في ألمانيا خمس مرات .

   وبخصوص هذه النصوص الأربعة ، المبكرة جداً في صدورها عن ماركس وأنجلز ، التي استدل بها الرفيق فلا يوجد بها ما يشير إلى موضوع المناقشة ، فهي تتحدث عن الدين بشكل عام وعن دوره كوسيلة وهمية للاحتجاج ، وتتوقع أن الشيوعية سوف تؤدي لاضمحلال الأديان لأنها بحسب قول ماركس ستقضي على وضع يحتاج إلى هذا الوهم . لكن السؤال : ما هي العلاقة بين ما ذكره ماركس وإنجلس وبين فكرة القطيعة مع التراث الثوري للكادحين في العصور المختلفة ؟

   في سنة 1850 قام إنجلس بتأليف كتابه الشهير عن حرب الفلاحين في ألمانيا حيث أشار في مقدمته أنه كتبه عندما كان التأثير المباشر للثورة المضادة مسيطراً عليه ، وفيه هذا الكتاب يسعى إنجلس إلى استحضار الحالة الثورية في حرب الفلاحين بالرغم من ارتباطها بالدين سواء من ناحية القيادة أو المطالب بالدين : " يملك الشعب الألماني أيضاً تراثه الثوري ، فقد مضى وقت أنجبت فيه ألمانيا شخصيات تبز أعظم الرجال في ثورات البلاد الأخرى في ذلك الحين أظهر الشعب الألماني صلابة وقوة لو وجدت في أمة ممركزة لجلبت أروع النتائج ، عندما كانت أذهان الفلاحين والعامة الألمان مليئة بالأفكار والخطط التي كثيراً ما بعثت الرعشة في قلوب أبنائه .

   ولقد سنحت الفرصة مرة أخرى – في مواجهة النكسة التي أعقبت عامين من النضال – لكي تقدم للشعب الألماني قادة حرب الفلاحين الكبرى ، تلك الشخصيات التي كانت رغم خشونتها قوية وعنيدة . لقد انقضت ثلاث قرون وتبدل الكثير من الأشياء إلا أن حرب الفلاحين لا تزال مرتبطة بنضالنا الحالي ، ومازال الأعداء الذين يجب أن نحاربهم هم أساساً نفس الأعداء . فالطبقات وأجزاء الطبقات التي خاضت في كل مكان ثورة 1848 – 1849 تقوم بنفس الدور منذ عام 1525 ، ولو أنهم كانوا يومئذ على درجة أقل من التطور .

   إن روح العنف القوية لحرب الفلاحين التي توضحت هنا وهناك خلال تحركات الأعوام الماضية في أونفالد ، الغابة السوداء . سيليزيا لا تعود إلى انتفاضة 1848 إنما ترجع إلى أبعد من ذلك "[14] .

   لقد ذكر إنجلس هذا الوصف لحرب الفلاحين وسيذكر لاحقاً أنهم اعتمدوا على منظومة دينية عبرت عن مصالحهم ومع ذلك اعتبرها ثورية وحاول الربط بينها وبين ثورة 1848 كنوع من التحريض الثوري عبر استحضار التاريخ كما يشير في عبارته الأخيرة ، وهو يؤكد الجانب الثوري من الدين بقوله : " لقد وضع لوثر سلاحاً قوياً في أيدي حركة العامة بترجمة الكتاب المقدس . فبواسطة الكتاب المقدس قارن بين تناقض مسيحية الإقطاع في زمنه وبين المسيحية المعتدلة في القرن الأول ، وبين المجتمع الإقطاعي المتدهور والمجتمع الذي لم يعرف شيئاً عن الهيراركية الإقطاعية المصطنعة والمتعددة . وقد استفاد الفلاحون استفادة كبيرة من هذه الوسيلة ضد الأمراء والنبلاء ورجال الكنيسة "[15] .

   لقد نقل إنجلس في كتابه كلمات قائد هذه الثورة وهو القس الإنجيلي توماس مونزر والذي انضم إلى حركة الهوسيت كفرقة دينية معبرة عن طموحاته الثورية : " ألم يقل المسيح لم أرسل بالسلام بل بالسيف فماذا يجب عليكم (يا أمراء سكسونيا) أن تفعلوا بهذا السيف ؟ شيئاً واحداً إذا كنتم تريدون أن تصبحوا خداماً للرب وهو أن تطردوا وتحطموا الأشرار الذين يقفون في طريق الإنجيل لقد كان المسيح جاداً حين قال " جيئوا بأعدائي هنا وأذبحوهم أمامي "(لوقا 19 – 27) فلا ترددوا الكلمات الجوفاء عن أن قدرة الرب ستفعل ذلك دون مساعدة سيوفكم لأنها عندئذ سوف تصدأ في أغمادها . إن هؤلاء الذين يقفون في وجه رسالة الرب يجب أن يحطموا دون رحمة مثلما حطم حزقيا دسيروس ويوشع ودانيال وإلياس كهنة بعل وإلا فلن تعود الكنيسة المسيحية قط إلى أصولها يجب أن نجتث جذور الحشائش من كرمة الرب أثناء الحصاد "[16] .

   ويعقب إنجلس على هذه الكلمات لمونزر بقوله : " ولم تؤثر هذه النداءات في الأمراء ، بينما ازدادت العواطف الثورية بين الشعب يوماً بعد يوم وأصبحت أفكار مونزر أكثر جرأة وعلت حدة وضوحها وهجر بلا رجعة الإصلاح الشعبي وأصبح منذ ذلك الحين محرضاً سياسياً بحتاً "[17] .

   إذن بالرغم من توقعات ماركس وإنجلس بأن الشيوعية سوف تؤدي لاضمحلال الدين لاحقاً إلا أن الأخير لم يرفض فكرة استحضار الحالة الثورية عندما اقتضى الأمر ذلك بعد فشل ثورة 1848 – 1849 ، ومن هنا يمكننا تفسير ما قصده ماركس وإنجلس بمقولتهما في البيان الشيوعي : " والثورة الشيوعية هي الأكثر جذرية في قطعها مع علاقات الملكية التقليدية ، وليس من المستغرب أن تقطع في مجرى تطورها ، بجذرية أكثر مع الأفكار التقليدية "[18] ، فالقطع المذكور إذن ليس مع الجانب الثوري من التراث حتى لو كان بمظهر ديني ولكن مع شعاراته وأساليبه ، فالصراعات الدينية بين الطوائف والفرق المختلفة والتي حملت في جوهرها صراعات طبقية[19] ستتحول إلى صراع طبقي واضح وصريح ، والمناداة بإعادة الكنيسة الأولى وهو شعار غير واقعي ، سيتحول إلى المناداة بإلغاء المجتمع الطبقي ككل ، وهذا لا ينفي ضرورة استحضاره كروح ثورية وخاصة في بعض المراحل والمناطق ذات الخصوصية .

   ومن ناحية أخرى سيكون هناك قطع آخر كامل تماماً مع التراث الذي أفرزه الإقطاع ثم الرأسمالية سواء كان فلسفياً أو دينياً ، بل وحتى مع الرؤى الاشتراكية البرجوازية التي برزت في القرن التاسع عشر .

   لكن ماذا عن الإسلام على وجه الخصوص ؟ الواقع أن اعتبار الإسلام ثورة اجتماعية دينية يعود بالأساس إلى ماركس وإنجلس وهما من وصفاه في رسائلهما المتبادلة بهذه الصفة ، ومن البديهي أن درايتهما بالإسلام ونصوصه وحتى بالتاريخ العربي لم تكن كبيرة ، إلا أنها لم تكن معدومة كذلك .

   في رسالة إنجلس إلى ماركس في مايو 1853 يقول : " يبدو أن العرب حيث كانوا قد استوطنوا في الجنوب الغربي ، كانوا شعباً لا يقل مدنية عن المصريين ، والآشوريين ، وغيرهم كما يتبين ذلك من المباني التي شيدوها . هذا أيضاً يفسر لنا الشيء الكثير عن الفتح المحمدي . وبقدر ما يتعلق الأمر بهذه الصورة التي هي الدين ، يبدو استنتاجاً من الكتابات القديمة في الجنوب ، حيث مازال التراث العربي – القومي القديم ، تراث دين التوحيد ، هو الغالب (كما هو الأمر بين الهنود الأمريكيين) ، والذي لا يؤلف التراث اليهودي إلا جزءاً صغيراً منه ، يبدو أن ثورة محمد الدينية ، شأنها شأن كل ثورة دينية ، كانت من الوجهة الشكلية ردة ، رجوعاً معلناً نحو القديم ، نحو البسيط "[20] .

   ويضيف إنجلس في في رسالة أخرى في 6 يونيو 1853 : " هنا أيضاً ، يأتي دور خراب تجارة الجنوب العربي قبل محمد ، وهو العامل الذي اعتبرته بحق واحداً من العوامل الرئيسية في الثورة المحمدية ... إن طرد الأحباش حدث قبل محمد بزهاء 40 سنة ، وكان ، بشكل واضح الفعل الواضح للشعور (للوعي) القومي العربي المستيقظ ، الذي حركته من جهة غزوات الفرس من الشمال التي اندفعت إلى مكة تقريباً . وسأدرس في الأيام القادمة تاريخ محمد نفسه . إلا أنه يبدو لي أن الأمر يحمل طابع ردة بدوية ضد فلاحي المدن المتحضرين ولكن المنحلين الذين أصبحوا في ذلك الوقت جد منحطين في دينهم ، وهو خليط من عبادة للطبيعة مفسدة ومن يهودية ومسيحية مفسدتين "[21] .

   وبصرف النظر عن أن كلاً من ماركس وإنجلس كانت معلوماتهما عن محمد قليلة كما يعترف الأخير حتى منتصف سنة 1853 ، إلا أن إنجلس أبدى عدة ملاحظات هامة :

1-  أن الإسلام مثل ثورة دينية (ثورة محمدية) ضد الديانات المنتشرة في الجزيرة العربية والتي عانت من الفساد والانحلال .

2-  من عوامل هذه الثورة خراب تجارة الجنوب العربي نتيجة غزوات الأحباش ، ويضيف ماركس في رسالته لإنجلس بتاريخ 2 يونيو 1853 أن تبدل الطريق التجاري بين أوروبا وآسيا في عصر النبي محمد (ص) قد أدى لحالة من الانحطاط التجاري للمدن العربية التي شغلت سابقاً قسطاً كبيراً من التجارة مع الهند وغيرها مما مثلاً دافعاً كبيراً لهذه الثورة[22] .

3-  أن هذه الثورة الدينية اقترنت ببداية الشعور (الوعي) القومي العربي كرد فعل على طرد الأحباش والتهديد الفارسي في الشمال .

   وبالرغم من تحفظاتي على اعتبار إنجلس للإسلام كردة بدوية ضد فلاحي المدن المنحلين والمنحطين في دينهم ، على حد تعبيره ، كون النبي ذاته ، والمؤمنين الأوائل بدعوته ، لم يكن بدوياً ، وباستثناء طفولته المبكرة فقد قضى أغلب فترات حياته بين مكة[23] ويثرب (المدينة المنورة)[24] وكلتاهما مدينتان حضريتان ، بل أن القرآن الكريم في أحد آياته يتحدث عن البدو بلغة عدائية [ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ](التوبة/97) ، إلا أن إنجلس في كل الأحوال احتفظ برؤيته الإيجابية للعرب المسلمين ومنجزهم الحضاري ، حيث يقول عنهم في مقدمة كتابة " جدل الطبيعة " (1875) : " تحطم طغيان الكنيسة الفكري ، فقد رفضته غالبية الشعوب الجرمانية وتبنت البروتستانتية . بينما ظهر ، عند الشعوب اللاتينية ، فكر حر نشيط ، مقتبس عن العرب ، تغذيه الفلسفة الاغريقية المكتشفة حديثاً " ، وقال كذلك : " إن العصور القديمة خلفت إقليدس ومنظومة بطليموس الشمسية والعرب خلفوا الترقيم العشري وبذور الجبر والأرقام الحديثة والسيمياء . والقرون الوسطى المسيحية لا شيء "[25] .

   إن تنبه إنجلس إلى دور الإسلام في دعم وعي العرب برابطتهم القومية ، وإشارته وماركس إلى الدوافع المؤدية لنجاح الثورة المحمدية (على حد تعبيرهما) يشير إلى الدور الاجتماعي والتقدمي الذي لعبته الدعوة الإسلامية كرد فعل على حالة الانحطاط التي سبقتها ولم تتمكن المنظومات الدينية المتواجدة من معالجتها سواء وثنية ، توحيدية عامة ، يهودية ومسيحية .

   بينما كان لماركس موقفاً إيجابياً من الأتراك المسلمين في حربهم ضد روسيا الرجعية سنة 1877 ، ففي رسالة من زوجته جيني فون فستفالن إلى سورج قالت : " زوجي غارق الآن حتى عنقه في المسألة الشرقية . وهو يهلل للموقف الحازم والمشرف الذي يقفه أبناء محمد " أما ماركس نفسه فقد كتب إلى يقول : " الأتراك الطيبون عجلوا الانفجار سنوات ، بضربات أقدامهم التي أصابت لا الجيش الروسي والخزينة الروسية وحسب ، بل أيضاً أشخاص الأسرة المالكة الذين يقودون الجيش "[26] .

   لم يكن يغيب عن ماركس سلبيات الدولة العثمانية بكل تأكيد ، لكن التساؤل حول هذا التعاطف معها ومع المسلمين في مواجهة الروس ؟ فهل كان ماركس قد بدأ ينظر للإسلام كدين لشعوب مضطهدة ومستغلة في مواجهة الإمبريالية الروسية والغربية وهي الرؤية التي سيطبقها لينين لاحقاً في تعامله مع المسلمين ؟ أم أن سعادة ماركس تعود إلى اعتقاده بأن روسيا القيصرية تمثل الحصن بالنسبة للرجعية في أوروبا ؟ لا يمكن الجزم بأي إجابة بالرغم من أن الجمع بين الإجابتين وارد ، إذا ما وضعنا في الاعتبار ما جاء في الرسائل المتبادلة بينه وبين إنجلس .

   المجموعة الثانية : نصوص لينين وماو تسي تونغ

1-  " لقد اعتبرت الماركسية دائما كل الديانات والكنائس الحديثة ، وكل وأى منظمة دينية ، ادوات الرجعية البرجوازية التى تخدم فى الدفاع عن الاستغلال وتخبيل الطبقة العاملة " . ــ لينين

2-  " بما أن الثورة الصينية اليوم لا يمكن أن تستغني عن قيادة البروليتاريا الصينية فإن الثقافة الجديدة للصين اليوم لا تستطيع أيضا أن تستغني عن قيادة الثقافة أو الإيديولوجية للبروليتاريا الصينية أي عن قيادة الايدولوجيا الشيوعية " ـ ماو تسي تونغ

3-  " إن ثقافة الديمقراطية الجديدة هذه ثقافة علمية تعارض سائر الأفكار الإقطاعية و الخرافية وتنادي بالبحث عن الحقيقة من الوقائع و بالالتزام بالحقيقة الموضوعية " ـ ماو تسي تونغ

   فيما يتعلق بالنص الأول فقد ورد ضمن مقال لينين " موقف حزب العمال من الدين " والذي كتبه كتعليق على خطاب النائب سيركوف في الدوما الروسي أثناء الجدال حول ميزانية السينود (مجلس القساوسة) سنة 1909 ، فهو نص موجه لشأن روسي ومتعلق بالمؤسسة الدينية الرسمية ، وقد أوضح لينين في ذات المقال هذه الحقيقة : " أما في روسيا فإن الشروط مختلفة تماماً . فالبروليتاريا هي قائد ثورتنا الديمقراطية البورجوازية . وحزبها يجب ان يكون القائد الأيديولوجى للنضال ضد جميع ممارسات القروسطية (القرون الوسطى) ، بما فيها الدين الرسمي القديم وكل محاولات تجديده أو إعطائه قاعدة جديدة مختلفة "[27] وإذا كنت لا أجادل في الموقف العام للينين من الدين ، فإن الجدال يجب أن ينصب على مدى إلزامية تطبيق هذه الرؤية في مجتمعاتنا الإسلامية خاصة أن تطبيقات لينين العملية فيما يتعلق بالمسلمين عموما والمسلمين الروس أو المسلمين في الاتحاد السوفيتي على وجه الخصوص كانت مختلفة ومرنة كثيراً مقارنة مع هذا الموقف المتشدد فيما يتعلق بالوضع الروسي .

   في سنة 1913 كتب لينين مقالة في البرفدا بعنوان " استيقاظ آسيا " قال فيه : " ويستوقف النظر أن الحركة الديموقراطية – الثورية قد شملت الآن كذلك الهند الهولندية جزيرة جاوه والمستعمرات الهولندية الأخرى التي يقطنها حوالي 40 مليون نسمة .

   وحملة هذه الحركة الديموقراطية هم – أولاً الجماهير الشعبية في جاوه التي نشأت في أوساطها حركة قومية تحت لواء الإسلام  ثانياً لقد كونت الرأسمالية مثقفين محليين من الأوروبيين المستوطنين الذين يؤيدون استقلال الهند الهولندية  ثالثاً ، السكان الصينيون الكثيرون نسبياً في جاوه والجزر الأخرى قد حملوا الحركة الثورية من وطنهم "[28] .

   ينظر لينين إلى الإسلام في هذا النص كمحرض ثوري لأهالي جزيرة جاوة وحركتهم القومية ، وهو امتداد لرأي كل من ماركس وإنجلس كما أشرت سابقاً ، وقد امتد هذا الموقف الإيجابي من الإسلام إلى المسلمين بالاتحاد السوفيتي حيث اعتبر لينين أن الإسلام يمثل جزء أساسي من الهوية القومية للشعوب السوفيتية المسلمة في مواجهة الشوفينية الروسية التي سيطرت على الإدارات الروسية في فترة ما قبل تأسيس الاتحاد السوفيتي ومن المؤكد بالنسبة للينين أنها كانت ستظل لفترات متواجدة وبالتالي فبالإضافة لوعي ماركس وإنجلس إلى خصوصية التاريخ الشرقي والذي يظهر في صورة تاريخ أديان بحسب رأي ماركس[29] ، وإلى الدور الثوري للإسلام في مواجهة الواقع المتردي ورعايته للوعي العربي والرابطة القومية ، فقد تنبه لينين إلى أن الدين الإسلامي يمثل ديانة الأمم والشعوب المضطهدة ، في الاتحاد السوفيتي وخارجه ، وإلى ارتباطه بنضال هذه الشعوب من أجل الاستقلال وهو ما دفعه إلى مطالبة المنظمات الشيوعية في الأقاليم الإسلامية بتحاشي أي انتقاد غبي للإسلام[30] .

   لقد أدى هذا الموقف الإيجابي من الإسلام الذي اتخذه لينين إلى انخراط ربع مليون مسلم في الجيش الأحمر أثناء الحرب الأهلية بقيادة الماركسيين التتاريين ملا نور محمدوف ومير سعيد سلطان غالييف ، مثلوا نصف الجيش الأحمر السادس الذي تولى الجبهة الشرقية (سيبيريا) وهي الجبهة الرئيسية في الحرب[31] .

  وفي إندونيسيا ، حيث التفت لينين مبكراً إلى أهمية الإسلام في صراع شعبها من أجل الاستقلال ، ظهر الحزب الشيوعي الإندونيسي بقيادة تان مالاكا كتطور من الجامعة الإسلامية (إسلام ساريكات) والتي تبنت الاشتراكية في مؤتمرها عام 1916 معلنة أن النبي محمد (ص) أبو الاشتراكية ، وقد ألقى القائد الشيوعي تان مالاكا خطاباً في مؤتمر الكومنترن الرابع في موسكو وبتروغراد سنة 1922 عن أوجه الشبه بين الجامعة الإسلامية والشيوعية : " إنَّ الجامعة الإسلامية ليست متدينة في حد ذاتها ، ولكنها الأخوة بين الشعوب الإسلامية ، والكفاح التحرري ليس فقط للعرب ، بل أيضا للهند ، والجاويين ، وجميع الشعوب الإسلامية المضطهدة " . وأضاف : " إنَّ هذه الأخوة ، تعني الكفاح التحرري العملي ليس فقط ضد الهولنديين، بل أيضًا ضدَ الرأسمالية الإنكليزية والفرنسية والإيطالية ، وبالتالي ضد الرأسمالية العالمية ككل "[32] .

   أما في العالم العربي فقد كان للثورة البلشفية صدى واسع إلى درجة إصدار الميرزا محمد الشيرازي المجتهد الأكبر للشيعة بكون البلاشفة أصدقاء الإسلام ، ووجهت عميلة المخابرات البريطانية مس بيل اتهاماً صريحاً للميرزا محمد رضا نجل المجتهد الأكبر بأنه يروج للبلشفية في كربلاء[33] ، كما تم تأسيس الحزب الشيوعي المصري الأول في عشرينات القرن العشرين وشارك به عدد من رجال الدين المسلمين ، بل تشير بعض الإحصاءات إلى أن هذا الحزب ضم لصفوفه 45 من علماء الأزهر وحوالي ثمانمائة عضو من الطلبة ، وهو رقم ضخم جداً في هذه الفترة[34] .

   والآن ما هو موقف ماو تسي تونغ من الإسلام ومن الاستعانة بتراثه الثوري ؟ إن المواقف والنصوص الواردة في هذا الشأن لن تكون في صالح الرفيق على الإطلاق ، كونها تتسم بقدر أكبر من الإيجابية الأمر الذي يحملنا على القول بأنه كرر موقف لينين في استثناء الإسلام من المواقف السلبية التي أشارت إليها النصوص الواردة .

   يقول وانغ ليان فانغ أحد أعضاء الحزب الشيوعي الصيني في مقال كتبه سنة 1983 بهذا الخصوص : " في يانآن أنشيء معهد للأقليات القومية لتدريب أبناء وبنات جيدين جاؤوا من مختلف أنحاء البلاد . وكان في يانآن منظمة أبحاث للقوميات والأديان تحت توجيه الرفيق لي وي هان ، نشرت كتباً مثل " قومية هوي التي اضطهدت طويلاً تخوض نضالاً مريراً " و" ما هو الإسلام ؟ " أوضحت بصورة نظامية الطريق الصحيح الذي يجب أن يتبعه أبناء قومية هوي ليحرزوا الانعتاق التام . وطبق الحكم الذاتي في المناطق التي عاش فيها أبناء قومية هوي ، في جماعات مشتركة . وقد كتب الرئيس ماو نقشاً من ثلاث مقاطع ، تشنغ تسن سي (مسجد) لمسجد قرية لأبناء قومية هوي في منطقة يانآن . وأصبح الرفيق تشانغ جيه من مسقط رأسنا إماماً هناك "[35] .

   وإذا كان الموقف السابق للرئيس ماو يدخل في إطار حرية الدين وهو موقف عادي وربما لا يتعلق كثيراً بموضوع المناقشة ، إلا أنه قد يمثل دليل على تبني ماو تسي تونغ لموقف لينين السابق من الإسلام[36] ، لكن تصريح الرئيس ماو لأحمد الشقيري رئيس الوفد الفلسطيني الذي زار الصين في مارس 1964 هو المرتبط أكثر بمناقشتنا ، حيث قال ماو : " منابع الفكر العربي غنية بالأمثلة (عن المسيرة الكبرى) . إن نبيكم (يقصد النبي محمد ص) هو الذي لقن الشعوب الدرس الأول لمعاني الهجرة . لقد هاجر ليعود بالزحف الكبير. الواقع أن القانون الأساسي لأفكار التغيير يجب أن يشمل الوعي التاريخي لمختلف شئون الحياة . فالحرب لا تتجزأ ، الحرب هي حركة متكاملة ، عسكريا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا ، هذا ما قلته لزعماء الثورة الجزائرية عندما زاروني قبل سنوات وهذا ما أكرره أمامكم اليوم . فالحركة الصهيونية معبأة بكامل قدراتها ضد الأمة العربية وبالمقابل يجب أن تعملوا على استنفار أمتكم بكل قطاعاتها لكي تتحرك على مختلف الجبهات . هذا هو الخط الاستراتيجي الذي يجب التزامه وإلا فإن إسرائيل ستعمل على استفرادكم دولة دولة "[37] . إذن اعتبر ماو تسي تونغ النبي محمد والإسلام كجزء أساسي في استنفار الأمة العربية ضد الكيان الصهيوني ، كما لم يرى أي ضرورة للقطع مع التراث الثوري في الإسلام وخاصة تراث النبي محمد ، ومن هنا كان من الضروري أن يعي الرفيق خصوصية العالم العربي وكذلك خصوصية نشأة وتطور الإسلام ووضعه في العصر الحديث كدين لشعوب مضطهدة ، وهنا يتعامل كل من ماو تسي تونغ ولينين مع الواقع العملي وليس من نصوص منزوعة من سياقها .

   في 1938 كتب ماو تسي تونغ تقريراً بعنوان " دور الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الوطنية " قال فيه : " إن مهمتنا الأخرى هي دراسة تراثنا التاريخي وتلخيصه بصورة ناقدة باستخدام الأسلوب الماركسي . إن لأمتنا تاريخاً يعود إلى آلاف عديدة من السنين ، فهي أمة لها خصائصها وأمة تملك ثروة غنية من التراث النفيس . بيد أننا لا نبرح مجرد تلامذة صغار في كل ذلك . إن الصين المعاصرة قد تطورت من الصين الماضية ، ولما كنا من أنصار النظرة الماركسية إلى التاريخ ، فإنه لا يجوز لنا أن ننفصل عن تاريخنا الماضي . إن من واجبنا أن نلخص كل ماضينا ، من كونفوشيوس حتى صن يات صن ، وأن نرث هذا التراث الثمين . ولسوف يساعدنا ذلك كثيراً في توجيه الحركة العظيمة الراهنة "[38] .

   ومن المؤكد أن ماو في هذا النص لا يروج لأي أديان لكن من الواضح كذلك أن ماو تسي تونغ لم يفكر أبداً في القطيعة مع التراث بالمعنى الذي قصده الرفيق ، بل أن جملته الأخيرة تؤكد على أن وجهة نظري عن ضرورة الاستعانة بالتراث الثوري في الإسلام ليست هرطقة ، بل أن العكس هو ما وصفه ماو تسي تونغ بـ " ماركسية مجردة جوفاء " في نقده لمن يتحدثون عن الماركسية بمعزل عن خصائص الصين[39] .

   ولنعد الآن إلى نصي ماو تسي تونغ اللذين استشهد بهما الرفيق ، فالنص الأول وهو : " بما أن الثورة الصينية اليوم لا يمكن أن تستغني عن قيادة البروليتاريا الصينية فإن الثقافة الجديدة للصين اليوم لا تستطيع أيضا أن تستغني عن قيادة الثقافة أو الإيديولوجية للبروليتاريا الصينية أي عن قيادة الايدولوجيا الشيوعية "[40] .

   لقد ورد هذا النص لماو تسي تونغ في مقاله " حول الديمقراطية الجديدة " والواقع أن الرفيق اقتطعه من سياقه اقتطاعاً أو أنه نقله مقتطعاً دون العودة للنص الأصلي لأنه لو كان قد طالعه لفهم مقصود ماو من هذا النص ، حيث يقول في تكملة الفقرة التي اقتطعها : " لكن هذه القيادة تعني في المرحلة الحالية قيادة جماهير الشعب إلى تحقيق ثورة سياسية وثقافية ضد الإمبريالية والإقطاعية ، وبالتالي فإن مضمون الثقافة الوطنية الجديدة بمجموعها لا يزال من مضمون الديمقراطية الجديدة ، وليس من مضمون الاشتراكية "[41] . ويوضح ماو مقصوده بثقافة الديمقراطية الجديدة في فقرة لاحقة بقوله : " إن ثقافة الديمقراطية الجديدة هذه ثقافة وطنية تعارض الاضطهاد الإمبريالي وتنادي بالمحافظة على كرامة الأمة الصينية واستقلالها . هذه الثقافة تخص أمتنا ، وتحمل خصائصنا الوطنية "[42] .

   والواضح أن كلا النصين لا علاقة لهما بالموضوع المطروح للنقاش أصلاً ، لكن في فقرة لاحقة للنص الثاني يتبنى ماو تسي تونغ ضرورة الاستعانة بالنافع من الثقافة القديمة للبلدان الأجنبية مع نقدها : " علينا أن نأخذ كل ما هو ينفعنا اليوم ليس فقط من الثقافة الاشتراكية وثقافة الديمقراطية الجديدة في هذا العصر ، بل من الثقافة القديمة للبلدان الأجنبية أيضاً ، مثلاً من ثقافة البلدان الرأسمالية المختلفة في عهد حركة الاستنارة "[43] ، وما يقوله ماو تسي تونغ في هذا النص ينفي تماماً تصورات الرفيق كاتب المقال .

  أما النص الثاني الذي استشهد به الرفيق : " إن ثقافة الديمقراطية الجديدة هذه ثقافة علمية تعارض سائر الأفكار الإقطاعية و الخرافية وتنادي بالبحث عن الحقيقة من الوقائع و بالالتزام بالحقيقة الموضوعية "[44] . وفي موقع آخر يستخدم مقطعاً آخر من ذات المقال لماو : " يمكن للفكر العلمي للبروليتاريا الصينية أن يقيم جبهة متحدة ضد الامبريالية و الإقطاعية و الخرافات مع أولئك الماديين و العلماء الطبيعيين من البرجوازية الصينية الذين مازالت فيهم روح تقدمية ولكن لا يمكنه في أي حال من الأحوال أن يقيم جبهة متحدة مع أية نزعة مثالية رجعية "[45] .

   والواقع أن كلا من المقطعين مأخوذين من نص واحد في صفحة واحدة وينطبق على هذا الاقتطاع ما انطبق على النص السابق ، فلو قرأ الرفيق النص كاملاً لتمكن من استيعاب رؤية ماو تسي تونغ بشكل أكثر وضوحاً ، حيث يقول في مقطع لاحق من ذات النص : " لقد تكونت ثقافة قديمة رائعة في سياق الفترة المديدة للمجتمع الإقطاعي . فان دراسة مجرى تطور هذه الثقافة القديمة وطرح شوائبها الإقطاعية مع امتصاص خلاصتها الديمقراطية ، هو شرط ضروري لتطوير ثقافتنا الوطنية الجديدة وزيادة ثقتنا الوطنية بالذات ؛ ولكنه لا يجوز لنا مطلقاً أن نقبل بكل شيء بدون نقد . إنه لمن اللازم أن نفصل ثقافة الشعب القديمة الرائعة التي تمتاز إلى حد ما بطابع ديمقراطي وثوري عن كل إنتاج متعفن للطبقة الحاكمة الإقطاعية القديمة "[46] . وأعتقد أن الفقرة الأخيرة لهذا النص يمكنها أن تحسم الجدل في موضوع النقاش لو كانت مقولات ماو هي المعيار لدى الرفيق .

   ويستعين الرفيق بنص آخر : " توجد في الصين أيضا ثقافة شبه إقطاعية تعكس السياسة و الاقتصاد شبه الإقطاعيين و الذين يدعون إلى عبادة كونفشيوس ودراسة الكتب الكونفشيوسية و ينادون بالالتزام بالأخلاق و الآداب القديمة و الأفكار القديمة و يناهضون الثقافة الجديدة و الأفكار الجديدة هم جميعا ممثلو هذه الثقافة "[47] .

   وأنا لا أختلف مع ما يقوله ماو حول الثقافة شبه الإقطاعية ، وحتى فيما يتعلق بنظيرتها في التراث الإسلامي ، لكني أؤكد كما أكد ماو لاحقاً في ذات المقال بـ : " إنه لمن اللازم أن نفصل ثقافة الشعب القديمة الرائعة التي تمتاز إلى حد ما بطابع ديمقراطي وثوري عن كل إنتاج متعفن للطبقة الحاكمة الإقطاعية القديمة "[48] ، وفي التراث الإسلامي هناك أيضاً ثقافة أنتجتها الشعوب المسلمة امتازت بطابع ديمقراطي ثوري ، ثقافة الخشبية ، الوصفاء ، البابكية ، الزنج ، القرامطة ، السربدارية والمشعشعين . وهي ثقافة يمكنها أن نقوم بفصلها عن إنتاج الطبقات الحاكمة القديمة كما أشار ماو .

   يبقى الآن التساؤل عن ما هو الفارق بين الدين والمؤسسة الدينية ؟ في مقاله المذكور يؤكد الرفيق أن : " الماركسية تتحدث عن هدف "إلغاء الدين" كمخدر للشعب المسحوق ولا تتحدث عن "مؤسسات الدين " .

   إن عبارة " إلغاء الدين " التي استخدمها الرفيق ليست دقيقة على الإطلاق ، فماركس لم يضع إلغاء الدين كهدف في نصه الذي أشار إليه الرفيق والذي لم يستعرضه كاملاً كعادته : " إن إلغاء الدين ، من حيث هو سعادة وهمية للشعب ، هو ما يتطلبه صنع سعادته الفعلية . أن تطلب تخلي الشعب عن الوهم حول وضعه هو تطلب التخلي عن وضع بحاجه إلى وهم . فنقد الدين هو بداية نقد وادي الدموع الذي يؤلف الدين هالته العليا "[49] . وفي الفقرة التالية يقول : " لقد نزع النقد عن السلاسل الزهور الوهمية التي كانت تغطيها ، لا لكي يحمل الإنسان قيوداً مزخرفة ، موئسة ، بل ليقذف بالسلاسل بعيداً ويقطف الزهور الحية "[50] ، إن ماركس يتحدث إذن عن نقد الدين والذي يؤكد في بداية كتابة أنه تم بالفعل في ألمانيا ، لكنه لم يتحدث عن أن الماركسية تضع إلغاء الدين كهدف لها ، خاصة وأنه عندما كتب نقده لفلسفة الحقوق عند هيجل لم تكن هناك " ماركسية " أصلاً ، أما إنجلس فإنه توقع في كتابه " مبادئ الشيوعية " اضمحلال الدين في المرحلة الشيوعية كنتيجة لتحققها[51] ، ولم يشر أصلاً لإلغاء الدين كهدف للماركسية ، وهو ما أيده ماركس في نصه : " بصورة عامة ، فإن الانعكاس الديني للعالم الواقعي لا يمكن أن يزول إلا حين تقدم شروط العمل والحياة العملية للإنسان علاقات شفافة وعقلانية مع الناس ومع الطبيعة . إن الحياة الاجتماعية ، التي يشكل قاعدتها الإنتاج المادي وما يستلزمه من علاقات ، لن تتخلص من الضباب الروحاني الذي يقنع وجهها ، إلا يوم يتجلى فيها عمل البشر المتشاركين بحرية ، المتصرفين بوعي والمتحكمين بحركتهم ، هم ، الاجتماعية . لكن هذا يتطلب أن يتحقق في المجتمع جملة من شروط الوجود المادي لا يمكن أن تكون ، هي ذاتها ، سوى نتاج تطور طويل ومؤلم "[52] .

   إن جملة النصوص السابقة تشير إلى توقعات كل من ماركس وإنجلس بأن تحقق الشيوعية سوف يؤدي لاضمحلال الأديان بشكل عام ، وسوف يكون على كل دين ، بحسب حالته الخاصة ، أن يثبت مدى قدرته على البقاء أو على التكيف مع الأوضاع الجديدة[53] ، لكن نصوص ماركس وإنجلس لم تتحدث أبداً حول إلغاء الدين كهدف .

   نعم ، لم يذكر أي من قادة الماركسية المؤسسات بلفظ صريح ، لكن موقفهم من جعل الدين قضية خاصة بالطريقة التي شرحها لينين يمكنها أن توضح بالضبط أن العدو الأول هي المؤسسة وليس الدين كحالة ضميرية : " على الدولة أن لا تدس أنفها في قضية الدين ، والجمعيات الدينية لا ينبغي لها أن ترتبط بسلطة الدولة . لكل إنسان حرية الاعتقاد بأي دين يشاء أو عدم الاعتراف بأي دين من الأديان ، أي حرية أن يكون ملحداً كما هو عموماً حال الاشتراكيين . ولا يجوز التسامح أبداً مع الفوارق في الحقوق المدنية المبررة بالمعتقدات الدينية . ويجب إلغاء كل إشارة لطائفة المواطن في أوراقه الرسمية . وعلى الدولة أن لا تمنح أية مساعدات مالية للكنيسة أو للجمعيات الطائفية أو الدينية التي يجب عليها أن تصير جمعيات مواطنين متحدين في الدين ، لكنها جمعيات متحررة تماماً ومستقلة كلياً أمام السلطة . إن التحقيق الكامل لهذه المطالب قادر وحده على إنهاء هذا الماضي المشين والملعون حيث كانت الكنيسة مستعبدة من الدولة ، والمواطنون الروس بدورهم مستعبدون من كنيسة الدولة ... إن فصل الكنيسة عن الدولة فصلاً كاملاً هو مطلب البروليتاريا الاشتراكية تجاه الدولة والكنيسة الحديثتين "[54] .

   وإذا ما انتقلنا للرفيق كاتب المقال ، وفي حال طاب له مواصلة السجال حول هذه القضية بالرغم من أن الدين لم يكن موضوعها ، فإن عليه أن يوضح كيف سيمكنه إلغاء الدين من حيث كونه ديناً ؟ أي حالة مستقرة في الضمير الإنساني ، إن القابل الحقيقي للإلغاء هو المؤسسة بتفسيراتها التخديرية للدين ، ولن يمكن تحقيق هذا الانجاز ، فيما يتعلق بالبلدان الإسلامية ، إلا عبر إثبات عدم إخلاصها وتمثيلها للدين وانفصالها عن التراث الحقيقي للنبي والرعيل الأول من المؤمنين ، وبدون هذا الهدف كتكتيك ، سوف يكون مضطراً لشن حملة على الدين ككل وهو ما حذر منه إنجلس في عام 1874 عندما رفض بيان البلانكيين حول الحرب على الدين وإلغائه بمرسوم[55] ، كما أدان بكل شدة فكرة دوهرنج المطالبة بمنع الدين في المجتمع الاشتراكي[56] .

   إن هذا الرفيق يتجاهل ، أو ربما لا يعرف ، أن الدين ، في صورته المؤسسية ، يمتلك التأثير الأكبر على المجتمعات الريفية ، وبالتالي يمتد تأثيره إلى الفئات المتخلفة من البروليتاريا والتي مازالت محتفظة بارتباطاتها الريفية[57] ، ومثل هذه النوعية تمثل كل البروليتاريا ، إن وجدت ، في البلدان التابعة تقريباً[58] ، وبالتالي فثمة كارثة يمكن أن تنتظر هذا الذي يضع في اعتباره هدف القضاء على المؤسسات فضلاً عن القضاء على الدين ، ومهما ردد الرفيق من عبارات فضفاضة أو حاول الظهور في شكل أكثر يسارية ، حيث يقول في وصفته للتعامل مع قضية الدين : " لا يمكن إستئصال الدين وانهاءه بكل تأثيراته بأي طريقة كانت الا من خلال نضالات ايدولوجية حذرة بإعادة تربية الجماهير و اخذها بعيداً عن كل البنى الفكرية القديمة للمجتمع الطبقي نضالات اديولوجية من اجل تحطيم البنية الفوقية التي يعتبر الدين احد عناصرها جنبًا الى جنب مع النضالات لتحطيم البنية التحتية التي افرزت هذه البنية الفوقية.

النضالات الايدولوجية تأخذ شكل التراكمات الكمية بالتثقيف المستمر عبر مراحل طويلة تسلك في بعضها حركة التحرر او الحزب مسلكية هي اقرب ما تكون الى المسلكية العلمانية و نحن نعلم ان الحل العلماني حل برجوازي غير طبقي لكن في مرحلة التحرر الوطني و في الديمقراطية الجديدة يتوجب على الحزب الطليعي ان يسلك هذه المسلكية ـ بمعنى تحجيم دور الدين و التعامل معه كمسألة فردية تخص الافراد ـ فيكون الخطاب كافلا ً لحرية الاعتقاد " ، وهي وصفة تعليمية تماماً تتجاهل أن الدين في المجتمعات الشرقية ليس مجرد اعتقادات وشعائر وإنما هو بالأساس شأن اجتماعي وقد أثبتت التجارب عدم واقعية هذه المحاولات ، والفشل يمثل نتيجة حتمية لها ، ولا يملك كل من له دراية بواقع مجتمعه سوى تجاوز هذا الإشكال عبر اللجوء إلى الجانب الثوري في هذا التراث ذاته للوصول إلى لغة مشتركة مع هذه الجماهير تجعلهم قادرين على الاستماع له وتجاوز الخضوع للمؤسسات وجماعات الإسلام السياسي[59] ، وإلا اعتبر مجرد نبتاً شيطانياً بلا جذور وتحول إلى منبوذ في محيطه الاجتماعي . أما الدين في صورته السابقة على المؤسسة والتي ربما تختلف عنها كلياً ، كما أشار مكسيم رودنسون[60] ، فإن هذه قصة أخرى .

   هل الدين مسألة شخصية في الحزب البروليتاري ؟

   في مقاله " موقف حزب العمال من الدين " حذر لينين من خطورة تقسيم العمال إلى مؤمنين وملحدين في ظروف الصراع الطبقي معتبراً أن التبشير بالإلحاد ، في مثل هذه اللحظة ، وفي مثل هذه الظروف ، لن يكون سوى خدمة نؤديها لذلك الكاهن ولجميع الكهنة (ممثلي المؤسسة الدينية) الذين لا يتمنون شيئاً أفضل من أن يتم تقسيم العمال لمؤمنين وملحدين[61] .

   لقد جعجع الرفيق في مقاله باستخدام مقولة لينين بأن الدين بالنسبة للاشتراكيين الديمقراطيين ليس شيئاً شخصياً ، ناقلاً النص التالي : " الدين بالنسبة لحزب البروليتاريا الاشتراكية ليس قضية خاصة . إن حزبنا هو جمعية مناضلين واعين وطليعيين يقاتلون فى سبيل تحرر الطبقة العاملة . إن هذه الجمعية (الحزب) لا تستطيع ولا ينبغي لها أن تظل غير مهتمة بغياب الوعي بالجهل وبالتجهيل المصطبغة بصبغة إعتقادات دينية ".لذلك لا بد لحزب البروليتاريا أن يخوض صراعا فكريا ضد الإيديولوجيا الدينية وأن يحارب كل تغيبة دينية لجماهير الشعب " . وكعادة الرفيق فقد قام بنقل النص مشوهاً ومجتزئاً لحد كبير ، والنص الأصلي من مقال لينين " الاشتراكية والدين " والمنشور في 3 ديسمبر 1905 ، يقول : " الدين بالنسبة لحزب البروليتاريا الاشتراكية ، ليس قضية خاصة . إن حزبنا هو جمعية مناضلين واعين وطليعيين يقاتلون في سبيل تحرر الطبقة العاملة . إن هذه الجمعية (الحزب) لا يستطيع ولا ينبغي لها أن تظل غير مهتمة بغياب الوعي ، بالجهل وبالتجهيل المصطبغة بصبغة اعتقادات الدينية . إننا نطالب بالفصل الكامل بين الكنيسة والدولة لكي نحارب الضباب الديني بأسلحة فكرية محضة وبأسلحة فكرية فقط : صحافتنا ودعايتنا . لكن جمعيتنا ، الحزب العمالي الاشتراكي الديمقراطي الروسي ، اتخذ لنفسه منذ تأسيسه هدفاً ، بين أهداف أخرى : محاربة كل تغيبة دينية للعمال . إن صراع الأفكار ليس قضية خاصة بالنسبة إلينا . إنه صراع يهم كل حزبنا وكل البروليتاريا "[62] .

   إن الفارق بين النصين ، المشوه الذي أورده الرفيق ، والكامل الذي أوردته يتمثل في أن الأخير أوضح أن صراع بالأساس كان في مواجهة التحالف بين الدولة الروسية والكنيسة الأرثوذكسية والذي نتج عنه استخدام الدين في تغييب العمال وتجهيلهم ، ولكن في المقابل فقد أكد لينين ، في ذات المقال ، على رفضه أن يعلن الحزب إلحاده أو حتى منع المسيحيين والمؤمنين بالانضمام إليه مشيراً إلى أن : " وحدة هذا النضال الثوري فعلاً ، نضال الطبقة المقموعة التي تقاتل لخلق جنة الأرض ، يهمنا أكثر من وحدة رأي البروليتاريين حول جنة السماء " ، واصفاً الذين يقومون بطرح المشكل الديني بشكل فكري محض خارج الصراع الطبقي بأنهم ديمقراطيون راديكاليون منحدرين من البرجوازية[63] .

   لقد ناقش لينين هذه القضية مرة أخرى في مقاله : " موقف حزب العمال من الدين " والذي نشر في 13 مايو 1909 ، وكرر نفس الرأي السابق إلا أنه هذه المرة أشار لكونه موقف خاص بالواقع الروسي : " إذا أتى إلينا كاهن ليشارك في عملنا السياسي المشترك ، ثم أدى مهمته في الحزب بضمير حي ، وبدون معارضة برنامج الحزب ، فمن الممكن أن يسمح له بالانضمام إلى صفوف الاشتراكيين الديمقراطيين ، لان التناقض بين روح ومبادئ برنامجنا وبين قناعات الكاهن الدينية سيكون في مثل هذه الظروف أمراً يتعلق به وحده ، تناقضه الخاص . إن التنظيم السياسي لا يمكن أن يمتحن أعضاءه ليرى ما إذا كان هناك عدم تناقض بين أفكارهم وبرنامج الحزب . لكن ، بالطبع ، مثل هذه الحالة لابد لها أن تكون استثناء نادراً حتى في أوروبا الغربية ، بينما في روسيا فهي بالأحرى غير محتملة كلياً "[64] . ورغم هذا الموقف المتشدد من لينين إلا أنه يشير بوضوح في عبارته الأخيرة من النص إلى كونه خاص بالوضع في روسيا ، ويؤكد في ذات المقال ، على ضرورة جذب العمال المؤمنين للحزب ورفض الإساءة لقناعاتهم الدينية[65] .

   إن موقف لينين برفض اعتبار الدين قضية خاصة بالنسبة للحزب البروليتاريا الاشتراكية مأخوذ من موقف مشابه لإنجلس الذي اعتبر أن الاشتراكية الديمقراطية ترى الدين قضية خاصة بالنسبة للدولة ، لكن ليس بالنسبة للاشتراكية الديمقراطية نفسها ، وليس للماركسية ، وليس بالنسبة للحزب العمالي[66] ، لكن هذا الموقف يقوم على ظروف خاصة كذلك ، ففي مقال إنجلس " أدب المهاجرين " يشير إلى أن الإلحاد في عصره اقترب من أن يكون شيئاً بديهياً في الأحزاب العمالية الأوروبية ، ويضيف فيما يتعلق بالعمال الألمان والفرنسيين : " بل يمكن القول عن الأكثرية الكبرى من العمال الألمان الاشتراكيين الديمقراطيين بأن الإلحاد قد فات أوانه عندهم وتم تجاوزه ؛ فهذه الصيغة السلبية الخالصة لم تعد تنطبق عليهم ، ذلك لأنهم لم يصبحوا بعد في موقف معارضة نظرية فحسب بل عملية للايمان بالله ، وبكل بساطة لقد أنهوها مع الله ، وهم يعيشون ويفكرون بالعالم الواقعي الفعلي ... وعلى الأرجح فإن الأمر يجري على هذا النحو أيضاً في فرنسا "[67] .

   إذن كان هذا هو واقع الطبقة العمالية في أوروبا عموماً ، حيث يتفوق الإلحاد لمرحلة الحسم ، كما لم يكن ثمة ارتباط مؤسسي بين الدولة والكنيسة ، لكن في روسيا كانت الأوضاع مختلفة لحد ما ، كانت البروليتاريا غير موحدة من ناحية الموقف من الدين ، وإن كان الإلحاد يبدو أكثر انتشاراً ، كما كانت الكنيسة الأرثوذكسية مرتبطة بالدولة ، وهو ما دعا لينين للتأكيد على ضرورة تبني رأي إنجلس السابق ، فيما يتعلق بالكهنة وليس بالعمال ، لكنه في المقابل أكد على أن موقفه نابع من قراءة للشأن الروسي ومشيراً إلى أنه يمكن في الغرب أن يكون هناك نوع من الاستثناء ، وفي كلا الحالتين فإن الوضع الديني للكنيسة ومواقفها الرجعية في أوروبا كان له تأثيراً كبيراً على رأي كل من إنجلس ولينين[68] .

   لكن في المجتمعات الإسلامية ، ثمة واقع مختلف تماماً عن الحالتين السابقتين ، في مصر ، كمثال ، الإلحاد يعد نوع من الرفاهية والتنمر المراهق للنخب البرجوازية المتعالية على الجماهير ، والتدين بدرجاته المتفاوتة يعد شأناً اجتماعياً ، والمؤسسات الدينية كالأزهر والطرق الصوفية والكنائس تابعة أو موالية للدولة ، بينما الجماعات والجمعيات الدينية المستقلة ممولة من دول خارجية رجعية تماماً ويمارس بعضها دوراً تخريبياً[69] ، لا يوجد أمام الأحزاب الماركسية إزاء هذا الوضع سوى ضرورة اعتبار الدين قضية خاصة ، كما لن يمكن تجاهل الواقع الضاغط بأنه من أجل تحطيم نفوذ المؤسسات الدينية الرسمية والجماعات والجمعيات المستقلة الممولة من الخارج سوى تبني التراث الثوري في التاريخ الديني في مواجهة الرجعية المفرطة للاتجاهات سالفة الذكر وسيطرتها[70] على الواقع الجماهيري حتى في الأوساط العمالية ، التي ضعف تماما نشاط اليسار في أوساطها ناهيك عن أن غالبيتها ، كما تمت الإشارة سابقاً ، مازالت تحتفظ بعلاقاتها مع أصولها البرجوازية الصغيرة والريفية بل وحتى مازال بعضها مقيماً في الريف ويمارس أعمالاً أخرى عقب انتهاء ساعات عمله بالمصانع .

   لكن أمام هذا الواقع المعقد للغاية فإن ثمة تميز مهم في الإسلام ، وهو دين الغالبية العظمى من الشعب المصري ، أنه لا توجد في تراثه ولا واقعه الحالي مؤسسة يمكنها فرض سطوتها على المسلمين بنفس الشكل الذي تحظى به الكنيسة المسيحية بطوائفها المتنوعة ، وبقدر ما يكون هذا التميز عاملاً إيجابياً في التعامل مع الجماهير المسلمة ، فإنه في المقابل يعد محرضاً لحرص هذه المؤسسات وحتى الجماعات والجمعيات المستقلة على أن يكون صوتها وحيداً في الساحة ورفض أي رؤية مخالفة حتى لو كانت دينية[71] .

   إن تجاهل الواقع سالف الذكر ، بغض النظر عن موقف الرفيق من الدين ، يشبه تماماً وصف لينين لأصحاب الجملة الثورية : " إن الجملة الثورية إنما هي تكرار الشعارات الثورية دون حسبان الحساب للظروف الموضوعية الناشئة عند وقوع انعطاف معني في الأحداث وعند ظهور وضع معني . الشعارات الممتازة ، الجذابة ، المسكرة ، - التي لا تربة تحتها – ذلك هو كنه الجملة الثورية "[72] .

2-  ثورية الإسلام

   في مقال الرفيق يقول حول الدين : " ثمة أمور هامة في التعاطي مع مسألة الدين بالنسبة للشيوعيين ـ الشيوعية تنظر الى الدين كإفراز للمجتمع الطبقي منذ انحلال المشاعية البدائية و تقسيم العمل دخول المجتمعات البشرية الاطوار الطبقية القائمة على استغلال الانسان للإنسان. و عليه فإن الدين بشكل عام قديم قدم هذا المجتمع الطبقي و بالتالي إن تحرير المجتمع منه يقتضي اولا ً محاربة السبب الذي اوجده (النظام الطبقي) وثانيًا يتطلب خوض نضالات ايدولوجية لا هوادة فيها ضد الدين كثقافة للمجتمع الطبقي القديم لانهاءها من الوجود و احلال الثقافة الجديدة كثقافة تتناسب مع نمط الانتاج الجديد في مكانها " ويوضح الرفيق مقصوده بعبارة " الشيوعية تنظر إلى الدين كإفراز للمجتمع الطبقي " في نص تال طويل لحد ما : " الدين بشكله الحالي لم يكن ازليًا ـ بل تطور تاريخيًا عبر عدة مراحل ـ فمنذ ان استقل الانسان عن مملكة الحيوان وخرج معها بوعيه البدائي لمواجهة قوى وظواهر الطبيعة التي عجز عن فهمها إتجه الى ممارسة السحر و الطقوس الاسطورية التي ظن حينها ان ممارسة هذه الطقوس واعتقد ان تطبيقها بدقة سيمكنه من احتواء هذه القوى و الظواهر واذا حدث انحرافا ً في الممارسة فإن النتائج لن تكون كما هي مرجوة ـ وان حدث العكس وكانت النتيجة بخلاف ما يصبو اليه البدائي كان يظن أن هناك قوى شريرة قد تدخلت و كان البدائي على قناعة مطلقة بأهمية تلك الطقوس المقدسة لمواجهة قوى الطبيعة و ظواهرها الموضوعية ـ فقد ظن البدائي ان هذه القوى و الظواهر قوى ذاتية (لا موضوعية) و بإمكانه السيطرة عليها و احتواءها من خلال هذه الطقوس بإنتزاع صفاته كفرح وحزن وغضب و الى ما ذلك و اضفاءها على تلك الطقوس لتنعكس على الطبيعة وترتد عليه بنتائجها ـ حتى استجلاب المطر كان يتم عبر طقوس يدخل الماء فيها ـ لكن عند درجة معينة من الفشل الذي اثبته كلا ً من السحر والاسطورة اتجه الانسان الى الاعتقاد بأن هناك قوى منفصلة ومتعالية عنه تتحكم بالطبيعة وظواهرها صار يتقرب اليها عن طريق العبادة وتقديم القرابين كسبًا لودها وتجنبًا لغضبها وكان الانسان قديمًا يجسد الالهة في ظواهر الطبيعة فأبتدع الهة للمطر والهة للشمس والهة للقمر والهة الخصب .. والخ .

و في خضم ذلك اتجه البشر الى تجسيد الالهة على شكل حيوان (طوطم) و الديانة الطوطمية هي اقدم الديانات منذ نشوء الانسان ـ حيث كان هذا الطوطم المقدس هو الحيوان الذي يحرم ابناء القبيلة على انفسهم قتله و كان الطوطم ايضًا يمكن ان يكون نباتًا فحرموا على انفسهم قطفه لانهم اعتقدوا ان هذا الطوطم يحمي القبيلة و ابناءها من شرور الطبيعة من خلال التقرب منه وعدم المساس به ـ كانت عبادة الطوطم من منطلق اعتقاد الناس انهم ينحدرون منه .

و مع ظهور التقسيم الإجتماعي للعمل و إنحلال المشاعية البدائية و ظهور المجتمع الطبقي برزت إلى الوجود الأديان الإجتماعية فقد أدى تقسيم العمل إلى ظهور طبقتين متناقضتين طبقة العبيد و طبقة الأسياد تشغل كل منها موقعا محددا فى عملية الإنتاج حيث يقوم الأسياد بالإدارة و التخطيط فى حين يقتصر دور العبيد على التنفيذ ، تنفيذ إرادة غريبة عنهم و تنفيذ أعمال يسخرون فيها لخدمة مصالح غير مصالحهم . و تمثل الإنعكاس الخاطئ لهذه الوضعية فى وعي البشر المنتجين فى تأليههم لهذه القوى الإجتماعية المتحكمة بمصائرهم فوقع تأليه رؤساء القبائل و الملوك (قيصر ، الفراعنة) مما جعل لكل قبيلة وشعب إلاها خاصا و فى حالة توحد القبائل أو الأقوام يجرى توحيد الآلهة و فى عديد من الحالات ترجيح بعضها على البعض الآخر حسب موازين القوى الإجتماعية و علاقة الأقوام ببعضها البعض.

و فى إطار سعيها نحو التوحد الإقتصادي صارت الحاجة لإيديولوجية تجمع بينها فكانت الأديان التوحيدية إستجابة لهذه الحاجة الإجتماعية و قد إتخذت شكل عبادة الإله المجرد الذى خلقته القدرة الإنسانية على التخيل . و هكذا إنتقلت الديانات من طور تعدد الآلهة إلى طور التوحيد نتيجة عوامل إجتماعية و تاريخية بحتة لا علاقة لها بما إدعي من "نبوءات " و "رسائل إلهية " للبشر " ، ويصل الرفيق في النهاية إلى النتيجة التالية : " فالأديان الإجتماعية ليست سوى إنعكاس خيالي لواقع البشر لكن هذا الإنعكاس بعد نشأته بصفة عفوية بدائية يعاد إنتاجه بصفة واعية من قبل الطبقات السائدة لخدمة مصالحها فتنشئ لذلك المؤسسات و التنظيمات اللازمة . و هكذا بعد أن كانت الطقوس الدينية " .

   وبغض النظر عن رأيي فيما ذكره الرفيق ، لكن ألا يشعر بقدر من الخلل في نصه ؟ عندما يقول في البداية : " الشيوعية تنظر الى الدين كإفراز للمجتمع الطبقي منذ انحلال المشاعية البدائية و تقسيم العمل دخول المجتمعات البشرية الاطوار الطبقية القائمة على استغلال الانسان للإنسان " ، وفي فقرة اللاحقة يقول في حديثه عن هذه المشاعية البدائية : " و في خضم ذلك اتجه البشر الى تجسيد الالهة على شكل حيوان (طوطم) و الديانة الطوطمية هي اقدم الديانات منذ نشوء الانسان ـ حيث كان هذا الطوطم المقدس هو الحيوان الذي يحرم ابناء القبيلة على انفسهم قتله و كان الطوطم ايضًا يمكن ان يكون نباتًا فحرموا على انفسهم قطفه لانهم اعتقدوا ان هذا الطوطم يحمي القبيلة و ابناءها من شرور الطبيعة من خلال التقرب منه وعدم المساس به ـ كانت عبادة الطوطم من منطلق اعتقاد الناس انهم ينحدرون منه " ، ألا يشعر أن كل من النصين يلغي الآخر ؟! فالدين في النص الأول إفراز للمجتمع الطبقي بعد انحلال المشاعية البدائية ، وفي النص الثاني كان متواجداً بصورته الطوطمية في المشاعية البدائية ، أي رأي منهما يمكن مناقشته ؟

   لا يتوقف الأمر عند هذا الحد ، فالنتيجة النهائية التي توصل إليها تثير الاستغراب : " فالأديان الإجتماعية ليست سوى إنعكاس خيالي لواقع البشر لكن هذا الإنعكاس بعد نشأته بصفة عفوية بدائية يعاد إنتاجه بصفة واعية من قبل الطبقات السائدة لخدمة مصالحها فتنشئ لذلك المؤسسات و التنظيمات اللازمة . و هكذا بعد أن كانت الطقوس الدينية " ، وهنا يبدي الرفيق اتفاقاً كاملاً مع الرأي الذي قمت بتبنيه ، حيث يؤكد أن الطبقات السائدة تعيد إنتاج الدين لخدمة مصالحها فتنشئ لذلك المؤسسات والتنظيمات اللازمة ، بل أنه في موضع آخر من مقاله يتبني رأي ماو تسي تونغ : " في الدين ، يؤدي الإصلاح الديني الى التحرر من الدين " ، ومع أن هذه الترجمة قد لا تكون دقيقة حيث يقول النص الأصلي لماو تسي تونغ : " In Religion , the Reformation resulted in freedom of Religion "[73] ، والنص لا يشير إلى أي محاولة لإصلاح الدين وإنما إلى حركة الإصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر (البروتستانتية) ، وبالتالي تكون الترجمة الصحيحة : " في الدين ، فإن حركة الإصلاح قد أدت إلى الحرية الدينية " ، لكن حتى بالنسبة للترجمة التي اعتمدها الرفيق فبديهي أن التحرر لن يكون من الدين ككل وإنما من الدين المؤسسي والخادم لمصالح الطبقات المستغلة ، ومهما كان تفسير الرفيق لمقولة ماو تسي تونغ السابقة ، ففي النهاية يبقى أن التحرر من الدين ككل[74] سوف يستغرق وقتاً ريثما يتحول الإصلاح الديني ذاته إلى مؤسسة جديدة تقوم بإعادة إنتاج رؤية دينية يمكن استغلالها لمصلحة طبقة مسيطرة ، كما حدث في أعقاب حركة الإصلاح الديني البروتستانتية بقيادة مارتن لوثر[75] ، لكن إذا كان هذا هو رأي الرفيق بأن الدين الحالي ، بكافة مسمياته ، هو إنتاج المؤسسات وأنه ثمة ضرورة للتعامل الواعي وللإصلاح الديني  فلماذا كان هذا السجال منذ البداية ؟

   إن التساؤل الذي يطرح نفسه بعد ما قاله الرفيق في مقاله : هل كان الإسلام إفرازاً لمجتمع طبقي أم رفضاً لهذا المجتمع ؟

   لا يعرف على وجه الدقة تاريخ نشأة مكة ، وإن كانت المرويات الواردة في مدونات التاريخ الإسلامي والمنقول أغلبها من العرب قبل الإسلام ومن اليهود ، تشير إلى أن نشأتها كانت في عهد آدم وأنها تعرضت للخراب في طوفان نوح ، حتى قام النبي إبراهيم بإسكان زوجته هاجر وابنه إسماعيل في هذا الموضع ثم إعادة بناء الكعبة مرة أخرى وهو ما أدى لعودة الحياة للمدينة مرة أخرى خاصة بعد سكناها من قبل قبيلتي جرهم والعماليق[76] .

   وبالرغم من أنه لا توجد أدلة تاريخية ولا دينية[77] على مصداقية هذه القصة ، باستثناء ما رواه القرآن الكريم عن إبراهيم : [ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ](إبراهيم/37) ، وما ذكرته التوراة عن العماليق[78] ، إلا أن المؤكد هو التواجد اليمني على طريق التجارة بين اليمن والشام ، حيث قامت القبائل اليمنية بإنشاء مستعمرات على طول هذا الطريق ، الأمر الذي يمنح هذه الأخبار بعض المصداقية[79] .

   والواقع أن الطبيعة القاحلة لمكة ، حيث ندرة المياه وعدم صلاحية أرضها للزراعة وقسوة المناخ ، ووقوعها في ذات الوقت على طريق التجارة بين اليمن والشام هو ما ساهم في لجوء أهلها لاحتراف التجارة نظراً لاضطرارهم لاستيراد معظم حاجياتهم من خارجها ، بالإضافة لما يكسبونه من موسمي الحج والعمرة للبيت الحرام[80] ، ويبدو أن امتهان المكيين للتجارة بشكل موسع قد تم في الفترة التالية لانتقال زعامة مكة من يد الجرهميين إلى قبيلة خزاعة بزعامة عمرو بن لحي[81].

   على أن التطور المُذهل للمكيين تم على يد الزعيم القرشي قصي بن كلاب ، والذي قام بتطوير مكة اقتصادياً وسياسياً ، حيث تحول في تلك الفترة طريق التجارة البري إلى طريق أساسي أكثر أمناً بسبب الصراع القائم بين الإمبراطوريات الكبرى في المنطقة[82] ، وبالتالي اكتسبت مكة أهمية أكبر في عهده بالإضافة إلى أهميتها الدينية ، وقد شهدت مكة تطوراً آخر في عهد حفيدة هاشم بن عبد مناف ، والذي قام بتنظيم رحلات التجارة المكية في الشتاء والصيف، وقام بعقد معاهدات الإيلاف بينه وبين البيزنطيين[83] ، كما قام أخوته بعقد معاهدات إيلاف أخرى مع الإمبراطوريات المجاورة، كاليمن والحبشة وفارس[84] ، والواقع أن هؤلاء التجار القرشيين لم يقتصر دورهم على هذا النمط من التجارة التي تعتمد على نقل البضائع بين المناطق المختلفة ، بل وجد بينهم أيضاً نمط التجارة الداخلية والتي اعتمدت على موسم الحج وعلى أسواق العرب الشهيرة التي تقام على مدار العام في تصريف ما تجلبه من بضائع[85] ، وقد استفادت بعض القرى القريبة من مكة كالطائف من هذه التطورات حيث تذكر المرويات العديد من علاقات الشراكة التجارية بين شخصيات من مكة وأخرى من الطائف وخيبر[86] .
   
لقد صاحب هذا التطور التجاري تطور آخر في نمط الإنتاج الحرفي بمكة ، وتذكر المرويات التاريخية بعض الحرف التي كانت منتشرة بين المكيين كصناعة النبال ، والشعابة[87] ، وصناعة النعال ، والحدادة والتي ارتبطت أيضاً بصناعة السيوف ، والخياطة ، والدباغة ، وصناعة الخمر[88] ، كما قام المكيين باستخراج الذهب من المناجم المحيطة بمكة ، وهو ما ساهم في انتشار صناعة الحلي في أوساطهم[89] . ويبدو أن أصحاب هذه الحرف لم يعتمدوا على تصريف منتجاتهم فيما بين المكيين فقط بل اعتمدوا أيضاً على بيعها في الأسواق العربية الأخرى .

   من ناحية أخرى فقد أدى انتشار الزراعة في قرية الطائف القريبة من مكة إلى امتلاك المكيين لعدد من الضياع والبساتين بها[90] . وهو ما يشير إلى تنوع كبير في أنشطة المكيين الاقتصادية خلال الفترة السابقة على الإسلام مما أدى لتداخل ما بين الطبقات والشرائح في المجتمع المكي ، فكبار التجار كانوا في الأصل يمارسون الإنتاج الحرفي كما كانوا كبار ملاك ومرابين في الوقت ذاته ، إلا أن محور ارتكاز هذه الأنماط المتنوعة سواء في مكة أو غيرها من المدن العربية كان عمل العبيد .

   لقد نشأت في المُجتمع المكي – كنتيجة لهذه التطورات - طبقة كُبرى أرستقراطية استحوذت على الزعامة القبلية والتجارة ما بين الدول المحيطة بالجزيرة العربية ، واستطاع بعض المنتمين لها امتلاك الضياع والأراضي في الطائف ، كما مارست أيضاً الحرف الصناعية اعتماداً على ما تملكه من عبيد ، على أن الغالبية العظمى من المكيين كانوا ينتمون إما إلى صغار التجار والذين اعتمدوا على التجارة الداخلية كأبي طالب بن عبد المطلب[91] ، أو إلى الحرفيين ، أو فقراء كقريش الظواهر والأحابيش[92] ، بالإضافة إلى العبيد الذين اعتمد عليهم القرشيين والعرب بشكل عام في نشاطاتهم العسكرية والانتاجية[93] ، وهذه الطبقات هي التي كانت تعاني الفقر واضطهاد الأرستقراطية القرشية الكبرى ، وعلى الرغم من أن بعض أبنائها كأبي طالب استطاع الوصول إلى زعامة قريش ، إلا أن عدم ثرائه اضطره للتنازل عن حقه في الرفادة والسقاية إلى أخيه العباس في مقابل تنازل العباس عن مطالبته بديونه[94] .

   وعلى مستوى شبه الجزيرة العربية يمكننا وضع صورة مختصرة لأوضاعها ، فقد انقسم العرب لمجموعتين كبيرتين وهما : اليمنية الجنوبية ، والمضرية الشمالية وقد انقسمت كل منهما بدورهما إلى قبائل وعشائر ، وبينما انتشرت الزراعة بين القبائل الجنوبية في اليمن ، فإن أبناء القبائل الشمالية كانوا في غالبيتهم بدواً رحل في الصحاري وعملوا بصورة أساسية بالرعي وتربية الجمال وامتلاكها نظراً للمكانة التي كانت تحتلها في نقل وحمل الأمتعة الخاصة بالقوافل والحروب ، كما اشتغلوا كذلك بتربية الخراف والماعز ، وامتلكوا في الوقت نفسه القليل من الجياد ، كما علموا في بعض الأحيان بزراعة الشعير والنخيل والأشجار المثمرة في الواحات وحول منابع المياه[95] .

   ويشير المستشرق الروسي بطروشوفسكي إلى نوعين من الملكية كانا موجودين بين عرب الشمال ، فالمراتع (أماكن ينبت فيها العشب الأخضر أو اليابس وترعى فيها الماشية بحرية) كانت ملكاً للعشائر ، بينما كانت الحيوانات الأليفة والعبيد ومساحات الأرض ملكاً للأفراد ، وهو ما أدى لوجود تباين في درجات الثراء بين القبائل وحتى بين العشائر داخل القبيلة الواحدة[96] .

   في رسالته لماركس المؤرخة بـ 6 يونيو 1853 ، يقول إنجلس في تحليله لأسباب ظهور الدعوة الإسلامية (الثورة المحمدية حسب تعبيره) : " هنا أيضاً ، يأتي دور خراب تجارة الجنوب العربي قبل محمد ، وهو العامل الذي اعتبرته بحق واحداً من العوامل الرئيسية في الثورة المحمدية ... إن طرد الأحباش حدث قبل محمد بزهاء 40 سنة ، وكان ، بشكل واضح الفعل الواضح للشعور (للوعي) القومي العربي المستيقظ ، الذي حركته من جهة غزوات الفرس من الشمال التي اندفعت إلى مكة تقريباً "[97] ، وهو ما يتفق معه المستشرق بطروشوفسكي ، فقيام الفرس باحتلال اليمن كان له دوره : " كان أحد طرق القوافل التجارية يمتد من طريق اليمن إلى سوريا . ويسير بمحاذاة الشاطئ الغربي للجزيرة العربية حيث اليمن الثري . وكانت الولايات البيزنطية – سوريا وفلسطين ومصر – ولايات ممر وانتظار مؤقت لقوافل التجارة المارة بالحبشة وبلاد الهند عبر اليمن .   

   بعد استيلاء ايران الساسانية على بلاد اليمن وسيطرتها عليه بذل ملوك هذه الدولة جهدهم لتحويل تجارة وبضائع بلاد الهند إلى بيزنطة عبر إيران ، ولم يسمحوا بعبور تجارة الترانزيت (التوقف المؤقت) عبر بلاد اليمن . لذا قلت الحركة التجارية عن هذا الطريق . كان ظهور هذا الوضع ثم الاختلافات الاجتماعية والتضاد الشديد داخل القبائل العربية سبباً في بروز مشكلة اجتماعية واقتصادية في الجزيرة العربية "[98] .

   لقد أدى هذا التحول إلى تصدع المجتمع العشائري وظهور الملكية الخاصة للأراضي وما صاحب ذلك من ثراء مالي شديد سبباً في ظهور صراع حاد بين كبار رجالات القبائل وأصحاب الأراضي مما سبب تصدعاً كبيراً في بنيان المجتمع شمال الجزيرة العربية ، وأثار موجة من الاضطرابات . كما كان سبباً في ظهور المجتمع الطبقي ، مما اقتضى ضرورة إيجاد دولة موحدة في الجزيرة العربية للقضاء على تلك المشكلة . كما كان سبباً في ضرورة القضاء على العداوة بين القبائل[99] .

   إن هذه الخلفية عن الأوضاع في شبه الجزيرة العربية ، على طولها ، كانت ضرورية لتوضيح ما تمكن الإسلام من انجازه وعن الفروقات ما بين الإسلام وغيره من الأديان ، فقد كانت تعاليم الإسلام في جوهرها موجهة ضد هذا الواقع الاجتماعي المحتضر وأخلاقياته ومعتقداته ، وفي المقابل فقد حملت مشروعاً كاملاً كبديل لهذا الواقع ولم تمثل مجرد محاولة إصلاحية ، وإلا فقد كان من الممكن أن تكتفي القبائل العربية بالاستجابة إلى الملك اليمني تبع في محاولته نشر اليهودية بينهم ، حيث تمكن بالفعل في نشرها بين اليمنيين من قبائل حمير كما انتشرت في كنانة ، بني الحارث بن كعب ، كندة وغسان واعتنقها بعد أبناء الأوس والخزرج ، أو للمبشرين المسيحيين الذين استطاعوا نشر دينهم في أبناء العديد من القبائل القوية كتغلب ، طيء ، مذحج ، بهراء ، سليح ، تنوخ ، لخم ، غسان وعشائر من بني تميم وقضاعة ، أو حتى تبني أحد الدعوات التوحيدية التي ظهرت بين العرب قبل الإسلام كالحنفاء وديانة الرحمن في اليمن[100] .

   والملاحظ أن هذه الديانات لم تتمكن من القضاء على الحالة العشائرية العربية كما استمرت في التعامل مع ذات المجتمع المتفسخ ، بينما مثلت الحنيفية ثم ديانة الرحمن في اليمن مجرد نشاط اعتراضي من قبل النخبة العربية المثقفة الممثلة بغالبيتها في أبناء الطبقة الأرستقراطية العربية وأبناء طبقة صغار التجار ، والذين أتاح لهم التواصل مع المسيحيين واليهود في الشام واليمن فرصة الاضطلاع على هذه المعتقدات ، وبالتالي لم تتمكن من تحقيق جماهيرية حقيقية كونها افتقدت المشروع الاجتماعي والقومي ، واقتصرت رؤيتها على محاولات الإصلاح بهدف الإبقاء على ذات الوضع القبلي السائد[101] .

   في مقاله يتساءل الرفيق عن ما حققته الثورة الإسلامية : " يطرحون الدين الاسلامي كدين ثوري جاء كثورة اجتماعية ضد الارستقراطية المكية ـ لكن ما هي منجزات هذه الثورة إنسانيًا ؟! العبيد ظلوا عبيداً يباعون ويشترون في اسواق العبيد ـ النساء سلعن مقابل اجر مع قنونة نصوصية (اربعة او ما ملكت ايمانكم) المجتمع ظل طبقيًا بإمتياز الغني على الفقير ـ اي ثورة هذه وماذا قدمت ؟! " ، وليسمح لي الرفيق بأن أؤكد على أن درايته للتاريخ الإسلامي ضعيفة للغاية ، وقد كان عليه أن يحدد المقصود بالثورة الإسلامية في مقاله فهل يشير لعهد المؤسس محمد (ص) ، أم للعهود التي تلته والتي شهدت تطورات جديدة فرضت نفسها على الواقع العربي لعل أهمها توسع الدولة العربية الناشئة وسيطرتها على الإمبراطورية الفارسية ، الشام ، مصر وشمال إفريقية ، كما تغير في خلال هذه المدة النظام الاقتصادي والاجتماعي وافرز في النهاية تغيرات سياسية أدت لتحول الدولة من الخلافة إلى الملك الوراثي ، ونمط الإنتاج الخراجي ، فهل يرى الرفيق أن كل هذه الأوضاع متشابهة وكلها تمثل الثورة الإسلامية الأولى ؟ أم أنها في جوهرها مثلت تناقضات مصالح بين طبقات وشرائح مختلفة نشأت في إطار الإسلام ؟

   ولنعد إلى ما حققه الإسلام ، فإن الانجاز الأول هو ما أشار إليه إنجلس في رسالته لماركس سالفة الذكر : " إن طرد الأحباش حدث قبل محمد بزهاء 40 سنة ، وكان ، بشكل واضح الفعل الواضح للشعور (للوعي) القومي العربي المستيقظ ، الذي حركته من جهة غزوات الفرس من الشمال التي اندفعت إلى مكة تقريباً "[102] ، فقد ساهم توحيد شبه الجزيرة العربية من الناحية الدينية (التشريعية) والسياسية في تطوير هذا الشعور القومي خاصة بعد أن اعتمد هذا التوحيد على القرآن الكريم ككتاب مقدس متفق عليه يقرأ باللغة العربية (لهجة قريش) وهو ما أدى لتطور هذه اللغة والاتفاق على جعل لهجة القرآن هي اللغة الفصحى التي يلتقي عندها العرب بلهجاتهم.

   إن نمو الشعور القومي عند العرب بفعل الإسلام وهذا التطور للغة العربية ، لم تشهده أوروبا إلا في فترات لاحقة حيث قامت به الطبقة البورجوازية ، كمردود لحاجات الإنتاج السلعي كما يشير لينين في رده على روزا لوكسمبورج : " الحركات القومية لم تبرز اليوم في روسيا للمرة الأولى وهي ليست وقفاً على هذه البلاد دون سواها ، ففي العالم كله كان عهد انتصار الرأسمالية الحاسم على الإقطاع مقترناً بالحركات القومية .. ذلك لأن الانتصار الكامل للإنتاج السلعي يتطلب استيلاء البرجوازية على السوق الداخلية وتوحيد الأراضي التي يتكلم سكانها لغة واحدة ، وإزالة كل حاجز من شأنه أن يعيق تطور تلك اللغة ورسوخها في الأدب ، ذلكم هو الأساس الاقتصادي للحركات القومية . إن اللغة هي أكثر وسائل اتصال الناس بعضهم ببعض أهمية ، كما أن وحدة اللغة وحرية تطورها هما من أهم الشروط لقيام مبادلات تجارية حرة شاملة حقاً تتوافق والرأسمالية الحديثة ، ولتكتل الناس تكتلاً حراً واسعاً داخل طبقاتها المتعددة ، وأخيراً لإقامة علاقات وثيقة بين السوق وبين كل رب عمل كبير أو صغير وبين كل بائع ومشتر " ، ويكمل لينين : " ولذلك ، فالسعي إلى إقامة دولة قومية تستجيب على الوجه الأكمل لمتطلبات الرأسمالية الحديثة هو أمر مصاحب لكل حركة قومية . وتدفع إلى هذا الهدف أعمق العوامل الاقتصادية . ومن هنا يبدو أن الدولة القومية ، بالنسبة لكل أوروبا الغربية ، بل للعالم المتمدين كله ، هي أمر نموذجي وطبيعي في المرحلة الرأسمالية "[103] . لكن محمد (ص) تمكن من تحقيق هذا الانجاز القومي والانتقال بالعرب من نمط إنتاج عبودي ومجتمع عشائري إلى دولة مركزية قامت على نوع من النمط الخراجي مع بعض الخصوصيات التي ميزت هذه التجربة الإسلامية ، بدون وجود برجوازية ، أو تحقيق إنتاج سلعي ، وإنما كان الدين هو العامل الأساسي في نجاح هذه الثورة الاجتماعية .

   إن هذا التطور السريع باتجاه الوعي القومي لدى العرب والمرتبط بالخصوصيات الشرقية التي سبق وأن أشار إليها ماركس وإنجلس ، كان يقتضي من النبي محمد (ص) حسم بعض القضايا الأساسية مثل قضية التفاوت في الثراء بين القبائل العربية وبعضها وحتى بين أبناء القبيلة الواحدة ، قضية ملكية الأرض وقضية العبيد .

   لقد كان هذا التفاوت في الثراء يعتمد في جزء كبير منه على الربا ، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين القبائل التي تعتمد في ثروتها على التجارة كقريش والقبائل الزراعية كثقيف في الطائف ، وتشير المرويات إلى أن بعض القرشيين خاصة العباس بن عبدالمطلب والوليد بن المغيرة كان لهم معاملات ربوية مع المزارعين في الطائف[104] ، ومن الواضح أن القرآن الكريم قد حرم الربا منذ المرحلة المكية من حياة النبي (ص) ويبدو هذا التحريم في عدة آيات منها : [ وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ](الروم/ 39)[105] ، والآية : [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ](آل عمران/ 130)[106] ، كما دعمت المرويات عن النبي (ص) هذا التحريم وخاصة مرويته في حجة الوداع : " ألا وإن كل ربا في الجاهلية موضوع لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون غير ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله "[107]، وبالإضافة للربا فقد حرم الإسلام الاحتكار[108] ، وهو من أهم وسائل زيادة الثروة لدى القبائل العاملة بالتجارة ، وقد سعى النبي (ص) إلى التقليل من هذه الفوارق في الثروة بين العرب قدر الإمكان عبر المساواة بين كل المسلمين في العطاء ، وهو ما استمر عليه الخليفة الأول أبو بكر حتى قام عمر بن الخطاب بتغيير هذه السياسة وترتيب ديوان العطاء بشكل تفاضلي ، وقد أبدى ندمه في أواخر حياته على استخدام هذه السياسة[109] .

   فيما يتعلق بقضية الأرض فقد انقسمت إلى ثلاث أقسام أرض زراعية وأرض مستصلحة والحميات ، ومن الواضح أن القاعدة الأساسية في الإسلام هي رفض الملكية الخاصة للأرض أو الثروات المعدنية ، وذلك بحسب الآيات الواردة في القرآن التي تعتبر الإنسان مستخلف فقط على هذه الثروات وليس مالكاً لها : " أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ "(البقرة/107) ، " وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا " (الزخرف/85) ، " وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ " (المائدة/17) ، " لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ " (طه/6) . كما تشير آيات قرآنية أخرى إلى أن الثروات الموجودة بالأرض قد خلقت للناس جميعاً ، كالآية : " هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا " (البقرة/29) .

   وبالرغم من أن النبي (ص) اتخذ موقفاً مرناً مع ملاك الأراضي والبساتين في يثرب والذين كانوا في غالبيتهم من ضحايا المرابين اليهود[110] ، إلا أنه وبناء على الآيات السابقة وتأسيس الكيان الإسلامي بزعامة النبي (ص) أصبح من المفهوم أن ملكية الأرض هي ملكية انتفاعية ، وبشكل عام فإن المناطق الزراعية التي دخلت تحت سيطرة النبي (ص) وخاصة في يثرب وخيبر وتيماء ووادي القرى وفدك تركها النبي للمزارعين بها مقابل خراج متفق عليه يذهب للدولة ولم يملكها للمسلمين بحسب النص القرآني : " مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ " (الحشر/7)[111] . أما الحميات[112] فقد جعلها كذلك ملكاً عاماً بناء على عدة مرويات للنبي (ص) : " لا حمى إلا لله ولرسوله " ، والحديث " لا يمنع الماء والكلأ والنار " ، وهناك مرويات أخرى أضافت الملح كذلك : " عن عائشة أنها قالت يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه ؟ قال : الملح والماء والنار "[113] ، والمقصود بالنار في المروية الحطب الذي يستوقد به[114] ، وهي إجراءات يبدو بوضوح أن الغرض منها ضرب سيطرة الزعامات العشائرية ونفوذها كونها المستفيد الأول من هذه الحميات .

   وبالرغم من وجود بعض المرويات التي تشير إلى أن النبي (ص) قد قام بمنح بعض الإقطاعات من الأراضي إلى بعض الصحابة وغيرهم ، فمن الضروري الإشارة إلى أن هذه المرويات تبدو مضطربة ومتعارضة مع النص القرآني ، ومن الواضح أنها صيغت في فترة لاحقة لتبرير محاولة بعض الأسر لاحقاً إلى الاحتفاظ بسيطرتها على الأرض[115] .

   على أن النبي (ص) ، وبحسب بعض المرويات ، قد سمح لمن يقوم بإحياء أرض وجعلها صالحة للزراعة بأن يمتلكها ، ويبدو أنها كانت ملكية إنتفاع وليس ملكية نهائية وهو ما يمكن استنتاجه من حديث النبي : " من أحيا أرضاً ميتة فهي له " ، " من عمر أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها "[116] .

   إذن فقد تم حسم قضية ملكية الأرض وسيطرة العشائر ، أو بعض أفرادها ، على مناطق الرعي والاحتطاب والماء بحيث تحولت ملكية الأراضي بشكل عام إما إلى الدولة وإما ملكية الانتفاع وهو ما انطبق كذلك على الأراضي المستصلحة .

   بالنسبة لقضية العبيد فقد رويت عن النبي محمد (ص) العديد من النصوص التي ترفض العبودية وتزم مهنة النخاسة (تجارة العبيد) لعل أهمها ما رواه الشيخ النراقي عن الإمام جعفر الصادق في مستند الشيعة : " إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : شر الناس من يبيع الناس "[117] ، وقد نقلت المروية بصيغة شبيهة على لسان الإمام محمد الباقر : " إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن شر الناس من باع الناس "[118] . وهي مروية تشير بوضوح إلى رفض النبي محمد للعبودية مما يفسر بصورة أوضح أسباب تعاطف الكثير من العبيد مع الدعوة الإسلامية ، ونجد امتداداً لها فيما يروى عن علي بن أبي طالب : " أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا ولا أمة وإن الناس كلهم أحرار "[119] ، وهنا لا يعتبر علي بن أبي طالب العبودية كقدر وإنما كجريمة اجتماعية .

   ثمة نصوص أخرى تشير بصورة أوضح للموقف العملي الذي اتخذه النبي محمد من مسألة العبودية ، حيث حرم الإسلام الرق الناشئ عن الاختطاف والقرصنة وبيع الأولاد ، وهنا من الضروري الإشارة إلى أن نصوص القرآن ذاتها لا تشير إلى استرقاق الأسرى وإنما إلى المن بالعتق أو الفداء بمعنى إطلاق سراحهم نظير مقابل مادي أو أدبي : " حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا " (محمد / 4)[120] . بالإضافة إلى تحريض الشريعة القرآنية على عتق العبيد سواء كوسيلة للتقرب من الله أو ككفارة لبعض الأخطاء حيث تقول الآيات القرآنية : " فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ " (البلد / 11-13) ، وتخصيص جزء من الزكاة لتحرير العبيد[121] .

   لكن من الضروري هنا الإشارة إلى أن الطبيعة الأممية لدعوة النبي محمد (ص) والتي تؤكدها الآية : [ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ ](سبأ/28)[122] هي في جوهرها تعبير عن تبنيها لطموحات العبيد المتنوعي الأصول والعرقيات ، بالإضافة للفقراء العرب ، ولا يوجد أي جدوى فعلية من التأكيد عليها في القرآن إلا لهذا السبب ، فحين أنزلت هذه الآية في مكة لم يكن لمحمد (ص) ولا للعرب قوة حقيقية أو حتى وحدة اقتصادية وسياسية تمكنهم من مناطحة الإمبراطوريات المجاورة ونشر دعوة دينية جديدة في أوساطهم ، وبصورة عامة فإن دعوة محمد لو كانت مقتصرة على التوحيد ومحاولة إصلاح الدين المنتشر بين العرب ، فلم تكن لتجتذب كل هذا القدر من المؤمنين بين العبيد والفقراء ، ولن تستفز الزعامات القبلية في قريش وغيرها من قبائل العرب لمرحلة الاضطهاد والمواجهات العسكرية[123] .

   وعلى جانب آخر كانت الأممية التي ميزت هذا الدين الجديد متضمنة للمساواة سواء بين القبائل العربية وبعضها من ناحية وبين أبناء كل قبيلة وبعضهم ، وأخيراً بين المسلمين العرب والمسلمين من العرقيات الأخرى التي عاشت في الجزيرة العربية[124] بهدف دمج الجميع في هذا المشروع القومي ، وبالرغم من كثافة المرويات عن النبي (ص) والمدعومة بالآيات القرآنية بخصوص المساواة المطلقة بين الناس ، لكن ثمة مرويتين لهما أهمية خاصة كونهما يعبران بالفعل عن ما أنجزه الإسلام ، فتذكر المروية الأولى أن النبي (ص) قال : " إن الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط ، لا فضل للعربي على العجمي ، ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى " ، أما المروية الثانية وهي الأكثر أهمية فتقول : " إن الله تبارك وتعالى قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، والتفاخر بآبائها وعشائرها ، أيها الناس إنكم من آدم وآدم من طين ، ألا وإن خيركم عند الله وأكرمكم عليه اتقاكم وأطوعكم له ، ألا وإن العربية ليست بأب والد ، ولكنها لسان ناطق ، فمن طعن بينكم وعلم أنه يبلغه رضوان الله حسبه ، ألا وإن كل دم مظلمة أو إحنة كانت في الجاهلية ، فهي تظل تحت قدمي إلى يوم القيامة "[125] .

   وتبرز أهمية المرويتين في كونهما توجهان ضربة إلى عصب المفاهيم والثقافة القبلية والعشائرية فهما يسقطان بوضوح العصبية لقرابة الدم ، وحتى التفاضل بين الأحرار والعبيد ، فالمعيار الحقيقي بالنسبة لمحمد هو الالتزام بالتشريعات المنزلة ، وربما كان النبي (ص) هنا يسعى كذلك للقضاء على الاستعلاء القرشي على وجه الخصوص حيث أطلقت العرب على قريش لقب أهل الله معتبرين أن الله قاتل عنهم وكفاهم مؤنة عدوهم[126] ، ويبدو أن القرشيين لاحقاً قد استغلوا هذه الحادثة وهذا اللقب في محاولة لفرض زعامتهم وتفوقهم على باقي القبائل العربية .

   إن المرويتين تضعان كذلك فارقاً واضحاً بين القومية والعنصرية فالقومية العربية ليست حالة عنصرية وإنما لغة تواصل بين المتحدثين بها مهما كانت أصولهم وعرقياتهم ، وهو بالتالي يرفض أي عنصرية من العرب تجاه العرقيات الأخرى ، كالفرس والأفارقة ، التي عاشت في الجزيرة العربية وتحدثت بلغتها .

   إن من المؤكد أنه بعد هذه التشريعات لم يتشابه وضع العبيد عن ما قبله ، وبالرغم من أن العبودية استمرت ولم تختف بكل تأكيد تبعاً لسيطرة نمط الإنتاج الخراجي وتحوله في العصر الأموي لشكل يمكن أن نطلق عليه " الإقطاع المركزي "[127] مع توسع الدولة من الناحية السياسية ، لكننا في المقابل نلحظ دورهم الهام لاحقاً في التاريخ الإسلامي كعلماء ومثقفين وأدباء وقواد عسكريين ، وحتى كحكام في دولة مشهورة عرفت باسمهم " المماليك " في مصر والعراق ، وقد أثار هذا التميز في وضع العبيد بالعالم العربي استغراب المستشرق الإنجليزي لونكريك وأشار إليه في كتابه " أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث " : " وكان بإمكان الأوروبي أن يفسر لدرجة ما استئثار أكثرية من المماليك بالحكم ، أو قيام فئة فادية من أمرائهم بانقلاب ما . إلا أنه كان من المستغرب جداً له أن يرى المماليك المستجلبين من الخارج يتسلمون السلطة المطلقة في الولاية على مشهد من السكان وبموافقتهم تقريباً . أما في نظر التركي فإن أهمية النسب كانت أقل من أهميته في أي بلاد من البلاد الأخرى ، فلم يكن النبل ولا المنصب وراثيين . ولذلك فقد ارتقى الكثيرون من أحط دركات الخمول إلى أرفع المراتب . إذ كان جميع المسلمين (الذين دخل المماليك في زمرتهم بسرعة) متساوين بين يدي السلطان . وكان الرق ، في الوقت نفسه ، بين العراقيين يعني معنى مختلف عما نعرفه نحن . فقد كانت أحوال الرق في جميع العالم العربي ، وفي جميع الأدوار ، يسودها التساهل وقد يحسد الأرقاء على حظوتهم . وفي الأماكن التي مازال نظام الرق معمولاً به اليوم يعتمد على العبد أكثر مما يعتمد على الحر ، وقد يكون العبد أكثر تأثيراً من غيره . ولما كان هو جزءاً من سيده فإنه يعد لسانه المعبر عنه ، وموضع أسراره "[128] .

   والواقع أن استمرار الرق منذ عهد المعتصم كان يقوم على حسابات سياسية وعسكرية في الأغلب وقد اختلفت أغراضه لحد ما عن ما كان في بداية الإسلام أو في العهود الأموية وبدايات العباسيين ، حيث سعى الخليفة العباسي المعتصم للتقوي بالرقيق الأتراك عبر الاعتماد عليهم في جيشه ، وهو ما تواصل لاحقاً[129] .

   لا أنوي في الواقع أن أطلي الإسلام بالأحمر ، لكن محاولة الرفيق إنكار ما أنجزه الإسلام من تغييرات إيجابية تبدو لكل من لديه معرفة بالتاريخ الإسلامي محاولة عبثية ، خاصة عندما يستخدم الرفيق لغة نيوليبرالية في الكلام عن وضع المرأة والحجاب فاصلاً كلا الموضوعين عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي يفرض نفسه على هذه التشريعات .

   وفي موضوع تعدد الزوجات الذي يقول فيه الرفيق : " النساء سلعن مقابل اجر مع قنونة نصوصية (اربعة او ما ملكت ايمانكم) " ، وإذا ما تجاوزت عن الصياغة الخاطئة للآية بما لا يليق بماركسي يعيش في وسط مسلم ومن الضروري أن تكون له دراية بهذا التراث ، فإن خطاب الرفيق لا يبدو علمياً ، فقد كان عليه أن يقيس بين أوضاع الزواج وأغراضه قبل الإسلام وبعده ، فتعدد الزوجات في المجتمعات العشائرية يمثل نوع من التحالفات بين العشائر ، وبالتالي فقد كان الرجال قبل الإسلام يمكنهم الزواج بما يشاءون من الزوجات بحسب مصالحهم الاقتصادية والسياسية ، فكان عليهم بعد الآية : [ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا ](النساء/ 3) الاقتصار على أربع زوجات ، أو الاكتفاء بزوجة واحدة أن لم يتمكنوا من العدل في المعاملة بينهن[130] ، ومن الواضح أن هذا التشريع المقيد لتعدد الزوجات يراعي المرونة في التعامل مع بقايا تقاليد المجتمع العشائري والتي استمرت لما بعد وفاة النبي (ص) ومازالت بقاياها متواجدة حتى الآن ، وربما كانت قصة زواج النبي من جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار من بني المصطلق دليلاً على ما أقوله من ارتباطه بالواقع العشائري ، حيث أدى هذا الزواج لاعتناق عشيرتها للإسلام[131] .

   وعن الحجاب يقول الرفيق : " فمثلا ً من غير الصواب ان نحارب الحجاب في المجتمع ـ لن يزول الحجاب كمظهر من مظاهر التدين من المجتمع الا من خلال فهم حقيقة هذا الحجاب التاريخية والتي هي ايضًا حقيقة للدين والتراث الذي يسلع ويشيء المرأة وجسدها " ، ولا يمكنني في الواقع تفسير هذه النظرة للرفيق إلا بكونها نظرة برجوازية لا تراعي المعرفة التاريخية والتراثية ، خاصة أن آية الحجاب كان لها سبب ظرفي واضح وذكرته كتب التراث : " أن النساء كن يخرجن إلى المسجد ويصلين خلف رسول الله (ص) ، فإذا كان الليل وخرجن إلى صلاة المغرب والعشاء الآخرة يقعد الشباب لهن في طريقهن فيؤذونهن ويتعرضون لهن "[132] ، وثمة تفسيرات أخرى تؤكد أن الحجاب كان يستهدف التفريق في الزي بين الحرة والأمة نتيجة قيام بعض المنافقين في يثرب بالتعرض لهن باعتبارهن إماء ، فكانت الآية : [ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ](الأحزاب/ 59) ، تسعى لمعالجة هذا الوضع[133] في المدينة أثناء الصراع الخفي مع المنافقين والذين وجهت لهم الآية التالية لها مباشرة تهديداً بالطرد من المدينة في حال استمرارهم في هذه الممارسات : [ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ](الأحزاب/ 60) .

   لقد تنبه أحد علماء المسلمين المعاصرين في تفسيره إلى أن الآية تعالج موقفاً ظرفياً ولا تبدو ملزمة : " وعلى ضوء ذلك ، فلا تكون الآية من آيات الحجاب الملزم ، بلحاظ أن الأمر يدل على الوجوب ، فإن الفقرة الثانية قد تصلح دليلاً على عدم إرادة الإلزام في ذلك "[134] .

   لا مجال هنا في التفصيل حول الحجاب أو حول وضع المرأة قبل الإسلام وبعده لكن هذا لا يمنع من استعراض أحد أهم هذه الفوارق وهو الميراث ، حيث لم يكن للمرأة حق فيه بصفتها غير قادرة على ركوب الخيل وحمل السيف (القتال) ، بل أن المرأة ذاتها لو لم يكن لها ولد من زوجها المتوفي دخلت ضمن تركته وأصبح من حق الابن الوارث أن يتزوجها أو أن يمنعها من الزواج (العضل) [135] ، وهو ما غيره الإسلام في تشريعاته[136] . هل يتوقع الرفيق أن يكون وضع المرأة بعد الإسلام متشابهاً مع وضعها قبله بالرغم من هذه التغيرات فيما يتعلق بتعدد الزوجات والميراث على سبيل المثال ؟!!

   إذن فقد تعامل الإسلام بصورة عامة مع المجتمع القبلي ، عبر طريقيتن ، حيث ألغى بعض الأوضاع والعادات والسلوكيات المرسخة للعشائرية والعبودية ، كالملكية الخاصة للأرض والحميات والربا والاحتكار والعصبيات بأنواعها ووأد البنات والأولاد أحياناً ، وتعامل بمرونة مع أوضاع أخرى مع وضع ضوابط وقيود لها كوجود العبيد والإماء وتعدد الزوجات ، وأعتقد أن التعامل بمرونة مع هذه الأوضاع كان على اعتبار أن تطور المجتمع العربي وتخلصه تدريجياً من العشائرية كفيل بتحجيمها والتقليل منها ، ونلحظ في التاريخ الإسلامي أن ضعف التأثير العشائري استمر تدريجياً حتى الاضمحلال تقريباً مع الدولة العباسية ، حيث بدأت الانتماءات المناطقية تحتل الصدارة .

   هل يمكننا بناء على هذا الاستعراض لطبيعة نشأة الإسلام اعتباره كيهودية ثانية بحسب رأي العفيف الأخضر ؟[137] من المؤكد أن العفيف الأخضر حينما تحدث عن هذا التشبيه كان يسعى لإهانة الإسلام وليس محاولة استعراض رأي علمي ، وإلا فإن  الطبيعة الأممية للإسلام منذ بداياته تتعارض تماماً مع الطبيعة القبلية لليهودية ، كما أن الكفاح الثوري للنبي (ص) والمؤمنين به من فقراء وعبيد وأحرار ينتمون لقبائل وعرقيات متنوعة في مواجهة المجتمع العشائري[138] ، يختلف تماماً عن اليهود من بني إسرائيل (بحسب التوراة) والذين هربوا من مصر أولاً ثم سعوا للصدام مع القبائل الكنعانية والفلستية لاحقاً للاستيلاء على ممتلكاتهم دون تغييرات تذكر في طبيعة المجتمع السائد[139] .

   إن مقدمة العفيف الأخضر حول الموقف من الإسلام مترهلة للغاية وتبدو كمحاولة ثأرية أكثر منها معالجة علمية ، وليس أدل على هذا الترهل من قوله الغريب للغاية عن الدعوة الإسلامية : " أصبحت بعد أقل من ثلاثين عاماً تحكم بالسوط والسيف : نسبها السيف وحسبها الذهب . وتضطهد لا جماهير أهل الذمة فقط ولا جماهير المؤمنين وحسب بل والفقراء من أصحاب محمد أنفسهم . مصداق ذلك اضطهاد عثمان لعمار بن ياسر وأبي ذر الغفاري "[140] ، وهنا بالرغم من اعتراف العفيف الأخضر بأن الإسلام ظل ثورياً حتى وفاة النبي كونه كان صراعاً مع الأرستقراطية المكية ، دون أن يفسر سبب صدام الأرستقراطيات القبلية الأخرى معه ، إلا أنه لم يوضح ما هي القاعدة الذي بناء عليها اعتبر أن عثمان بن عفان هو الإسلام بينما عمار وأبي ذر خارجين عنه ؟! ودون الإشارة إلى أن هذه الممارسات للخليفة الثالث كانت السبب في ثورة المسلمين عليه باعتباره خارجاً على سنة النبي (ص) وبتهمة اضطهاده لهذه الشخصيات التي أشار إليها[141] .

   على أن عدم منهجية العفيف الأخضر ، وربما جهله ، يظهر بشكل أكثر وضوحاً عندما تحدث عن الحركات الثورية في الإسلام باعتبارها هرطقات إلحادية مكرراً إدعاءات مؤرخي السلطة العباسية ودون بذل أدنى مجهود للتثبت من هذه الادعاءات كونها أرضت سخطه الساذج في مواجهة الإسلام ، فعن عبدالله بن ميمون القداح يقول : " منظر الحركة الإسماعيلية الأول هو عبدالله بن ميمون . وكان عقلانياً لامعاً مطلعاً على جميع الفلسفات والأديان . ولا شك أنه ترك بصماته على الحركة من مبتدئها إلى منتهاها ، وهو القائل : إن الأئمة والأديان والأخلاق ليست إلا ضلالاً وسخرية "[142] .

   ليس هذا الرأي الهزلي في التاريخ هو الوحيد في مقدمة العفيف الأخضر ، فقد سبقته آراء في البابكية والقرامطة مثيرة لشفقة كل من لديه أدنى معرفة بالتاريخ الإسلامي ، وهي متأثرة في مجملها بآراء المستشرقين الذين يعتبرون كل حركة ثورية مجرد هرطقة أو محاولة للتفلت من الإسلام وهو ما يرضي ثأرية الأخضر من الدين ، وذلك بعيداً عن أي منهجية ، إلا أن شخصية عبدالله بن ميمون وحتى شخصية والده ميمون القداح ليستا غامضتين خاصة في الوسط الشيعي الذي تتحدث كتب رجاله عنهما بقدر من الوضوح وإن لم تشر لأي نشاطات سياسية لهما ، وإنما تشير المرويات أنهما من الرواة عن الأئمة علي السجاد ومحمد الباقر وجعفر الصادق من أئمة الشيعة[143] ، أما عبدالله بن ميمون على وجه الخصوص فإن كتب رجال الشيعة تؤكد أنه كان مقيماً بمكة وأنه من الثقاة في الرواية ومن المقربين للإمامين الباقر والصادق : " يا ابن ميمون ، كم أنتم بمكة ؟ قال : نحن أربعة ، قال أنكم نور الله في ظلمات الأرض " ، ويبدو من كتب الرجال أنه توفي كأبيه في عهد الإمام جعفر بن محمد الصادق أي قبل سنة 148 هجرية[144] .

   وهنا يكون من الضروري التساؤل كيف يمكن للعفيف الأخضر اعتبار عبدالله بن ميمون شخصاً ملحداً أو ناقماً على الدين بينما هو راوي موثوق عن الإمام جعفر الصادق حفيد النبي ويؤسس لطائفة دينية تنادي بإمامة فرع من أحفاد نبي الإسلام ؟!

   في إحدى تغريداته اللاحقة على مقاله ، لجأ الرفيق لاستخدام نفس أسلوب العفيف الأخضر المستغرق في السخط العاطفي والبعيد عن المنهجية ، حيث قال في تغريدته المنشورة بتاريخ 4 يوليو 2020 : " للعرب والمسلمون باع طويل في محاربة ثورات الكادحين تاريخياً ثورة الزنج قبل ما ينيف عن 11 قرناً وقمعها من قبل الخلافة الإسلامية العباسية والكيفية التي قتل فيها قائدها علي بن محمد العلوي نموذجاً . ناهيك عن ثورة القرامطة وغيرها من النماذج والمحطات التي تعري هذا التراث " ، ولا يحتاج المرء للكثير من الذكاء لمعرفة أن هذه التغريدة تشير لموضوع الحوار بالرغم من أنني طالبت بضرورة التعامل الإيجابي مع هذه الثورات والبناء عليها وليس على تراث العباسيين ، لكن علينا أن نطالب الرفيق بالتوضيح عن ماهية القاعدة التي جعلته يعتبر العباسيين عرب مسلمين بينما اعتبر قائد الزنج علي بن محمد سليل الإمام علي بن أبي طالب وحفيد النبي (ص) خارجاً الإسلام وهو ما يقال عن القرامطة كذلك ؟!

   لا أجد أن هناك حاجة لنقد رؤية العفيف الأخضر ، فقد قام هو نفسه بنقضها تماماً حينما حول وجهته من الماركسية إلى النيوليبرالية ، إلا أن ضحالة هذه الرؤية برزت في تعامله الساذج وغير العلمي مع التراث الإسلامي ، ومع ذلك فمن الملاحظ أنه لم يجد حرجاً في الفخر ببعض جوانب التراث وخاصة ما يتعلق بالشيعة الإسماعيلية الذين وصفهم بالشيوعية في مقدمته[145] ، على عكس الرفيق الذي يسعى للقطيعة معه بالجملة دون مبرر واضح .

   يبقى إذن قبل ختام هذا الجزء التأكيد على أن المادية التاريخية لا يجب أن تستخدم في كل تحليل تاريخي ، بينما نقفز إلى المناهج البرجوازية عند نقد التراث الإسلامي ، وهو دأب هذه النوعية التي ترغب في القطيعة مع التراث بهدف حسم خصومتها الشخصية معه ، وهو ما عبر عنه إنجلس في عبارة مشهورة له : " إنها لسذاجة صبيانية أن يجعل المرء من جزعه الشخصي برهاناً نظرياً "[146] ، فنقد التراث إذن لا يجب أن يتم إلا عبر دراسة الواقع الاقتصادي والاجتماعي السائد ومؤثراتهما ، ولا يليق بمثقف ماركسي التعامل معه عبر الأساليب المتعسفة للبرجوازية الخاضعة بشكل كامل للتمركز الأوروبي ويملئها الشعور بالدونية .

3- المدلول الطبقي للاتهامات بالهرطقة ، الانتهازية والنزعة البرجوازية الصغيرة

   في مقاله كتب الرفيق : "  كما يذهب متحذلقونا للقول اننا يجب ان نبني على التراث كتراث او كدين لا كمؤسسات ! وهذا موقف برجوازي صغير وحيد الجانب ويتسم بالإنتهازية ـ ويتعارض كليًا مع الماركسية ومع ابسط مبادءها المادية و حتى ان اولئك الذين يحاولون تديين الماركسية والباس رموزها لبوس الدين والتصالح الانتهازي معه لا يتورعون عن التدليس " .

   تشبه عبارات الرفيق تلك المستخدمة دائماً في النفي الديني حينما يحتدم الخلاف بين طائفتين أو بين رجلي دين ، فيتم تحويل القضية موضوع النقاش لمبدأ ثابت يعني الحياد عنه أو حتى مناقشته إلى نوع من الهرطقة والتي اتهمني بها الرفيق في تغريداته على موقع " تويتر " ، وهنا لا ألوم الرفيق على الإطلاق فمثل هذه الاتهامات أصبحت حتى في الواقع الماركسي العربي تستغل لحسم خلافات كثيرة تظهر دائماً وتشتعل بينما لا يوجد واقع جماهيري حقيقي للماركسية ، مما أثار سخرية البعض من الحركات والتيارات الشيوعية بشكل عام ، وعلى هذا الأساس لا يبدو الاتهام بالانتهازية والنزعة البرجوازية الصغيرة وغيرها من الاتهامات المعتادة غريبة كما لا يبدو الرفيق مبتدعاً في الوسط الماركسي العربي .

   من المؤكد أن هذه الاتهامات استخدمت سابقاً بين ماركسيين كبار ، لكن كان الدافع إليها أحداث لها تأثيرها ، وهنا يبدو واضحاً الفارق بين البرجوازي الصغير الذي يتزمت في نقطة ويتساهل في نقاط بحسب مصالحه المباشرة ، وبين البروليتاري الحقيقي الذي يدرس الواقع بشكل دقيق ويضع مشروعه وأهدافه الاستراتيجية والتكتيكية بناء على وعيه بالماركسية والواقع في آن .

   إن المثير للاستغراب أن تكون أوضاع الحركات والتيارات بل وحتى الأحزاب الماركسية بكل تنوعاتها شبيهة بالحركات الدينية السلفية ، حيث شهدت في فترة السبعينات والثمانينات عدد من الانشقاقات المتنوعة فبرزت جماعات دينية متنوعة معظمها منشق عن الإخوان أو عن الجماعة الإسلامية كالتكفير والهجرة والجهاد والشوقيين والتوقف والتبين والسماويين[147] ... الخ ، وبالرغم من أنهم يرجعون لنفس المرجعية إلا أنها لم تتمكن من حماية تنظيماتهم من الانشقاقات التي كانت تقوم غالباً نتيجة فتوى غير متفق عليها أو موقف ، وهو ما يتفق مع واقع الحركات الماركسية للأسف وحتى الحركات الماوية منها ، ولا يمكن تبرير هذا التشظي سوى عبر الوعي بأن سيطرة البرجوازية الأوروبية والعربية المتأوربة على الحركات اليسارية بما تتضمنه من نزعة فردية دافعة لاستخدام مثل هذه الاتهامات كقوالب جاهزة في مواجهة أي خلاف .

   لم تكن اتهامات الرفيق موجهة لي بصورة شخصية وإنما لمن يتبنون رأيي ، معتبراً أن هذا الرأي يتعارض مع مبادئ الماركسية ، وأن موقفه هو المتناغم مع الثوابت الماركسية : " كما يذهب البرجوازيون الصغار لتبرير تدليسهم و تحريفهم و تلفيقهم الى انهم غير نصوصيين ـ على اعتبار ان التمسك بتعاليم ماركس وانجلز و لينين و ستالين و ماو يعتبر ضربًا من ضروب النصوصية او الارثوذوكسية او السلفية ـ متناسين ان هناك فرق بين الثابت و المتغير ـ بالماركسية هناك ثوابت وحقائق موضوعية ثابتة ومطلقة " ، ولا يلتفت الرفيق إلى أن عبارته بكل ما فيها من توصيفات " تدليسهم وتحريفهم وتلفيقهم " ، في حد ذاتها تعبر عن نزعة برجوازية صغيرة راسخة ومتزمتة تسعى لتحويل الماركسية إلى شبه طائفة دينية يجب شد عصبها عبر تداول المقولات وحفظها بما يشبه تلاوة الكتب المقدسة وتعامل السلفيين مع النصوص المنسوبة للنبي (ص) ، وذلك بمعزل عن أي دراية بالتاريخ وخصوصيات التطور التاريخي لكل دين على حده ، ولو كان القادة الماركسيين الذين ذكرهم في مقاله لينين ، ستالين وماو ، تمسكوا بتعاليم ماركس وإنجلس دون وعي بواقعهم وتطوراته لما تمكنوا من تحقيق أي منجزات حقيقية ، فهو إذن عندما يوجه الاتهامات بالنزعة البرجوازية الصغيرة وغيرها من النعوت لا يفعل سوى أن يرميني بداء يعاني منه ولا يفطن له .

   إن أول مظهر من مظاهر النزعة البرجوازية الصغيرة هو محاولته التطبيق غير الواعي لنصوص ماركسية على واقع وزمن مختلف تماماً لم يعاصره أي منهم ، وهو في هذا الموقف يبدي قدراً غير متوقع من التزمت والتمحور حول النصوص التي لجأ إليها دون ممارسة أي نقد أو محاولة التعرف على ظروفها الزمانية والمكانية ، وهذا مظهر من مظاهر الجمود العقائدي الذي تمارسه البرجوازية عموماً .

   لنضرب المثل بقضية المشاعية الروسية ، ففي 16 فبراير 1881 تلقى ماركس رسالة من الثورية الروسية فيرا زاسوليتش عضو جماعة إعادة التوزيع السوداء الشعبوية ، والتي كانت من المعجبين بطروحات ماركس ، وكانت الرسالة بخصوص السجالات الدائرة بين الثوريين الروس حول (المسألة الزراعية والمشاعة الريفية) معتبرة هذه القضية بمثابة حياة أو موت بالنسبة للاشتراكيين الروس وأن مصيرهم مرهون بها .

   في رسالتها أشارت زاسوليتش إلى أن بعض الاشتراكيين المشاركين في الجدل يزعمون أن " المشاعة الريفية هي شكل إنتاج قديم محكوم عليه بالتحلل والزوال بفعل التقدم التاريخي ، بحكم الاشتراكية العلمية ، وباختصار ، لا مجال للجدل حول أي شيء " . وهؤلاء الذين يتبنون تلك الرؤية يقولون عن أنفسهم أنهم " ماركسيون بامتياز " . وأنهم معتنقون لأفكار ماركس ، وحجتهم الأقوى في أغلب الأحيان " أن ماركس قال كذا "[148] .

   وبغض النظر عن رد ماركس بخصوص المشاعة الريفية الروسية ، فإن ما يتعلق بهذا الموضوع هو رده بخصوص الماركسيين المزعومين الذين حكموا على المشاعة الريفية بالتحلل والزوال بموجب حتمية تاريخية منسوبة له ، حيث أشار إلى أن التحليل المقدم في كتابه " رأس المال " لا يعطي أية حجج لا مع ولا ضد قابلية المشاعية الريفية للحياة ، وبالتالي فالحتمية التاريخية للتطور الرأسمالي تقتصر على بلدان غربي أوروبا ، أما الماركسيين الذين تحدثت عنهم فيرا زاسوليتش فقال عنهم : " الماركسيون الروس الذين تتحدثين عنهم لا أعرف عنهم شيئاً . أما الروس الذين لي علاقات شخصية معهم ، فهم على ما أعلم ، يتبنون وجهات نظر معاكسة تماماً "[149] .

   ليست نصوص القادة الماركسيين إذن حجة في حد ذاتها وإنما منهجهم في تحليل التاريخ والواقع هو الحجة ، وهو ما يشير إليه إنجلس في رده على كارل هاينتسن : " الشيوعية ليست عقيدة جامدة بل هي حركة ، وهي لا تنطلق من مبادئ عامة بل من وقائع . إن الشيوعيين لم يستندوا إلى هذه الفلسفة أو تلك بل إلى مجمل التاريخ حتى هذا الوقت وبشكل خاص إلى نتائجه الواقعية الراهنة في كل البلدان المتحضرة "[150] . كيف يمكننا أن نوفق بين عبارة إنجلس عن الماركسية " هي لا تنطلق من مبادئ عامة بل من وقائع " وبين عبارة الرفيق " بالماركسية هناك ثوابت وحقائق موضوعية ثابتة ومطلقة " بحيث نكون مضطرين لاعتبار أن كلتاهما ماركسية ؟

   الواقع أنه لا يمكن التوفيق بين العبارتين على الإطلاق فبينما يعتمد إنجلس على علاقته بالتاريخ ونتائجه الواقعية في زمنه ، فإن الرفيق يعتمد على مقولات ماركس وإنجلس معتبراً إياها حكماً ثابتاً يمثل مخالفته هرطقة وخروجاً على الماركسية . بالنسبة لإنجلس ولينين وماو تسي تونغ فإن الماركسية : " ليست عقيدة جامدة بل مرشد عمل "[151] ، ويضيف لينين : " إن أفدح غلطة وأبشع جريمة ارتكبها الماركسيون " من الماركة المسجلة " أمثال كارل كاوتسكي وأوتو باور ومن في شاكلتهم هو أن هؤلاء لم يفهموا هذا الأمر ولم يستطيعوا تطبيقه في اللحظات الفاصلة من ثورة البروليتاريا ... لقد دفع الثوريون الروس من عهد تشيرنيشيفسكي ضحايا لا تحصى جزاء تجاهلهم أو نسيانهم هذه الحقيقة "[152] . وقد صاغها ماو بتفصيل أكبر في مقاله " دور الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الوطنية " فيقول : " إن نظرية ماركس وانجلز ولينين وستالين هي نظرية صالحة للعالم أجمع . فلا يجوز لنا أن نعتبر نظريتهم عقيدة جامدة بل علينا أن نعتبرها مرشداً للعمل . ولا يجوز لنا أن نكتفي بمجرد تعلم بعض العبارات والأقوال من كتب الماركسية اللينينية ، بل يجب أن ندرس الماركسية اللينينية بوصفها علم الثورة . كما أنه لا يجوز لنا أن نكتفي بمجرد فهم النتائج الخاصة بالقوانين العامة التي توصل إليها ماركس وانجلز ولينين وستالين من دراستهم لمختلف جوانب الحياة الواقعية وللتجارب الثورية ، بل يجب كذلك أن نتعلم منهم موقفهم الطبقي وطريقتهم في النظر إلى القضايا وفي حلها "[153] . أما بالنسبة للرفيق فثمة ثوابت لا يمكن أن تتغير فلا يمكن اعتبار أن المؤسسة الدينية هي التي تمثل جزءاً من البناء الفوقي لأن هؤلاء القادة لم يتحدثوا عن المؤسسات نصاً وإنما تحدثوا عن الدين ، وذلك بغض النظر عن التاريخ وما يثبته من وقائع .

   لا أنكر أن هناك ثوابت للماركسية بكل تأكيد ، لكن ليس من بينها الموقف من الدين والذي يتبدل بحسب وضعه كدين أمة مستغِلة أو مستغَلة ومضطهدة ، وبحسب وضع مؤسساته ومدى سيطرتها على واقع المؤمنين ومحاولتها تغييبهم عن الصراع الطبقي مع المستغِلين في الداخل والخارج ، أما ثوابت الماركسية فتتمثل بمنهجيتها المادية في النظرة للعالم والتاريخ ومذهبها الاقتصادي الذي يكشف عن القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الحديث ، والاشتراكية ، حيث يرى ماركس أن المجتمع الرأسمالي سيتحول حتماً إلى مجتمع اشتراكي ، ولا يمكن بأي حال اعتبار موقف ما في زمن ما من أي قضية يمثل ثابت في الماركسية ، فضلاً عن أن يمثل موقفاً ثابتاً للماركسيين في كل مكان وزمان وغض الطرف عن الاختلافات والخصوصيات التي يجب التعامل معها بوعي[154] .

  المظهر الثاني من مظاهر البرجوازية الصغيرة في مقال الرفيق يتمثل في استخدامه لنعوت كالنزعة البرجوازية الصغيرة ، التدليس ، التلفيق وحتى التحذلق ، وإذا تجاوزنا عن الاتهام بالنزعة البرجوازية الصغيرة ، هل يدرك الرفيق بالفعل معنى هذه النعوت التي يصفني ومن يتفق معي بها ؟! بل هل يستحق موضوع النقاش كل هذه النعوت أصلاً ؟

   لقد أبديت رأيي في حواري معه من خلال قراءاتي في الماركسية والتاريخ وتجربتي في الواقع المصري على وجه الخصوص ، وهو رأي قابل لأن يكون صحيحاً أو خاطئاً أو يحتاج لبعض التصحيحات والتعديلات ، فأين هو التدليس والتلفيق والتحذلق ؟ إن استخدام هذه النعوت هو في واقعة نوع من النفي للآخر والتحقير لرأيه تحسباً من قدرته على التأثير ، ومثل هذا الأسلوب يستخدمه السلفيون كثيراً لتخويف أتباعهم وعزلهم عن أي تأثير يهدد منظومتهم التقليدية ولا أنكر أنه أسلوب ناجع خاصة عندما يكون الأتباع من المهمشين الذين يخشون حتى مجرد المناقشة في أي متهم في عقيدته من قبل مشايخ السلفية كي لا يتعرضوا للفتنة في دينهم .

   وبالرغم من أنني أدرك أن الرفيق ربما لم يقصد هذا الغرض ، فإن أي قارئ لمقاله سوف يصل لهذه النتيجة . فالتدليس يعني الغش والتزوير ، بينما يعني التلفيق اختلاق الكلام وزخرفته وتمويهه بالباطل ، أما التحذلق فهو التكلف وادعاء العلم كما يعني أحياناً الاهتمام الزائد بتعلم الكتب والقواعد الرسمية للتباهي ، وكل هذه المعاني لا علاقة لها بموضوع المناقشة الذي لا يحتملها أصلاً .

   أما النزعة البرجوازية الصغيرة فهي داء يصيب الماركسيين بصفة عامة خاصة في مراحل الشتات التي يعانون منها حالياً ويتمثل علاجها في النقد والنقد الذاتي كما أشار ماو تسي تونغ في كتابه الهام " في التناقض "[155] ، لكن ما هو معيارها ؟ فالانعزالية والتعالي على الجماهير هي نوع من البرجوازية الصغيرة ، وفي المقابل محاولة التصالح مع الواقع المتدني وتقديم تنازلات انتهازية له هي كذلك من مظاهر البرجوازية الصغيرة . التزمت والتمترس خلف النصوص هو من مظاهر البرجوازية الصغيرة ، كما أن إهمالها كلياً وعدم الاهتمام بدراستها هو كذلك من مظاهر هذه النزعة .

   لكن في كل الأحوال فإن الرأي الذي تبنيته لا علاقة له بالحالات السابقة وإنما هو سعي لإيجاد لغة تواصل مع الجماهير فرضها الواقع المتدني والمتراجع للماركسية في العالم العربي بداية من السبعينات عندما بدأت النخب الماركسية في عقد صفقات مع الأنظمة لدرجة تولي أحد قيادات هذه التنظيمات الماركسية منصباً وزارياً في عهد السادات[156] .

   في مقاله يقول الرفيق : " ان هذا الطرح البرجوازي الصغير المتصالح مع التراث هو في اخر المطاف ينتهى الى تذيل التراث ومن يمثلوه و لدينا امثلة كثيرة لشيوعيين تحدثوا بذات الخطاب وسلكوا نفس المسلكية وانتهوا من شيوعيين مقاتلين في الميدان الى باحثين و دعاة اسلاميين واعضاء في كرخانة الناتو الاميركية المسماة "اتحاد علماء المسلمين" ـ بعض الرفاق يعرفون منير شفيق والى اين انتهى " ، نعم أعرف منير شفيق وكذلك عماد مغنية وطراد حمادي وروجيه عساف وأنيس نقاش وغيرهم من الشيوعيين الماويين الذين تحولوا لإسلاميين مع الثورة الإسلامية في إيران وسيطرة التحريفية على الاتحاد السوفيتي والصين ، وبعضهم تحول للإسلام السياسي أولاً ثم لليبرالية أخيراً كحازم صاغية[157] ، لكن ماذا عن الذين عادوا الدين بمنتهى القوة كالعفيف الأخضر ، كيف كانت نهايته ؟ لقد إنتهى للنيوليبرالية ضمن كرخانة الناتو كذلك بعدما هرب من لبنان إثر الحرب الأهلية لنكتشف أن ماركسيته لم تكن سوى مظلة يخفي تحتها عقدة شخصية من الدين لا أكثر .

   إن تبرير هذا التحول للإسلام من قبل ماركسيين ماويين بالنزعة البرجوازية الصغيرة هو نوع من الاستسهال في الواقع ، ويسعى لتجنب حقيقة السقوط الماركسي في هذه الفترة على يد التحريفيين ، في مقابل الهزة التي أحدثتها الثورة الإسلامية في إيران حينما شاهدت الجماهير رجل دين في الثمانين من عمره يتمكن بخطاب ديني بحت من تحريك الجماهير وإسقاط عرش الطاووس وتحقيق ما فشلت فيه الحركات الماركسية ، ثم يدخل في مواجهة مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول الإمبريالية ، وهي مواجهة مازالت مستمرة وتحقق فيها إيران كذلك تقدماً متوالياً كما تحقق الحركات الدينية التي تبنت رؤيتها كحزب الله منجزات على أرض الواقع لعل أهمها تحرير الجنوب اللبناني في عام 2000 .

   إن كل هذه الأحداث الكبرى يتجاهلها الرفيق ويتجاهل تأثيرها في حركة النضال العربي ليكتفي بتوجيه اتهام سطحي للغاية لهؤلاء المتحولين بأنهم برجوازية صغيرة متذيلة للتراث الذي أثبت على أرض الواقع ، ولو مؤقتاً ، قدرته على إحداث الفارق .

   لقد اعتبر الرفيق في تغريداته أن : " هذا بالضبط سبب فشل وهزيمة الشيوعية العربية . وضع النظرية على أرضية التراث القروسطي والتصالح معه والانطلاق منه بدلاً من القطيعة معه . هذا تحريف برجوازي صغير . أهم متطلب لبناء الاشتراكية هو القطع كلياً مع الثقافة القديمة وبناء المجتمع الاشتراكي على أنقاض المجتمع القديم بكافة بناه " .

   إن اختزال سبب فشل الشيوعيين في العالم العربي في هذه النقطة هو بالتأكيد ليس علمياً وإنما مجرد محاولة ثأرية من الدين ، وإلا فإن أفضل فترات الشيوعية في العالم العربي كانت في مرحلة نظرتها الإيجابية للتراث ، ورغم أن هذا الفشل يحتاج لدراسة أكثر عمقاً ، إلا أن أهم أسباب الفشل كان التشظي السريع للقوى الشيوعية حتى بلغت هذه الحركات في مصر ، على سبيل المثال ، 35 حركة ومنظمة وحزب[158] ، فهل يعتقد الرفيق أن الموقف من التراث الديني كان هو السبب في هذا التشظي للأحزاب والحركات الشيوعية العربية ؟ أم أن السبب يعود إلى سيطرة الأوروبيين والمتأوربين ثقافياً من أبناء الأرستقراطية وكبار الملاك والبرجوازية على هذه الحركات والأحزاب ، الأمر الذي جعلها غير قادرة على قراءة الواقع أو إيجاد لغة تواصل حقيقية مع الجماهير ، مما أدى لقابليتها للخضوع للتحريفية السوفيتية والتلاقي في نقطة واحدة مع الكومبرادور بالداخل على غرار النموذج الذي أشرت إليه سابقاً .

   لقد وصل الرفيق في نهاية مقاله إلى نتيجة تثبت بوضوح مدى سيطرة النزعة البرجوازية الصغيرة على ذهنه فيقول : " من لا تعجبه هذه الحقيقية الموضوعية فليذهب و ويلتحق بجماعة الاخوان المسلمين ـ هناك سيجد ما يصبو اليه بدلا ً من التلفيق و التدليس البرجوازي الصغير للماركسية و تمريغ رموزها بالتراب فالشيوعية ثقافة جديدة لا تقبل الالحاق بالتراث القروسطي " ، إن هذه النتيجة تبدو جديدة في مناقشات الماركسيين ، فلم أقرأ فيما توفر لي من الكتب الماركسية على ما بها من سجالات وجدالات من يخير الآخر في المناقشة بين القبول بوجهة نظره أو النفي خارج الماركسية إلى جماعة دينية ، لكنها في الوقت ذاته تتفق مع تزمت الرفيق وتمترسه حول النصوص .

   وقد أتبعها بعبارات أخرى في مقال تال حول ذات الموضوع بعنوان " الإخونج المتمركسون " قال فيها : " إننا ننصح الاخونج المتمركسون بأن لا يلعبوا في مضمارنا لاننا سنسحقهم بلا هوادة " ، ويضيف في عبارة ثانية : " بئست هذه الشيوعية لا تصالح مع هذا التراث ولا مساومة على المبادئ النظرية و الايدولوجية و انا للاخونج المتمركسون بالمرصاد " ، ورغم تشدد الرفيق في رفضه للدين فإننا نلمح روح سلفية راسخة في عباراته[159] ، لكنها روح دينية معكوسة تتشبث بمحاولة تحويل الماركسية لدين بديل ومشكلة في قوالب جامدة يتهم من يخالفها بالهرطقة ويخير إما بالتراجع أو السحق بلا هوادة والطرد خارجها .

   لقد سعى الرفيق لنفي تهمة النصوصية عن نفسه في المقال : " و لنبين لهؤولاء المتحذلقين اين يمكن ان تكمن النصوصية في الممارسة . فالنصوصية يمكن ان تنطبق على من كانوا في الصين يسعون لاستنساخ اعمى للتجربة السوفييتية قبل قيادة الماويين الذين ادركوا ان الثورة في مجتمع شبه اقطاعي شبه مستعمر لا تنجز الا تحت قيادة الفلاحين كطبقة تشكل السواد الاعظم من الشعب ومن غير الممكن ان تقود البروليتاريا الثورة في هكذا مجتمع زراعي كونها غير متبلورة بصورة كافية وبالتالي لم تنضج شروط تثويرها ككتلة تاريخية لتضطلع بهذا الدور ـ المناداة في مجتمع كهذا بأن تقود البروليتاريا الثورة هي النصوصية ـ كون ان الامر متغير هنا ويخضع لخصوصية الصين ـ بينما الحديث عن الدين و دوره الاجتماعي كعنصر اساسي في البنية الفوقية لاي مجتمع طبقي هذا امر اساسي وثابت ولا يتغير في الماركسية. لذا فليوفر اصحابنا حذلقتهم و محاولتهم لي عنق الحقائق والالتفاف عليها " ، وأنا اتفق معه تماماً في المثال الذي ضربه فيما يتعلق بالصين ، بالرغم من أن ماو تسي تونغ وقيادة الحزب الشيوعي الصيني لم يبتعد عن آراء ماركس في أواخر حياته والتي برزت بشكل خاص في رسالته إلى فيرا زاسوليتش ، ورسالته إلى سورج ورد إنجلس على تكاتشف ، وأبدى تصوراته بأن الثورة الروسية ستقوم بالاعتماد على الفلاحين[160] ، وهو ما ينطبق لحد ما على التجربة الثورية الصينية ، أما اعتبار الموقف من الدين من الثوابت والأساسيات غير المتغيرة في الماركسية فهو ما أثبت عكسه سابقاً .

   لكن هذا الاستدلال الذي قدمه الرفيق لا ينفي نصوصيته حتى لو اتفقت معه في كون الموقف من الدين أمر أساسي وثابت ، على حد تعبيره ، إن النصوصية كحالة تتمثل في عدة مظاهر لعل أهمها فصلها عن واقعها زماناً ومكاناً ، واقتطاعها من سياقها التاريخي ، بالإضافة للنظرة الجزئية لها وتجاهل التطورات الحادثة بخصوص الموضوع ، والتطبيقات العملية للقادة الماركسيين والتي يمكن عن طريقها اكتشاف التفسير السليم لها .

   المظهر الثالث من مظاهر سيطرة النزعة البرجوازية الصغيرة هو الموقف غير العلمي من التراث الديني والذي يبرز في مقالات وتغريدات الرفيق كما لو كان موقفاً شخصياً وغير قائم على دراسة حقيقية للتاريخ العربي قبل الإسلام والتاريخ الإسلامي ، وهو يشبه لحد كبير موقف النخب البرجوازية الليبرالية والذي يخبئ حالة من الاستعلاء على الجماهير المؤمنة به ، وبالرغم من انتقاد الرفيق لهذه النخب ، إلا أنه في ذات الوقت يتخذ موقفاً يشبهها لحد كبير . فهو ، كما يبدو من مقاله ، لم يدرس التراث الإسلامي بصورة كافية ، وعندما ينتقد الحجاب وتعدد الزوجات اللذين قبلهما الإسلام في مجتمع عشائري أو مجتمع احتفظ ببقايا عشائريته الممتدة حتى وقتنا هذا ، فهو يستخدم ذات الآليات المنهجية التي تستخدمها الليبرالية ، ولا يمكن اعتبار هذه النظرة ماركسية ، حتى لو اتفقنا معه في انتقاد وضع المرأة بالمجتمعات الإسلامية ، لكن الفارق بين الماركسي والبروجوازي الليبرالي ، كما يعرف هو طبعاً ، أن الماركسي ينظر لمثل هذه القضايا بطريقة أكثر شمولية حيث يدرك تأثير الدوافع الاقتصادية والاجتماعية في صياغة مثل هذه الأوضاع ، وحتى لو خالفت الدين أحياناً .

   ولنأخذ الميراث والزواج كنموذج ، ففي صعيد مصر كانت الأسر حتى وقت قريب ترفض توريث الأرض للمرأة ، وتعطيها حقها في الميراث نقداً ، وهو مخالف للشريعة الإسلامية بكل تأكيد ، لكن الواقع العشائري في الصعيد والذي يعتبر ملكية الأرض معياراً للثروة والوجاهة الاجتماعية ، يخشى من انتقالها لسيطرة عائلة زوج المرأة عبر الميراث سواء للزوج أو الأبناء التابعين للأب من ناحية النسب ، وبالتالي برز تقليد آخر مرتبط بهذه الحالة وهو فرض الزواج بين أبناء وبنات العشيرة للحفاظ على ملكية الأرض ، مع فتح المجال للأبناء بالزواج مرات أخرى من بنات عائلات أخرى بهدف توسيع رقعة ملكية الأرض ، وهذا أيضاً مخالف تماماً للإسلام .

   لقد وجه الرفيق في مقاله انتقادات للدين بشكل عام رغم أن موضوع الحوار خاص بالتراث الإسلامي ، إلا أن انتقاداته أظهرت عدم دراية بالمعتقدات الدينية الإسلامية ومختلف الآراء فيها، ولا أدري السبب الذي دفعه لمثل هذه المغامرة خاصة أن موضوع المناقشة يرتبط بالتراث الثوري وليس بكل التراث الإسلامي أو حتى بالاعتقادات الإسلامية .

   يقول الرفيق في مقاله : " كما ان الدين في جانبه النصوصي الاصيل يرسخ الطبقية في المجتمع و يقسم الناس الى طبقات فكيف سننطلق من هكذا تراث لا يقطع مع استغلال الانسان للإنسان بل يدخل هذا الاستغلال الذي هو اساس تراكم الثروات في جزء من المجتمع من جهة و تراكم البؤس والاملاق في جهة اخرى ارزاقا ً من السماء ـ ويشرع الدين للمستغل بأن يتصدق بجزء من ما استغله من عرق وجهد العامل الفقير لتبارك له السماء في رزقه وتعطيه المزيد من فوائض القيمة من جهد وعرق العمال الذين يحثهم الدين على الصبر و القناعة فيما رٌزقوا به وعدم الحسد ـ هل هذه منظومة يبنى عليها في النضال الاجتماعي لتحرير الطبقات من العبودية و الإستغلال ؟! اضافة الى ذلك فإن العبودية و امتلاك العبيد مشرعنة بنصوص التراث الديني " .

   ومن الغريب أن الرفيق لم يستدل بأي نص على ما قاله ، ومع ذلك فأنا أتفق معه بأن الرؤية الرسمية للدين بداية من المرحلة الأموية حاولت ترسيخ الطبقية وشرعنة استغلال الفقراء ، لكن هذه الرؤية لم تكن الوحيدة المرتبطة بالدين وقد خالفتها رؤى أخرى كان أصحابها أكثر شرعية ودراية بالدين وإخلاصاً في إتباع النبي (ص) من الرؤية الرسمية التي اكتسبت انتشارها من قيام الدولتين الأموية والعباسية بشراء زمم الرواة[161] في مواجهة خصومها السياسيين ومحاولة تبرير ممارساتها .

   ثمة رؤية أخرى ترى في الطبقية استغلالاً وتعتبره جريمة ، وهي الرؤية التي تبناها عدد من أصحاب محمد (ص) كعلي بن أبي طالب وأبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود والذين بدورهم قادوا الثورة في مواجهة تسلط الأمويين في عهد عثمان وقاد أتباعهم لاحقاً الثورات والانتفاضات الاجتماعية ضد الأمويين ومن بعدهم العباسيين ، ومثل هذه الرؤية كان يجب ألا تكون غائبة عن وعي الرفيق وأن يتناولها في مناقشته حتى لو لم يقتنع بأصالتها الدينية .

   ونكتفي هنا بنصين أحدهما لأبي ذر الغفاري والآخر لعلي بن أبي طالب حول الطبقية والاستغلال ، فينقل ابن الأثير عن أسباب نفي عثمان لأبي ذر : " كان أبو ذر يذهب إلى أن المسلم لا ينبغي له أن يكون في ملكه أكثر من قوت يومه وليلته ، أو شيء ينفقه في سبيل الله ، أو يعده لكريم ، ويأخذ بظاهر القرآن : [ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ](التوبة/ 34) . فكان يقوم بالشام ويقول : يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء ، بشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاو من نار تكوي جباههم وجنوبهم وظهورهم ، فمازال حتى ولع به الفقراء بمثل ذلك وأوجبوه على الأغنياء ، وشكا الأغنياء ما يلقون منهم "[162] ، وفي هذا النص يجب أن ملاحظة أن حركة أبي ذر في الشام لم تتوعد الأغنياء بعذاب أخروي فقط وإلا لما أثارت غضب معاوية وأدت لطرده من الشام ، لكنها تطورت لقيادة الفقراء إلى التحرك الجماعي في مواجهة استغلال الأغنياء .

   ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن سبب نفي عثمان لأبي ذر من المدينة إلى الربذة هو خلافه حول الأغنياء والفقراء وبينما اعتقد كعب الأحبار ، ذو الأصول اليهودية ، أن من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه ، وسأعود لاحقاً لهذا الموقف ، فقد رفض أبو ذر هذا الرأي وعبر عن رفضه بشكل عنيف عبر ضرب كعب الأحبار وأصر على أن الأغنياء يجب أن يفرض عليهم بذل المعروف والإحسان للجيران والإخوان وصلة القرابات[163] .

   وبديهي أن ما يطلبه أبو ذر الغفاري (رض) أقل كثيراً مما تطمح إليه الشيوعية وتطالب به من القضاء أصلاً على الطبقات والاستغلال بشكل كامل ، بل يمكن القول بأنه كان أقل من طموحات الحركات الاجتماعية الشيعية اللاحقة عليه ، لكنه كان تقدمياً في زمنه وبحسب الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي عاصره[164] .

   النص الثاني للإمام علي بن أبي طالب ، وهو يبدو أكثر تنظيراً ووعياً بالتناقض بين الغني والفقير حيث يروى عنه قوله : " إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء ، فما جاع فقير إلا بما متع به غني ، والله تعالى سائلهم عن ذلك "[165] .

   وهنا لا يرى علي بن أبي طالب أن الفقر إرادة إلهية وإنما جريمة يرتكبها سعي الأغنياء لجمع الثروة عبر استغلال عمل الفقراء ، حيث يقول في كتابه لمالك الأشتر : " إنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها "[166] .

   يقول الرفيق في مقاله : " اما لو تطرقنا الى الجانب الفلسفي من الدين فإنه يقوم على قاعدة و ركيزة الثواب والعقاب الاساسية و التي تدفع كل متدين الى ان يكون برجوازيًا صغيراً ـ الثواب والعقاب ايضًا يعتبران العمود الفقري للدين وللتدين ـ فمن يطيع اوامر السماء فله اجر عظيم في الدنيا و الاخرة اما من لا يطيع السماء فله خزي في الدنيا وعذاب عظيم خالد فيه في الاخرة ـ هذ العمود الفقري للدين و التدين الذي يدفع كل من يعتنق الدين الى التفكير بـ "الخلاص الفردي" وهذا الخلاص الفردي يعتبر عنصر رئيسي في البنية الفلسفية للدين ـ لذلك كل متدين بالتحليل الاخير برجوازي صغير لا محالة كونه مجبول على الفردانية والانانية في اللاوعي الذي لديه و الذي ينسحب على كافة منطلقاته و تصوراته الحياتية " .

   لا يمكن هنا إنكار أن الثواب والعقاب من الركائز الأساسية في الدين ، بالرغم من أنني لا أعرف كيف تؤدي إلى تحول المؤمن لبرجوازي صغير ؟ بل وحتى كيف تؤدي إلى " الخلاص الفردي " على حسب تعبير الرفيق ؟ ولو كانت تؤدي للخلاص الفردي لأجبرت محمد (ص) ذاته على أن يبحث عن خلاص فردي كذلك كغيره من أتباع المعتقدات التوحيدية الذين لم يتعرضوا لأي اضطهاد لذات السبب ، ولا مجال هنا لإعادة ما سطرته سابقاً من الجانب الاجتماعي الثوري في الإسلام ، وبالرغم من أنني أتفق مع الرفيق بأن هناك من المتدينين من يفكرون بهذه الطريقة فعلاً وهم برجوازيين صغار ، لكن في المقابل أذكر الرفيق بالجدال الذي دار بين أبي ذر وكعب الأحبار حول الأغنياء والفقراء ، حيث تبنى كعب الأحبار الرأي المرسخ للحالة الفردية ، بينما رفض أبو ذر ، صحابي محمد المخلص ، هذا الرأي تماماً ، بما يعني أن للتدين حالات مختلفة يمكن أن تتواجد على أرضيته وليس فقط الحالة الفردية ، وبالنسبة لشخصيات مثل أبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وغيرهم الذين قادوا الثورة على الخليفة الثالث عثمان بن عفان تمثل الفردية ، بالمعنى الذي أشار إليه الرفيق ، خروجاً على رسالة النبي (ص) .

   يقول الرفيق : " وفي جانب فلسفي اخر للدين فهو يخالف الماركسية تماما ً في النظرة الى الانسان والى العالم ككل ـ فالدين يقزم من دور وقدرة الانسان و ينطلق من ان الانسان مجرد عبد خاضع للضرورة القدرية لا حول له ولا قوة وعليه ان يطيع السماء المتحكمة في مصيره لينعم بحياة النعيم في الدنيا و الاخرة وكل شيء مقدر و مكتوب مسبقًا " .

   كنت أتمنى أن يسعى الرفيق للاستدلال بأي نصوص لإثبات وجهة نظره ، بالرغم من أن هناك العديد من المتدينين الذي يفكرون بالطريقة التي تحدث عنها ، لكن رؤيته للقدر لا تمثل رؤية المسلمين بشكل عام ، حتى لو كانت منتشرة بشكل مكثف ، وثمة آراء أخرى في القدر متداولة بينهم ، وإنما تعبر هذه الرؤية عن المعتقدات التي راجت في المرحلة الأموية والعباسية لتبرير ممارسات الخلفاء وعبرت عنها فرقة المرجئة ، التي اعتقدت بالجبرية كثابت بن قطنة والجهم بن صفوان[167] .

   أما الرؤية الأخرى للقدر فقد تمثلت برؤية المعتزلة والشيعة وهي مختلفة تماماً ، فبالنسبة للمعتزلة فعقيدتهم في القضاء والقدر يعبر عنها القاضي عبدالجبار المعتزلي : " نقول أن الله تعالى قضى ما خلقه من الرخاء والشدة ، وغيرهما . فأما المعاصي والكفر فمعاذ الله أن يكون عز وجل خلقها وقضاها وقدرها إلا بمعنى أنه أعلمناها وأخبرنا عنها ، كما قال عز وجل [ وقضينا إلى بني إسرائيل ](الإسراء/ 4) ، بمعنى أعلمناهم . فأما أن يقال في ذلك أنه قضى بمعنى خلق وألزم فمحال . وكيف يصح أن يكون قد قضى الكفر ثم يعاقب عليه ؟ وكيف يجوز في قضاء الله عز وجل ولا يحل الرضى به ؟ "[168] .

   إن أهمية هذا التعريف للقضاء والقدر ، هو أنه يؤكد كون البشر خالقين لأفعالهم وليست مقدرة عليهم أو مجبرين على الإتيان بها بالمعنى الذي رفضه الرفيق ، أما القضاء كما يراه المعتزلة فهو القوانين الكونية التي تحرك العالم .

   بالنسبة للشيعة فلديهم تعريف مقارب ، حيث يقول الشيخ المفيد : " والوجه عندنا في القضاء والقدر بعد الذي بيناه في معناه أن لله تعالى في خلقه قضاءً وقدراً وفي أفعالهم أيضاً قضاءً وقدراً معلوماً ويكون المراد بذلك أنه قد قضى في أفعالهم الحسنة بالأمر بها وفي أفعالهم القبيحة بالنهي عنها ، وفي أنفسهم بالخلق لها ، وفيما فعله فيهم بالإيجاد له ، والقدر منه سبحانه فيما فعله إيقاعه في حقه وموضعه ، وفي أفعال عباده ما قضاه فيها من الأمر والنهي والثواب والعقاب ، لأن ذلك كله واقع موقعه ، موضوع في مكانه "[169] .

     ومعنى ما ذكره الشيخ المفيد أن القضاء في أفعال العباد يمثل التشريعات الدينية المنزلة في الكتب المقدسة ، والقوانين المادية التي يتحركون في إطارها ، أما القدر فهو يمثل تكامل هذه القوانين والتشريعات ، بما يعني أن دور الإنسان ليس قزمياً ولا خاضعاً للضرورة القدرية كما يقول الرفيق في مقاله .

   لست في معرض القيام بدعاية للإسلام ، فهو معتقد يدين به أكثر من مليار إنسان واقتصار الرفيق ، الذي يعيش في مجتمع يدين غالبيته بالإسلام ، في رؤيته لهذا الدين على ما هو متداول بين الناس عبر المؤسسات الرسمية التي تستهدف نشر هذه النوعية من المعتقدات التخديرية ، لا يصح حتى في إطار محاولته لنقد الإسلام ذاته . وهنا تقتضي المنهجية العلمية أن يكون الرفيق ملماً جدا بالمعتقدات الإسلامية وتنوعاتها إن أراد بالفعل أن يقوم بهذا الدور ، وذلك عملاً بقول الزعيم ماو تسي تونغ : " إذا لم تجروا تحقيقا حول إشكال ما ، سنحرمكم من التحدث عنه. هل هذه قسوة؟ لا أبدا فمادمتم تجهلون عمق الإشكال ، لأنكم لم تجروا تحقيقا حول وضعه الحالي وحول تاريخه ، لن ترددوا عنه سوى الحماقات . والحماقات كما يعرف الكل ، لن تحل الإشكالات . فما الخطأ إذن في حرمانكم من الحق في الكلام عن هذا الإشكال ؟ والحال أن كثيرا من الرفاق لا يقومون إلا بالتخريف بعيون مغلقة ، إن هذا مخجل بالنسبة للشيوعيين ! كيف يمكن لشيوعي أن يتحدث هكذا بطيش ، بعيون مغلقة . هذا غير مقبول ! قوموا بالتحقيقات ! ولا تنطقوا بالحماقات "[170] .

   ثمة مظهر رابع وملحوظ على كتابات الرفيق بشكل عام ويتمثل في خضوعه الذهني الواضح للأورومركزية بحيث يطالب في مقاله بضرورة احتذاء هذا النموذج الغربي : " اوروبا بعد قيام دولة فيستفاليا تطورت بعد ان حيدت الدين جانبًا و وضعته في نطاقه الكنسي ولم تسمح بإستغلاله ـ من هنا تطورت المجتمعات الاوروبية لتصبح مجتمعات رأسمالية حديثة بعد أن كانت مجتمعات اقطاعية يسودها الجهل و التخلف القروسطي في ظل الحكم الاقطاعي الثيوقراطي لان تسييس الدين اساس كل تخلف اجتماعي لذا نجد أن أكثر المجتمعات تخلفًا وجهلا ً هي المجتمعات المتدينة في العالم الثالث ـ أينما وجد وتركز الدين كان المجتمع متاخرا ً هذا قانون مثبت على ارض الواقع . لذلك الدين لا يمكن ان يكون فاعلا ً في حركة التحرر والانتصار النهائي و الارتقاء الثوري للمجتمع نحو الاشتراكية بل ان الارتقاء الاجتماعي يتطلب تحجيم وتحييد هذا الدين وحصره في نطاقه الفردي الضيق ـ بدلا ً من تسييسه والبناء عليه " .

   وإذا ما تجاوزنا عن أنني لم أطالب أصلاً بتسييس الدين ، كما أنه لا علاقة بين أن يكون الدين مسيساً وبين أن يكون ذا فاعلية في حركة التحرر القومي أو الوطني ، فإن مطالبة الرفيق بضرورة السير على خطى التطور الغربي ليس صحيحاً بل وليس ممكناً كذلك ، والأهم أن اتهامه الضمني للإسلام بكونه سبب تخلف العالم العربي ليس سوى نقل لأطروحة التمركز الأوروبي التي ترى أن : " الفكر الغربي قد أثبت تفوقه ، وأن هذا التفوق ناتج خصوصياته "الأصلية" (وبعضهم يردون هذه الخصوصيات للمسيحية ، وآخرون لتفوق العرق الأوروبي ... الخ) التي ضمنت منذ البدء احتمال التقدم ، وهو احتمال غائب عند الشعوب الأخرى . فلا مستقبل لهذه الشعوب إلا إذا تخلوا بالجملة عن هويتهم وخضعوا لتغريب شامل "[171] . وهو ما رفضه الدكتور سمير أمين في كتابه الهام " نحو نظرية للثقافة " حيث يقول : " إن الأطروحة التي قدمتها في هذا الصدد ترفض فكرة أن هناك "ثقافات" – الإسلامية والهندوكية على سبيل المثال – تقف عقبة مطلقة تحول دون إنجاز الثورة اللازمة من أجل مواجهة تحديات العصر . فهذه هي أطروحة التمركز الأوروبي المرفوضة منا أصلاً . على عكس ذلك رأينا أن الإسلام يمتاز بالقدر من المرونة اللازمة التي تسمح له مبدئياً بإنجاز هذه الثورة "[172] .

   إن هذه الحالة الخاضعة تماماً لفكرة التمركز الأوروبي تكاد تكون عامة لدى غالبية البرجوازية العربية المتأوربة في ثقافتها وهو ما أدى لعدم قدرتها على قراءة واقعها بشكل عملي ، وتضع تراتبية التطور الأوروبي (الغرب الأوروبي خصوصاً) نصب أعينها ، كما تحاول بشكل متعسف تطبيقها على الواقع الشرقي . وربما كانت هذه السلبية من أهم أسباب فشل التيارات الماركسية في العالم العربي كونها لم تتخلص حتى الآن من نظرتها الأورومركزية ، وهذا ما اعتبره دكتور سمير أمين سلبية عامة تشترك فيها كل التيارات السائدة في التفسير الماركسي[173] .

   لا أنوي هنا التوسع في تعداد مظاهر النزعة البرجوازية في مقالتي الرفيق ، فالأمر ليس شخصياً ولا يحتمل تبادل اتهامات ، كما يجب التأكيد على أن هذا النقد هو نقد رفاقي بحت ولا يحمل أي تقليلاً منه أو من وجهة نظره على الإطلاق .

   خاتمة :

   بالرغم من أنني اعتمدت في ردي على ما طرحه الرفيق في مقالتيه ، فإن هذا الرد ليس موجهاً له وإنما لكامل الرؤية التي تسعى لتجاهل الواقع مستندة إلى النصوص بطريقة سلفية في جوهرها الأمر الذي يؤدي بالفعل إلى تمريغ أنوف رموز الشيوعية بالتراب ، عبر استخدام نصوصهم وخلاصة علمهم وتجاربهم في قوالب جامدة وجاهزة للنثر في وجه كل من يحاول تطبيق منهجهم على واقعه .

   إن من أهم مميزات الماركسية اللينينية الماوية هو وعيها بأهمية الخصائص القومية والظروف المحددة لكل بلد في تطبيقاتها ، وهو ما أشار له ماو تسي تونغ : " إن الشيوعيين هم ماركسيون أمميون ، ولكننا لا نستطيع أن نطبق الماركسية بنجاح إلا إذا ربطناها بالخصائص المحددة لبلادنا ووضعناها في قالب وطني محدد . إن قوة الماركسية اللينينية العظمى تكمن بالتحديد في أنها مرتبطة بالممارسة الثورية المحددة للبلدان المختلفة . وهذا يعني بالنسبة إلى الحزب الشيوعي الصيني ضرورة تعلم كيفية تطبيق النظرية الماركسية اللينينية على الظروف المحددة للصين "[174] .

   إن من خصائص الأمة العربية ، وربما الشرق الإسلامي بصورة عامة ، كون نضال شعوبه في مواجهة الاستعمار الأوروبي سابقاً والسيطرة الأمريكية حالياً قد ارتبط بالدين بشكل أو بآخر ، وهو ما تنبه له لينين كما أشرت في الحالة الإندونيسية ، بل أن المظلة الدينية تمكنت من استيعاب الروح القومية لدى الشعوب المسلمة ولم تصطدم معها ، ومن هنا فقد كان من الضروري للحركات والأحزاب الماركسية التي وعت تماما ظروف وطبيعة بلدانها أن يكون موقفها من الدين إيجابياً ، بل وأن تستخدم تراثه في أحيان كثيرة من أجل توعية الجماهير المؤمنة بأن الحالة الثورية ليست منبوذة في الإسلام ولا في تراثه ، وقد عبر أستاذنا الدكتور محمود إسماعيل عبدالرازق[175] في مقدمته الطبعة الخامسة من كتابه الهام " الحركات السرية في الإسلام " عن أهمية العودة للتراث الثوري كبرهان على مشروعيته[176] : " لقد استهدفت بإصدار الكتاب آنئذ غايتين أساسيتين ؛ الأولى نضالية عن طريق العودة إلى التراث الثوري الإسلامي ورصد نماذج من قوى المعارضة في الإسلام بتبيان الظروف الصعبة التي عاركتها على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الفكرية ، وكيف أمكن تجاوزها بعد الاختيار الموفق لأسلوب العمل السري المنظم توطئة للثورة الاجتماعية المظفرة . وهو أمر فطن إليه أحد الخصوم – الذين حاورهم المؤلف آنذاك – حين ذهب إلى أن الكتاب بمثابة "مانفيستو" للشباب الثوري قصد به "التحريض" والاستجاشة والدعوة للعمل السياسي في الدهاليز والسراديب "[177] .

   إن الإسلام يختلف بوضوح عن الديانات الأخرى التي سادت في الشرق كاليهودية ، المسيحية ، البوذية ، الكونفوشيوسية والطاوية ، فقد عبرت اليهودية منذ بدايتها عن طموحات قبلية للسلالة العبرانية[178] ، ورغم انتشارها كدين بين شعوب أخرى ومن بينها العرب فإن اليهود استمروا في تسميتهم بالدخلاء وحتى في العهد الجديد[179] ، وخلال تاريخ اليهودية لا يبدو أنها حاولت تغيير واقع المجتمعات القبلية والعشائرية بشكل ملحوظ . والمسيحية في بدايتها يبدو أنها كانت موجهة لأسباب أصلاحية خاصة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والدينية لبني إسرائيل : [ ثم خرج يسوع من هناك وانصرف إلى نواحي صور وصيداء وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة : ارحمني ، يا سيد، يا ابن داود ابنتي مجنونة جدا فلم يجبها بكلمة . فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين : اصرفها ، لأنها تصيح وراءنا فأجاب وقال : لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة فأتت وسجدت له قائلة : يا سيد ، أعني فأجاب وقال : ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب فقالت : نعم ، يا سيد والكلاب أيضا تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها حينئذ أجاب يسوع وقال لها : يا امرأة ، عظيم إيمانك ليكن لك كما تريدين ](متى 15/ 21-28) ، لكن من الواضح أن عدم تقبل بني إسرائيل لدعوة المسيح بسهولة قد دفعته إلى تحريض تلامذته على دعوة جميع الأمم : [ فتقدم يسوع وكلمهم قائلا: دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به . وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر ](متى 28 / 18 – 20)  ، على أن رفعة شأن المسيحيين ذوي الأصل اليهودي استمرت لفترة كما يبدو من سفر رؤيا القديس يوحنا[180] .

   وقد انتشرت المسيحية خلال القرون الميلادية الأولى بشكل سلمي ولم تتبنى أي محاولة ثورية في مواجهة الدولة الرومانية رغم ما تعرض له أتباعها من اضطهاد ، حتى تم الصلح بين الطرفين بموجب مرسوم ميلان سنة 313 م الذي أصدره الإمبراطور قسطنطين[181] .

   أما الديانات الكونفوشيوسية والطاوية وحتى البوذية فهي لم تكن سوى فلسفات أخلاقية وإصلاحية ، وتم التعامل معها لاحقاً كمذاهب دينية بالرغم من أنها لا تتطرق ، خاصة الكونفوشيوسية ، للمسائل الدينية التقليدية كالإله والخلق والبعث ... الخ[182] ، وهي في ذات الوقت لم تمارس أي عمل ثوري تغييري للمجتمع بالرغم من رفض بعضها للأوضاع الطبقية السائدة ، كالبوذية والجينية مثلاً حيث رفضت كلاهما التقسيم الطبقي التقليدي في الهند ، وإن كانت البوذية قد قسمت المجتمع إلى طبقات بناء على المعرفة والسلوك[183] .

   من الواضح إذن أن الإسلام كان مختلفاً في دعوته ومبادئه وحتى في مسيرته وتطوراته ، فتحوله سريعاً إلى دين ودولة ، كما يشير العفيف الأخضر[184] ، ليس مسبة له ولا انتقاص ، وإنما تحول فرضه الواقع والضرورة ، بل على العكس يمثل هذا التحول ميزة إيجابية ، فقد تمكن من تحقيق العديد من المنجزات التي أشرت إليها في هذا المقال ، لكن مع تمكنه من تحقيق هذه المنجزات ومن بينها انتشاره الواسع بالقارات الثلاث وعلى رقعة متلاحمة لحد ما من الأرض في أفريقيا وآسيا أدى لتحوله إلى مظلة النضال المشترك بين كافة شعوبه التي خضعت في معظمها للإمبريالية الغربية ، ولا زالت تعاني من ذات النهب والاستغلال ومحاولات التشويه الثقافي الغربي وبالتالي كان الإسلام وتراثه ، أياً يكن رأي الرفيق فيهما ، هما من أهم متاريس الدفاع عن استقلال دوله وشعوبه الشرقية من السقوط الكامل أمام الاحتلال الغربي .

   لا أدري لو كان الرفيق قد تساءل سابقاً عن أسباب نجاح حزب الله في مهمة تحرير الجنوب اللبناني من التواجد الصهيوني ، بينما فشل الشيوعيون والقوميون (عرب وسوريون) في هذه المهمة رغم التضحيات المقدمة ؟ بل هل تساءل عن أسباب نجاح الإمام الخميني في حشد الجماهير الإيرانية خلف قيادته وإسقاط الشاه بينما فشل حزب توده وغيره من المجموعات الماركسية في هذه المهمة رغم خبرتها السياسية وعراقة تنظيماتها ؟!

   إن الإجابة عن هذين التساؤلين ليست صعبة إذا ما تم تحليل الواقع الشرقي بعيداً عن النظرة الأورومركزية ، والقوالب الجاهزة التي يستخدمها أتباعها دون وعي ، وهنا أقول للرفيق بغض النظر عن النصوص الماركسية التي نقلها أو عن رأيه في الإيمان الديني ، وكنتيجة واضحة لهذا المقال : إنه لا يمكن أن تنجح أي حركة تحررية في الشرق الإسلامي والعربي أو أي محاولة للوحدة العربية دون الإسلام أو على الأقل دون التعامل الواعي بل والإيجابي مع تراثه الثوري . ومحاولة تجاهل هذه الحقيقة الواقعية سوف تجعل الماركسية تظل مجرد نظرية أكاديمية تتبناها بعض النخب المثقفة والمنعزلة تماماً عن الجماهير وواقعها .

أحمد صبري السيدعلي

المنصورة : 30 يونيو 2020



[1] لاحقاً كتب ذات الرفيق مقالاً آخر بعنوان [ الإخونج المتمركسين ] في إطار ذات السجال ، ولكنه لم يضف إليه جديد بل يمكن اعتباره تلخيصاً للمقال الأول

[2] العفيف الأخضر، كاتب تونسي ولد في عام 1934 ، وعمل بالمحاماة بداية من العام 1957 وحتى عام 1961 ، وقد انضم في بداياته إلى الحزب الحر الدستوري الجديد والذي تغير اسمه في العام 1964 وحتى سنة 1988 إلى الحزب الاشتراكي الدستوري . عقب استقلال الجزائر انتقل العفيف الأخضر إليها ثم غادرها للإقامة بالعاصمة اللبنانية بيروت عقب انقلاب الرئيس هواري بومدين سنة 1965 ، وانتقل أخيراً للإقامة في فرنسا بداية من العام 1979 وحتى وفاته ، حظى العفيف الأخضر بشعبية كبيرة بين صفوف اليسار في السبعينات والثمانينات لكنه تحول إلى الليبرالية عقب تفكك الاتحاد السوفيتي وسقوط الكتلة الشرقية ، والمشترك الوحيد بين آرائه اليسارية واليمينية هو العداء للدين وخاصة الإسلام . ولكن بشكل عام كان من الواضح أن عدوانية العفيف الأخضر ليست في مواجهة التراث الإسلامي ككل ولكن في مواجهة التراث السني بشكل خاص بدليل احتفائه بهذا التراث الثوري كذلك وخاصة التراث الثوري الإسماعيلي ، بالرغم من اعتباره إياه هرطقة خارجه عن الإسلام وهذا من أحكامه المتعسفة والمزاجية كما سيظهر .

[3] سوف أناقش من خلال المقال المدلول الطبقي لمثل هذه الاتهامات وخاصة تهمة الهرطقة المزعومة .

[4] هذا النقد لا يمثل تقليلاً من مجهودات الرفيق خاصة أنني قرأت له مقالاً في ذات الموضوع بموقع الحوار المتمدن لكنه كان أكثر اتزاناً ووضوحاً ووعياً من هذا المقال .

[5] كارل شابر . أيها البروليتاريون . ملحق بكتاب مبادئ الشيوعية . دار الفارابي . الطبعة الرابعة . بيروت 2015 . ص 78 . استخدم كارل شابر هذا المثال في تحذير الشيوعيين من الصراعات الداخلية التي تنشب بينهم .

[6] لينين . مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية . طبع ضمن المختارات (1919 – 1920) . ترجمة / دار التقدم . دار التقدم . موسكو 1978 . المجلد التاسع ص 494 .

[7] ماو تسي تونغ . حول تكتيك مناهضة الإمبريالية اليابانية . طبع ضمن مؤلفات ماو تسي تونغ المختارة . دار النشر باللغات الأجنبية . الطبعة الثانية . بكين 1977 . ص 242 .

[8] ماو تسي تونغ . م . س . ص 241 . يشير ماو إلى هذه المجموعة بقوله : " أما دعاة تكتيك الباب المغلق فيقولون أن هذه الأقوال السالفة الذكر كلها خاطئة ، فلابد أن تكون القوى الثورية نقية كل النقاوة ، كما أن طريق الثورة يجب أن يكون مستقيماً غاية الاستقامة " .

[9] لينين . ماركس – إنجلس – الماركسية . ترجمة / إلياس شاهين . دار التقدم . موسكو 1974 . ص 8 . التقى ماركس برفيقه انجلس سنة 1844 في باريس .

[10] كارل ماركس وفريدريك إنجلس . البيان الشيوعي . مراجعة : د. أسامة دليقان ومروان صقال . دار الطليعة الجديدة . الطبعة الأولى . دمشق 2016 . ص 74 .

[11] م . س . ص 75 . سوف أناقش لاحقاً دلالة النصين .

[12] ماركس . نقد فلسفة الحقوق عند هيجل . مطبوع ضمن كتاب حول الدين . ترجمة / ياسين الحافظ . دار الطليعة . الطبعة الثانية . بيروت 1981 . ص 45 .

[13] م . س . ص 44، 45 .

[14] فريدريك إنجلس . حرب الفلاحين في ألمانيا . تعريب / محمد أبو خضور . دار دمشق للطباعة والنشر . دمشق (بدون ذكر تاريخ الطبع) . ص26 .

[15] م . س . ص60 .

[16] م . س . ص63 .

[17] م . س . ص63 .

[18] ماركس وإنجلس . م . س . ص 75 .

[19] إنجلس . م . س . ص 46 .

[20] إلياس مرقص . الماركسية والشرق 1850 – 1918 (ماركس . إنجلس . لينين) . دار الطليعة . بيروت 1968 . ص240 .

[21] م . س . ص 246 .

[22] م . س . ص 242 .

[23] جواد علي . المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام . طبعة جامعة بغداد . الطبعة الثانية . (بدون ذكر مكان الطبع) 1993 . ج 4 ص 5، 6، 9، 10 . بحسب رأي الدكتور جواد علي فإن مكة ذاعت شهرتها بين العرب في القرن الثاني الميلادي بسبب تواجد الكعبة كبيت مقدس عند العرب وممارسة أهلها للتجارة ولاحقاً وبداية من القرن السادس الميلادي احتكر المكيين التجارة على الطريق الغربي وسيطروا على حركة النقل في الطرق المهمة التي تربط اليمن ببلاد الشام والعراق ، إلا أن هذا الرأي لا يعد رأياً نهائياً بكل تأكيد وإنما تقريبياً وخاصة فيما يتعلق ببداية سيطرة المكيين على التجارة في الطريق الغربي منذ القرن السادس ، فالواقع أن المؤشرات التاريخية العربية تؤكد أن هذه السيطرة بدأت في فترة أسبق ، ولكن في كل الأحوال فإن مكة كانت منذ البداية نتيجة وجودها على طرق التجارة بين اليمن والشام والعراق مدينة حضرية ولم تكن قبائلها من الأعراب أو البدو .

[24] م . س . ج 4 ص 128 – 133 . يشير الدكتور جواد علي إلى انتشار الزراعة في يثرب نظراً لوفرة المياه بها كما يشير إلى أنها كانت تشبه الحيرة بالعراق من حيث خلوها من الأسوار وتكونها من قصور وحصون مبنية من الحجارة .

[25] إلياس مرقص . م . س . ص 254 .

[26] م . س . ص 150، 151 .

[27] لينين . نصوص حول الموقف من الدين . ترجمة / محمد كبة . مراجعة / العفيف الأخضر . دار الطليعة للطباعة والنشر . الطبعة الأولى . بيروت 1972 . ص 111 .

[28] لينين . استيقاظ آسيا . مقال منشور بالمختارات . ترجمة / إلياس شاهين . دار التقدم . موسكو 1976 . مجلد 5 ص45 .

[29] إلياس مرقص . م . س . ص 242 . يقول ماركس في رسالته لإنجلس بتاريخ 2 يونيو 1853 : " فيما يتصل بالدين ، تحل المشكلة نفسها في مسألة هي مسألة عامة وبالتالي سهلة الجواب : لماذا يظهر تاريخ الشرق في صورة تاريخ أديان ؟ " .

[30] ماتيو رونو . لينين تعامل مع الإسلام بصفته دين أمة مضطهدة . حوار مع وليد شرارة ومحمد بلوط . نشر بموقع الحوار المتمدن . عدد 5914 . بتاريخ 25 يونيو 2018 . شوهد بتاريخ 10 يونيو 2020 . متاح من الرابط : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=603503

[31] محمد الحسن . مائة عام من النسيان : ثورة أكتوبر ، والبلاشفة المسلمون ! . مقال بموقع ميسلون . منشور بتاريخ 7 نوفمبر 2017 . شوهد بتاريخ 10 يونيو 2020 . متاح من الرابط : http://maysaloon.news/الأخبار/858-مائة-عام-من-النسيان-ثورة-أكتوبر،-والبلاشفة-المسلمون.html

[32] جون زيديل . نيويورك تايمز: ما الذي قتل مستقبل الشيوعية الإسلامية ؟ . ترجمة / أحمد عيشة . مقال بموقع جيرون . نشر بتاريخ 14 أكتوبر 2017 . شوهد بتاريخ 10 يونيو 2020 . متاح من الرابط : https://geiroon.net/archives/98139 . يجب الإشارة إلى أنني لجأت للترجمة الواردة في الموقع لنص تان مالاكا مع رفضي لتوجهات الموقع والتحليلات والآراء الواردة في المقال بشكل عام .

[33] مؤيد شاكر الطائي . كيف عرف العراقيون ثورة أكتوبر 1917 ؟ . مقال بموقع المدى . منشور بتاريخ 21 أغسطس 2016 . شوهد بتاريخ 10 يونيو 2020 . متاح من الرابط :

 http://almadasupplements.com/news.php?action=view&id=16345#sthash.USiu7Sjz.dpbs . يذكر أن الدكتور مؤيد الطائي أنكر في ذات المقال وجود فتوى الميرزا الشيرازي حول البلشفية بالرغم من أن الوثائق البريطانية ذكرتها ، ومن الممكن أن يكون الميرزا الشيرازي قد تحدث بمدى صداقة البلاشفة للإسلام أو للشعوب الإسلامية أثناء درسه الحوزوي على طلابه ولم يصدر فتوى موثقة بهذا الشأن لكن ذكرها في الوثائق البريطانية يؤكد أنها كانت متداولة في كربلاء .

[34] عبدالقادر ياسينالحركة الشيوعية المصرية . طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب . الطبعة الأولى . القاهرة 2012 . ص 19 .

[35] وانغ ليان فانغ . إهتمام ماو تسي تونغ بالأقليات القومية . نشر ضمن كتاب ماو تسي تونغ. سيرة حياة ، تقييم ، ذكريات . دار النشر باللغات الأجنبية . الطبعة الأولى . بكين 1989 . ص 260

[36] وانغ لنغ قوي . القصة الكاملة للإسلام في الصين . ترجمة / رشا كمال . مراجعة / أحمد السعيد . أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي . الطبعة الأولى . القاهرة 2015 . ص 412 .

[37] رضا مقني . اليسار التونسي والقضية الفلسطينية 1947 - 1988 . دار حشاد للنشر . الطبعة الأولى . تونس 2018 . ص 119 .

[38] ماو تسي تونغ . دور الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الوطنية . طبع ضمن مؤلفات ماو تسي تونغ المختارة . دار النشر باللغات الأجنبية . الطبعة الأولى . بكين 1969 . ج 2 ص 291 .  

[39] م . س . ج 2 ص 291 .

[40] ماو تسي تونغ . حول الديمقراطية الجديدة . طبع ضمن مؤلفات ماو تسي تونغ المختارة . دار النشر باللغات الأجنبية . الطبعة الأولى . بكين 1969 . ج 2 ص 530 .

[41] م . س . ج 2 ص 530 .

[42] م . س . ج 2 ص 531 .

[43] م . س . ج 2 ص 531 .

[44] م . س . ج 2 ص  532 .

[45] م . س . ج 2 ص 532 .

[46] م . س . ج 2 ص 532، 533 .

[47] م . س . ج 2 ص 515، 516 .

[48] م . س . ج 2 ص 532، 533 .

[49] ماركس . نقد فلسفة الحقوق عند هيجل . م . س . ص 34 .

[50] م . س . ص 34 .

[51] إنجلس . مبادئ الشيوعية . طبع ضمن كتاب البيان الشيوعي . م . س . ص 152 .

[52] كارل ماركس . رأس المال .. تطور الإنتاج الرأسمالي . طبع ضمن كتاب حول الدين . م . س . ص 104 .

[53] هذا التوقع يعود للكاتب وليس لماركس أو إنجلس .

[54] لينين . الاشتراكية والدين . طبع ضمن كتاب نصوص حول الموقف من الدين . م . س . ص 84، 85 .

[55] إنجلس . أدب المهاجرين (مقتطفات من المقال الثاني) . طبع ضمن كتاب حول الدين . م . س . ص 108، 109 .

[56] إنجلس . ضد دوهرينغ . طبع ضمن كتاب حول الدين . م . س . ص 114 .

[57] لينين . حول موقف حزب العمال من الدين . م . س . ص 105 .

[58] يجب الإشارة هنا إلى أن كارثة انتخاب مرشح الإخوان المسلمين كرئيس لمصر تمت نتيجة قدرة جماعته على حشد أنصارهم في الريف أثناء الانتخابات ، كون شعبيتهم وشعبية المجموعات السلفية الأخرى وحتى الجهادية منها تعتمد على تواجدهم القوي في كل الريف المصري تقريباً ، هذا بالإضافة لدور الأزهر كمؤسسة رسمية والطرق الصوفية .

[59] لابد من الإشارة إلى أن الإسلام لا يعترف بفكرة المؤسسة على غرار الكنيسة في المسيحية ، ولم تبدأ محاولات مأسسته إلا في عهد الدولة الأموية كنتيجة للصراع مع المجموعات الدينية المعارضة كالشيعة والخوارج والتي كانت حججها وما تتبناه من تفسيرات للقرآن ومرويات عن النبي (ص) أكثر قوة وشرعية من الأمويين والذين بدورهم يمتلكون تراثاً كبيراً في العداء للنبي (ص) ودعوته ، ومع ذلك وحتى هذه اللحظة لا يمكن لأي مؤسسة دينية مهما بلغت قيمتها الادعاء بأن لديها سيطرة مطلقة على جموع المؤمنين ، بل أن المعتاد في الشارع المصري هو رفض غالبية الجماهير لفتاوى رجال الدين المرتبطين بالدولة .

[60] مكسيم رودنسون . الماركسية والعالم الإسلامي . ترجمة / كميل داغر . دار الحقيقة . الطبعة الثانية . بيروت 1982 . ص 80 . من الضروري الإشارة إلى رفضي لتوجهات الفرنسي مكسيم رودنسون السياسية إلا هذا لا ينفي أهميته فيما يتعلق بالتاريخ الإسلامي ، وقد أشرت سابقاً لرؤية ماركس وإنجلس الإيجابية للإسلام ، وسوف أتناول لاحقاً نشأة الإسلام وحقيقته الثورية .

[61] لينين . موقف حزب العمال من الدين . م . س . ص 105 .

[62] لينين . الاشتراكية والدين . م . س . ص 86 .

[63] م . س . ص 86 – 88 .

[64] لينين . موقف حزب العمال من الدين . م . س . ص 107 .

[65] م . س . ص 107 .

[66] م . س . ص 101، 102 .

[67] إنجلس . أدب المهاجرين . م . س . ص 108، 109 .

[68] في مقاله الاشتراكية والدين ، يكشف أحد نصوص لينين بعض خلفيات هذا الموقف من الكهنة المسيحيين : " إن عامل اليوم الواعي الذي كونته الصناعة الكبرى وثقفته المدينة يرفض باحتقار الأوهام الدينية ، يترك السماء للكهنة والبرجوازيين المنافقين وينكب على كسب حياة أفضل على هذه الأرض " وربما يشير هذا النص للينين إلى اعتباره أن التحاق الكهنة بالحزب البروليتاري قد يمثل اختراق كنسي لصفوف الحزب يسعى لتحطيمه من الداخل خاصة مع تبعية الكنيسة للدولة القيصرية . لينين . الاشتراكية والدين . م . س . ص 84 .

[69] أحمد صبري السيد علي . الظاهرة السلفية في المجتمع المصري بعد الثورة . دراسة بمدونة بهزاد . نشرت بتاريخ 5 ديسمبر 2011 . شوهدت بتاريخ 13 يونيو 2020 . متاحة من الرابط :

http://ahmadsabryali.blogspot.com/2013/07/blog-post.html .

[70] من الضروري الإشارة إلى أن هذه السيطرة ليست مطلقة أو نافذة ، بل ليست متواجدة نتيجة اعتقاد المؤمنين بقيمة هذه المؤسسات وإنما نتيجة كونها الصوت الديني الوحيد المتاح ، ومن هنا جاءت شعبية بعض الكتاب والإعلاميين الذين كان لهم موقف وآراء دينية مستقلة ومعظمهم من الليبراليين مثل المستشار محمد سعيد العشماوي والإعلامي إسلام البحيري .

[71] أشير إلى عمليات القمع الديني التي واجهت الشيعة والأحمدية القاديانية والبهائيين والقرآنيين في فترات مختلفة من عهد مبارك ، وبالرغم من أن الفترة الأخيرة ، وعقب كارثة قرية أبو مسلم والتي شهدت سحل وذبح 4 من أبناء المذهب الشيعي سنة 2013 بتحريض من الإخوان المسلمين والسلفيين ، لم تشهد أي اضطهاد منهجي لهذه الطوائف ، إلا أنها كذلك لم تشهد انفتاحاً فيما يتعلق بحقوقها في ممارسة شعائرها بحرية .

[72] لينين . بصدد الجملة الثورية . ترجمة / إلياس شاهين . دار التقدم . موسكو (بدون ذكر تاريخ الطبع) . ص 23 .

[73] Mao Tes-Tung, 1978 :  INAUGURAL STATEMENT OF " HSIANG-CHIANG P " ING-LUN ", COLLECTED WORKS OF MAO TSE-TUNG (1917-1949) , V 1-2, P 15,  S:

http://www.marxists.org/reference/archive/mao/works/collected-works-pdf/volume-1.pdf . اعتمدت هنا على ترجمة الرفيق محمد الحسن وله كل التقدير على هذه المساعدة

[74] إذا تم تفسير النص بحسب طريقة الرفيق .

[75] إنجلس . حرب الفلاحين في ألمانيا . م . س . ص 54 ، 55 .

[76] الأزرقي ، محمد بن عبدالله بن أحمد . أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار . تحقيق / رشدي الصلح ملحس . دار الأندلس . الطبعة الثالثة . بيروت 1983 . ص 36، 37، 52، 53، 55، 57 – 61، 85 .

[77] يشار إلى أن الغالبية العظمى من المرويات التي اعتمد عليها الأزرقي غير مروية عن النبي (ص) .

[78] جواد علي . م . س . ج 1 ص 345 – 347 .

[79] م . س . ج 4 ص 12 .

[80] م . س . ج 4 ص 5 .

[81] الأزرقي . م . س . ج 1 ص 100، 101 . المسعودي ، علي بن الحسين . مروج الذهب ومعادن الجوهر . تحقيق / محمد محي الدين عبد الحميد . القاهرة 1967 . ج 1 ص 326. تشير المرويات إلى أن عمرو بن لحي هو من أتى بالصنم هبل من شمال الجزيرة العربية في الشام أو الجزيرة وقام بنصبه بجوار الكعبة وبالرغم من أن هذا النوع من العبادة كان منتشر باليمن إلا أن ما ورد بهذه المرويات قد يكون إشارة لعلاقاته التجارية مع هذه المناطق .

[82] حسن بيرنيا . تاريخ إيران القديم . ترجمة / محمد نور الدين عبدالمنعم ، السباعي محمد السباعي . مراجعة / يحيى الخشاب . دار الثقافة للنشر والتوزيع . الطبعة الثانية . القاهرة 1992 . ص 187 – 191 . في العام 53 قبل الميلاد نشب الصراع العسكري بين دولة البارثيين في إيران والدولة الرومانية ولم ينتهي الصراع بين الطرفين رغم التطورات السياسية إلا بعد ظهور الإسلام . وقد شارك ملك أرمينيا في هذا الصراع بدعم الروم .

[83] البلاذري ، أحمد بن يحيى . أنساب الأشراف . تحقيق / محمد حميد الله . دار المعارف . الطبعة الثالثة . القاهرة 1987 . ص 59 . المسعودي . م . س . ج 1 228، 229 .

[84] م . س . ج 1 ص 59 .

[85] عباس المهاجر . أسواق مكة والمدينة . نشر كمقال ضمن مجلة ميقات الحج الفصلية . تصدر عن منظمة الحج والزيارة . تهران 1417 ه.ق . مجلد 1 ص 175 – 182 . والإشارة في الصفحات إلى الأسواق الثلاث الأكثر أهمية كعكاظ ومجنه وذي المجاز .

[86] الكلبي ، هشام بن محمد بن السائب . مثالب العرب . تحقيق / الشيخ محمد حسن الدجيلي . مطبوعات دار الأندلس . الطبعة الأولى . بيروت 2009 . ص 54، 56 .

[87] الشعابة : إصلاح الأواني .

[88] م . س . ص 50 – 57 .

[89] البلاذري ، أحمد بن يحيى . أنساب الأشراف . تحقيق / سهيل ذكار ورياض الزركلي . طبعة دار الفكر . بيروت 1996 . ج 1 ص 54 . باتريشيا كرونه . تجارة مكة وظهور الإسلام . ترجمة / آمال محمد الروبي . طبعة المشروع القومي للترجمة . القاهرة 2005 . ص 168 ، 169 . أشارت المستشرقة باتريشيا كرونه لوجود ثلاث مناجم للذهب على مقربة من مكة ، إلا أنها رفضت الاعتقاد بأن القرشيين كانوا يعملون على استخراج هذا المعدن ، ومن الطبيعي أن ملاك المناجم كانوا يعتمدون على العبيد في استخراج هذا المعدن النفيس ، وتشير رواية البلاذري إلى أن صناعة الحلي كانت منتشرة بمكة منذ أيام الجد الأكبر للنبي (ص) كلاب بن مره ، وربما كان تواجد صناعة الحلي في مكة ناتج عن تواجد مناجم الذهب بالقرب منها .

[90] جواد علي . م . س . ج4 ص 152، 153 . يشير جواد علي لانتشار الحرف في الطائف كذلك وعلى رأسها الدباغة والنجارة والحدادة ، بالإضافة لكونهم مرابين كذلك .

[91] الكلبي . م . س . ص 48 . البلاذري . م . س . ج 1 ص 57 .

[92] جواد علي . م . س . ج 4 ص 28، 32، 33 . هناك خلافات كبيرة في تعريف الأحابيش والمقصود بهم أوردها جواد علي في كتابة ، لكن الرأي الأقرب للصدق أنهم كانوا خليطاً بين عشائر بدوية تعيش بالقرب من مكة وبين عبيد أفارقة مجلوبين من الساحل الشرقي للقارة واستقروا في الجزيرة العربية وعاشوا عيشة إعرابية وتحالفوا مع هذه العشائر البدوية ، ويشير دكتور جواد علي إلى أن هؤلاء الأحابيش لم يكونوا على دين المكيين وأنهم كانوا موحدين وربما مسيحيين .

[93] م . س . ج 4 ص 36، 152 .

[94] اليعقوبي ، أحمد بن واضح . تاريخ اليعقوبي . مطبعة بريل . ليدن 1883 . ج 2 ص 13 . م . س . ج 1 ص 57 . يروى عن الإمام علي أنه كان يقول : " أبي ساد فقيراً وما ساد فقيراً قبله " .

[95] بطروشوفسكي . الإسلام في إيران . ترجمة وتقديم وتعليق / السباعي محمد السباعي . بدون ذكر دار النشر . القاهرة 2005 . ص 45 .

[96] م . س . ص 45 .

[97] إلياس مرقص . م . س . ص 246 .

[98] بطروشوفسكي . م . س . ص 45، 46 .

[99] م . س . ص 49 .

[100] جواد علي . م . س . ج 6 ص 453، 515، 590 ، الأندلسي ، أبو القاسم صاعد بن أحمد . طبقات الأمم . تحقيق / الأب لويس شيخو اليسوعي . تقديم / د. محمود إسماعيل . الهيئة العامة لقصور الثقافة (بدون ذكر رقم الطبعة) . القاهرة 2016 . ص 43، 44 .

[101] م . س . ج 6 ص 457، 458، 462، 463 .

[102] إلياس مرقص . م . س . ص 246 .

[103] لينين . عن المسألة الوطنية والأممية البروليتارية . بدون ذكر اسم المترجم . مطبوعات وكالة أنباء نوفوستي . موسكو 1970 . ص 7 .

[104] الكلبي . م . س . ص 56 .

[105] سورة الروم مكية .

[106] سورة آل عمران مدنية .

[107] المتقي الهندي ، علاء الدين . كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال . تحقيق / إسحاق الطيبي . بيت الأفكار الدولية . الطبعة الثانية . بيروت 2005 . ج 1 ص 587 .

[108] علي بن أبي طالب . نهج البلاغة . شرح الشيخ محمد عبده . منشورات الفجر . الطبعة الأولى . بيروت 2010 . ج 3 ص 404 . يقول علي في رسالته لمالك الأشتر حين ولاه على مصر : " فامنع من الاحتكار فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منع منه " .

[109] اليعقوبي . م . س . ج 2 ص 175، 176 . يروي اليعقوبي أن عمر قال : " إني كنت تألفت الناس بما صنعت في تفضيل بعضهم على بعض وإن عشت هذه السنة ساويت بين الناس فلم أفضل أحمر على أسود ولا عربياً على عجمي وصنعت كما صنع رسول الله وأبو بكر " .

[110] أحمد صبري السيد علي . الجذور الطبقية لثورة الإمام الحسين . دار الحمراء . الطبعة الأولى . بيروت 2008 . ص 20 .

[111] السيد محمد حسين فضل الله . فقه الشريعة . دار الملاك . بيروت 2002 . ج 1 ص 513 – 517 ،  السيد سابق . فقه السنة . القاهرة 1988 . المجلد 1 ص 397 – 498 . هادي عبدالنبي التميمي . الدور اليهودي في الدولة الإسلامية حتى نهاية عصر الرسول . التميمي للنشر والتوزيع . الطبعة الرابعة . النجف الأشرف 2013 . ص 217، 218 . على الرغم من أن الآية تتحدث في الأساس عن قضية إجلاء بني النضير وأحكام الفيء ، إلا أن الشطر الثاني من الآية يوضح تماما رفض القرآن لسيطرة الأثرياء – حتى لو كانوا من المسلمين - واستحواذهم على الثروة [ كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ] .

[112] الحمى : أرض صالحة للرعي كانت القبائل العربية تخصصها لقطعانها وتمنع غيرها من الرعي فيها ، وفي بعض الأحيان كانت هذه الحمى خاصة بفرد في القبيلة ذو مكانة . (جواد علي . م . س . ج 7 . ص 149 – 151) .

[113] محمد بن علي الشوكاني . نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار . تحقيق / عصام الدين الصبابطي . طبعة دار الحديث . القاهرة 1993 . ص 365 ، 368 ، 370 .

[114] جواد علي . م . س . ج 7 ص 154 .

[115] الشوكاني . م . س . ج 5 ص 372 .

[116] م . س . ج 5 ص 361 .

[117] الشيخ أحمد النراقي . مستند الشيعة في أحكام الشريعة . تحقيق / مؤسسة أهل البيت عليهم السلام لإحياء التراث . بيروت 2008 . ج 14 ص 55 .

[118] المولى محمد صالح المازنداراني . شرح أصول الكافي . ضبط وتصحيح / السيد علي عاشور . طبعة دار إحياء التراث . بيروت 2000 . ج 11 ص 447 .

[119] الكليني ، محمد بن يعقوب . روضة الكافي . تعليق / علي أكبر غفاري . دار الكتب الإسلامية . الطبعة الثانية . طهران 1389 هـ.ق . ج 8 ص 69 . ثمة أهمية لتتمة المروية وتشير لحقيقة المشروع الإسلامي : " فأعطى كل واحد ثلاثة دنانير وأعطى رجلا من الأنصار ثلاثة دنانير وجاء بعد غلام أسود فأعطاه ثلاثة دنانير فقال الأنصاري : يا أمير المؤمنين هذا غلام أعتقته بالأمس تجعلني وإياه سواءا ؟ فقال: إني نظرت في كتاب الله فلم أجد لولد إسماعيل على ولد إسحاق فضلا " .

[120] ماجد الربيعي . حظر الاتجار بالبشر في القانون الدولي : دراسة مقارنة مع التشريعات الوطنية . طبعة مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع . القاهرة 2015 . ص 82 ، 83 .

[121] م . س . ص 84 .

[122] سورة سبأ من السور المكية باستثناء الآية 6 .

[123] بطروشوفسكي . م . س . ص 61، 63 .

[124] جواد علي . م . س . ج 6 ص 693، 694 . يشير جواد علي لوجود جاليات فارسية في اليمن وعمان والبحرين والإحساء واليمامة نتيجة قرب هذه المناطق من الساحل الفارسي ، وقد اعتنقت هذه الجاليات الإسلام في معظمها بينما دفع بعضهم الجزية وبقى على عقيدته ، وهو في ذات الوقت يشير إلى وجود أتباع متفرقين للزرادشتية بين العرب وخاصة في بني تميم .

[125] حسين النوري الطبرسي . مستدرك الوسائل . تحقيق / مؤسسة آل البيت لإحياء التراث . طبعة مؤسسة آل البيت لإحياء التراث . الطبعة الثانية . بيروت 1988 . ج 12 ص 89 .

[126] الأزرقي . م . س . ج 1 ص 148 .

[127] هذا التوصيف خاص بالكاتب ولن يجد له الرفيق أصلاً في الكتابات الماركسية .

[128] ستيفن همسيلي لونكريك . أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث . ترجمة / جعفر الخياط . مكتبة اليقظة العربية . الطبعة السادسة . بغداد 1985 . ص 199 .

[129] المسعودي ، علي بن الحسين . مروج الذهب ومعادن الجوهر . تحقيق / كمال حسن مرعي . المكتبة العصرية . الطبعة الأولى . صيدا 2005 . ج 4 ص 44 .

[130] الطبري ، محمد بن جرير . جامع البيان عن تأويل آي القرآن . تحقيق/ عبدالله بن عبدالمحسن التركي . هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان . الطبعة الأولى . القاهرة 2001 . ج 6 ص 361، 362 .

[131] اليعقوبي . م . س . ج 2 ص 53، 54 .

[132] السيد محمد حسين فضل الله . من وحي القرآن . دار الملاك . الطبعة الأولى . بيروت 1998 . ج 18 ص 349، 350 .

[133] الطبري . م . س . ج 19 ص 180، 181 .

[134] فضل الله . من وحي القرآن . م . س . ج 18 ص 350 .

[135] ريتا فرج . المرأة في العصر الجاهلي … الوجوه الخفيّة والأدوار المتناقضة . دراسة بموقع http://alimbaratur.com/ . نشر بتاريخ 3 سبتمبر 2017 . شوهد بتاريخ 21 يونيو 2020 . متاح من الرابط :

http://alimbaratur.com/?p=3299 . أشارت الكاتبة إلى أن موضوع ميراث المرأة لم يكن مجمع عليه عند العرب وكان متفاوتاً بين كل قبيلة وأخرى ، لكن من الواضح أن غالبية القبائل العربية كانت ترفض توريث المرأة .

[136] الطبري . م . س . ج 6 ص 521 وما بعدها .

[137] العفيف الأخضر . من نقد السماء إلى نقد الأرض . طبع كمقدمة لكتاب نصوص حول الموقف من الدين . م . س . ص27 .

[138] م . س . ص 27 . يعترف هنا العفيف الأخضر بأن الإسلام في بدايته كان في مواجهة الأرستقراطية القبلية المكية بقوله : " أما الإسلام فما كان يظهر كدين يخوض صراعاً ضد جزء من الأرستقراطية المكية حتى تحول بمجرد هجرة النبي محمد إلى المدينة ، إلى دين ودولة " ، ولا أعرف ماذا يقصد العفيف الأخضر بتعبير " جزء من الأرستقراطية المكية " فقد كان العداء له شاملاً كل العشائر المكية بما فيهم بني هاشم وعلى رأسهم عمه أبو لهب ، كما كان أنصاره وأتباعه من كل العشائر كذلك بالإضافة للعبيد والفقراء الذين كانوا يعيشون في حماية عشائر مكية .

[139] ول ديورانت . قصة الحضارة . ترجمة / محمد بدران . دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع . بيروت (بدون ذكر تاريخ الطبع) . ج 2 ص 326، 327، 329-331 .

[140] العفيف الأخضر . م . س . ص 27، 28 .

[141] اليعقوبي . م . س . ج 2 ص 202، 203 .

[142] العفيف الأخضر . م . س . ص 59 .

[143] يشترك الشيعة الإثني عشرية والإسماعيلية في تسلسل الإمامة حتى عهد الإمام جعفر الصادق وبعده تفرعت الإسماعيلية في سلالة إسماعيل بن جعفر ، بينما تفرعت الإثني عشرية في سلالة موسى الكاظم بن جعفر . وربما كان الخلاف الوحيد في سلسلة الإمامة قبل وفاة الإمام الصادق هو في الموقف من إمامة الحسن بن علي ، فبينما اعتقد الإثني عشرية بإمامته الكاملة ، اعتبرته الإسماعيلية إماماً مستودعاً وليس مستقراً أي أن الإمامة الحقيقية كانت وديعة لديه يسلمها للإمام المستقر وهو الحسين بن علي شقيقه ، وهو عندهم الإمام التالي بعد الإمام علي بن أبي طالب . وتعد فكرة الإمامة المستقرة والمستودعة من مميزات الرؤية الإسماعيلية في الإمامة وقد استنبطها الإسماعيليون من الآية القرآنية : [ وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ](الأنعام/ 98) . (مصطفى غالب ـ مفاتيح المعرفة ـ مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر . بيروت 1982 ـ ص 162، 163 ).

[144] السيد محسن الأمين العاملي . أعيان الشيعة . تحقيق / حسن الأمين . دار التعارف للمطبوعات (بدون ذكر رقم الطبعة) . بيروت 1983 . ج 8 ص 84 – 86 .

[145] العفيف الأخضر . م . س . ص 36 .

[146] لينين . مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية . م . س . مجلد 9 ص 489 .

[147] أحمد صبري السيد علي . الظاهرة السلفية في المجتمع المصري بعد الثورة . دراسة بمدونة بهزاد . منشورة بتاريخ 5 ديسمبر 2011 . شوهدت بتاريخ : 21 يونيو 2020 . متاحة من الرابط :

http://ahmadsabryali.blogspot.com/2013/07/blog-post.html

[148] مارشيللو موستو . ماركس الأخير (1881 – 1883) . ترجمة / أحمد حسن . دار المرايا للإنتاج الثقافي . الطبعة الأولى . القاهرة (بدون ذكر تاريخ الطباعة) . ص 86، 87 .

[149] م . س . ص 104، 105 . إلياس مرقص . م . س . ص 156، 163 .

[150] فريدريك أنجلز . الشيوعيون وكارل هاينتسن . ملحق بكتاب مبادئ الشيوعية . م . س . ص 100 .

[151] لينين . مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية . م . س . ج 9 ص 494 .

[152] م . س . ج 9 ص 494 .

[153] ماو تسيتونغ . دور الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الوطنية . طبع ضمن المؤلفات المختارة . ترجمة / دار الشعب للنشر ببكين . دار النشر باللغات الأجنبية . الطبعة الأولى . بكين 1969 . ج 2 ص 290 .

[154] لا أقصد هنا أن هذه فقط هي ثوابت الماركسية وإنما أشير إلى تعريف كلمة الثوابت وما تشير إليه وهي بالتالي تختلف عن المواقف المتخذة تجاه القضايا .

[155] ماو تسي تونغ . في التناقض . طبع ضمن مؤلفات ماو تسي تونغ المختارة . ترجمة / دار الشعب للنشر ببكين . دار النشر باللغات الأجنبية . الطبعة الثانية . بكين 1977 . ج 1 ص 468 .

[156] جينارو جيرفازيو . الحركة الماركسية في مصر (1967 – 1981) . ترجمة / بسمة محمد عبدالرحمن ، كارميني كارتولانو . المركز القومي للترجمة . الطبعة الأولى . القاهرة 2010 . ص 58، 63 . عين السادات الدكتور إسماعيل صبري عبدالله كوزير للتخطيط في حكومته عقب انقلاب مايو ، كما عين سابقا كل من لطفي الخولي ومحمد الخفيف كأعضاء في اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي ، وثلاثتهم كانوا من بين مجموعة مجلة الطليعة .

[157] نيكولا دوت بويار . اليسار المتحول للإسلام (قراءة في حالة الكتيبة الطلابية لحركة فتح) . ترجمة / عومرية سلطاني . كراسات مراصد . مكتبة الإسكندرية . الإسكندرية 2010 . ص 6، 7 .

[158] يوسف محمد . الحركة الشيوعية في مصر (من 1921 إلى ثورة يناير 2011) . تقديم / أحمد بهاء الدين شعبان ، نيللي حنا . الهيئة العامة لقصور الثقافة . الطبعة الأولى . القاهرة 2012 . ص 68 – 75 . يقول المؤلف : " هكذا كانت الحركة الشيوعية من عام 1939 م حتى عام 1962 م تعاني من الانقسامات والانشقاقات حتى وصل عددها خمسة وثلاثون منظمة وحزب وحركة . ورغم أنها كانت كلها تجري في فلك واحد ، إلا أنها عندما كانت تنجذب وتتحد تعود لتنفجر في نفس اللحظة " .

[159] سبق أن سمعت شخصياً هذه العبارات التهديدية من المنتمين للتيارات السلفية الرجعية ، والطريف أن اسمعها الآن مرة ثانية من رفيق شيوعي تقدمي لكن بلون أحمر .

[160] إلياس مرقص . م . س . ص 163 .

[161] السيد مرتضى العسكري . معالم المدرستين . نشر المجمع العالمي لأهل البيت (ع) . الطبعة الثالثة . بيروت 1430 هجرية قمرية . ج 2 ص 62، 63 . محمود أبو رية . أضواء على السنة المحمدية . دار المعارف . القاهرة 1994 . ص 189 . ابن أبي الحديد . شرح نهج البلاغة . تحقيق / محمد أبو الفضل إبراهيم . طبعة دار إحياء الكتب العربية . القاهرة (بدون ذكر سنة النشر) . ج 4 ص 63، 64، 73 . روى الأعمش عن علاقة أبي هريرة بمعاوية : " لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ، جاء إلى مسجد الكوفة ، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس ، جثا على ركبتيه ، ثم ضرب صلعته مراراً ، وقال : يا أهل العراق ! أتزعمون أني أكذب على الله وعلى رسوله وأحرق نفسي بالنار ! ؟ والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن لكل نبي حرما وان حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد بالله أن عليا أحدث فيها . فلما بلغ معاوية قوله ، أجازه ، وأكرمه ، وولاه المدينة " ، كما ذكر ابن أبي الحديد عن أبي جعفر الإسكافي أن معاوية ساوم سمرة بن جندب كي يروي أن الآية [    وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ] (البقرة 201/202) قد نزلت في الإمام علي بن أبي طالب ، وأن الآية [ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ] (البقرة / 204) قد نزلت في عبدالرحمن بن ملجم قاتل الإمام ، ولم يقبل سمرة بن جندب إلا بعد أن منحه معاوية أربعمائة ألف درهم . واستعان الأمويين في فترة لاحقة بخدمات عروة بن الزبير الذي نسب لعائشة حديثين في تكفير الإمام علي بن أبي طالب يقول الأول : " حدثتني عائشة ، قالت : كنت عند رسول الله إذ أقبل العباس وعلي ، فقال : يا عائشة ! إن هذين يموتان على غير ملتي ، أو قال : ديني "[161] . والمروية الثانية لا تختلف كثيراً عن الأولى في فكرتها ، حيث نسب عروة للسيدة عائشة أنها قالت له : " كنت عند النبي صلى الله عليه وآله إذ أقبل العباس وعلي ، فقال : يا عائشة ! إن سرك أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا ، فنظرت فإذا العباس وعلي بن أبي طالب "[161] .

[162] ابن الأثير ، علي بن محمد الشيباني . الكامل في التاريخ . تحقيق / عمر عبدالسلام تدمري . دار الكتاب العربي . (بدون ذكر رقم الطبعة) . بيروت 2012 . ج 2 ص 484 .

[163] م . س . ج 2 ص 485 .

[164] هناك مرويات أخرى حول الخلاف بين عثمان وأبي ذر ، وهي في معظمها تصب في عداءه المتأصل للأغنياء .

[165] علي بن أبي طالب . م . س . ج 4 ص 484 .

[166] م . س . ج3 ص 402 .

[167] محمد عماره . تيارات الفكر الإسلامي . دار الشروق . الطبعة الثانية . القاهرة 1997 . ص 38، 39 .

[168] القاضي الهمداني ، عبدالجبار بن أحمد الأسدأبادي . الأصول الخمسة . تحقيق / فيصل بدير عون . مطبوعات جامعة الكويت . الطبعة الأولى . الكويت 1998 . ص 99 .

[169] الشيخ المفيد ، محمد بن محمد بن النعمان العكبري . تصحيح اعتقادات الامامية . طبع في مجلد واحد مع كتاب الاعتقادات للشيخ الصدوق . تحقيق / حسين درجاهي . دار المفيد . الطبعة الثانية . بيروت 1993 . ص 56 .

[170] ماو تسي تونغ . ضد عبادة الكتاب . ترجمة / عسو الخطابي . نشر بموقع الحوار المتمدن . عدد 5284 بتاريخ 13 سبتمبر 2016 . شوهد بتاريخ 25 يونيو 2020 . متاح من الرابط :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=42414

[171] سمير أمين . نحو نظرية للثقافة (نقد التمركز الأوروبي والتمركز الأوروبي المعكوس) . معهد الإنماء العربي . الطبعة الأولى . بيروت 1989 . ص 138 .

[172] سمير أمين . م . س . ص 70، 71 .

[173] م . س . ص 75 .

[174] ماو تسي تونغ . دور الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الوطنية . م . س . ص 291 .

[175] دكتور محمود إسماعيل عبدالرازق محجوب ، ولد في قرية الطويلة بمحافظة الدقهلية في 21 أبريل عام 1940 ، له مدرسة خاصة في التاريخ الاقتصادي – الاجتماعي في العالم العربي ، ومن أهم منجزاته العلمية هو مشروعه الفكري الكبير " سوسيولوجيا الفكر الإسلامي " والتي أثارت ولا تزال الجدل بين المفكرين المعاصرين ، وبالإضافة لهذه الموسوعة فهناك العديد من الكتاب الهامة في التاريخ والفكر للدكتور محمود إسماعيل أهمها : الحركات السرية في الإسلام ، الخوارج في بلاد المغرب ، الأدارسة في المغرب الأقصى ، الدولة الفاطمية – دعوة وثورة .. وكتب وأبحاث أخرى تجاوزت السبعين في التاريخ والفكر .

[176] د. محمود إسماعيل عبدالرازق . الحركات الثورية في الإسلام . دار الانتشار العربي ، دار سينا للنشر . الطبعة الخامسة . بيروت 1997 . ص 7 . يقول دكتور محمود إسماعيل : " صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب على أثر عمل بطولي قامت به ثلة من المناضلين الفلسطينيين إبان دورة ميونخ الأولمبية 1972 . ولست أخفي سراً إذا قلت أن هذا العمل الفدائي العظيم الذي صورته الدعاية الصهيونية والإمبريالية على أنه عمل "إرهابي" كان حافزي على كتابة هذا الكتاب ؛ لأبرهن مشروعية "العنف الثوري" بالنسبة لشعب سلبت أرضه وطورد وحوصر عالمياً – وحتى عربياً – وجرى تشويه نضاله داخل وخارج فلسطين " .

[177] م . س . ص 7، 8 .

[178] بطرس عبدالملك وآخرون . قاموس الكتاب المقدس . منشور بموقع الأنبا تكلا . شرح كلمة يهود . شوهد بتاريخ 26 يونيو 2020 . متاح من الرابط :

 https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary/28_E/E_242.html . يشير مؤلفو القاموس إلى أن مصطلح يهود أولًا على سبط أو مملكة يهوذا تمييزًا لهم عن الأسباط العشرة الذين سموا إسرائيل، إلى أن تشتت الأسباط وأخذ يهوذا إلى السبي ثم توسع معناها فصارت تشمل جميع من رجعوا من الأسر من النسل العبراني. ثم صارت تطلق على جميع اليهود المشتتين في العالم ، ولفظة يهود أعم من عبرانيين ، لأنها تشمل العبرانيين الأصليين والدخلاء (اليهود الجدد) .

[179] م . س . شرح كلمة الدخيل . شوهد بتاريخ 28 يونيو 2020 . متاح من الرابط :

 https://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary/08_D/d_19.html . يذكر الشاعر الروماني هوراس (65 – 8 ق.م) أن اكتساب الدخلاء إلى الديانة اليهودية كان من أبرز الخاصيات التي تميز بها اليهود في عصره .

[180] إنجلس . برونو بوير والمسيحية الأولى الأولية . طبع ضمن كتاب حول الدين . م . س . ص 153 .

[181] سعيد عبدالفتاح عاشور . تاريخ أوروبا في العصور الوسطى . دار النهضة للطباعة والنشر . (بدون ذكر رقم الطبعة) . بيروت 1976 . ص 31 – 36 .

[182] تشانغ داي نيان . كونفوشيوس والثقافة الصينية . مقال بموقع صحيفة الشعب الصينية . ترجمة وتقديم / د. وليد عبدالله . منشور بتاريخ 24 نوفمبر 2017 . شوهد بتاريخ 28 يونيو 2020 . متاح من الرابط : http://arabic.people.com.cn/n3/2017/1124/c31657-9296787.html .

معتز ممدوح . الكونفوشيوسية : ديانة أم فلسفة . مقال بموقع إضاءات . منشور بتاريخ 16 أغسطس 2018 . شوهد بتاريخ 28 يونيو 2020 . متاح من الرابط : https://www.ida2at.com/confucianism-religion-or-philosophy/ .

[183] أحمد شلبي . أديان الهند الكبرى (الهندوسية . الجينية . البوذية) . مكتبة النهضة المصرية . الطبعة الحادية عشرة . القاهرة 2000 . ص 112 . جون . ب . نوس . الديانة البوذية . ترجمة / محمود منقذ الهاشمي . طبع ضمن كتاب موسوعة تاريخ الأديان (الكتاب الرابع : الهندوسية . البوذية . التاوية . الكونفوشية . الشنتو) . دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر . الطبعة الرابعة . دمشق 2017 . ص 177 . سمير أمين . م . س . ص 72 .

[184] العفيف الأخضر . م . س . ص 27 .



هناك 3 تعليقات:

Muammar Nassar يقول...

مقال/ دراسة رائع وفي غاية الأهمية

أحمد صبري السيد علي يقول...

ألف شكر يا استاذ معمر تسلم يا رب

Albager almahdi يقول...

شكرا