لقد شهدت
صناعة النشر ازدهاراً كبيراً في فترات النهوض البرجوازي وخاصة في فترة القرن
التاسع عشر ، وكان القرن العشرين هو قرن إزدهارها في العالم العربي وخاصة مصر حيث
بدأ تكون الحلقات الفكرية المتنوعة من اليمين لليسار ، ومعها طرحت العديد من الرؤى
والنظريات أمام الجماهير التي كانت تناضل في ذات الوقت لتحقيق الاستقلال ، وكان من
الضروري أن يصب النضال الجماهيري التسلح بالنظريات والإيدولوجيات المطروحة في هذه
المرحلة التاريخية .
ويمكن القول
أن فترة التسعينات كانت بداية تدهور هذه الصناعة عندما تمكن القطب الأمريكي من
إسقاط غريمه الشرقي معلناً نهاية الإيدولوجيات والتاريخ معاً بهذا الانتصار الذي
أطلق سراح مشروعه الإمبريالي ليسعى للاستئثار بكافة الثروات في العالم .
لقد شهدت
صناعة النشر بعدها تحولاً لافتاً ، حيث انتقلت من تبني مشروعات فكرية والترويج
المنهجي لها ، إلى البحث بالاساس عن ما هو مثير وملفت مهما كان تافهاً ، وفي
المجال التاريخي أصبح البحث عن نشر الكتب القديمة مترافقاً مع صعود نجم التيارات
المتطرفة التي سعت لاستخدام التاريخ كوسيلة ترويج لمعاركها الدينية والطائفية ،
وهو ما استجابت له دور النشر لاستغلاله وأصبحت الكتب (العربية خصوصاً) في غالبيتها
مجرد إعادة إنتاج للماضي وقضاياه أكثر مما هي محاولة لفهمه والتوصل لقوانين تطوره
.
من الطبيعي
إذن أن يصبح الابداع نادراً للغاية مع هذا التدني في أهداف ومشروع صناعة النشر في
الفترة الأخيرة ، بل أصبح من الطبيعي كذلك التخلي عن كل الايدولوجيات والرؤى
الفكرية والبحث عن الفانتازيا وأصطناع الاسطورة المزيفة .
إن افتقاد
صناعة النشر في الفترة الحالية لأسس نشأتها وبقائها ، واعتمادها على استرجاع
القديم دون البحث عن مشروع محدد لها حملها الكثير من الخسائر مقابل إزدهار مواقع
التواصل الاجتماعي كوسيلة لنشر المعلومة مهما كانت مجتزئة من سياقها أو مزيفة ،
ومع سهولة الانتشار لهذه المواقع وضعف الاقبال الواضح من الأجيال الجديدة تجاه
المطبوعات ، بل ضعف رغبتهم في ممارسة القراءة كوسيلة لتلقي المعلومة ، كنتيجة لهذا
السقوط الثقافي الذي ساهمت فيه صناعة النشر بدور هام ، فإنها لم تعد فقط تعاني من
المنافسة بقدر ما أصبح بقائها ذاته مهدداً .
أحمد صبري السيد علي
26 مايو 2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق