الاثنين، 21 أبريل 2014

ظاهرة التحرش في مصر (رؤية إجتماعية)



   لم تمثل حادثة التحرش الجماعي داخل جامعة القاهرة التي تعرضت لها طالبة من قبل بعض زملائها غريبة أو مفاجئة للكثير من الباحثين ، فمنذ عام 2006 ومثل هذه الحوادث تتم بشكل دائم في أثناء التجمعات الجماهيرية وخاصة عيدي الفطر والأضحى والاحتفال بعيد الحصاد الذي يسميه المصريون (شم النسيم) .

 
   وكالعادة فقد تنوعت تفسيرات المهتمين بالشأن الاجتماعي حول أسباب هذه الظاهرة الغريبة على المجتمع المصري المحافظ بطبيعته ، خاصة أن هؤلاء الشباب يقومون بتحطيم تقاليد عريقة وبشكل علني متجرداً من أي خجل .
   لم تكن المضايقات للإناث في الطرقات مختفية بالطبع سابقاً ، لكنها كانت تتم بشكل فردي ، وتقتصر على الكلمات في أغلب الأحيان ، لكن الجديد أن هذه المضايقات أصبحت تتطاول إلى لمس أجزاء من الجسد وبشكل جماعي كبير قد يصل إلى عشرات الشباب الذي لا يتورعون عن الفتك بضحيتهم ، حتى أثناء الاحتفال بمناسبة دينية كعيدي الفطر والأضحى .
   كان التفسير الأكثر جاهزية عند التيارات السلفية هو تحميل الفتاة (الضحية) مسئولية هذه الظاهرة نتيجة ما وصفوه من ظهور الفتيات بملابس غير لائقة وعدم الالتزام بالزي الإسلامي ، وهو تفسير لم يصمد كثيراً أمام الانتقادات ، خاصة أن حالات التحرش لم يستثن حتى المنقبات ، كما استدل الرافضين لهذا التفسير بفترة الستينات التي اختفى فيها الحجاب من مصر ، دون أن تشهد وجود حقيقي للتحرش .
   لقد أدى استخدام رئيس جامعة القاهرة الدكتور جابر نصار لهذا التفسير في تبرير ما حدث داخل جامعته من تحرش بإحدى الطالبات ، إلى حالة من الهجوم العنيف عليه ، حيث اتهم بمحاولة إلقاء اللوم على الضحية واللجوء لتفسير سطحي للغاية من أجل التجاوز على ما تعانيه الجامعة من تقصير واضح في إيصال رسالتها التربوية لطلابها .
   في المقابل تحدث محللين آخرين عن ضعف ثقافة الشباب الدينية وافتقادهم للسلوكيات الراسخة في المجتمع المصري بالإضافة لتهميشهم السياسي والاجتماعي مما يدفعهم لمثل هذه الانحرافات .
   الواقع أن الثقافة الدينية للغالبية العظمى من الشباب ليست ضعيفة على الإطلاق مع كل هذه القنوات والمواقع الألكترونية التي تتخذ من الدين موضوعاً أساسياً لها[1] ، لكن رصد مثل هذه الظاهرة الإجتماعية يجب أن يبدأ من تحليل الواقع الاجتماعي لهؤلاء الشباب وليس السلوكي الذي يمثل بدوره نتيجة وليس السبب الأساسي .
   في مقال سابق عن الإلحاد ، أشرت لحالة الإلحاد الإجتماعي والذي يعبر عن سقوط المنظومة الإجتماعية وقيمتها لدى الخاضعين لها ، وبالتالي يمارسون مثل هذا الأسلوب في التعبير عن رفضها ، أي المنظمة الإجتماعية ، والتنكر للدين الذي يمثل جزء مؤسس منها . ومثل هذا التفسير يرتبط كذلك بهذا الانتهاك الواضح للأخلاقيات المثلى التي يؤمن بها المصريون منذ القدم .
   إن الملاحظة الأولى هي إنتشار مثل هذه الظاهرة بكثافة عقب الإنتخابات التشريعية سنة 2005 والتي شهدت محاولة نظام مبارك للتسريع في تنفيذ مخططات الخصخصة والتخلص من القطاع العام المصري ، كما بدأ النظام في حصاد ثمار ممارساته السابقة منذ حرب الخليج الثانية في التسعينات ، حيث لجأ لضرب الحياة الحزبية الضعيفة بالأساس ، وتطبيق سياسات البنك الدولي الاقتصادية ، وهي نتائج صبت في صالح الرأسمالية والطبقات العليا ، وأدت في المقابل إلى تهميش قطاعات أكبر من المجتمع ، وإضعاف الطبقة الوسطى ، وتصاعد أعباء الحياة لدى الأسر المصرية ، وتفشي ظاهرة البطالة وما يتبعها من انتشار الجريمة والمخدرات والتطرف الديني .
   في المقابل ومع التطورات الكبيرة في وسائل الإعلام والاتصال التي شهدتها مصر منذ تسعينات القرن الماضي وخضعت لسيطرة رجال الأعمال المرتبطين بالنظام ، فقد سعت بكل قوتها لاستغلال المرأة بشكل وحصر قيمتها في العامل الجسدي فقط الذي تعتمد عليه الرأسمالية في الترويج لمنتجاتها سواء السلعية أو حتى الفنية ، بل والدينية[2] كذلك عبر تركيز الكثير من رجال الدين (السلفيين) على مناقشة ما يتعلق بالمرأة من الناحية الجسدية والجنسية . فقد لوحظ تدني قيمتها الإنسانية لدى الغالبية العظمى من الشباب وإنتشار حوادث العنف ضدها سواء الأسري أو في الشارع بشكل عام[3] .
   إن الدليل الأكبر على الخلفيات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الظاهرة هو اقتصار غالبية حالات التحرش على بنات الطبقتين المتوسطة ثم الدنيا بصفة أقل[4] ، وهي نفس الطبقات الاجتماعية التي ينتمي إليها المتحرشين والتي عانت من سياسات نظام مبارك ، بينما من النادر حدوث حالة تحرش بين أبناء وبنات الطبقة العليا[5] .
   يبقى أن مناقشة الحلول لهذه الظاهرة يجب أن تعتمد بشكل أساسي على تطوير الواقع الاجتماعي والاقتصادي ، للطبقات الوسطى والدنيا ، وليس فقط البحث عن أسباب تدني الوازع الديني والأخلاقي لدى هذا الجيل من الشباب كما تسعى بعض التيارات السياسية (المرتبطة برجال الأعمال)[6] للترويج له ، بهدف التجاوز على حقيقة أن سقوط الوازع الديني والإخلاقي هو نتيجة للمكتسبات التي حصلوا عليها في عصر مبارك وما تلاه وليس أصل للمشكلة .

أحمد صبري السيد علي
21 مارس 2014


[1] تجاهلت التيارات السلفية حقيقة أن بعض المتحرشين هم من الشباب المنتمين إلى منظومتها بشكل عام ممن لا يمكن إتهامهم بضعف الثقافة الدينية .
[2] جرى في الفترة الأخيرة من نظام مبارك محاولة رسملة الدين وتقديمه كسلعة معلبة عبر القنوات السلفية والتي اهتمت بشكل مبالغ فيه بأوضاع المرأة الجسدية وانتشرت عبرها بعض الفتاوى المثيرة للدهشة مثل فتوى رضاع الكبير الشهيرة . وقدمت مساهمات كبيرة في تسخين أوضاع الشارع لمصلحة النظام عبر قضايا متنوعة ووهمية سواء دينية ضد المسيحيين والشيعة أو إجتماعية ضد المرأة .
[3] يلاحظ أن مكانة المرأة في فترة الستينات التي شهدت تبني نظام الرئيس عبدالناصر لسياسات التصنيع قد شهدت تطوراً كبيراً ، وتقبل المجتمع المصري لتواجدها في ساحات العمل ، على العكس مكانتها عقب الانقلاب على هذه السياسات في عهد الرئيس السادات .
[4] نظراً لما تعانيه بنات الطبقة الدنيا من بؤس إجتماعي فهن يفتقرن غالباً للقدرة على الظهور بشكل مقبول ، من ناحية الملبس على الأقل ، مما ينفي الحافز أو المبرر الذي يدفع المتحرش لاقدامه على تصرفه .
[5] من المفيد هنا الإشارة لدراسة الصديق مجدي عبدالهادي والمنشورة على موقع الحوار المتمدن بعنوان : " التحرش الجنسي .. تحليل مادي " .
[6] يتبنى معظم رجال الأعمال البارزين في أواخر عصر مبارك الاستثمار في مجالات العمل الترفيهية كالسياحة الاتصالات والحصول على توكيلات المنتجات الأجنبية ، أو في الصناعات الصغيرة . وهي مجالات طفيلية لا تحتاج للكثير من النفقات وتدر أرباح كبيرة في المقابل ، لكنها أرباح لا يستفيد من الاقتصاد الوطني بشكل عام .

ليست هناك تعليقات: