الاثنين، 5 أكتوبر 2020

حول التطبيع ومشروعات احتواء المقاومة


حول التطبيع ومشروعات احتواء المقاومة

 

   من المؤكد أن الفشل السعودي/الإماراتي بمشاركة صهيونية في اليمن والفشل السابق في سوريا والعراق كانا من أهم أسباب التسريع بموجه التطبيع العلني الأخيرة والتي بدأتها الإمارات ثم البحرين ومن المتوقع أن تلحق بهما دول أخرى كالسودان والسعودية والمغرب بهدف محاولة فرض شروط الواقع التالية :

 

   1- عزل مصر ودورها تماماً تمهيداً للقضاء على أي استقرار بها يمكن أن يؤدي مستقبلاً لواقع غير مرغوب بالنسبة للقوى الرجعية .

 

   2- ربط مصالح دول وأنظمة المنطقة بالكيان الصهيوني، بما يمنح رئتيه الهواء بعد الضغوط التي يتعرض لها نتيجة الازمة التي تعاني منها الرأسمالية ودور المقاومة اللبنانية والفلسطينية في هز استقرار الداخل الصهيوني .

 

   3- احتواء واقع المقاومة في لبنان وفلسطين والدول الرافضة للهيمنة الأمريكية والسيطرة عليها مع تجنب الصدامات العسكرية الموسعة .

 

   إن الأكثر خطورة بالنسبة لمصر هو دخول السودان في فلك التطبيع بما يعني، إذا وضعنا في الاعتبار التواجد الصهيوني القوي في إثيوبيا زائير وكينيا وأوغندا ورواندا وبوروندي مقابل الانسحاب المصري من إفريقيا بداية من العهد الساداتي، أن الكيان الصهيوني أصبح المسيطر على دول المنبع والمجرى بالنسبة للنيل أي له القدرة على خنق مصر وتعطيشها، بالإضافة إلى الانفجارات المتوقعة بالسودان نتيجة النزاعات العرقية بجبال النوبة ودارفور والمرشحة لاحقاً للتصاعد، يضاف إليها ما تعانيه ليبيا من أوضاع تقسيمية . وبالتالي فقد أصبحت مصر محاطة بالتوتر ومخنوقة اقتصادياً وهو ما سيؤثر على الأوضاع الداخلية فيها .

 

   في النقطة الثانية فالكيان الصهيوني يسعى للحصول على قاعدة بجزيرة سقطرى اليمنية ذات الموقع الاستراتيجي الهام والتي تقتسم السيطرة عليها كل من السعودية والإمارات حالياً وهي القاعدة التي ستمكنه من التفاعل مع دول القرن الأفريقي ومراقبة التحركات الإيرانية والصينية في المنطقة بالإضافة للسيطرة على مضيق باب المندب والذي كان للسيطرة اليمنية عليه الفضل في إغلاقه أمام البحرية الصهيونية في حرب أكتوبر .

   كما يسعى الكيان الصهيوني لإقناع كل من السعودية والإمارات ودول الخليج النفطية، لتصدير نفطها عبر البحر الأحمر، ومنه إلى خط إيلات عسقلان، بحيث يُصبح الكيان الممر الأساسي للطاقة في المنطقة نحو أوروبا، وفي المقابل إضعاف دور قناة السويس، وسحب البساط من إيران عبر مضيق هرمز ، وحتى إضعاف خط تشابهار - سان بيتر سبرج الإيراني/الروسي.

 

   ومن المؤكد في حال تم هذا المخطط أن الدور المصري العربي والإفريقي سينتهي تماماً وستصبح مصر معزولة ومنكفئة داخلياً، ومن الناحية التاريخية كان الانعزال المصري يؤدي دائماً لإسقاطها داخلياً وخضوعها بشكل كامل للسيطرة الخارجية وفي بعض الأحيان تقسيمها كما حدث في فترات قديمة وحتى في العهد المملوكي .

 

   لكن هل هذا يعني أن الدول الخليجية وأنظمتها صارت في حماية أمريكية تامة من مخاطر الاضطرابات والتقسيم ؟! إن مخططات التقسيم التي استعرضتها في مقال سابق لم تستثن الدول الخليجية ولا غيرها من الدول العربية وربما كان صمود سوريا واليمن هو ما أبقاها موحدة حتى الآن وتعاونها مع الكيان الصهيوني لا يمكن أن يمثل لها الحماية بل على العكس سيؤدي إلى تفتيت وحدتها السياسية وتقسيم ما هو مقسم بالأساس، ونقطة ضعفها الحقيقية هي بقاء مجتمعاتها عشائرية حتى الآن، وتعاون القوى الإمبريالية مع زعامات عشائر أو إمارات مصغرة يظل أفضل وأسهل من التعامل مع دول كبيرة وأنظمة حكم مستقرة .

 

   إن موجه التطبيع العلني الأخيرة ليست سوى محاولة التفاف وضغط من أجل العودة لمشروع تفتيت سوريا والعراق، عبر محوري : الخليج من جهة، ولبنان من جهة أخرى والتي تشهد في الفترة الأخيرة دعوات لتطبيق اللامركزية بما يعني، ومع وضعها الحالي المرتبط بالطائفية والمناطقية، تحويلها إلى كانتونات منعزلة، وتطبيق كلا الاتجاهين سيؤثر بالسلب على الواقعين السوري والعراقي المتوترين بالأساس؛ أما إيران وروسيا والصين فلمحاولات احتوائهم اتجاهات بعضها متداخل مع الوضع العربي كما أشرت، والبعض الآخر منفصل عنه لكنه سيؤثر عليه كذلك وتلك قصة أخرى .

أحمد صبري السيد علي
5 أكتوبر 2020

 

ليست هناك تعليقات: