الجمعة، 27 يونيو 2014

تراجع الدور المصري في أفريقيا ومشكلة سد النهضة الأثيوبي



   لا يمكن اعتبار أن مشكلة سد النهضة (سد الألفية الكبير) الذي ترغب أثيوبيا في إقامته على النيل الأزرق بالقرب من الحدود الأثيوبية السودانية ، حالة طارئة في العلاقات بين مصر وأثيوبيا ، وإنما هي نتاج لمجموعة من السياسات الخاطئة التي مارستها إدارة مبارك خلال حكمها الممتد لثلاثين عاماً تجاه القارة الإفريقية بشكل عام مقتدياً برؤية سلفه السادات بضرورة التوجه السياسي ناحية الغرب الذي يملك 90 % من أوراق اللعبة حسب زعمه .


   لقد كان للانهيار الذي قاده السادات في التوجهات المصرية والذي ارتضى التخلي عن المشروع القومي لعبدالناصر واستبداله بالخضوع للرؤية الأمريكية بشكل كامل أثره في السقوط التدريجي للمكانة المصرية في القارة الأفريقية والتي شهدت أقصى ازدهار لها في الفترة الناصرية ، وأدى هذا السقوط إلى تدخل قوى أخرى على الساحة الدولية والإسلامية لملء هذا الفراغ ، فقد سعى الكيان الصهيوني للتواجد بكثافة في أفريقيا وخاصة بين دول منابع النيل ، والمجموعات الوهابية التي تسيطر الآن على توجهات عدد كبير من مسلمي القارة السمراء بعد تراجع دور الدعاة الأزهريين .
   لم يتوان مبارك لمدة ثلاثين عاماً عن اقتفاء أثر سلفه ، وترك الساحة شاغرة تماماً للسياسات الصهيونية في أفريقيا بالرغم من خطورتها على مصر ، وأدى هذا التدني للمكانة المصرية إلى حالة من العداء لها في المحيط الأفريقي ، حيث اعتبر مثقفوا هذه البلدان أن مصر تمارس سياسة متعجرفة تجاه إفريقيا .
   لم تتوقف الممارسات الخاطئة عند مجرد الإهمال لأفريقيا ، بل كان هناك أيضاً دوراً سلبياً في القضايا الإفريقية وخاصة ما يتعلق بالصراع بين الشمال والجنوب في السودان ، حيث مارست الإدارة المباركية دوراً سلبياً في الدفع باتجاه تقسيم السودان دون الوضع في اعتبار مدى خطورة هذه الخطوة على مصر ذاتها . ومع هذه الأخطاء لإدارة مبارك فقد اتخذت الحكومة السودانية موقفاً مؤيداً من بناء السد بالرغم من أن السودان متضرر كذلك من السد نظراً لكونه سيتسبب في انخفاض مؤقت من توافر المياه نظراً لفترة ملء الخزان ، وانخفاض دائم بسبب التبخر من الخزان ، ناهيك عن تأثيره على إنتاج الطاقة الكهربائية في مصر عبر السد العالي بأسوان والتي ستصل نسبة تراجعها 25% إلى 40% نتيجة إنخفاض منسوب المياه في بحيرة ناصر .
   ليست المشكلة إذن بين مصر وأثيوبيا ، بل هي بين مصر وإفريقيا بشكل عام نظراً لتخلي مصر عن دورها القيادي الطبيعي في القارة السمراء ، بحيث يطرح المواطن المصري التقليدي تساؤلاً بسيطاً حول إن كان من الممكن نشوب هذه الخلافات مع الدول الإفريقية في عهد الزعيم جمال عبدالناصر ، وفي خارج السياق السياسي عبر الزعيم الراحل نيلسون مانديلا عن هذه الحسرة الأفريقية لتراجع الدور المصري التي بعد فوز جنوب إفريقيا بحق تنظيم مونديال 2010 لكرة القدم على حساب مصر التي لم تحقق أي صوت في الفيفا قائلاً : " لو كان جمال عبد الناصر على قيد الحياة ودخلت مصر المنافسة أمام جنوب أفريقيا على شرف استضافة كأس العالم لكرة القدم 2010 لانسحبت جنوب أفريقيا على الفور من الوقوف أمام مصر.. ولكن الظروف تغيرت الآن ومصر لم تعد مصر عبد الناصر "[1] .
   والآن ، لقد بدأت القيادة المصرية الجديدة برئاسة المشير عبدالفتاح السيسي باتخاذ خطوة جيدة عندما سعت لمواصلة سياسة الزعيم الراحل عبدالناصر في التقارب مع إفريقيا ، وقامت بدعوة إثيوبيا لحضور حفل تنصيب الرئيس الجديد ، الذي أشار في خطابه إلى أنه لن يسمح بإفساد العلاقات التاريخية بين مصر وإثيوبيا بسبب هذا المشروع ، فيما يمكن اعتباره إعادة التأسيس لسياسة مصر تجاه إفريقيا في الفترة القادمة .
   إن هذه الخطوة الجديدة للقيادة المصرية تعد بداية على الطريق الصحيح في عودة مصر لدورها التاريخي تجاه القارة السمراء وهو ما سيكفل حل العديد من المشاكل المتواجدة في المنطقة والمحيطة بمصر كذلك وقد تؤثر عليها بشكل سلبي ، كمشكلة درافور والنوبة في السودان ، بالاضافة للاضطرابات التي قد تشهدها دول الشمال الأفريقي في حالة إمتد تمرد الطوارق من مالي إلى باقي هذه الدول (بما فيها مصر) التي يتواجد بها هذا التحالف القبلي الأمازيغي بنسب مختلفة .

أحمد صبري السيدعلي
27 يونيو 2014



[1] بعيداً عن السياسة هناك مسابقتين هامتين في كرة القدم يتم تنظيمهما حول مصر ، الأولى دوري سيكافا والذي تشارك فيه دول شرق أفريقيا ومعظمها من دول المنبع للنيل ، والثانية أبطال شمال أفريقيا ، والتي تشارك به فرق الشمال الأفريقي ، وحتى الآن تترفع الفرق الرياضية المصرية دون مبرر عن المشاركة في هاتين البطولتين بالرغم من التأثير السياسي الإيجابي لها .

ليست هناك تعليقات: