الأحد، 23 يوليو 2017

تطور الفكر السلفي في التراث الاسلامي (فصول من كتاب)

صورة من مخطوطة كتاب الايمان لابن تيمية
  تطور الفكر السلفي في التراث الاسلامي (فصول من كتاب)


   مقدمة :
السلفية الإسلامية بين المدلول اللفظي والمدلول الواقعي

   هل تمثل السلفية الإسلامية وطريقتها في تناول النصوص الدينية الإسلامية (الكتاب والسنة) حالة ذهنية بغض النظر عن انتمائها المذهبي ، أم أنها رؤية متكاملة تمتلك مجموعة من القواعد والأسس في قراءة هذه النصوص بما يسمح باعتبارها مذهباً مستقلاً ؟


   الواقع أن الإجابة عن هذا التساؤل لا يمكن حصرها في إطار البحث عن أفكار ومعتقدات هذه المجموعات المنتمية لقطاع من المذهب الحنبلي والتي ظهرت في مرحلة متأخرة للغاية عن عصر الصحابة والتابعين ثم عصر تدوين العلوم الإسلامية ، الأمر الذي يعني غض الطرف عن العديد من الممارسات وأساليب التعامل مع النصوص الدينية والتي تشبه لحد كبير نفس الأساليب السلفية الحالية ، وإن لم تنتم للمذهب الحنبلي أو حتى للمذهب السني بصفة عامة(*) ، كما سيعني كذلك إلحاق الحنابلة ككل بالمنظومة السلفية في حين أن الواقع التاريخي يشير إلى أن كثير من علماء الحنابلة لم ينظروا بارتياح لبعض معتقدات السلفيين(*) .
   إن الخطأ الذي قد يرتكبه الكثير من الباحثين هو تناول السلفية باعتبارها مذهباً أو اتجاهاً داخل الإطار السني وحده ، وهي الصورة التي تنشأ تدريجياً لدى معظم الكتاب حين تناول الشأن السلفي ، وبالتالي تنشأ مشكلة الكاتب الأولى مع مصادر هذا الفكر الذي لن تبدأ بالتأكيد قبل نشأة وتطور المذهب الحنبلي وتعدد صوره ومن ضمنها السلفية الوهابية ، في حين أن نفس مناهج التفكير والممارسات تستخدمها اتجاهات فكرية داخل طوائف أخرى قد تبدو متعارضة مع السلفية من الناحية العقائدية وإن اتفقت معها منهجياً ، وبالتالي فإن التناول الصحيح للحالة السلفية يجب أن يبدأ من خلال الوضع في الاعتبار أنها حالة ذهنية بالأساس .
   هذا التصور الجديد لمدلول مصطلح السلفية سوف يمنح مصادر البحث في النشأة امتداداً أطول إلى ما بعد وفاة النبي (ص) وما تلاها من تغيرات شملت المجتمع ، الدين ، والثقافة ، حيث يجب أن يبدأ البحث بنشأة الذهنية السلفية وليس نشأة السلفية كمجموعة متميزة داخل المذهب الحنبلي .
   ربما تتمثل صعوبة البحث عن نشأة ذهنية ما في عدم القدرة على تحديد نقطة البدء بدقة كبيرة ، وتظل دائماً هناك خلفيات للبداية المختارة من الضروري السعي لرصدها ، إلا أن هذه الدراسة انطلقت من وفاة النبي (ص) كبداية نظراً لأنها مثلت نقطة التحول في الأداء الاقتصادي ، الاجتماعي ، والسياسي للدولة الإسلامية ، وما فرضته أحوال الصراع الداخلي من أساليب ثقافية للمواجهة المتبادلة ، وهنا فإن وفاة النبي (ص) تمثل النقطة الأكثر وضوحاً في حالة التحول إلى نسق مختلف بشكل أو بآخر عن النسق السابق .
   إن البحث عن نشأة أي الذهنية في نطاق الدين بصفة عامة والذي يشبه لحد كبير محاولة إعادة تجميع أجزاء لوحة زجاجية مهشمة ، يرتبط برصد بعض التطورات التي شهدها مجتمع هذا الدين ، كالعلاقة بين التطورات الاجتماعية والآراء الدينية ، كيفية نشأة وتطور العلوم والثقافة الدينية ، وأخيراً تأثير الآخر الديني والحضاري على مسار التطور الثقافي في هذا المجتمع وبالتالي على نشأة هذه الذهنية .
   ومن خلال رصد هذه التطورات يمكن رصد حالة النشأة والطور الأول من تكون الذهنية السلفية بالمجتمع المسلم في مرحلة ما قبل تدوين العوم الدينية التي تجمع ما بين الفترات الراشدية ، الأموية السفيانية ، والأموية المروانية ورغم ما تحمله كل من هذه الفترات من مميزات خاصة في طبيعة شكل الدولة والمجتمع إلا أنها على المستوى الثقافي حملت الكثير من عناصر التشابه باستثناء فترة خلافة الإمامين علي بن أبي طالب والحسن بن علي التي تبدو كحالة شاذة خارجة عن السياق الطبيعي لحركة هذه التحولات ، وإن كانت تمثل العنصر الأساسي في الحراك الاجتماعي والثقافي نظراً لما أنتجته من أفكار كان لها الفضل في تفعيل تطور المجتمع .
   إذن فالتعريف الأساسي لمصطلح السلفية الإسلامية الذي تبنته هذه الدراسة هو أنها " حالة ذهنية تقوم على التعامل الصارم والظاهري غير الواعي مع النصوص الدينية المقدسة وإنتاج اجتهادات يرى صاحبها بأنها من الحقائق الدينية المطلقة ، مما ينعكس سلبياً على رؤيته وتعامله مع الآخر الديني والمذهبي أو الفكري انطلاقاً من هذه الحقيقة الظنية " ، وسوف يتناول هذا البحث خلفيات إنتاج وتطور هذه الحالة في المجتمع المسلم والتي – رغم مظهرها الديني - تداخلت فيها عوامل مختلفة ومتنوعة لم يكن الدين سوى أحدها وربما ليس أكثرها تأثيراً .
   إن هذا التعريف الذي اعتمد على البحث في تفاصيل حالة ذهنية لا طائفية أدى إلى اتساع المجموعات المستهدفة من هذه الدراسة بما تمتلكه من خصوصيات تاريخية وحضارية ومذهبية ، وبالتالي فقد كان من الضروري تقسيم موضوعاتها بشكل يتناسب مع هذه الحالة المتوحدة في الذهنية والمتنوعة في النتاجات والمدلولات بحيث يتم الإجابة عن التساؤلات الأساسية للدراسة عن : كيفية نشأة هذه الذهنية ؟ وأسباب تنوعها المذهبي ؟ وكيف تمكنت من الانتشار ؟ وأخيراً ما هو مستقبلها في العالم الإسلامي ؟ ، وقد قمت بتقسيم مراحل تطور السلفية في التراث الإسلامي إلى مرحلتين أساسيتين الأولى : مرحلة ما قبل تدوين العلوم والتي تناولها الباب الأول " نشأة الذهنية السلفية بالمجتمع الإسلامي " بالدراسة عبر فصول ثلاث تناولت تأثير التطور الاقتصادي والاجتماعي في تبلور الآراء العقائدية والمذاهب الإسلامية ، وتأثيره على نشأة العلوم الدينية والأوضاع الثقافية ، والعلاقات مع الآخر الحضاري والديني ومؤثراتها في بعض الأفكار والعقائد والفقهيات المذهبية في الوسط الإسلامي .
   المرحلة الثانية : مرحلة تدوين العلوم والتي تناولها الباحث في الباب الثاني " تطور الفكر السلفي في العصر العباسي " ، حيث قام برصد التطور الاجتماعي في العصر العباسي وما أدى إليه من محاولات للاعتماد على التدوين في التعامل مع التراث وظروف ترجمة العلوم العقلية للحضارات المجاورة - اليونانية على وجه الخصوص – وما أدت إليه من صدامات بين التيارات الدينية المحافظة ونظيرتها المتأثرة بها ، وأثر ابن تيمية الحراني في ترتيب واستقلال الفكر السلفي وتميزه بصورة محددة في الإطار السني ، وأخيراً ظروف بداية نشأة السلفية في المجتمع والأوساط العلمية الشيعية .
   في حين بدا الباب الثالث " السلفية الإسلامية في القرنين التاسع عشر والعشرين " مهتماً برصد التطورات الأخيرة للفكر السلفي السني – الشيعي ، وعلاقته بالأحداث السياسية في الشرق عبر تناول نشأة الحركتان الوهابية في الجزيرة العربية والشيخية في إيران والعراق كنموذج لمحاولات تطوير هذا الفكر في صيغ أكثر تحديداً من الناحية العقائدية ، وتناول رؤيته الاجتماعية والسياسية عبر رصد موقفة الفكري من الثورة والدولة ، والعوامل الاجتماعية والسياسية التي أدت لكثافة انتشاره في الفترة الأخيرة ، وأخيراً الرؤية المستقبلية لهذا التيار وما يمكن أن يتمخض عنه من احتمالات الجمود أو المرونة وتغيير القواعد الفكرية في مواجهة الضرورات المستحدثة .
   في هذه الدراسة لجأت بشكل أساسي للإفادة من قواعد منهج المادية التاريخية ومناهج علم الاجتماع المعرفي في رؤيته لسوسيولوجية تطور الفكر السلفي ودراسة البنية الاجتماعية الإسلامية وذهنيات طبقاتها ، وهي تعد المناهج الأكثر قدرة على التعامل مع النصوص التاريخية المتناقضة في مدلولاتها والمعبرة بشكل واضح عن انتماءات شخصية بالراوي (طبقية ، مذهبية ، وسياسية) ، بالإضافة للإفادة بما وضعته المدرسة التطورية من مناهج أنثربولوجية(*).
   لقد عانت معظم الدراسات التاريخية والفكرية التي تعاملت مع الفكر السلفي من إشكالية ثابتة متمثلة في رسوخ تصورها غير المنطقي بأصالة المصادر والرؤية السلفية للتراث الإسلامي وهي بالتالي خضعت بشكل مباشر رغم كل ما أنتجته الدراسات التاريخية من تطور لهذه الجبرية الدينية تحت ضغط المواجهة الفكرية مع التيار السلفي أو الانحياز له ، متجاهلة تماماً مصادر الفرق الإسلامية الأخرى الأكثر عراقة في نشأتها وصياغة منظومتها الدينية ، وباستثناء المشروع الفكري للأستاذ الدكتور محمود إسماعيل عبد الرازق " سوسيولوجيا الفكر الإسلامي " والذي يبدو متجاوزاً بوضوح لهذه الحالة ، فإن معظم المشروعات الفكرية – حتى اليساري منها – كان مجبراً دوماً على النظرة للتراث الإسلامي من خلال البديهيات السلفية وبالتالي فلم يتمكن من إنتاج رؤية واضحة لهذا التراث بقدر ما ساهم في ترسيخ وضع المنظومة والذهنية السلفية بحيث بدا من الغريب أن يكون الباحثين الليبراليين واليساريين أكثر دعماً للفكر السلفي من باحثيه ، وقد حرصت في هذه الدراسة على تجنب هذا الخطأ والاستفادة من كافة المصادر المذهبية المتوفرة إنطاقاً من قواعد المناهج البحثية وعلى أساس تعريفي الخاص لمصطلح " السلفية " .
   إن اعتماد هذه الدراسة على المادية التاريخية كمنهج في تناول نشأة وتطور ذهنية دينية تقوم على خلفية تطور اقتصادي واجتماعي يقتضي مناقشة الموقف من رؤية ماركس عن النمط الأسيوي في الإنتاج والتي اعتمد عليها الكثير من الباحثين في رصدهم للتراث الإسلامي .
   لابد من الإشارة في البداية إلى أن كارل ماركس وضع رؤيته النظرية عبر رصده لسمات المجتمع الأوروبي الغربي على وجه الخصوص ، وفي إحدى رسائله يقول : " لقد قلت في تحليلي لأصل الإنتاج الرأسمالي : " لكن جميع البلدان في أوروبا الغربية تتحرك على نفس المسار " وعليه ، فالحتمية التاريخية لهذا المسار محصورة بتحديد واضح على بلدان أوروبا الغربية .. فالنقطة المثارة في هذه الحركة الغربية هي تحول أحد أشكال الملكية الخاصة إلى شكل آخر للملكية الخاصة .
   وفي حالة الفلاحين الروس فقد يكون على المرء أن يفعل العكس ، أي يحول ملكيتهم المشتركة إلى ملكية خاصة "[1] .
   وربما تعكس هذه الرسالة افتقار ماركس للكثير من المعلومات حول الأوضاع الاقتصادية في المناطق الأخرى ، وخاصة الشرق الإسلامي وهو ما تشير إليه نصوصه حول نمط الإنتاج الآسيوي ، فقد كتب في " السيطرة البريطانية في الهند " : " .... إن المناخ والشروط الجغرافية ولا سيما وجود مساحات صحراوية شاسعة تمتد من الصحراء الإفريقية عبر شبه الجزيرة العربية وفارس والهند وبلاد التتار إلى هضاب آسيا الأكثر ارتفاعاً ؛ قد جعلت من الري الصناعي بواسطة الأقنية وغيرها من الإنشاءات المائية أساس المزارعة الشرقية ... وهذه الضرورة فرضت استعمال الماء باقتصاد وبالتشارك .... وأوجبت في الشرق تدخل الحكومة المركزي ، ومن هنا تقع على كاهل الحكومات الآسيوية قاطبة وظيفة اقتصادية محددة ، وظيفة تأمين الاشغال العامة "[2] .
   وفي رسالته لأنجلز في نفس العام يقول : " وغياب الملكية أمكن أن يقام عليه البرهان لأول مرة على نطاق آسيا بأسرها بفعل الإسلام "[3] ، وفي تعقيبه على المراسلات بين ماركس وأنجلز يقول لينين حول هذه الرؤية : " مفتاح التقاليد الشرقية هو في غياب الملكية الخاصة للأرض ، فالأرض جميعها ملك رأس الدولة . إن القوى الآسيوية المتقوقعة والمكتفية ذاتياً (اقتصاد طبيعي) تكون أساس التقاليد الآسيوية + الأشغال العمومية للحكومة المركزية "[4] .
   إن ما تشير إليه هذه النصوص هو أن الطبيعة الخاصة لنمط الاقتصاد الزراعي القائم على الأنهار ذات الفيضانات المنتظمة أو شبه المنتظمة في مناطق محاطة بمساحات صحراوية ضخمة بما يمنح الري الصناعي أهمية أكبر أوجد نمط إنتاج يقوم من ناحية على مشتركات فلاحية تستخدم وسائل بدائية في جني محصولها الزراعي ، في مقابل سلطة الدولة التي تظهر كقوة مستبدة مهمتها الإشراف على نظام الري .
   وفي رسالته الثانية إلى أنجلز وتعليق لينين يبدو أن مؤسسي الماركسية قد استنتجوا من هذا التصور لغياب الملكية الخاصة اتخاذ الملكية شكلاً أقرب للمشاعية ، وعدم تبلور الطبقات وبالتالي انتفاء الصراع الطبقي وسيطرة السلطة بشكل استبدادي بفعل حيازتها " لفائض القيمة " عن طريق الريع الخراجي العيني[5] .
   إن نقطة الضعف الأساسية في رؤية ماركس ترتبط بالتجربة التاريخية للحضارات العربية قبل الإسلام ثم التجربة الإسلامية الأولى ذاتها ، ففي جنوب شبه الجزيرة العربية حيث توفرت جودة التربة الصالحة للزراعة وخاصة محاصيل كالمر والبخور نشأت دولة مركزية قوية بكل تأكيد بالرغم من عدم اعتماد الزراعة اليمنية على الري الصناعي في بدايتها ، ويبدو أن التطور السياسي للدول التي قامت باليمن كان يقوم على تبني الحكم الديني الذي يعتمد على القبلية في البداية ثم تتحول إلى الحكم المدني وتخضع لسيطرة النمط التجاري ، وأخيراً مع التوسع العسكري للدولة تتحول إلى الخضوع لسيطرة طبقة من الإقطاعيين العسكريين وكبار الملاك ، ففي دولة سبأ على وجه الخصوص وتحت حكم الكهنة (المكاربة) كان لكل قبيلة يمنية مجلس من أبنائها يساعد الحاكم في وظائفه التشريعية ، وقد استمر هذا المجلس التشريعي في الحكم الملكي ، وهو يشبه إلى حد كبير المجالس التشريعية عند الإغريق ، إذا ما استثنينا عدم ظهور فكرة الانتخاب لهذا المجلس حيث أن رؤساؤه كانوا يتوارثون هذه الوظيفة ويطلق عليهم (الكبراء) ، وهذا التقليد يمثل نوع من التأثر بالوضع القبلي والزراعي لليمنيين ، وعموماً كانت سلطة الملك وهؤلاء الزعماء المحليين تعتمد على ما يملكونه من أراض زراعية ، وقد اختفى هذا المجلس عقب التوسعات العسكرية التي قام بها السبئيون وخضوع الدولة للإقطاع العسكري[6] ، وقد شهدت اليمن صحوة تجارية ترافقت مع ازدهار الحالة الزراعية ، وخضوع اليمنيين لحكم ملكي قوي توج بإنشاء السبئيين لسد مأرب الشهير والذي تولى مهمة احتجاز المياه الناتجة عن السيول والسيطرة على الري ، وقد مثل هذا البناء محاولة ناجحة من هذه الأسرة لإحكام السيطرة على الأوضاع باليمن[7] ، إلا أن هذه السيطرة لم تتحول إلى الاستبداد المطلق بأي حال إلا في أواخر العهد السبئي والذي شهد العديد من التمردات والانشقاقات القبلية وقد أدت هذه الأوضاع إلى ضعف القدرات التجارية لليمن وفقدانها لاحتكار تجارة المر والبخور وخضوعها للسيطرة الحبشية ثم الفارسية[8] .
   وتمثل التجربة الإسلامية نقطة ضعف أخرى ، فقد تمكن النبي (ص) من تأسيس وحدة سياسية مركزها المدينة المنورة (يثرب) بين العرب الشماليين ، قبل دخول اليمنيين والعمانيين في الإسلام ، ذوي الطبيعة الصحراوية والذين تعتمد ثروتهم بالأساس على تجارة العبور بالإضافة إلى زراعة بعض المحاصيل الصحراوية في الواحات كالتمر واعتمدت بالأساس على مياه الآبار الخاضعة لسيطرة القبائل الداخلية .
    ويبدو أن كارل ماركس تنبه فيما بعد لنقاط الضعف المتواجدة برؤيته عن النمط الأسيوي للإنتاج فيقول في سنة 1881 م : " إن كل نمط إنتاج قابل لأن يتطور في اتجاهات متباينة تبعاً للظروف الخارجية وتبعاً للوسط التاريخي الذي تواجد فيه "[9] ، ويبدو ماركس في هذا النص كمن ينفض يده تماماً من محاولة التوصل إلى أي قاعدة عامة لتطور أنماط الإنتاج في الشرق ربما نتيجة ضعف معلوماته عن الإسلام .
   لقد استخدمت في هذه الدراسة – وفي أبحاث سابقة – مُصطلح (الإقطاع المركزي) في وصف الدولة الأموية ، وهو لا يلتقي بأي حال مع وصف ماركس للاستبداد الشرقي ، وإنما قصدت به سيطرة الأمويين بشكل مفرط على السياسات الداخلية في المقاطعات وعدم ترك مساحة كافية من الخصوصية للإقطاع الداخلي في ترتيب أوضاع كل إقليم على حده ، مما أدى لنمو المشاعر القومية والقبلية بين الإقطاع المؤيد للدولة الأموية ، وهو ما تجنبه العباسيون فيما بعد .
   وتبقى الإشارة إلى أن الانتقادات الفكرية التي وجهت في هذه الدراسة إلى بعض الفرق الدينية أو إلى بعض روادها ومؤسسيها لا تعني عدم الاحترام لعقائدها ورؤيتها الدينية الخاصة ، ولم يكن الهدف من هذه الدراسة هو الدخول في صراعات وخصومات فكرية مع هذه الفرق – وهو ما لا ينقص الساحة الإسلامية بكل تأكيد - بقدر ما كان محاولة للبحث في خلفيات إنتاجها الديني والفكري الذي من المؤكد أنها كانت منتمية بشكل مخلص للظروف التي أحاطت بنشأتها ، وبالأوضاع الخاصة بمؤسسيها وروادها ، ولا تمثل نتائج هذه الدراسة حقائق مطلقة وإنما محاولة لإثارة النقاش حول موضوع يمثل إلحاحاً فكرياً أصبح من الواجب على العالم الإسلامي مواجهته في إطار المواجهة الأكبر مع المشروع الاستعماري الغربي .

أحمد صبري السيد علي
4 يناير 2008




* من الملاحظ مدى التشابه بين الخوارج والسلفيين في تعاملهم المندفع مع ما يعتقدون أنه معبر عن الحقيقة الدينية ، وفي تضخيمهم لبعض القضايا غير الجوهرية عموما واعتبارها مؤشراً يحدد مدى إيمان الإنسان من كفره .
* كان القاضي الحنبلي من ضمن القضاة الذين أدانوا معتقدات ابن تيمية الحراني ، كما أن الفقيه الحنبلي سليمان بن عبد الوهاب دون بعض المؤلفات في نقض الأفكار السلفية لشقيقه محمد بن عبد الوهاب من أهمها " الصواعق الإلهية في نقض الوهابية ".
* ظهرت " المدرسة التطورية " في القرن التاسع عشر ومن أبرز روادها " السير هنري مين " و " لويس مورجان " ، وقد تميز رواد هذه المدرسة بتوصلهم إلى أن اكتشاف المراحل المجهولة من التاريخ الإنساني يعتمد على الاهتمام بموضوعين أساسيين وهما العائلة والدين .
د . سيد حنفي عوض – علم الإنسان – بدون ذكر دار النشر – القاهرة 2004 – ص 74 .
[1] - أحمد صادق سعد – تاريخ مصر الاجتماعي – الاقتصادي في ضوء النمط الأسيوي للإنتاج – طبعة دار ابن خلدون – بيروت 1979 – ص 10 .
[2] - د . محمود إسماعيل عبد الرازق – سوسيولوجيا الفكر الإسلامي – طبعة مكتبة مدبولي – القاهرة 1988 – مجلد 1 ج 1 ص 22 .
[3] - م . س – م 1 ج 1 ص 22 .
[4] - أحمد صادق سعد – م . س – ص 11 .
[5] - م . س – ص 11 ، د . محمود إسماعيل – م . س – م 1 ج 1 ص 22 .
[6] - أحمد سوسة – حضارة العرب ومراحل تطورها عبر العصور – بغداد 1979 – ص 218 - 219 ، سبتينو موسكاتي – الحضارات السامية – ترجمة / د. السيد يعقوب – القاهرة 1997 – ص 162 ، 166 – 167 ، هـ . د . كيتو – الإغريق – ترجمة / عبد الرازق يسري – القاهرة 1962 – ص 129 ، أ . هـ . م . جونز – الديمقراطية الأثينية – ترجمة / عبد المحسن الخشاب – القاهرة 1976 – ص 7 - 8 .
[7] - أحمد سوسة – م . س – ص 226 – 227 .
[8] - م . س – ص 231 – 234 .
[9] - د . محمود إسماعيل – م . س – م 1 ج 1 ص 23 .


   تمهيد : الفكر الإسلامي بين مرحلتي النقل الشفاهي .. والتدوين .

   لا يمكن تجاهل مدى ما مثلته عملية تدوين العلوم الإسلامية من علامة فارقة على وضع الفكر والثقافة الإسلامية ، بحيث يمكن اعتبارها بداية لمرحلة فكرية جديدة ومختلفة تماماً عن سابقتها التي عاصرتها الدولتين الراشدة والأموية .
   إن الملاحظ بالنسبة للمرحلة السابقة على التدوين هو عدم وجود علامات أو قواعد محددة يمكنها أن تمنح خصوصية لمدرسة فكرية ما ، وباستثناء الفصائل الراديكالية الشيعية والخوارج فإن الكثير من المحدثين والعلماء الكبار في هذه المرحلة من الممكن نسبتهم لأكثر من طائفة أو مذهب بحسب منظومتهم الفكرية المتنوعة وتطوراتهم العقائدية والفقهية المتغيرة ، بالإضافة لعدم الاتفاق على تعريف محدد بالنسبة للمصطلحات أو المسميات المذهبية ، فبينما يعتبر الإباضية أن مذهبهم قد تأسس على يد المحدث جابر بن زيد الأزدي[1] ، يرى السنة المحدثين أن جابر بن زيد من أئمة سلفهم[2] ، وفي حين تشير بعض المرويات إلى أبو حنيفة النعمان كمنتمي للمرجئة[3] ، ترى مرويات سنية أخرى أنه كان من كبار أئمة أهل السنة[4] ، كما توجد بعض الجدالات حول العلاقة بين التشيع والاعتزال وأيهما الناقل عن الآخر في المسائل الكلامية والاعتقادية وهو ما أجبر الشيخ محمد بن النعمان المفيد فيما بعد على تأليف كتاب لتوضيح هذه المسألة وتبيان حجم الخلاف والتشابه بين الطائفتين[5] .
   إن هذه الخلافات والتداخلات ما بين رجالات ورواد المذاهب والطوائف الإسلامية في العصر الأموي كانت نتيجة مباشرة لعدم قدرة العلماء المسلمين على تدوين العلوم الإسلامية بحيث يمكنهم وضع أسس ثابتة وموثقة لرؤيتهم العقائدية والفكرية ، الأمر الذي أدى لاختفاء المذاهب الفقهية والأصولية في العصر الأموي ، وإن تميزت المدارس الفكرية المعارضة كالشيعة والخوارج ببعض الخصوصيات والثوابت الفقهية والعقائدية الناتجة عن اختلاف مصادر التلقي لديهما ، واختلاف وضعهما في العلاقة ما السلطة السياسية بحيث اضطروا إلى تلقي علومهم بقدر أكبر من السرية ، وهو ما سمح بالنشأة المبكرة للمذهبين .
   لقد ساهم قرار الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بتدوين العلوم وخاصة علم الحديث سنة 143 هـ[6] في نقل الأطروحات الدينية الخاصة ببعض العلماء من حالتها الفردية الضيقة إلى الحالة المذهبية بما تحتاجها من أبعاد سياسية واجتماعية ، ويبدو من الواضح أن حالة التميز والخصوصية التي بدا عليها المذهبين المعارضين قد ساهمتا في دفع الخليفة باتجاه هذا الإجراء في محاولة لاستقطاب بعض المدارس الفقهية الموالية للدولة أو الغير معنية بموقف محدد تجاه الأسرة العباسية ، والتي يمكنها إقامة حالة من التوازن إزاء المدارس المعارضة ، وبديهي أن تدوين العلوم خضع في بداياته لرقابة الأسرة العباسية الحاكمة منذ فترة قصيرة والتي كانت تسعى لترسيخ وضعها السياسي على قمة المجتمع المسلم ، ومن الممكن أن نلحظ بعض ملامح هذه الرقابة في بعض المرويات التاريخية والدينية ذات المدلولات السياسية ، وربما كان مؤتمر مكة التي زعمت بعض المرويات التاريخية عقده قبل سقوط الأسرة الأموية بين العلويين والعباسيين ، وما نتج عنه من نبوءة الإمام جعفر الصادق بتولي العباسيين للخلافة(*) ، والمروية الشهيرة عن ظهور المهدي المنتظر من بين العباسيين واسمه محمد بن عبد الله ، صورة واضحة لحجم التدخلات والمؤثرات السياسية في التدوين التاريخي والديني[7] .
   لقد تنبه الخليفة العباسي إلى أن ما حملته الفرق المعارضة من خصوصيات فقهية وعقائدية في مواجهة حالة الانفلات المذهبي والعلمي للأمويين كان من أهم الدوافع لما حققته من نجاحات نتيجة قدرتها الضخمة على الاستقطاب الجماهيري لمنظومات عقائدية ذات أصول وقواعد ثابتة ، وعلى الرغم من أن تبني الدولة العباسية لمذهب فقهي وأصولي محدد استغرق فترة طويلة زمنياً ، إلا أن الخليفة أبو جعفر سعى من خلال السماح بتدوين العلوم الدينية والتاريخية إلى إنتاج مدارس فكرية دينية وتاريخية متعددة يمكنها تحقيق توازن مع المدارس الرافضة للأسرة العباسية ، خاصة أن هذه المدارس رغم خضوعها لقرارات منع التدوين السابقة إلا أن مدوناتها كانت تنتقل سراً عبر نشطائها في أنحاء العالم الإسلامي بحيث أدت إلى إضفاء حالة من التماسك المذهبي بين أتباعهم وشكلت مجتمعات معارضة وراسخة مذهبياً في أماكن مختلفة .
   إن التطور الذي شهده العالم الإسلامي عبر الانتقال من التلقي الشفاهي للعلوم الدينية إلى التدوين والثبات على القواعد ساهم بقدر كبير في وضع الأطر الخاصة بكل منهج فكري وديني على حدة ، وهو ما منح الحياة الفكرية والثقافية زخماً أكبر نتيجة لحالة الجدل التي نشأت بين هذه المناهج الجديدة والتي سعت لمحاولة الاستدلال على أصالتها الدينية والتاريخية عبر العديد من المؤلفات الدينية (عقائدية وفقهية) ، التاريخية ، والجدلية ، كما كان له دور خاص في التمهيد لترجمة العلوم العقلية والتراث الأدبي للحضارات الأقدم زمنياً بصفة عامة واليونانية منها على وجه الخصوص ، وبالتالي فإن البحث بالتطور الفكري أو الذهني في التراث والحضارة الإسلاميين يجب أن يتم عبر الفصل ما بين المرحلتين اللتين لم تختلفا فقط في نسب الأسرة الحاكمة ونظامها السياسي ، بقدر ما اختلفتا في الأوضاع الاقتصادية ، الاجتماعية ، وامتدت لتشمل الاختلاف في الوضع الديني والثقافي .



[1] - بكير بن سعيد أعوشت – دراسات إسلامية في الأصول الإباضية – طبعة مكتبة وهبة – القاهرة 1988 – ص 16 .
[2] - كمال الدين المزي – تهذيب الكمال – مراجعة / د . بشارة عواد معروف – طبعة مؤسسة الرسالة – بيروت 1980 - ج 4 ص 140 – 141 .
[3] - الحسن بن موسى النوبختي – فرق الشيعة – تحقيق / العلامة السيد هبة الدين الشهرستاني – طبعة دار الأضواء – بيروت 1984 – ص 7 ، محمد بن حبان – المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين - مراجعة / محمود إبراهيم زايد - طبعة دار الوعي – حلب 1396 - ج 3 ص 33 – 37 .
[4] - المزي – م . س – ج 29 ص 136 – 142 .
[5] - الشيخ المفيد – أوائل المقالات – تحقيق الشيخ / إبراهيم الأنصاري – طبعة دار المفيد – بيروت 1993 – ص 33 – 38.
[6] - جلال الدين السيوطي – تاريخ الخلفاء – طبعة دار الفكر – بيروت 1974 – ص 243 .
* يبدو نص هذه المروية واضحاً في انحيازه للعباسيين وربما تقبله المحدثين الشيعة بقدر من التسامح نتيجة ما حمله من نبوءة صادقة للإمام جعفر الصادق ، إلا أن واقع هذا النص يشير لمحاولة إسقاط شرعية ثورة محمد بن عبد الله بن الحسن ضد العباسيين ، وتحويل الخلافة العباسية لإرادة إلهية على الشيعة وأنصار العلويين تقبلها كونها ظهرت على يد الإمام جعفر بن محمد ، كما تحاول المروية إظهار محمد بن عبد الله بن الحسن كمدع للمهدية ، ومعاد للإمام جعفر الصادق الذي شارك عن طريق اثنين من أبنائه فيها مما يثبت تأييده لها .
أبو الفرج الأصفهاني – مقاتل الطالبيين – شرح وتحقيق / سيد أحمد صقر – طبعة دار المعرفة – بيروت (بدون ذكر سنة الطبع) – ص 206 – 208 ، 252 ، 253 – 257 .
[7] - جلال الدين السيوطي – م . س – ص 242 ، 253 ، أبو الفرج الأصفهاني – م . س – ص 206 – 208 ، 252 ، 253 – 257 .



   1 - أثر التطورات الاجتماعية على الآراء الدينية

   لا يتصور معظم المثقفين الدينيين إمكانية أن يكون هناك تأثير حقيقي لأي تطورات اجتماعية على معتقداتهم الدينية ، فهم غالباً ما يرغبون في الاطمئنان إلى أن هذه المعتقدات المتوارثة لم تتغير منذ عهد المؤسس ذاته ، ورغم أن هذا اليقين يفترض نوعاً من التوحد والتناسق الصارم في المعتقدات والشعائر الأمر الذي يتناقض مع واقع أي دين أو معتقد ، فإن الإجابة الأساسية لبعض العلماء السلفيين اقتصرت على توضيح الأسباب الفرعية للخلاف : " وسبب الاختلاف سعة الأدلة، وقصور الأفهام عن بعضها ، فمنهم من لا يبلغه الدليل ، أولا يصح عنده ، أو يفهم منه غير المراد فيفتى باجتهاده ، أو يلحق بعض المسائل بما يقاربها حيث لم يبلغه الدليل "[1] وبناء على هذه الأسباب فقد جرت محاولات لاختلاق شرعية لهذا الاختلاف باعتباره عنصر مرغوب عبر الاستشهاد بمروية منسوبة للنبي (ص) تنص على أن اختلاف علماء الأمة رحمة(*) حيث فسرت هذه المقولة : " ومعنى كون الاختلاف رحمة ومحمودا ما فيه من التوسعة، ونفي الحرج، حيث لم يكلف كل فرد بالعمل بما هو الصواب في نفس الأمر "[2].
   لا يهتم هذا التفسير في الواقع سوى بالتعامل السطحي مع واقع الخلافات الدينية التي بدأت مع المرحلة الثالثة من التاريخ الديني الإسلامي والتي تلت مرحلة التدوين للعلوم الإسلامية وحتى الآن ، لكنه في المقابل لا يفسر أسباب نشوب مثل هذه الخلافات بين الصحابة المقربين من النبي (ص) والذين حظوا بمقدار متقارب من التعامل المباشر وتلقي المفاهيم الدينية على يديه ، ومن ناحية أخرى فإن الواقع التاريخي يشير بشكل واضح لحقيقة أن فكرة الاختلاف الفقهي لم تمثل بالنسبة لأتباع أي دين مجال لنفي الحرج والتوسعة بقدر ما أدت إلى حالة من الاحتقان والعنف حتى في إطار المذهب الواحد(*) الأمر الذي يؤكد مدى قصور هذا التفسير عن التوصل للأسباب الأصلية في نشوء وتباين الآراء الدينية حتى بين أتباع الجماعة الدينية الواحدة والمتفقة على أصول وقواعد تلقي وتفسير النصوص المقدسة .
   إن أي محاولة لدراسة أسباب الاختلافات الدينية التي شهدها العالم الإسلامي عقب وفاة النبي (ص)، يجب أن تعتمد بالأساس على البحث في التطورات الاقتصادية والاجتماعية والحضارية التي شهدتها شبه الجزيرة العربية منذ ظهور الدعوة الإسلامية ، حيث تمثل هذه التطورات الظروف والخلفيات الضاغطة على الوعي الديني لتبني موقفاً أو تفسيراً مغايراً يتلائم مع مصالحه الخاصة ، الاقتصادية ، الاجتماعية ، والسياسية ، دون أن يتناقض – ولو بشكل مظهري – مع النص المقدس(*) .
   لقد شهدت مرحلة كفاح النبي (ص) وأتباعه الأولين في النهوض بالدعوة الإسلامية وتأسيس دولة بالمدينة المنورة (يثرب) لم تلبث أن تحولت لعاصمة تخضع لسيطرتها كل أجزاء شبه الجزيرة العربية ، العديد من المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية ؛ فلم تعد الأرستقراطية القبلية هي صاحبة النفوذ السياسي والاقتصادي في المجتمع العربي القديم ، كما فقد الإقطاع الزراعي في اليمن سطوته الأولى بسبب حرص النبي (ص) على تثبيت ركائز مجتمع الأخوة والذي يعتمد بالأساس على المساواة والعدل الاجتماعي ، وهو ما ساهم في الحد من فروقات الثروة بين الطبقات الاجتماعية ، كما منع تركز النفوذ السياسي في يد أحد الطبقات الثرية مقابل الطبقات والفئات الأخرى ، بالإضافة إلى محاولة إماتة النعرات القبلية والعشائرية التي تعارضت مع تعاليم الدين الجديد وما فرضه من تطورات اجتماعية[3] .
   وعلى الرغم من أن التوفيق لم يكن حليف النبي (ص) في القضاء بصفة نهائية على التقاليد والمشاعر القبلية إضافة للفروقات في الثروة والملكية بسبب تراكمهما لفترات طويلة في يد الأسر الأرستقراطية قبل ظهور الإسلام ، إلا أنه وفي خلال فترات الدعوة استطاع التخفيف بقدر كبير من سلبيات الأوضاع الاجتماعية السابقة على الإسلام ، كما كان من الثابت أن النصوص القرآنية والنبوية في رؤيتها للثروة تضع في الاعتبار ما تشكله من أبعاد اجتماعية ، ويبدو واضحاً أن مدلول هذه النصوص لا يتقبل السماح بأي تراكم للثروة في يد مجموعات المسلمين المالكين لأراضي زراعية أو الذين اتجهوا للتجارة من القرشيين مما قد يساهم في سيطرة الطبقات الثرية على الثروة والنفوذ في المجتمع الجديد ، حيث فرض القرآن الزكاة كضريبة على بعض الممتلكات كالنقود ، والأنعام (الإبل والبقر والغنم) ، والحبوب ، بالإضافة إلى زكاة الفطرة التي يجب دفعها عن الأنفس (زكاة الأبدان) في عيد الفطر والصدقات ، كما فرض ضريبة الخمس على جميع الأموال التي يمتلكها الفرد ؛ وتوضح الآية السابعة من سورة الحشر الغرض الأساسي من فرض هذه الضرائب الدينية - بالإضافة إلى واجبات أخرى - على الأثرياء ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) ، وعلى الرغم من أن الآية تتحدث في الأساس عن قضية إجلاء بني النضير وأحكام الفيء ، إلا أن الشطر الثاني من الآية يوضح تماما رفض القرآن لسيطرة الأثرياء – حتى لو كانوا من المسلمين - واستحواذهم على الثروة  ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم )[4] ، وقد استطاع النبي (ص) عبر التأثير في الأوضاع الاجتماعية التقريب بقدر ما بين حجم الملكية والثروة لدى أتباعه أثناء فترة الدعوة تدريجياً ، في محاولة للقضاء على التناقضات الاجتماعية التي كانت تعاني منها المجتمعات العربية في هذه الفترة .
   لقد ترافق سقوط نفوذ الزعامات الأرستقراطية القديمة مع حالة من الحراك الاجتماعي في المدينة المنورة والتي تميزت بخصوبة أرضها ، وخضوعها لسيطرة كبار ملاك البساتين الزراعية ، وكبار التجار اليهود الذين تولوا مهمة نقل منتجاتها الزراعية كالتمر والفواكه والأرز للأسواق الخارجية ناهيك عن وقوعها من الناحية الجغرافية على طريق التجارة بين اليمن والشام[5](*) ، وأدى الصدام المبكر بين المسلمين ويهود بني قينقاع إلى تحجيم النشاط التجاري لليهود عموماً ، بالرغم من عدم صحة ما ادعته بعض المرويات التاريخية من أمر النبي (ص) بإجلاء بني قينقاع عن المدينة[6] ، لكن يبدو أن هذه الهزيمة قد قلصت للغاية من نشاطهم التجاري وأجبرتهم على الاكتفاء بأعمالهم الحرفية[7](*) ، وهو ما سمح للتجار السابقين من المهاجرين بالسيطرة على حركة نقل المنتجات الزراعية والحرفية بالمدينة خاصة بعد أن أدت الانتصارات التالية على اليهود من بني النضير وبني قريظة إلى بالإضافة للانتصارات العسكرية على يهود خيبر والتحالف القريشي في غزوة الأحزاب الشهيرة لإحكام المسلمون سيطرتهم الكاملة على الأوضاع الاقتصادية بالمدينة إضافة لمناطق أخرى من الجزيرة العربية دخلت تحت سيطرة الدعوة الإسلامية .
   كانت طبقة التجار الجديدة في المجتمع الإسلامي ذات طبيعة متميزة ، فقد انتمى معظم أبنائها لعشائر قرشية ضعيفة المكانة وبالتالي قليلة الثروة والتأثير والنفوذ ، وبينما سعت الأرستقراطية القبلية - المسيطر الأساسي على حركة التجارة في المجتمع القبائلي - لإرساء حالة الجمود الاجتماعي حفاظاً على مكتسباتها المتوارثة ، فإن طبقة التجار الجديدة التي أتسم أبنائها عموماً بحالة من العصامية استفادت من رفض تعاليم الدين الإسلامي لمفردات التراث القبلي التقليدي واحتياج الدولة الإسلامية الوليدة لتجار منتمين لها في مواجهة السيطرة اليهودية على الأوضاع الاقتصادية على فرض حالة من المساواة في فرص العمل التجاري[8] ، خاصة أن الطبقة التجارية الناهضة لم تقابل بمواجهة حقيقية من طبقة أرستقراطية أو إقطاعية راسخة في المدينة .
   في المقابل كان كبار الملاك - شبه الإقطاعيين - في يثرب يعانون من عدم قدرتهم على التطور مع المعطيات الجديدة ، خاصة أن دخول الإسلام إلى يثرب أجهض بالفعل محاولات تطوير الوضع الاقتصادي في الواحة الحجازية عبر تنصيب عبد الله بن أبي بن سلول الخزرجي كملك على سكانها من الوثنيين واليهود[9]، وهو ما كان يرفضه صغار ومتوسطي ملاك البساتين الذين كانوا أكثر المتفاعلين مع الدعوة الإسلامية[10](*) ، إضافة إلى حالة التشرذم التي عانت منها بسبب احتفاظ بعض زعاماتها بقدر من تراثهم القبلي التقليدي فيما يخص موقف كل من قبيلتي الأوس والخزرج تجاه القبيلة الأخرى وهو ما حال دون وجود خط سياسي موحد لهذه الشريحة الاجتماعية[11](*)، واضطرار بعض هذه الزعامات ، غير المخلصة للإسلام ، لمسايرة الاتجاه العام للأنصار – من متوسطي وصغار الملاك - في التخلي عن تحالفاتهم وشراكاتهم مع اليهود[12](*) ، ويبدو أن سقوط السيطرة الاقتصادية اليهودية في المدينة قد أدى لخسائر ضخمة لهم ، على أن صدام بعض أقطابها – كعبد الله بن أبي بن سلول – مع النبي (ص) واضطراره لتوجيه عدة ضربات سياسية للمجموعة المنافقة – حسب التعبير القرآني - كان من أهم الأسباب التي أدت إلى عدم قدرتهم على مواجهة التحديات في المجتمع الجديد[13] في ظل تنامي نفوذ الطبقة التجارية الإسلامية .
   على أن الطبقات الكادحة في المجتمع الإسلامي والتي تكونت أساساً من فقراء المهاجرين والأنصار والحرفيين والعبيد والموالي المحررين[14] ، كانت – بشكل بديهي - الأكثر استفادة من مبادئ مجتمع الأخوة والسعي الإسلامي لإسقاط التقاليد القبلية التقليدية ، ورفض التصنيف بناء على العرق أو الثروة ، وقد اكتسب أقطاب هذه الطبقة نفوذاً كبيراً[15](*) خلال كفاحهم مع النبي (ص) وبالتالي فقد كانوا الطبقة الأكثر حرصاً على الالتزام التام بالتشريعات الإسلامية والتفسيرات النبوية لنصوص القرآن الكريم .
   إن هذا التقسيم الطبقي لم يعن على الإطلاق القضاء تماماً على نفوذ الأرستقراطية القبلية سواء بشكلها التجاري في مكة أو بشكلها الزراعي في المدينة المنورة ، وإن أدى بالتأكيد لتحجيم نفوذها ، وأجبرت الارستقراطية في يثرب للاستسلام أمام الدعوة الإسلامية عقب القضاء على نفوذ اليهود وطرد قبيلتي بني النضير وبني قريظة ، كما اضطرت نظيرتها في النهاية وعقب فتح مكة للاستسلام وتظاهرت باعتناق الإسلام في محاولة للإبقاء على بعض النفوذ[16](*).
   لقد أظهرت الصراعات السياسية والدينية التي نشبت في أعقاب وفاة النبي (ص) مدى تأثير هذا التطور الاجتماعي على الفقه السياسي والآراء الدينية التي تبنتها فيما بعد الفرق الإسلامية ، رغم أن الخلاف لم يتجاوز في تلك المرحلة مشكلة القاعدة التي يجب على أساسها اختيار من يخلف النبي (ص) على جماعة المسلمين .
   إن علاقة التأثر ما بين الحراك الاجتماعي والتطورات الفكرية في المجتمع الإسلامي في مرحلة ما قبل التدوين تنقسم بدورها إلى فترتين ما بين الخلافة الأولى (الراشدة) والتي سادت فيها سلطة اعتمدت لحد كبير على الشوروية في اتخاذ القرار ، والخلافة الأموية التي قامت على أسس ملكية كاملة وإن احتفظت ببعض المظاهر الإسلامية ، وطبيعي أن كلا الفترتين أدتا لمؤثرات متباينة على الذهن والثقافة الإسلامية كنتيجة لحالة التطور الاقتصادي والاجتماعي بعد أن تحولت الدولة العربية إلى إمبراطورية تضمنت معظم حضارات الشرق القديم .

   1 – الخلافة الأولى

   مثلت حادثة وفاة النبي (ص) بداية انفجار الصراع الطبقي في المجتمع الإسلامي الجديد والذي كان مؤجلاً إلى حين ، فقد سعت الأرستقراطية اليثربية التي كانت تراقب حالة تمدد نفوذ طبقة التجار الإسلامية الجديدة المكونة أساساً من المهاجرين ذوي الأصل القرشي بقلق ، وربما زاد من قلقها تظاهر الأرستقراطية القرشية القديمة باعتناق الإسلام الأمر الذي قد يؤدي لحالة من التحالف بين الطرفين انطلاقاً من الانتماء القبلي المشترك[17](*) ، لقد ذكر الزبير بن بكار هذه المروية التي توضح الوضع الحقيقي لهذا التحالف : " لما بويع أبو بكر واستقر أمره، ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته، ولام بعضهم بعضاً، وذكروا علياً وهتفوا باسمه وإنه في داره لم يخرج إليهم. وجزع لذلك المهاجرون وكثر في ذلك الكلام. وكان أشد قريش على الأنصار نفر فيهم : سهيل بن عمرو والحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل، ... فلما اعتزلت الأنصار تجمع هؤلاء فقام سهيل بن عمرو فقال : يا معشر قريش إن هؤلاء القوم قد سماهم الله الأنصار وأثنى عليهم القرآن فلهم بذلك حظ عظيم وشأن غالب، وقد دعوا إلى أنفسهم وإلى علي بن أبي طالب وعلي في بيته لو شاء لردهم ! فادعوهم إلى صاحبكم (أبو بكر) وإلى تجديد بيعته فإن أجابوكم وإلا فاقتلوهم، فو الله إني لأرجو أن ينصركم عليهم كما نصرتم بهم .
   وقال الحارث : فإنه قد لهجوا بأمر إن ثبتو عليه فإنهم قد خرجوا مما وسموا به وليس بيننا وبينهم معاتبة إلا السيف. وقال عكرمة : إن الذي هم فيه من فلتات الأمور ونزعات الشيطان وما لا يبلغه المنى ولا يحمله الأمل، اعذروا إلى القوم فإن أبوا فقاتلوهم "[18] .
   إن هذه الرواية تشير إلى طبيعة هذا التحالف بكل وضوح ، خاصة أن المتعصبين لأبي بكر لم يكونوا من المهاجرين أو الأنصار ، بل أنهم من زعامات قريش القديمة والذين سبق لهم مواجهة الرسول – ومعه أبو بكر - في العديد من المعارك ، وقلقهم الواضح من تولي علي بن أبي طالب للخلافة رغم انتماؤه إلى قريش من ناحية النسب يظهر وجود وعي بحقيقة الصراع الطبقي الذي سيحدث في حالة توليه للسلطة بمساعدة الأنصار ، كما يظهر وجود محاولات متعددة قادتها الطبقات الاجتماعية المتضررة من سيطرة طبقة التجار الجديدة لتولية علي بن أبي طالب الخلافة في عهد الخليفة الأول .
   والواقع أن هذا التحالف مثل ضرورة حقيقية بالنسبة للطبقة التجارية الجديدة نظراً لحاجتها إلى قوى مادية لمواجهة الغالبية من الأنصار ، ومن جهتها كانت الأرستقراطية القرشية تخطط لمعاودة السيطرة على الأوضاع في الدولة الجديدة وتصدر الهرم الاجتماعي إلا أن تاريخها كان يقف حجر عثرة في وجه تحقيق هذه المطامع رغم إمكانياتها المادية الكبرى، وبالتالي فقد كانت علاقة التحالف تبادلية ، فطبقة التجار الإسلامية كانت في حاجة إلى الدعم المادي الضخم ، بينما كانت الأرستقراطية القرشية في حاجة إلى من يمنحها الشرعية داخل الدولة .
   ومع نجاح المخطط الذي وضعته الطبقة التجارية الجديدة في اعتلاء سدة الحكم عبر تولي مرشحها أبو بكر بن أبي قحافة (الصديق)[19] للخلافة فقد بدأت الحياة الدينية في المجتمع الإسلامي تأخذ منحى آخر عبر صياغة بعض المفاهيم في الفقه السياسي والاجتماعي التي سعت السلطة الجديدة لاستخدامه في سبيل فرض سيادتها .
   إن شرعية وطريقة انتخاب القائد على جماعة المسلمين تمثل المفهوم الأول الذي جرى صياغته في أثناء المفاوضات التي حدثت بين أقطاب الأنصار والتجار من المهاجرين ، فقد رأت المجموعة الأولى أن حمايتها ومساندتها للنبي (ص) في كفاحه لنشر الدين الإسلامي والتي تعد الأكثر تأثيراً بالتأكيد ، مقابل تخلي قبيلته الأصلية (قريش) عنه وعن القلة التي آمنت به ،  إضافة لاستضافتها للمجموعة المسلمة المهاجرة ومساعدتها للتأقلم على الوضع الجديد خاصة من الناحية المادية عبر قبولها فكرة التآخي بين المهاجرين والأنصار[20] ، هي تضحيات تمنح زعاماتها الشرعية في خلافة النبي (ص) ، وتسقط أي شرعية يمكن أن تدعيها الزعامات القرشية بحق القرابة[21] الذي كان يمثل – في هذه الفترة – حقاً تقليدياً في الفكر السياسي السائد .
   ومن الواضح أن زعامات الأنصار وخاصة من الخزرج كانت ترغب في إقامة حكومة ملكية وراثية تعتمد على الشريعة الإسلامية كقانون للدولة الجديدة ، ومن الواضح أن أحلام الملكية كانت ما تزال تراود بعض الخزرجيين بعد فشل عبد الله بن أبي في تحقيقها سابقاً ، وربما أملت هذه الزعامات في فرض رؤيتها للحكم بشكل تدريجي تحسباً من توجس نظرائهم في الانتماء الأنصاري الأوسيين[22](*) ، والمعارضة الأكيدة للمهاجرين القرشيين المدعومين من الأرستقراطية المكية القديمة ، وقد يحصلون على دعم بعض القبائل العربية وخاصة الشمالية منها التي قد ترفض الخضوع لحكومة ملكية تنتمي لأصول يمنية ، بالإضافة إلى الموالين لعلي بن أبي طالب الذين تميزوا بتنوع انتماءاتهم العنصرية والقبلية .
   من ناحية أخرى اعتبر المهاجرون – المنتمون لقبيلة قريش - أن قرابتهم من النبي (ص) وسابقتهم إلى الإسلام تمنحهم شرعية خلافة النبي (ص) ، وقد استند عمر بن الخطاب في تمرير هذا الرأي إلى الفكر السياسي السائد : " إنه والله لا يرضى العرب أن يؤمروكم ونبيها (ص) من غيركم ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمورها من كانت النبوة فيهم وولى أمورهم منهم ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين . من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل . أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة "[23] ، وعلى الرغم من أن هذه المقولة تشير إلى أنه لم يكن ثمة فروق حقيقية في الرأي بين الفريقين ، حيث لجأ كلاهما لمحاولة حصر الإمارة في نطاق جماعته(*) ، فالواقع أن رؤية الطبقة التجارية كانت بعيدة تماماً عن محاولات إنشاء أي ملكيات وراثية تتعارض مع جوهر الدين الإسلامي ناهيك عن تعارضها مع الثقافة العربية السائدة ومصالح الطبقة الجديدة التي تنمو بشكل أكثر قوة في إطار نظام سياسي تتوزع فيه فرص وشرعية تولي السلطة بين أكثر من منافس ، ومن الواضح أن اشتراط قرشية الخليفة لم يكن سوى محاولة لإحراج الأنصار ، ففي عهد الخليفة عمر بن الخطاب شهدت الطبقة التجارية الإسلامية تطوراً اقتصاديا ضخماً بعد نجاحها في السيطرة على طرق التجارة بين الشرق والغرب إضافة إلى استيلائها على الهلال الخصيب ومصر وأراضي الإمبراطورية الساسانية ، ما أدى لزيادة حجم ثرواتها ونفوذها السياسي ، وقد سعى الخليفة للحفاظ على هذه المنجزات عبر اتخاذ بعض التدابير تجاه الوضع الجديد للثروة في المجتمع الإسلامي والتي سعى منها لتقوية وضع طبقته ومحاولة دمج الأرستقراطية القرشية السابقة بين أفرادها ، فقد قرر إعادة توزيع العطاء بنسب متفاوتة على أساس الأسبقية في الإيمان والجهاد ومن الغريب أنه وضع المقاتلين في بدر والارستقراطية القرشية القديمة في مكانة واحدة[24](*) ، ورفض تقسيم أراضي سواد الكوفة على الفاتحين خوفاً من تشكيل أرستقراطية إسلامية قد تؤدي لتحطيم منجزاته الطبقية[25] ، وبديهي أن هذه التطورات الاقتصادية والاجتماعية قد أدت لبعض التغيرات في الفكر السياسي لدى أبناء الطبقة التجارية وعلى رأسهم الخليفة ذاته ، سواء من ناحية أسلوب تولي الخلافة أو من ناحية شروط الانتماء التي كانت قاصرة سابقاً على مهاجرة قريش ، فقد اعتبر الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أن تولي الخلافة يجب أن يتم عبر الشورى مؤكداً على أن طريقة تولي الخليفة الأول ومن ثم توليه هو للخلافة تمثل حالة استثنائية[26] ، كما تشير بعض المرويات إلى تقديم الخليفة الثاني لولاء المرشح لنموذجه في الحكم على الانتماء القرشي في مدحه لسالم مولى أبي حذيفة ورغبته في ترشيحه للخلافة من بعده[27] ، وتشير هذه النصوص إلى أن نجاح مشروع الطبقة التجارية الجديدة في تحقيق تطوره الطبيعي ربما كان سيؤدي بالدولة الإسلامية إلى نموذج أكثر شوروية وانفتاحاً من الناحية السياسية .
   بالنسبة للكادحين فقد تبنى الغالبية العظمى منهم الدعوة لعلي بن أبي طالب كإمام[28] وليس كخليفة ، ومن الطبيعي أن لقب الإمام الذي تميز به علي بن أبي طالب في التراث الإسلامي يفترض مهاماً أكبر من لقب الخليفة المختص أكثر بالشأن السياسي والإداري للدولة ؛ إن اعتبار علي بن أبي طالب إماماً بعد النبي (ص) على أساس حادثة غدير خم المشهورة[29](*) عنى لدى هذه الطبقة عدم السماح للشخصيات الأخرى بمحاولة إنتاج تفسيرات جديدة للنصوص الإسلامية تساهم في حرفها عن أهدافها الحقيقية التي تصب في صالح المستضعفين على أساس أن علي بن أبي طالب – كما تشير بعض المرويات – هو المتزعم لهذه الطبقة منذ عهد النبي (ص)[30](*) ، وربما تقترب هذه الفكرة نوعاً من ديكتاتورية البروليتاريا التي أنتجها كفاح الحزب الشيوعي الروسي في بدايات القرن العشرين[31](*) من ناحية تخوفها من قدرة الطبقات المُستغِلة على القيام باختراق المؤسسات المدافعة عن حقوق الطبقات المُستَغلة (دينية أو مدنية) ، ومحاولة حرفها عن مسارها الأساسي إلى مسارات أخرى تصب في مصالحها الخاصة ، وهي تلجأ بالتالي إلى تحديد وحصر الشرعية في إطار شخص محدد أو حزب .
   وقد ساهم التحالف السياسي بين الأرستقراطية القرشية والطبقة التجارية الإسلامية ومحاولات الخليفة الثاني لدمجهم في منظومته السياسية للاستقواء بهم في مواجهة الاتجاهات الأخرى إلى زيادة التخوف لدى العناصر الكادحة ودفعها للتمسك أكثر برؤيتهم السياسية والدينية وصياغتها بشكل متكامل في إطار عقيدة الإمامة التي نشأت كرد فعل على ما اعتبرته هذه الكوادر تراجعاً عن جوهر الشريعة الإسلامية المنحاز لقضاياها(*) .
   إن كون الشريعة الإسلامية هي الأساس الذي ارتكنت عليه كل الرؤى السياسية المتباينة عقب وفاة النبي (ص) أدى إلى امتداد هذا التباين في التفسير لأحكامها الشرعية بسبب محاولة هذه الرؤى تفسير نصوصها بما يخدم سيادتها الاجتماعية والسياسية ، وهو ما أدى لنشأة مجموعة من الآراء العقائدية والفقهية كانت الأساس الذي نشأت عليه المذاهب الدينية في فترة لاحقة .
   كانت المشكلة المطروحة في البداية حول العلاقة بين الخليفة وصلاحياته وبين سنة للنبي (ص) ومدى ضرورة التزام الخليفة بهذه السنة ، وقد تنبه الخليفة الأول أبو بكر منذ بداية توليه الخلافة لخطورة هذه المشكلة بالنسبة لمصلحة طبقته التجارية والتي لا يمكنها الالتزام بشكل مطلق بقواعد السنة النبوية وتفسيرها للنصوص القرآنية وبالتالي فقد أعتذر بكل صراحة في بداية خلافته عن عدم قدرته الالتزام بالسنة النبوية : " أيها الناس ، لوددت أن هذا كفانيه غيري ، ولئن أخذتموني بسنة نبيكم ما أطيقها ، إن كان لمعصوماً من الشيطان ، وإن كان لينزل عليه الوحي من السماء "[32] ، إلا أن هذا التصريح لم يؤد بالخليفة لاتخاذ إجراءات مخالفة للسنة النبوية بشكل حاد ربما لقصر مدة تولية للخلافة ، وقد اتخذت بالفعل في عهد الخليفة الثاني إجراءات صريحة في مخالفتها لفعل النبي (ص) اعتبرها الخليفة الثاني ضمن ما يحق له الاجتهاد فيه لمصلحة الأمة ، وربما كان موقف الخليفة الأول من ضم الخمس إلى بيت المال[33] ، وطرد الخليفة الثاني لبعض قبائل أهل الكتاب (يهود ومسيحيين) من جزيرة العرب إلى الشام والعراق[34](*) ، وإلغاء المساواة في العطاء من أبرز نماذج هذه المخالفات التي تغلبت فيها مصلحة الطبقة على ضرورة الالتزام بتصرف النبي (ص)[35] .
   وإذا كان الموالون لعلي بن أبي طالب قد اعتقدوا بأن كل سنة النبي (ص) ملزمة للحكام انطلاقاً من تقديسهم لشخصيته كمبلغ للدين واعتباره معصوماً عن الخطأ مهما بلغ قدر ضآلته[36](*) ، فإن مصالح الطبقة التجارية قامت على محاولة تحجيم هذا الاتجاه عبر التركيز على العوامل البشرية في النبي (ص) وربما بشكل مبالغ فيه أحياناً ، وقد انتشرت مرويات تشير إلى نزول آيات من القرآن الكريم تؤيد موقف عمر بن الخطاب في خلافاته مع النبي (ص) ، إشارة إلى احتمال وقوع الخطأ في تقدير المواقف غير التبليغية من النبي (ص) ، وفي المقابل إمكانية أن يكون أحد الصحابة أكثر وعياً في تقديره لذات المواقف[37](*) .
    ورغم الانتصار المؤقت الذي أحرزته الطبقة التجارية الإسلامية على زعامات الأنصار و الكادحين ، فقد أدرك الخليفة الثاني في مرحلة لاحقة أن هذا الانتصار مهدد من قبل التيار الموالي لعلي بن أبي طالب ما لم يتم الترويج لهذا النموذج بين بعض الفئات التي اعتبرت في مرحلة سابقة معادية خاصة بعد أن لاحظ أن سقوط الطموحات الأنصارية في تولي الخلافة أرتبط بميل قوي في هذا الوسط لترشيح علي بن أبي طالب كبديل منذ سقيفة بني ساعده[38](*) ، وقد تطور هذا الاتجاه بين الأنصار حتى تحول لطابع عام ، وبالتالي فقد سعى الخليفة لدمج فرقاء الماضي القرشيين وأبناء القبائل العربية التي تمردت على الدولة ورفضت تولي الخليفة أبو بكر لمقاليد السلطة[39](*) في إطار فئته الاجتماعية الجديدة عبر تغيير منظومتهم الاجتماعية والدينية والاعتماد عليهم بشكل أكبر في إدارات الدولة ، وقد اكتشف الخليفة في أواخر حياته خطأ هذا التصور فيما يخص الأرستقراطية القرشية ووعد في بعض التصريحات بالتراجع عنه الأمر الذي عجل باغتياله[40](*).
   إلا أن هذه المحاولات نجحت بشكل أكبر في نطاق أبناء القبائل المتمردة والتي استفادت من الفتوحات العسكرية التي قام بها الخليفة ، لكن على المستوى الديني تأثر أبناء هذه القبائل ببعض القرارات التي أصدرها الخليفة الثاني أثناء صراعه مع التيار الموالي لعلي بن أبي طالب ، حيث حاول الخليفة التأكيد على حصر التشريع في نطاق القرآن الكريم والتقليل من قدسية سنة النبي (ص)[41] ، وبالتالي فقد أرسل بعض الشخصيات الموالية له من الصحابة إلى مناطق تمركز هذه القبائل لتحفيظهم القرآن الكريم مقروناً بالمنع التام من أي تداول للسنة النبوية[42](*) ، وتشير المرويات التاريخية إلى أن بعض الصحابة ممن خالفوا هذا الأمر قد واجهوا عقوبات بالاعتقال[43](*) ، إلا أن هذا الإجراء لم يعن الإلغاء النهائي للسنة النبوية فمن المعروف أن بعض الشخصيات فقط كان مسموحاً لها برواية الحديث النبوي والفتوى كعبد الله بن عباس وأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر[44] ، كما حاول الخليفة تجاوز سلبيات عزل السنة النبوية عن القرآن الكريم عبر إلغاء المناقشات الخاصة ببعض التساؤلات التي نشأت عن القدر والعدل[45] ، وقد منح الخليفة القراء الذين تمكنوا من حفظ القرآن بهذا الشكل المعزول عن السنة النبوية جوائز مالية ضخمة[46] ، ومع حجم الاهتمام والتعظيم الذي عامل به الخليفة هذه المجموعات الدينية[47](*) فيمكنني التأكيد على أن شخصياتها حصلت على مكانة ونفوذ ديني ضخم بين قبائلهم كان له تأثيره في تحجيم وضع الزعامات التي تبنت التمرد الأول على مركزية المدينة المنورة وتشكيل زعامات قبلية جديدة تدين بالولاء لنموذج عمر بن الخطاب الذي يبدو أنه في هذه اللحظة كان قد قرر تجاوز مرحلة الانتماء القرشي إلى مرحلة الانتماء الطبقي الكامل .
   لقد أدت هذه الممارسات إلى نشأة شريحة اجتماعية غير منتجة ارتبطت مصالحها الاقتصادية والاجتماعية بالدراسة الظاهرية لنصوص القرآن الكريم منفصلاً عن السنة النبوية وبالتالي فلم يكن لهم أي دراية بأسباب النزول أو تفسير بعض الآيات التي ربما كانت تحمل معان مجازية ضمنية ؛ ورافضة تماماً للمناقشات الدينية التي لم ترد مصطلحاتها في القرآن الكريم بشكل متطابق حتى لو تواجدت ضمنياً .
   وعلى الرغم من أن الجزئية الأخيرة ربما لا تمثل مظهراً حقيقياً من مظاهر الطبقة التجارية ، المعروفة بالليبرالية الفكرية ، إلا أنه يلاحظ عدم وجود موقف معين من الحريات الدينية لدى زعمائها ، ومن الواضح أنها تتشدد في تطبيق فكرها الديني لمرحلة مؤقتة تبدأ بعدها في تخفيف تشددها تدريجياً وبحسب الظروف الموضوعية ؛ على أن شريحة القراء لا تعدو أن تكون أحد النتائج السلبية لقرارات عمر بن الخطاب ولا يمكن تصنيفها ضمن الطبقة التجارية في هذه الفترة ، ومن ناحية أخرى فرغم التزام كوادر الطبقة التجارية الإسلامية بقرارات عمر بن الخطاب فإنها لم تسقط في فخ التشدد ومن المؤكد أن درايتها السابقة بالسنة النبوية عبر مرافقة معظم أفرادها للنبي (ص) هو ما قلل من سلبيات القرارات الدينية ذات الخلفية السياسية للخليفة الثاني .
   على أن اضطرار الخليفة في أثناء احتضاره لعقد شورى شكلية بين ستة مرشحين أكثرهم أهمية هما علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان ، وخلو الشورى من أي مرشح من القبائل العربية الأخرى أو الأنصار ، وتدبير قواعد ممارسة الشورى بحيث تنتهي لنتيجة محسومة مسبقاً بتولي عثمان بن عفان للخلافة[48] ، إنما يشير إلى وعي الخليفة بفشله في فرض نموذجه على الواقع الإسلامي نتيجة عدم قيامه بتطوير الوضع التجاري عبر استخدام عملة إسلامية خاصة والاهتمام بتطوير الإنتاج البضائعي وتحول الطبقة التجارية لوسيط بين منتجين ، وعلى الرغم من تغير وضع الملكية في عهد الخليفة بما يخدم الوضع التجاري إلا أن الطبيعة الصحراوية للعاصمة في مقابل رفض الخليفة للملكية العقارية في الأراضي المفتوحة خوفاً من الانقلاب الارستقراطي كان نقطة ضعف حقيقية وزاد عليها تحريم الشريعة الإسلامية للمعاملات الربوية واكتناز المال بالإضافة لما تضمنته من نصوص تحث على تحرير العبيد وتعتبره شرطاً أساسياً للتكفير عن بعض الآثام الدينية والاجتماعية[49] .
   لقد أدرك الخليفة حقيقة تغلغل الأرستقراطية القرشية في إدارات الدولة وقيامها بتبني مشروع خاص والضغط في سبيل تنفيذه ، ومن المحتمل أن الخليفة كان يأمل في أن يتمكن عثمان بن عفان والذي يجمع بين الانتماء للمهاجرين وبين الانتماء السابق للأرستقراطية القرشية في إعادة التحالف بين زعامات المشروعين بما يكفل الحفاظ على ما قام به من منجزات ، والواقع أن الخليفة الثالث تمكن من تنفيذ هذه المهمة رغم تجاوزه أحياناً على سيرة وأساليب الخليفة السابق والتي أقسم على الحفاظ عليها قبل توليه الخلافة[50] ، فقد أسقط الخليفة القرار السابق بمنع تملك الأراضي الزراعية في سواد الكوفة[51] ، وسمح للصحابة والقرشيين بالتنقل بين أقاليم الدولة وتملك الأراضي الزراعية[52] ، وأدت هذه المستجدات لدمج شريحة القراء في إطار الطبقة التجارية مع استغلال أبناءها لهذا القرار في اقتناء العقارات كغيرهم من كبار التجار ، إلا أن عثمان بن عفان ظل ملتزماً بتنفيذ أغلب القرارات الدينية التي أصدرها سلفه ربما بسبب استمرار الظروف الموضوعية التي أدت لصدورها[53](*) .
   على أن السنوات الست الأخيرة من سلطة الخليفة شهدت تمكن الأرستقراطية القرشية من فرض سيطرتها بشكل كامل على الدولة ، واتخذت قرارات الخليفة الثالث منحى مجاهر بالانحياز لمصالح أقاربه من بني أمية والموالين لهم من باقي القبائل والعشائر العربية[54] ، وهو ما أثار سخط الكادحين الذين اكتشفوا أن نفس الشخصيات التي اتخذت مواقف متطرفة في عدائها للنبي (ص) والدعوة الإسلامية هي التي تسيطر على شئونها في اللحظة الراهنة ، كما شعرت الطبقة التجارية الإسلامية بالخطر على مكتسباتها في عهد الخليفة الثاني والشطر الأول من عهد الخليفة الثالث ، ومن الواضح أن كلا المشروعين قد عملا على إسقاط الخليفة الثالث ، إلا أن آرائهما تجاه مصيره كانت مختلفة حيث لم ير الإمام علي ضرورة لقتله ، بينما كانت الطبقة التجارية الإسلامية والقراء وحتى أم المؤمنين عائشة يصرون على التخلص من الخليفة نهائياً[55] ، ورغم أنه من المبالغة الاعتقاد بوجود تنسيق ما في التحرك بين زعامات المشروعين ، فالواقع أن تصرفات كل منهما خدمت مسعى الآخر في إسقاط سلطة الخليفة الذي لم يعد قادراً سوى على فرض سيطرته داخل منزله ، وانتهى الأمر بقتله بعد أن تخلى عنه زعماء الأرستقراطية على أمل توليهم السلطة بشكل كامل عبر المطالبة بثأر الخليفة[56](*) .
   وعلى الرغم من سلبيات قرارات عثمان بن عفان بشكل مجمل على الواقع الإسلامي فقد ساهمت لحد كبير في التخفيف من تشدد القراء بعد أن تحول الكثير منهم لممارسة التجارة وامتلاك العقارات وبالتالي فلم تعد مصالحهم مرتبطة بشكل ديني محدد بقدر ما أصبحت تؤثر عليها أوضاع اقتصادية أخرى ينبغي التعامل معها بمرونة .
   لقد أدى نجاح الثورة الشعبية ضد الخليفة الثالث لتولي الإمام علي بن أبي طالب بعد أن رفضت القيادات الشعبية للثورة منح الخلافة لأي من الشخصيات المعروف عنها الانتماء للهوية القرشية ، وبالرغم من قرشية علي بن أبي طالب فإن تمسكه بالتعاليم الأصيلة للمعتقد الإسلامي التي ترفض الاعتراف بالانتماء القبلي وحرص قريش على منعه من تولي الخلافة بالإضافة لانحيازه للكادحين مثلت مؤهلات كافية كي تطلب منه قيادات الثورة بإلحاح تحمل مسئولية مواجهة الأوضاع المضطربة الناتجة عن موت الخليفة السابق قتلاً[57] .
   ومن الواضح أن كل من طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وهما القيادتان الجديدتان لمشروعات الطبقة التجارية الإسلامية قد اضطرا لمبايعة الإمام علي بن أبي طالب تحت ضغط المطالبة الجماهيرية الضخمة ، ورغم أن هذه البيعة أفسدت مشروعاتهما بالاستيلاء على السلطة بصفة مؤقتة إلا أنهما سعيا للاستفادة من التاريخ الكفاحي المشترك وقرابة النسب بينهما وبين الإمام علي في الحصول على مكتسبات سياسية قد تعد قاعدة لانطلاق مشروعاتهما المستقلة مستقبلاً حيث طلب طلحة تولي إمارة البصرة في حين طلب الزبير تولي اليمن[58] ، ومع رفض علي بن أبي طالب لهذه المطالبات فقد بدأ كلاهما في الاستعداد للصدام خاصة بعد اكتشافهما أن خطورة مشروعات علي بن أبي طالب لا تقل عن خطورة مشروعات الأرستقراطية القديمة وإن كانت مختلفة في أهدافها .
   لقد شهدت فترة خلافة علي بن أبي طالب عودة التحالف مرة أخرى بين الطبقة التجارية الإسلامية والطبقة الأرستقراطية القرشية والتي تحولت في عهد عثمان بن عفان إلى ما يشبه الإقطاع بعد سماحه لها بامتلاك مساحات ضخمة من الأراضي وحرصه على تركيز الثروة في يدها[59](*) ، كما شهدت حالة من التشظي بناء على المناطقية وظهور الانتماءات الإقليمية ، فقد أيدت الطبقات الاجتماعية في أقاليم الدولة الإسلامية علي بن أبي طالب في مواجهة التحالف سالف الذكر باستثناء الشام الذي التزم بتأييد معاوية بن أبي سفيان ، وكانت أسباب التأييد متباينة فالكادحين عموماً التزموا بتأييد مشروعاته لإعادة حقوقهم في الشريعة الإسلامية ، أما الإقطاع وكبار التجار – في العراق على وجه الخصوص - فقد كانوا يرغبون في الابتعاد بقدر الإمكان عن الهيمنة القرشية وتحقيق قد من الاستقلال الذاتي للكوفة والاحتفاظ بثروات أقاليمهم في نطاقها[60] ، وبالتالي لم يلبث تأييدهم للإمام علي أن تحول لنوع من العداء المبطن والعمل على تعطيل مشروعاته بعدما أدت قراراته المنحازة للكادحين لتحجيم نفوذها القبلي وسيطرتها على الثروات ، كما أدت القرارات الدينية الجديدة للإمام إلى سقوط هيبة أعداد كبيرة من طبقة القراء حيث سمح بتدريس السنة النبوية ، وأصبحت جوائز حفظ القرآن وما تصحبها من مكانة دينية ترتبط كذلك بمدى الدراية بالسنة النبوية والتفسير وأسباب النزول[61](*) ، وانتهى الأمر باشتراكهم في تآمر ثلاثي بينهم والإقطاع الكوفي بزعامة الأشعث بن قيس الكندي مع معاوية بن أبي سفيان لاغتيال الإمام علي بن أبي طالب في الكوفة[62](*).
   إن التيار المتشدد بين القراء والذي تمسك بالأفكار التي نشأ عليها بداية من عهد الخليفة الثاني بدا هزيلاً للغاية في عهد علي بن أبي طالب ، وهو ما دفعه للتآمر مع الإقطاع الكوفي والتمرد على حكومة الإمام علي عقب معركة صفين حيث سيعرفون بداية من هذه اللحظة بلقب " الخوارج " ، وقد شهد الخوارج أثناء مواجهتهم العسكرية والفكرية مع الإمام عدد لا يستهان به من الانشطارات بسبب اصطدام أفكارهم ببعض البديهيات العقلية والدينية في تمسكهم الظاهري والمتشدد بالنصوص القرآنية دون دراية بمغزاها[63] .
   والواقع أن هذا التيار مع هزيمته الفكرية والعسكرية لم ينتهي تماماً في الكوفة كما أن القراء بالشام استمروا كذلك في إتباع الرؤى الدينية للخليفة الثاني – مع ما شابها من تشوه على يد السلطة الأموية - رغم خلافهم السياسي مع القراء في الكوفة بكل اتجاهاتهم ، ويبدو من الواضح أن سماح الإمام علي بدراسة السنة النبوية ساهم في القضاء على القراء كمجموعة دينية ذات هيبة خاصة بصفة نهائية[64](*) بعد أن انخرط أتباعها في إطار المعتقدات الدينية ذات الخلفيات الاجتماعية التي كانت قد بدأت في التشكل متخذة صورة أقرب للمذهبية(*) .

   2 – الخلافة الأموية
   كان المشهد العقائدي حين تولي معاوية بن أبي سفيان للخلافة قد أصبح متنوعاً لحد كبير وأصبحت الخلافات السياسية والطبقية تحمل أبعاد دينية ، فالكادحين والحرفيين وصغار التجار وصغار الملاك كانوا يشكلون غالبية التيار الموالي للإمام علي ، في حين كان كبار التجار وبعض المتعصبين القبليين من القبائل الشمالية والجنوبية الذين استفادوا من السياسات الاقتصادية للخليفة الثاني يشكلون العنصر الأساسي في تيار الخوارج ، أما الغالبية من الإقطاعيين وكبار التجار فقد تفاعلوا – ولو بصفة مؤقتة - مع الدولة الأموية[65] مشكلين تياراً براجماتياً سواء في رؤياه السياسية أو في اجتهاداته الفقهية والعقائدية .
   لقد مثلت الدولة الأموية التطور النهائي للتحول باتجاه سيادة النمط الإقطاعي في الإنتاج ، وقد اعتمد الأمويون على أسلوب الإقطاع المركزي والذي يعتمد على ملكية الدولة للأرض بصفة عامة وقدرتها على منح الأراضي الزراعية وسلبها من المواطنين بقدر ولائهم السياسي لها ، وقد تطرف الأمويون في تطبيق هذا الأسلوب مع توسع الدولة في فتوحاتها السياسية بدرجة كبيرة[66] ، كما اصطبغت دولتهم بصبغة قومية وعنصرية متطرفة تجاه الشعوب المغلوبة وحتى في مواجهة معتنقي الإسلام من أبنائها الذين اعتبروا متهمين في إيمانهم ولم يسمح لهم بتولي مراكز قيادية في إدارات الدولة أو الجيش الذي شكل عصبه العنصر العربي[67] .
   وعلى المستوى الديني سعى الأمويون لصياغة دينية تتوافق مع مصالحهم في مواجهة الأحزاب والاتجاهات الدينية المعارضة ، وقد اعتمدت هذه الصياغة على قاعدتين الأولى ؛ توزيع القدسية والشرعية الدينية بين جميع المعاصرين للنبي (ص) سواء من المسلمين الأولين أو من القرشيين الذين أسلموا بعد فتح مكة وقد أطلق على هؤلاء لفظاً جامعاً " الصحابة " ورغم أن مدلوله العملي ربما يشير للأتباع المقربين للغاية من النبي (ص) بحيث يضيق كثيراً عدد من يدخلون في إطاره إلا أن التعريف الجديد أوجد للنبي (ص) عشرات الآلاف من الصحابة المقربين كان أي منهم كافياً لمنح الشرعية باعتباره أحد النجوم التي يجوز الاهتداء بها كما نسب للنبي (ص)[68](*) .
   أما القاعدة الثانية فقد اعتمدت على تحجيم قدسية الشخصيات التي تتعارض من ناحية دينية وسلوكية مع الممارسات الأموية حتى لو كانت شخص النبي (ص) أو بعض الصحابة الذين تظاهر الأمويون بتقديسهم كعمر بن الخطاب[69](*) ، كما طالت محاولات تحجيم القدسية القرآن الكريم ذاته عبر مرويات تثير الريبة في طريقة جمعه بعد وفاة النبي (ص) أو في فقدان آيات من بعض السور[70](*) ، وهي محاولة ارتبطت بواقع أن بعض آيات القرآن الكريم توجه اتهامات واضحة لشخصيات وأسر أموية وقرشية كان لها دورها في العداء للدعوة الإسلامية وأصبحت في العهد الأموي من الشخصيات البارزة في الدولة ولم يكن لدى السلطة من وسيلة لتجاوز هذا الحرج الذي قد يطعن في شرعية السلطة ذاتها إلا عبر التشكيك في القرآن بشكل غير مباشر وغير صريح ، أما الشخصيات التي واجهت المشروع الأموي بشكل سياسي وعسكري كعلي بن أبي طالب والهاشميين فقد لجأ معاوية لمحاولة نفيهم تماماً عبر استخدام السباب الإعلامي والنفي الديني[71] ، وتشير مروية الزبير بن بكار التي نقلها المسعودي أن الغرض الحقيقي من هذا التطرف تجاه علي بن أبي طالب هو مواجهة شخص النبي (ص) نفسه بطريق غير مباشر[72] .
   ولم يكن من المقبول مع تأسيس الأمويون لهذا المشروع الاستمرار في الالتزام بقرارات الخليفة الثاني بمنع دراسة السنة النبوية خاصة بعد أن أصبحت دراسة السنة علماً منتشراً في عهد الإمام علي ، وقد اضطر معاوية بن أبي سفيان لاستئجار رواة حديث يقومون بتحرير المرويات ونسبتها للنبي (ص) مقابل مكافآت مالية ، كما قامت مجموعة أخرى بمحاولة تحريف بعض المرويات الصحيحة عن هدفها الأساسي الذي قد يصطدم مع أهداف وسياسات الأمويون أو ذكر مروية مناقضة لها واعتبارها أكثر صحة من الناحية السندية[73] .
   على أن المنظومة الدينية التي تبناها الأمويون لم ترق أبداً لدرجة المذهب أو لدرجة المدارس الفكرية الإسلامية ذات القواعد والأسس في تلقي النص الديني وتفسيره ، وربما حرص الأمويون على ألا يكون لهم مذهب محدد حتى لو كانت قواعده الناشئة خاضعة لسيطرتهم ، انطلاقاً من وعيهم السياسي بحالة التغير الدائم للظروف السياسية بحيث يمكن أن تمثل هذه القواعد في مرحلة لاحقة قيداً معوق لحركتهم في مواجهة المعارضين لهم .
   وهنا لابد من الإشارة إلى أن الإقطاع في سعيه الأول للسيطرة على المنظومة الدينية المعادية له في جوهرها لا يلجأ للقهر الفكري إلا بعد اكتمال منظومته في تفسير النصوص الدينية بما يؤدي لسيطرته المطلقة على الأوضاع ، وفي المرحلة الثانية يسعى الإقطاع لتثبيت هذه المنظومة وإماتة أي حراك ديني معارض لها مستخدما النفي الديني والاجتماعي (الأخلاقي) كوسيلة دعائية تبرر الاضطهاد السياسي ، ولا يمكن السماح بأي دعوة للتغيير الديني إلا إذا كانت تلتقي مع مستجدات تخدم موقف الإقطاع أو في نطاق صراعاته الداخلية بين شرائحه وفئاته المختلفة .
   وبالنسبة للنموذج الأموي الذي لم يتمكن من البقاء لمدة قرن في السلطة ، فقد فشل في التطور المكتمل إلى درجة تجميد الوضع العقائدي بسبب المشاكل والتحديات المتعددة التي أوجدها معارضيه وخاصة الشيعة والخوارج في محاولتهم لإسقاطه ، إضافة للثورات الإقليمية التي واجهها وخاصة المتعلقة بالعراق ، وبالتالي فقد ظلت منظومته الدينية بحاجة دائمة للتغيير الجزئي .
   لقد أفرز التحول الاقتصادي الأموي تجاه الإقطاع المركزي عدة تغيرات اجتماعية حيث أصبح كل من الإقطاع وكبار التجار – المسيطر عليهما من قبل السلطة في دمشق - أكثر ارتباطاً بالمشاعر الإقليمية خاصة في العراق ، وكانت له بعض المحاولات التي سعت لفصل العراق عن الحكم الأموي في الشام[74] ، إلا أنه التزم في أغلب فترات العهد الأموي سياسة التعاون ربما خوفاً من البديل الشيعي المعادي للإقطاع من الأساس ، وقد أدى هذا التمايز إلى تمايز آخر على المستوى الديني ، حيث التزمت المجامع العلمية في العراق بقدر من الاستقلال الفكري عن الوضع الديني في الشام ورفضت اتخاذ مواقف سلبية متطرفة من الإمام علي بالرغم من رفضها لمشروعه في الحكم ، إلا أنها في المقابل التزمت بالقاعدة الأموية والتي تمنح الشرعية والوثاقة لكافة الشخصيات التي عاصرت النبي (ص) والذين عرفوا جميعاً بلقب الصحابة[75](*) .
   وقد شهدت أواخر الدولة الأموية حالة من التحول الولائي لدى الإقطاعيين وكبار التجار – خاصة الفرس - باتجاه إحدى التحريفات للدعوة العلوية والتي أسسها العباسيون سراً[76] ، وبالتالي فقد تميزت الأقاليم الشرقية للإمبراطورية الإسلامية عموماً بحالة من تعددية الأفكار الدينية التي سعت للبقاء على مسافة سواء من المذاهب المعارضة كالشيعة أو الخوارج التي تتعارض مع مصالحها الطبقية ، ومن المبادئ الدينية للدولة الأموية والتي تنافس إقطاعيو وتجار الأقاليم الأخرى في ثروات مناطقهم ، إلا أن هذه الأفكار - بحسب الطبيعة التقليدية للإقطاع الإسلامي في هذه المرحلة - لم تكن ترقى إلى المذهبية وكانت تعتمد بدرجة كبيرة على حجم القناعة بالفقيه الذي يتبناها[77](*) .
   إن تورط الخلفاء الأمويون في الصراع مع أهل البيت النبوي وما نتج عنه من استشهاد الإمام الحسين في كربلاء وما تلاه من أسلوب مهين في التعامل مع سيدات وأطفال أسرة النبي (ص) ، إضافة إلى الصراعات الأخرى مع الخوارج أو مع الثوار الإقليميين والتي انتهت جميعها تقريباً بارتكاب مذابح تصطدم مع أخلاقيات الدين المعروفة أجبرت السلطة الأموية على إنتاج منظومة عقائدية ترى إرجاء تقييم أفعال العباد إلى يوم القيامة وتعتبرها مهمة منحصرة بالله (عز وجل) الأمر الذي رفضته الطوائف الأخرى وخاصة المعارضة واعتبرته نوع من التحايل على قواعد ونصوص الدين الإسلامي وتبريراً لممارسات الخلفاء الأمويين[78] .
   لقد عبر المعتقد الإرجائي عن القوى الاجتماعية التجارية ، والتي تفتقد للثورية بطبيعتها وتجنح للانتهازية ، بالإضافة إلى ما تعرضت له هذه الطبقة من الإنهاك الذي أدى لافتقارها إلى زعامات قوية يمكنها من مواجهة الإقطاع الأموي ، وبالتالي فلم تحفل كثيراً بتغيير الوضع القائم حفاظاً على مصالحها مع اليمين الأموي التي سعت لتبرير وجوده ، وبالرغم من أن بعض زعاماتها قد شارك بفاعلية في ثورة ابن الأشعث كعامر الشعبي ، إلا أنه لم يلبث أن أصبح من كبار رجال الدولة الأموية بعدما استثناه الحجاج بن يوسف الثقفي من المذبحة التي أقيمت للثوار ، ويبدو من الواضح أن مشاركة المرجئة في هذه الثورة لم يكن عن بعد ثوري حقيقي في المعتقد الإرجائي بقدر ما كان استجابة للتيار العام السائد لدى العراقيين في مواجهة السلطة الأموية وتعصبها للعرب الشاميين مما يفسر هذا العفو عن عامر الشعبي[79] .
   من ناحية أخرى فقد أدى الاعتماد على الأحاديث المنقولة عن النبي (ص) شفهياً دون تحديد معايير للصحة سوى الصدق المفترض للراوي إلى ظهور مجموعة من دارسي الحديث المنتمين للإقطاع أو كبار التجار ، اتهموا مثقفي المذاهب المعارضة للدولة كالشيعة والخوارج بالتأثر بالأفكار والنظريات المنقولة من الفلسفة والمنجزات الفكرية للحضارات السابقة وهو ما أدى لتشويه النقاء الديني للإسلام ، وبالتالي فقد اعتبروا هذه المذاهب متهرطقة واعتمدت رؤيتهم العقائدية على ما اعتبروه صحيحاً سندياً من المرويات المنقولة عن النبي (ص) والصحابة بشكل عام ، دون أي معيار آخر سواء عقلي أو قرآني[80](*) .
   وقد أطلقت كتب الفرق على هذه المجموعة لقب " الحشوية " تعبيراً عن أسلوبها القاصر في تناول المرويات عن النبي (ص) والصحابة رغم درايتهم بمدى التلفيق الذي شاب عملية النقل عن النبي (ص) في العهد الأموي ، إلا أن هذه المجموعة وصفت نفسها بلقب " أهل السنة " نظراً لالتزامها الصارم بالأحاديث النبوية إلى درجة أنها اعتقدت بتحريف القرآن الكريم بناء على المرويات التي أشارت إلى أن المسلمين سوف يرتكبون نفس الأخطاء التي وقعت فيها الأمم السابقة ، ومرويات أخرى تتحدث عن فقدان آيات قرآنية أثناء جمع القرآن الكريم[81]· . إضافة للاعتقاد بضرورة عدم الخروج على الحاكم وطاعته بر أو فاجر[82] .
   وقد كشف العالم الحنبلي أبو الفرج بن الجوزي في كتابه (آفة أصحاب الحديث) عن مشكلة أخرى لدى بعض أهل الحديث تتعلق بتنقيط القرآن ، مثل ما ذكره حول المحدث عبدالله بن عمر بن أبان المعروف بمُشكُدانة قد قرأ آية : " يعوق ونسراً " بتنقيط مختلف : " يعوق وبشراً " ، وعندما تم تنبيهه للخطأ قال : " هي منقوطة من فوق " . ونقل عن المحدث عثمان بن أبي شيبة قراءته : " جعل السقاية في رجل أخيه " ، وتم تنبيهه أن النص الصحيح : " جل السقاية في رحل أخيه " ، فرد : " تحت الجيم واحدة !! "[83] .
   وبالرغم من أن أبو الفرج ابن الجوزي اعتبرها معبرة عن جهل أهل الحديث بالقرآن ، واعتبرها بعض العلماء كالذهبي في تعليقاتهم على سبيل الدعابة ، فمن غير الممكن التأكد منه بكل حال ، كما أنه كلا التبريرين يمثلان إدانة من نوع آخر على كل حال[84] .
   لم تكن هذه المجموعة سوى تطور ذهنياً للخوارج من القراء كنتيجة للفصل المبكر بين القرآن الكريم والسنة النبوية ، بحيث بدا كل منهما كنص غريب عن الآخر ، وفي حين أدى نشر ثقافة السنة النبوية في عهد الإمام علي إلى الحد من تطرف المجموعات الفكرية التي تطورت عن الخوارج الأوَّل ، وساهمت في القضاء على المجموعات المتطرفة كالأزارقة بحيث لم يبق من الخوارج مع بدايات العباسيين سوى مذهبي الإباضية والصفرية وهما الأكثر رقياً واعتدالاً من الناحية الفكرية والعقائدية ، فالواقع أن مشكلة المجموعة السنية الأولى مع الحديث النبوي لم تنتهي رغم تطورها العقائدي بسبب واقع أزمتها الحقيقية في عدم وضوح العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية وأيهما الذي يمثل معيار تقييم الآخر ؟!!
   وبالرغم من أن الانتماء للطبقة التجارية يفترض قدراً من المرونة الفكرية ، إلا أن الواقع السياسي والثقافي الذي فرضه الأمويون على المجتمع الإسلامي ، بالإضافة لضعف الطبقة التجارية ، أفرز هذه التصورات النصية التبريرية لصالح الوضع القائم ، في مقابل عدائها السافر لطوائف المعارضة .
   ومن الملاحظ أن المجموعات الفكرية المنتمية للطبقة التجارية قد شهدت تنوعاً في أدائها السياسي وموقفها من السلطة ، فقد اتسم الفكر السياسي للخوارج بالتطرف الثوري التغييري ، في حين اتسمت المرجئة بتبني فكر راديكالي إصلاحي في أواخر الدولة الأموية كمحاولة للاحتفاظ بمكتسباتها[85] ، أما القطاع الأكبر من الحشوية – خاصة في الشام – فقد ظل مخلصاً لسلبيته السياسية ورافضاً بشكل ثابت لفكرة الثورة على النظام السياسي ، ولا يمكن تبرير هذا التنوع إلا بناء على تواصل المكتسبات الاقتصادية الإقطاعية والتي ساهمت في ربط هذا التيار الفكري بالدولة الأموية ، والخلفيات الفكرية التي سمحت للمرجئة بالتواصل النوعي مع الأطروحات الفكرية الأخرى كالشيعة والخوارج والمعتزلة في بدايات نشأتهم[86] ، في حين دفعت الحشوية للانعزال عن الحركة الفكرية والانغلاق في مواجهة الآخر سواء حرصاً على وجاهتها الدينية المرتبطة بعلاقتها الوثيقة مع الأمويين ، أو التزاماً بالنصوص التحريفية التي أنتجتها المؤسسات الأموية في بداية نشأتها .
   إلا أن اختلاف القاعدة التي نشأت عليها كل من " المرجئة " و" الحشوية " ، وما شهدته الطائفتين من تطورات فكرية ؛ لا يلغي حقيقة أنهما من الناحية الواقعية كانتا نتيجة مباشرة للمشروع الأموي وعبرت كلتا الطائفتين عن مصالحه بإخلاص[87](*) ، كما أن وجودهما تضاءل كثيراً بنهايته السياسية وأجبرتا إعادة تشكيل منظومتهما الفكرية والعقائدية بأشكال مختلفة في العصر العباسي .
   في كتابة " حرب الفلاحين في ألمانيا " يشير فريدريك أنجلز إلى العلاقة بين الصراعات الطبقية والفرق الدينية : " إن ما يسمى بالحروب الدينية في القرن السادس عشر كانت تتضمن مصالح طبقية مادية إيجابية ... ورغم أن الصراعات الطبقية كانت عندئذ مغلفة بشعارات دينية ورغم أن مصالح وحاجات ومطالب مختلف الطبقات كانت مختفية خلف ستار ديني فلم يبدل هذا شيئاً من الأمر "[88](*).
    إن هذه المقولة لا تمثل حالة استثنائية بالنسبة لحروب وصدامات القرن السادس عشر في أوروبا بقدر ما تعد قاعدة ميزت الطبيعة الأساسية للمواجهة بين المُستغِلين والمستغَلين في مختلف مراحل التاريخ بشكل عام وإن اتخذت دائماً في العصور الوسطى شكل هرطقة دينية (بتعريف السلطة)(*) أو تفسيراً ثورياً للنصوص الدينية ، في مواجهة المؤسسة الدينية الرسمية المناصرة للسيطرة الإقطاعية ، وفي حين كانت المؤسسة الدينية في التراث الإنساني عموماً سابقة على تأسيس الحركات الدينية الثورية والمعادية لها والتي نشأت كرد فعل لانعكاسات رؤيتها الدينية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ، فإن التاريخ الإسلامي يتميز بأن المؤسسة الدينية نشأت كرد فعل علماني من قبل الدولة على أثر الدين في الحركات الثورية الملتزمة بالمذهبين الشيعي والخارجي ، وبالتالي لا يمكننا موافقة أنجلز على اعتباره بأن الصراعات الدينية كانت مغلفة بشعارات دينية ، فالواقع أن نصوص الدين الإسلامي تعتبر معالجة الوضع الاجتماعي جزء أساسي من مهماتها التشريعية ، كما لا مجال للعثور على مذهب محدد يمكن الادعاء أنه مثل الأساس بالنسبة للأمويين الذين كانوا أكثر حرصاً على تنوع وتشرذم الآراء الدينية بما لا يسمح بتشكيل مجموعات مذهبية متناسقة فكرياً وعقائدياً وربما غير منضبطة أو ملتزمة بتوجهات الدولة من الناحية السياسية(·) .
   وعلى الرغم من أن هذه السياسة مكنت الأمويين بعد جهد ضخم من تحييد الطبقة التجارية باعتبار ولاء الإقطاع العربي لها بشكل مطلق ، فإن نقطة ضعفها الأساسية تمكنت من رسوخ الوضع الاجتماعي والمذهبي بالنسبة للمعارضة الشيعية والخارجية التي أثارت في مواجهتها العديد من الانتفاضات المزعجة رغم محاولات المؤرخون الاستخفاف بحجمها أو بتأثيرها ، ومع الجشع الأموي المستمر إلى الفتوحات العسكرية غير المدروسة في المشرق والمغرب والتي كانت تهدف إلى السيطرة على الأراضي الزراعية وطرق التجارة وانتهت في بعض الأحيان إلى نتائج كارثية تحملت تبعاتها بالأساس الزعامات الإقطاعية في أقاليم الدولة القريبة من مناطق الفتوحات سواء من ناحية النفقات أو المحاربين ، فإن الإصرار على سياسة الإقطاع المركزي المتشددة ساهمت في تفكيك ولاءات الإقطاع العربي وبدايات انضمامه أو بعض من عناصره للتشيع بحثاً عن أيدلوجية دينية في مواجهة الواقع الأموي ، كما برزت بوضوح العصبيات المناطقية والقبلية حيث فجر الإقطاع العراقي ثورة ضخمة بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي ضد الحكم الأموي الشامي استنفذت الكثير من الجهود الأموية لإيقافها والسيطرة عليها ، وكانت العصبية ما بين العرب النزارية والعرب اليمنية هي إحدى نتائج هذا الأسلوب الاستبدادي للأمويين ، وساهم حماس الطرفين – وخاصة العرب اليمانية - للحركات المعارضة بشكل عام ، وبالتالي فإن رفض الأمويين الاستعانة بأيدلوجية دينية واضحة ومحددة المعالم وذات قواعد جماهيرية كان من أهم أسباب سقوط دولتهم في مواجهة الهجوم العباسي .



[1] - الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين – التعليقات على متن لمعة الاعتقاد – الموقع الرسمي للشيخ بن جبرين www.ibn-jebreen.com بتاريخ 5 / 8 / 2007 .
* فسر الإمام جعفر بن محمد الصادق هذه المروية بشكل مختلف عن التفسير السائد بالوسط السني في رده على سؤال تلميذه عبد المؤمن الأنصاري إن قوماً يروون أن رسول الله(ص) قال: اختلاف أمتي رحمة. فقال: صدقوا. فقلت: إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب؟ قال: ليس حيث تذهب وذهبوا، إنما أراد قول الله عز وجل: (( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ))(التوبة:122) فأمرهم أن ينفروا إلى رسول الله (ص) ويختلفوا إليه، فيتعلموا ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلموهم، إنما أراد اختلافهم من البلدان وليس اختلافاً في دين الله ، إنما الدين واحد .
الشيخ الصدوق – علل الشرائع – منشورات المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف 1966 – ج 1 ص 85 .
[2] - المرجع السابق بتاريخ 5 / 8 / 2007 .
* يروي جلال الدين السيوطي قصة تولي نظام الملك وزارة السلطان التركي ألب أرسلان سنة 455 هـ : " واستوزر نظام الملك ؛ فأبطل ما كان عليه الوزير قبله عميد الملك من سب الأشعرية ، وانتصر للشافعية "، وفي أحداث سنة 469 هـ " قدم بغداد أبو نصر بن الأستاذ أبي القاسم القشيري (حاجاً) فوعظ بالنظامية ، وجرى له فتنة كبيرة مع الحنابلة ؛ لأنه تكلم على مذهب الأشعري ، وحط عليهم ، وكثر أتباعه والمتعصبون له ، فهاجت فتن وقتلت جماعة ".
جلال الدين السيوطي – م . س – ص 387، 390 – 391 .
* أشار القرآن إلى الصراع الطبقي في أكثر من موضع وقد أكد على أن الانتصار النهائي سوف يكون للمستضعفين ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) بما يؤكد على اعتبار القرآن أن الانتصار النهائي للمستضعفين يمثل حتمية تاريخية .
[3] - د . محمود إسماعيل – م . س – ص 48 – 50 .
[4] - السيد محمد حسين فضل الله - فقه الشريعة – دار الملاك - بيروت 2002 - ج 1 ص 513 - 517،  السيد سابق - فقه السنة - القاهرة 1988 - المجلد 1 ص 397 – 498 .
[5] - بركات أحمد – محمد واليهود نظرة جديدة – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1998 – ص 63 – 65 .
* عند وصول النبي (ص) إلى يثرب لم يكن يوجد بها سوى سوقين لبني قينقاع اليهود أحدهما بالقرب من جسر بطحان والثانية في حباشة ، وقد أقام المسلمون سوقهم الخاص فيما بعد بمقابر بني ساعدة .
ام . س – ص 68 و ص 114 .
[6] - م . س – ص 111 – 114 .
[7] - م . س – ص 114 .
(*) يرى الدكتور بركات أحمد أن يهود بني قينقاع احتفظوا بممتلكاتهم ونشاطهم التجاري ، وهو رأي محتمل بالتأكيد إلى أنهم كما تشير الأحداث لم يتمكنوا من التأثير في تجارة يثرب بنفس القدر ، ويبدو أن هذه الهزيمة قد فرضت وضعاً تجارياً جديداً في يثرب لصالح التجار المسلمين .
[8] - هشام الكلبي – مثالب العرب - تحقيق / محمد طي – بيروت 1998 – ص 39 .
[9] - محمد بن سعد بن منيع – الطبقات الكبرى – تحقيق / إحسان عباس - طبعة دار صادر - بيروت (بدون ذكر سنة الطبع) ج 3 ص 540 .
[10] - عز الدين بن الأثير – الكامل في التاريخ – تحقيق / أبي الفداء عبد الله القاضي – طبعة دار الكتب العلمية – بيروت 1987 – مجلد 1 ص 610 ، 613 ، جعفر السبحاني - السيرة المحمدية – ترجمة / جعفر الهادي – نسخة كومبيوترية - موقع www.aqaed.com بتاريخ 10 / 8 / 2007 – ص 98 .
(*) كان معظم الرافضين لتعيين ابن سلول ملكاً من الخزرج وأقلية من الأوس الذين رفضوا زعامة عبد الله بن أبي بسبب موقفه من موقعة بعاث وتحالفه مع بني قينقاع، كما رفضوا موقف كبار الإقطاعيين الأوس في تحالفهم الزراعي مع بني قريظة وبني النضير من اليهود، وتبدو ملامح هذه الرغبة في التوحد تحت زعامة النبي من كلمة أحد المبايعين له : " عسى أن يجمعهم الله بك، فإن جمعهم الله بك فلا رجل أعز منك "، وتشير كلمة أحد الأوسيين وهو أبو الهيثم بن التيهان للنبي حول علاقتهم الاقتصادية باليهود إلى طموحات كثير من الأوسيين للاستقلال عن شراكتهم مع اليهود : " يا رسول الله إن بيننا وبين الناس حبالاً وإنا قاطعوها – يعني اليهود – فهل عسيت إن أمرك الله عز وجل أن ترجع إلى قومك وتدعنا ".
[11] - شهاب الدين النويري – نهاية الأرب في فنون الأدب – تحقيق / محمد أبو الفضل إبراهيم – طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1975 – ج 19 ص 32 – 37 .
(*) يلاحظ في موقف هذه الطبقة الممثلة لزعامات الأنصار في سقيفة بني ساعدة حالات الانشقاق الداخلية بها سواء في الجانب الخزرجي أو بين الأوس والخزرج .
[12] - بركات أحمد – م . س – ص 110 .
(*) يلاحظ موقف عبد الله بن أبي بن سلول من بني قينقاع أثناء مواجهتهم مع النبي (ص) ، فعلى الرغم من كونهم حلفاؤه فلم يتدخل لإنقاذهم إلا بعد هزيمتهم رغم أنه لم يشارك فعلياً في الحرب ضدهم .
[13] - البلاذري – أنساب الأشراف – تحقيق / د . محمد حميد الله – طبعة دار المعارف – القاهرة 1987 – ج 1 ص 274 – 282 .
[14] - محمود إسماعيل – م . س – ص 48 – 50 .
[15] - البلاذري – م . س – ج 1 ص 184 .
(*) روى البلاذري : " أن صهيباً مر بقريش ، ومعه خباب بن الأرت ، وعمار بن ياسر . فقالوا : هؤلاء جلساء محمد . وجعلوا يهزءون . فقال صهيب : نحن جلساء نبي الله ، آمنا وكفرتم ، وصدقناه وكذبتموه ولا خسيسة مع الإسلام ولا عز مع الشرك . فعذبوه وضربوه ، وجعلوا يقولون : أنتم الذين من الله عليكم من بيننا ؟ " .
[16] - م . س – ج 1 ص 274 – 277 .
(*) استخدمت هذا المصطلح للتدليل على الشخصيات الأنصارية التي احتفظت بقدر من العادات والتقاليد والطباع العربية القديمة رغم اعتناقها للإسلام .
[17] - البلاذري – م . س – ج 1 ص 582 .
(*) في سقيفة بني ساعدة حباب بن المنذر لأبي بكر " ما نحسدك ولا أصحابك . ولكنا نخشى أن يكون الأمر في أيدي قوم قتلناهم، فحقدوا علينا " ، وهو بالتأكيد يشير إلى شخصيات من الأرستقراطية القرشية القديمة، مما يعني أن التحالف بين الطبقتين كان ظاهراً للجميع قبل وفاة النبي مباشرة .
[18] - سعيد أيوب - معالم الفتن - بيروت 1994 - ج 1 ص 338 .
[19] - شهاب الدين النويري – م . س - ج 19 ص 32 – 37 .
[20] - البلاذري – م . س – ج 1 ص 270، 271 .
[21] - النويري – ج 19 ص 29 ، 30 .
[22] - م . س – ج 19 ص 35 .
(*) تذكر المرويات التاريخية أن أسيد بن حضير أحد زعماء الأوس قال لزعماء قبيلته الذين حضروا مؤتمر السقيفة أثناء الجدال بين المهاجرين والخزرج : " والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لازالت لهم عليكم بذلك الفضيلة . ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيباً أبداً فقوموا فبايعوا أبا بكر " .
[23] - م . س – ج 19 ص 34 .
(*) يعبر مصطلح الجماعة عن الأسر التي كانت سباقة لاعتناق الإسلام من القرشيين أو من الأنصار ، فتولي الخلافة لم يكن متاح لكل القرشيين وإنما للمهاجرين من القرشيين .
[24] - أحمد بن واضح اليعقوبي – تاريخ اليعقوبي – بيروت – ج 2 ص 153، 154.
(*) أعطى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب العباس بن عبد المطلب وبعض زوجات النبي (ص) كالسيدة عائشة والسيدة حفصة والسيدة أم حبيبة 12000 درهم ، كما أعطى كل من محاربي بدر والأرستقراطية القرشية 5000 درهم .
[25] - د / محمود إسماعيل – م . س - ج 1 ص 55 ، 56 .
[26] - البلاذري – م . س – ج 1 ص 583 ، 584 .
[27] - عز الدين بن الأثير – م . س – مجلد 2 ص 459 .
[28] - ابن أبي الحديد – شرح نهج البلاغة – تحقيق / محمد أبو الفضل إبراهيم – طبعة دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه – القاهرة 1959 - ج 2 ص 51 - 52 .
[29] - إسماعيل بن كثير _ البداية والنهاية _ تحقيق / علي شيري – طبعة دار إحياء التراث العربي – بيروت 1988 - ج 5 ص 227 – 233 .
(*) تذكر المرويات الإسلامية أن الرسول(ص) قال في غدير خم  - أثناء عودته من حجة الوداع – " من كنت مولاه فعلي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " وعلى الرغم من إنكار ابن تيميه لهذا الحديث في كتابه " منهاج السنة " إلا أن الإمام محمد بن جرير الطبري ألف كتاباً لإثبات صحته، كما اعترف تلميذ ابن تيميه إسماعيل بن كثير بصحة هذا الحديث .
[30] - عبد الحسين شرف الدين العاملي – المراجعات – تحقيق / الشيخ حسين الراضي – المجمع العالمي لأهل البيت – قم 1416 هجرية – ص 207 .
* أورد شيخ الطائفة الطوسي في أماليه عن عمار بن ياسر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : " إن الله زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إلى الله منها ، زينك في الزهد بالدنيا فجعلك لا تزرأ منها شيئاً ، ولا تزرأ منك شيئاً ، ووهب لك حب المساكين ، فجعلك ترضى بهم أتباعاً ، ويرضون بك إماماً ، فطوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذب عليك " .
[31] - لينين – ماركس ، أنجلز ، الماركسية – ترجمة إلياس شاهين – دار التقدم – موسكو – من رسالة : الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي - ص 516 ، 522 .
* يعرف لينين ديكتاتورية البروليتاريا : " إن الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا هي سلطة تظفر بها البروليتاريا وتحتفظ بها بالعنف على البرجوازية ، سلطة لا يحدها قانون " ، وينقل عن أنجلز وصفه لكومونة باريس : " إن الثورة هي دون شك سلطة ما بعدها سلطة .. ويتأتى على الحزب الغالب بالضرورة أن يحافظ على سيادته عن طريق الخوف الذي توحيه أسلحته للرجعيين " وهنا يعبر لينين وأنجلز عن ديكتاتورية طبقة البروليتاريا في مواجهة البرجوازية ، والذي يتولاها الحزب االشيوعي لمعبر عن مصالحها ، ويوجد بالتأكيد خلاف واضح بين مفهوم ديكتاتورية البروليتاريا وبين الإمامة ،  إلا أن الاتفاق بينهما هو في حيازة المعبر عن الكادحين لكل الشرعية في صراعه ضد الطبقات المستَغِلة .
[32] - جلال الدين السيوطي – م . س – ص 66 .
[33] - مرتضى العسكري - معالم المدرستين - قم 1996 - ج 2 ص 162 – 165 .
[34] - نجاح الطائي – نظريات الخليفتين – مطبعة الهدى – بيروت 1998 – ج 2 ص 393 .
* روى مسلم في صحيحة عن عمر بن الخطاب أنه سمع النبي (ص) يقول : لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً " ومن الواضح أن هذا الحديث يسعى لتبرير تصرف الخليفة الثاني تجاه أهل الكتاب سنة 20 هجرية وإلا فقد كان النبي (ص) قادراً على إخراجهم بالفعل بعد انكسارهم عسكرياً إلا أن سلوكه مع أهل الكتاب لم يشر أبداً إلى وجود مثل هذه النية لديه .
[35] - أحمد بن واضح اليعقوبي – م . س – ج 2 ص 153، 154.
[36] - م . س – ج 2 ص 162 .
* يروي اليعقوبي عن الإمام علي بن أبي طالب رده على عبد الرحمن بن عوف عندما طلب منه القسم على العمل بكتاب الله وسنة النبي (ص) وسيرة أبي بكر وعمر : " إن كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاج معهما إلى إجيرى أحد . أنت مجتهد أن تزوي هذا الأمر عني " وهنا يبدو الخلاف العقائدي واضحاً بين الإمام علي والذي يعتبر أن سنة النبي (ص) معصومة ومتكاملة ، وبين عبد الرحمن بن عوف الذي يرى أن سيرة أبي بكر وعمر تكمل سنة النبي (ص) .
[37] - السيوطي – م . س – ص 114 – 116 .
* عقد جلال الدين السيوطي في كتابه " تاريخ الخلفاء " فصلاً كاملاً عن موافقات القرآن الكريم لآراء عمر بن الخطاب ، ومن أهم هذه الموافقات هو رأيه في صلاة النبي (ص) على عبد الله بن أبي بن سلول : " لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للصلاة عليه ، فقام إليه ، فقمت حتى وقفت في صدره ، فقلت : يا رسول الله ، أو على عدو الله ابن أبي القائل يوم كذا وكذا ؟ فوالله ما كان إلا يسيراً حتى نزلت " ولا تصل على أحد منهم أبداً " .
[38] - محمد بن جرير الطبري – تاريخ الرسل والملوك – تحقيق / محمد أبو الفضل إبراهيم – دار المعارف – القاهرة 1979 – ج 3 ص 202 .
* يروي الطبري أن الأنصار بعد احتدام الجدل في سقيفة بني ساعدة طلبت مبايعة الإمام علي : " فقالت الأنصار – أو بعض الأنصار . لا نبايع إلا علياً " .
[39] - اليعقوبي – م . س – ج 2 ص 129 – 132 .
* من الواضح أن الخليفة الأول أراد استنزاف قوى القبائل الشمالية والجنوبية المعادية له في الفتوحات العسكرية تجاه البيزنطيين والفرس ، وربما كان يأمل من هذه المغامرة تحقيق سيطرة ما على طرق التجارة بين الشرق والغرب .
[40] - م . س – ج 2 ص 154 ، د/ محمود إسماعيل - قضايا في التاريخ الإسلامي - (فلسفة التشريع عند عمر بن الخطاب) - القاهرة 1974 - ص 28 ، سعيد أيوب – معالم الفتن م . س - ج 1 ص 450 ، د . محمد طي - قراءة في كتاب " الإمام علي في رؤية المنهج ورواية التاريخ " للدكتور إبراهيم بيضون - مقال في مجلة المنهاج - العدد 21 - بيروت 2001 - ص 253 .
* نقل عن الشعبي قوله : " لم يمت عمر حتى ملته قريش وقد حصرهم بالمدينة " .
[41] - مرتضى العسكري - أحاديث أم المؤمنين عائشة - طهران 1999- ج 1 ص 87 ، 88 .
[42] - مرتضى العسكري – معالم المدرستين – م . س – ج 2 ص 50 ، 51 .
* روى قرظة بن كعب الأنصاري الخزرجي ، وهو أحد العشرة الذين وجههم عمر بن الخطاب مع عمار بن ياسر (رض) حين ولاه الكوفة ، أنه قال : لما سيرنا عمر إلى العراق مشى معنا عمر إلى صرار ، ثم قال : أتدرون لم شيعتكم ؟ قلنا : أردت أن تشيعنا وتكرمنا ، قال : إن مع ذلك لحاجة ، إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله وأنا شريككم ، قال قرظة : فما حدثت بعده حديثاً عن رسول الله (ص) ".
[43] - م . س – ج 2 ص 52 .
* روى الذهبي أن عمر بن الخطاب حبس ثلاثة ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري فقال : أكثرتم الرواية عن رسول الله .
[44] - مرتضى العسكري – أحاديث أم المؤمنين عائشة – م . س – ج 1 ص 87 ، اليعقوبي – م . س – ج 2 ص 159 .
[45] - نجاح الطائي – م . س – ج 1 ص 251 .
[46] - مرتضى العسكري – القرآن في روايات المدرستين – نسخة كومبيوترية – موقع www.al-shia.com - ج 2 (من أخبار القراء في عهد عمر)، و(أخبار الكتاب والسنة على عهد الخليفة القرشي عمر) .
[47] - م . س – ج 2 (من أخبار القراء في عهد عمر) .
* تذكر المرويات أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد : أن ارفعوا إليَّ كلَّ من حمل القرآن حتى الحقهم في الشرف من العطاء وأُرسلهم في الافاق يعلمون الناس فكتب إليه الاشعري انّه بلغ من قبلي من حمل القرآن ثلاثمائة وبضع رجال"، كما ذكر البخاري أن القراء كانوا هم أصحاب مجلس عمر بن الخطاب سواء كانوا كهولاً أو شباباً، وهي مرويات تشير إلى أن استفادة القراء لم تكن اقتصادية أو اجتماعية فقط وإنما شهدت صعود في المكانة السياسية أيضاً .
[48] - أحمد صبري السيد علي – الحقوق السياسية في فكر الإمام علي من منطلق العدالة - " نشر ضمن مقالات مؤتمر الإمام علي الدولي - طهران 1422 هـ . ق – ص 138 – 141 .
[49] - د . محمود إسماعيل – سوسيولوجيا الفكر الإسلامي – م . س – ج 1 ص 86 – 87 .
[50] - اليعقوبي – م . س – ج 2 ص 162 .
[51] - د . محمود إسماعيل - سوسيولوجيا الفكر الإسلامي - م . س _ ج 1 ص 58 .
[52] - م . س – ج 1 ص 58 .
[53] - مرتضى العسكري – معالم المدرستين – م . س – ج 2 ص 53 .
* تذكر المرويات أن عثمان قال على المنبر : " لا يحل لأحد يروي حديثاً لم يسمع به على عهد أبي بكر ولا على عهد عمر " .
[54] - اليعقوبي – م . س – ج 2 ص 168 - 174 ، د . محمود إسماعيل – سوسيولوجيا الفكر الإسلامي – م . س – ج 1 ص 58 .
[55] - مرتضى العسكري – أحاديث أم المؤمنين عائشة – م . س - ج 1 ص 168 – 171 ، محمد بن النعمان المفيد – الكافئة في إبطال توبة الخاطئة – تحقيق / علي أكبر زماني – (طبعت مع رسالة المسائل العُكبرية للشيخ المفيد) – بيروت 1993 – ص 8 – 11 .
[56] - اليعقوبي – م . س – ج 2 ص 175 .
* احتج الإمام علي على معاوية بن أبي سفيان بموقفه من عثمان في محاولة منه لإظهار حقيقة أغراضه : " ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه فأينا كان أعدى له وأهدى إلى مقاتله . أمن بذل له نصرته فاستقعده واستكفه ، أمَّن استنصره فتراخى عنه وبث المنون إليه حتى أتى قدره عليه . كلا والله لقد علم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلاً " .
الإمام علي بن أبي طالب – نهج البلاغة – شرح / الإمام محمد عبده – طبعة دار الكتب العلمية – بيروت 1990 – ص 337 .
[57] - أحمد صبري – م . س – ص 142 ، 143 .
[58] - اليعقوبي – م . س – ج 2 ص 178 ، 180 .
[59] - د. محمود إسماعيل – سوسيولوجيا الفكر الإسلامي – م . س – ج 1 ص 62 ، محمد بن عبدوس الجهشياري – كتاب الوزراء والكتاب – تحقيق / مصطفى السقا / إبراهيم الإبياري / عبد الحفيظ شلبي – الهيئة العامة لقصور الثقافة - القاهرة 2004 – ص 26 .
* سُمح للأرستقراطية القديمة بالعودة لحيازة الأراضي والإقطاعيات مرة أخرى ، كما جرى تحويل أراضي الصوافي والتي كانت موقوفة على بيت المال إلى إقطاعات لأفراد الأسرة الحاكمة، أو من دار في فلكها من زعامات القبائل والولاة والقواد ، على أن الملاحظ هو تغير شكل حيازة الأرض الزراعية والتي كانت طوال العهود السابقة قاصرة بشكل عام على " حيازة الانتفاع " ، إلا أن في العهد الأموي تحول هذا الشكل إلى " حيازة الملكية "، وهو تحول جاء في إطار القوانين التي أصدرها معاوية لتقوية وضع الإقطاع .
[60] - يوليوس فلهوزن – الخوارج والشيعة – ترجمة د. عبد الرحمن بدوي - دار الجليل – القاهرة 1998 – ص 98.
[61] - مرتضى العسكري - م . س – ج 2 (أخبار القرآن على عهد الإمام علي) ، علاء الدين المتقي الهندي – كنز العمال – تحقيق / الشيخ بكري حياني ، الشيخ صفوة السقا – طبعة مؤسسة الرسالة  - بيروت 1989 - ج 2 ح 4185 ، 4186 ص 339 .
* نقل السيد مرتضى العسكري في بحثه الهام عن القرآن في روايات المدرستين عن كتاب كنز العمال قول الإمام علي بن أبي طالب : " من وُلدَ في الإسلام فقرأ القرآن فله في بيت المال في كل سنة مائتا دينار ، إن أخذها في الدنيا، وإلا أخذها في الآخرة " ، وعن سالم بن أبي الجعد : " أنّ عليا فرضَ لمن قرأ القرآن ألفين ألفين " ، ومن الواضح أن هاتين الروايتين تحاولان إظهار مدى اهتمام علي بن أبي طالب بالقرآن ، وهو شيء بديهي ، على أن الروايتان تواجههما العديد من عوامل الضعف ، فأولاً اختلاف المقدار المفروض للقراء ما بين 200 دينار ، و2000 درهم (على الأغلب) ، إضافة إلى أن وجود هذه المكافأة لم يكن ليوجد أي مجال لتمرد القراء ، ثم ظهور الخوارج فيما بعد ، ويبدو أن هذه المروية كان تهدف إلى تبرير بعض ممارسات الخليفة الثاني عن طريق الإشارة بتطبيق علي بن أبي طالب لها، وهو أسلوب درجت عليه بعض المرويات في الأوساط السنية لمواجهة هجوم الشيعة على الخلفاء الثلاثة الأوائل .
[62] - د . إبراهيم بيضون - الإمام علي في رؤية النهج ورواية التاريخ – بيروت 1999 – ص 101 ، أبو الفرج الأصفهاني – م . س – ص 34 ، عز الدين بن الأثير – م . س – مجلد 3 ص 277 .
* نقل ابن أبي الحديد مروية هامة في هذا الصدد ، حيث ذكر أن معاوية بن أبي سفيان دفع أربعمائة ألف درهم لسمرة بن جندب كي يروي أن الآية القرآنية (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) (البقرة / 207) نزلت في عبد الرحمن بن ملجم .
مرتضى العسكري – من تاريخ الحديث – كلية أصول الدين - قم 1424 – ص 102، 103.
[63] - يوليوس فلهوزن – م . س – ص 40 ، 41 .
[64] - م . س – ص 27 .
* لا يقصد من هذا الاستنتاج القضاء على القراء بصفة عامة فقد تواجدوا في الحرب ضد الحجاج بن يوسف الثقفي فيما بعد إلا أن تأثيرهم كان قد بدأ في التضاؤل ولم يعد لهم دور أكثر من كونهم مثيري الحماسة لدى الجماهير ، مع وجود فارق واضح بين قراء العراق في مرحلة ما قبل الإمام علي وبين قراءه بعد توليه الخلافة .
* وجود خلفيات إجتماعية للاجتهادات الدينية لا يعني كونها مجرد غطاء قشري خاصة فيما يتعلق بالدين الإسلامي والذي يقوم مشروعه بالأساس على الارتباط بين المعتقد وحركة تطور المجتمعات .
[65] - م . س – ص 100 .
[66] - محمود إسماعيل – سوسيولوجيا الفكر الإسلامي - م . س – ج 1 ص 62 ، الجهشياري – م . س – ص 26 .
[67] - فلهوزن – م . س – ص 130 ، 131 ، نجاح الطائي – م . س – ج 1 ص 373 .
[68] - مرتضى العسكري – قيام الأئمة بإحياء السنة – طبعة شركة التوحيد للنشر / المجمع العلمي الإسلامي – طهران 1414 هجرية – ج 1 ص 92 ، 93 ، أحمد أمين – ظهر الإسلام – طبعة مكتبة النهضة المصرية – القاهرة 1964 – ج 4 ص 32 ، 33 .
* لم يتقبل الشيعة ولا المعتزلة وبالتأكيد أيضاً الخوارج الحديث المنسوب للنبي (ص) : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " واحتج المعتزلة – على سبيل المثال – بأن الاعتقاد بصحة هذا الحديث يوجب أن يكون أهل الشام في صفين على هدى ، كما يجب أن يكون عمرو بن العاص ومعاوية اللذان كانا يلعنان علياً وولديه على هدى . وقد كان في الصحابة من يشرب الخمر كأبي محجن الثقفي ، ومن يرتد عن الإسلام كطليحة بن خويلد ، واعتبروا أن هذا الحديث من موضوعات الأمويون .
[69] - الإمام مالك بن أنس – الموطأ – برواية أبي مصعب الزهري المدني – تحقيق وتعليق / د . بشار عواد معروف ، محمود محمد خليل – طبعة مؤسسة الرسالة – بيروت 1998 - ج 2 ص 64 - 65 ، ابن سعد – م . س – ج 3 ص 318 – 319 ، 338 ، 340 – 341 ، 346 .
* أشارت بعض المرويات الحديثية والتاريخية إلى إدمان عمر بن الخطاب للنبيذ وبغض النظر عن مدى صحة أو خطأ هذا الادعاء فإن انتشار هذه المرويات يشير إلى محاولة الأمويين إثارة نوع من الشبهات على شخصية عمر بن الخطاب واستغلال مثل هذه المرويات لتبرير سلوكياتهم المتعارضة مع أحكام الدين الإسلامي ؛ ومن هذه المرويات ما رواه الإمام مالك بن أنس في كتابه الموطأ : " إن اسلم مولى عمر بن الخطاب أخبره انه زار عبد الله بن عياش المخزومي فرأى عنده نبيذا وهو بطريق مكة فقال له اسلم إن هذا الشراب يحبه عمر بن الخطاب فحمل عبد الله بن عياش قدحا عظيما فجاء به إلى عمر بن الخطاب فوضعه في يديه فقربه عمر إلى فيه ثم رفع رأسه فقال عمر ان هذا لشراب طيب فشرب منه ثم ناوله رجلا عن يمينه فلما أدبر عبد الله ناداه عمر بن الخطاب فقال أأنت القائل لمكة خير من المدينة فقال عبد الله فقلت هي حرم الله وأمنه وفيها بيته فقال عمر لا أقول في بيت الله ولا في حرمه شيئا ثم قال عمر أأنت القائل لمكة خير من المدينة قال فقلت هي حرم الله وأمنه وفيها بيته فقال عمر لا أقول في حرم الله ولا في بيته شيئا ثم انصرف " .
[70] - البخاري – الصحيح – طبعة المطبعة الأميرية – القاهرة 1312 هـ - ج 8 ص 168 - 169 .
* تشير المروية 6433 في البخاري : " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي ويهودية قد أحدثا جميعا فقال لهم ما تجدون في كتابكم قالوا إن أحبارنا أحدثوا تحميم الوجه والتجبية قال عبد الله بن سلام ادعهم يا رسول الله بالتوراة فأتى بها فوضع أحدهم يده على آية الرجم وجعل يقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له بن سلام ارفع يدك فإذا آية الرجم تحت يده فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما قال بن عمر فرجما عند البلاط فرأيت اليهودي أجنأ عليها " ورغم ما في المروية من عناصر ضعف ، فإنها تشير إلى أن الرسول (ص) قد طبق حد الرجم على اليهوديان بناء على ما ذكرته التوراة ، مما يوحي بأن ظهور حد الرجم في التشريع الإسلامي كان بتأثير من المرويات التي وضعها بعض المسلمين من ذوي الأصول اليهودية والمسيحية ، ويبدو أن المروية المنسوبة لعمر بن الخطاب عن آية الرجم قد تم صياغتها في إطار المحاولات التي بذلت لتبرير هذه الممارسة التي لم يأمر بها القرآن الكريم .
م . س – ج 8 ص 165 – 166 .
[71] - الإمام أحمد بن حنبل – المسند – طبعة دار صادر – بيروت (بدون ذكر تاريخ الطباعة) – ج 1 ص 187 - 189 ، المسعودي – مروج الذهب ومعادن الجوهر – تحقيق / محمد محي الدين عبد الحميد – طبعة دار التحرير للطبع والنشر - القاهرة 1967 – ج 2 ص 3 – 4 ، 11 .
[72] - المسعودي – م . س – ج 2 ص 357 .
[73] - عبد الصمد شاكر – نظرة عابرة في الصحاح الستة – بدون ذكر مكان وتاريخ الطبع – ص 396 – 397 ، 434 ، 436 ، 499 .
[74] - المسعودي – م . س – ج 2 ص 101 – 103 ، اليعقوبي – م . س – ج 2 ص 277 – 279 .
[75] - النوبختي – م . س – ص 20 – 21 .
* أطلق النوبختي لقب " البترية " على هذا التصور للصحابة ، ويبدو أن بعض معتنقي هذا التصور في الصحابة قد انضموا لاحقاً إلى المرجئة .
م . س – ص 6 – 7 ، 20 – 21 .
[76] - أحمد صبري السيد علي – الكيسانية .. إشكاليات التسمية – بحث بالمدونة الشخصية للباحث www.ahmadsabryali.maktoobblog.com بتاريخ (2007-09-17) .
[77] - كمال الدين المزي – م . س – ج 11 ص 57 - 59 .
* يمثل سفيان بن سعيد الثوري نموذجاً لهذه النوعية من الفقهاء الذين تميزوا بمحاولة التوازن بين طروحات السلطة وطروحات المذاهب المعارضة إلا أنه لم يتمكن من تأسيس مذهب فقهي محدد المعالم والأصول نتيجة القيود المفروضة على عملية التدوين .
م . س – ص 57 – 58 .
[78] - النوبختي – م . س – ص 6 – 7 ، علي شريعتي – دين ضد الدين – ترجمة / حيدر مجيد – طبعة دار الأمير للثقافة والعلوم - بيروت 2003 – ص 47 ، د . محمود إسماعيل – الحركات السرية في الإسلام – طبعة مؤسسة الانتشار العربي – بيروت 1997 – ص 36 – 42 .
[79] - محمود إسماعيل – م . س – ص 46 – 48 ، المزي – م . س – ج 14 ص 13 ، اليعقوبي – م . س – ج 2 ص 278 – 279 .
[80] - النوبختي – م . س – ص 6 – 7 .
* أطلق النوبختي على الحشوية لقب " أصحاب الحديث " وذكر أسماء بعض الشخصيات التي انتسبت إلى هذه الفرقة كعامر الشعبي ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى .
[81] - الفضل بن الحسن الطبرسي – مجمع البيان في تفسير القرآن – تحقيق / لجنة من العلماء – طبعة مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت 1995 – ج 1 ص 43 . أبو الفرج بن الجوزي – آفة أصحاب الحديث . نسخة ألكترونية بموقع ملتقى أهل الحديث http://www.ahlalhdeeth.com/ . (بدون ذكر الناشر أو المحقق) . من ص 19 – 29 .
· ذكر تاج الدين السبكي مؤلف كتاب طبقات الشافعية مجموعة من الانتقادات التي وجهها الإمام العز بن عبدالسلام إلى الحشوية ، واتهمهم فيها بالابتداع : " وبدعة الحشوية كامنة خفية لا يتمكنون من المجاهرة بها بل يدسونها على الجهلة العوام وقد جهروا بها في هذا الأوان فنسأل الله تعالى أن يعجل بإخمالها كعادته ويقضي بإذلالها على ما سبق من سنته ، وعلى طريقة المنزهين والموحدين درج الخلف والسلف ، رضي الله عنهم أجمعين " كما نقل المؤلف وصفه لهم بالجهل بكتاب الله وسنة رسوله : " وإنما أتي القوم من قبل جهلهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسخافة العقل وبلادة الذهن " . (تاج الدين السبكي . طبقات الشافعية الكبرى . تحقيق / عبدالفتاح محمد الحلو ، محمود محمد الطناحي . طبعة دار إحياء الكتب العربية . القاهرة (بدون ذكر سنة الطبع) . ج 8 ص 226 ، 227) .
وقد جاء هذا الوصف من الشيخ ابن عبدالسلام الأشعري في أثناء صدامه مع بعض الحنابلة الذين وصفهم بلقب " الحشوية " في الوقت الذي يذكر فيه تاج الدين السبكي في نقله لتفاصيل الصدام بين الطرفين أنهم اقنعوا السلطان بأن آرائهم مطابقة لاعتقاد السلف ورأي الإمام أحمد بن حنبل وفضلاء الصحابة (م . س . ج 8 ص 218) .
وهو ما يؤكد صحة ما استنتجناه من أن هذه الطائفة قد أطلقت على نفسها لقب " أهل السنة " كما أن بعض الحنابلة إنسحب عليهم هذا اللفظ كنوع من الذم لهم بسبب ترويجهم لبعض معتقدات هذه الفرقة والتي اعتبرتها الطوائف الأخرى بدعية .
[82] - النوبختي – م . س – ص 6 .
[83] م . س . ص 19 ، 28 .
[84] أبو الفرج بن الجوزي – م . س – ص 28 .
[85] - د . محمود إسماعيل عبد الرازق - الحركات السرية في الإسلام – م . س – ص 56 – 58 .
[86] - م . س – ص 43 – 45 .
[87] - م . س – ص 40 – 41 .
* يبدو من المصادر التاريخي عدم التفرقة ما بين الحشوية والمرجئة ، ومن الواضح أن المرجئة لم تكن سوى حالة من التطور على السلبية التقليدية للحشوية الأمر الذي منحها بشكل تدريجي منهجية خاصة بها ، وبالرغم من أن كلا من الطائفتين ربما كانتا نتاجاً أموياً إلا أن المرجئة تميزت بنشاط عقلي واضح لاحقاً في حين يبدو أن الحشوية أستمرت على منهجها في الخضوع والاستسلام للنص ، والعلاقة بين الحشوية والمرجئة شبيهة لحد كبير لنموذج العلاقة بين التوجه السلفي وجماعة الإخوان المسلمين .
[88] - فريدريك أنجلز – حرب الفلاحين في ألمانيا – ترجمة / محمد أبو خضور – طبعة دار دمشق – دمشق (بدون ذكر سنة الطبع) – ص 46 .
* انطلق فريدريك أنجلز في رؤيته من خلال قاعدة أن الدين غير قادر كأيدلوجية على تحقيق ثورة اجتماعية في مواجهة الطبقات المستغِلة ، وهي قاعدة تجد ما يصطدم بها في التراث الإسلامي ، فقد بنى القرامطة والمشعشعين والسربدارية رؤيتهم القريبة للغاية من الاشتراكية على أساس من نصوص المذهب الشيعي والتجربة العملية لفترة حياة النبي (ص) وحكم الإمام علي بن أبي طالب في الكوفة ، كما أن قيام الثورة الإسلامية الإيرانية على أساس من المذهب الإسلامي الشيعي وبزعامة الإمام الخميني في مقابل فشل الأحزاب الماركسية الإيرانية ، الأكثر عراقة في نشاطها السياسي ، في تحقيق هذا الإنجاز وإقناع البروليتاريا والفلاحين بإيدلوجيتها يمثل دليلاً آخر على هذا الخطأ .
* المقصود من هذه الإشارة أن وصف الحركات الدينية المناوئة بالهرطقة والمروق من الدين غير مقبول في الفترة الحالية حتى مع صدامها المسلح بالسلطة ، بسبب الطبيعة المدنية للدولة والتي لا تعتمد على شرعية دينية للحكام بقدر ما تقوم على شرعية صناديق الاقتراع ، وإن استخدمت المؤسسة الدينية في بعض الأحيان مواصفات شبيهة للحركات المعارضة فإنها لا يمكن أن تحقق نفس المردود الذي كان يمكنها تحقيقه سابقاً .
· على الرغم من دعم الأمويين لتياري المرجئة والحشوية ، إلا أن هذا لا يعني تبني السلطة الأموية لآرائهم بشكل كامل ، بقدر ما استفادت من هذه الآراء في صراعها مع التيارات المذهبية المعارضة كالشيعة والخوارج .

ليست هناك تعليقات: