الثلاثاء، 28 يناير 2014

لماذا تؤيد الجماهير الفريق السيسي ؟

   تبدي النخب المصرية قدراً كبيراً من الاستياء عبر مقالات في الصحف والشبكة العنكبوتية وحتى في المشاركات بمواقع التواصل الاجتماعي بسبب اندفاع الجماهير وتأييدها الواضح للفريق عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع .

 
   ربما لم تتوقع النخب أن تعود الجماهير مرة أخرى للمطالبة برئيس جمهورية من مؤسسة الجيش بعد نجاحها في إسقاط مبارك المنتمي لنفس المؤسسة ، وبعد صدامها الشهير مع المجلس العسكري عبر هتافها " يسقط حكم العسكر " والذي صب في مصلحة مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي أثناء الانتخابات الرئاسية .
   وبغض النظر عما يقال عن المجموعات التي قادت ثورة 25 يناير ، فالواقع أن هذه الثورة كانت معبرة بالأساس عن البرجوازية الصغيرة والتي كانت أكثر المتضررين من الممارسات الاقتصادية لعصر مبارك بالإضافة للشرائح التي تدهورت بها الأحوال في هذا العصر وتعرضت لانهيار وضعها الاجتماعي لما هو أدنى . كان هؤلاء هم من استجابوا للدعوة للتظاهرات في 25 يناير وما تلاه من تظاهرات حتى تخلي مبارك عن الرئاسة وتركه المسئولية للمجلس العسكري ، لكن النخب السياسية التي تمكنت من تحريك جموع المصريين بدون عقيدة ثورية لم تفهم طبيعة هذه الطبقة التي استجابت للثورة وبالتالي فسرعان ما فقدت وجاهتها عند جموعها .
   في تحليل ماو تسي تونج للبناء الطبقي لدى المجتمع الصيني يؤكد أن الطبيعة الوسطية للبرجوازيتين الصغيرة والوسطى  لا تجعلهما طبقتان ثوريتان بالأساس ، بل أن كلاهما يعاني من الرغبة والتطلع للترقي الطبقي ، وبالتالي فكلتاهما لا يرغبان في حسم التفرقة الطبقية وإنما في الوصول للمستوى الأفضل من وضعهما الحالي وبالتالي القيام بنفس الممارسات التي يعانيان منها . ومن هنا فكلا الطبقتين لا تمتلكان مشروعاً ثورياً ، ويعانيان كذلك من إنتشار للأفكار المثالية غير الواقعية بين أفرادهما . لكن في الوقت الذي لا يمكن للبرجوازية الوسطى التطلع للقيام حتى بعمل غاضب وإنما هي دائماً ما تحلق بالعمل الثوري بعد فترة من اشتعاله ، فإن البرجوازية الصغيرة قادرة على تشكيل وبداية إنفجار ساخط وغاضب على الأوضاع قد يحقق نجاحات مرحلية لكنه لا يمكنه الوصول إلى الهدف النهائي من هذا التحرك نتيجة تطلعها للترقي الطبقي وليس للقضاء على هذا التمايز الذي يسبب المشكلة الاجتماعية أصلاً . ومن هنا غالباً ما تتمكن الرأسمالية من جني مكاسب أي تحرك للبرجوازية الصغيرة .
   ونظراً لأن الغالبية العظمى من النشطاء السياسيين هم من المنتمين لكلا الطبقتين بالفعل فإنهم تبنوا في تحركاتهم تكتيكات الحركات البرجوازية المثالية المتسمة بالمظهر السينمائي  كالأناركية المتأثرة بأفكار باكونين وجوزيف برودون حول اللاسلطوية ، وسواء كانوا يدركون المنظومة الفكرية التي يتحركون بها أم لا فإنهم بالفعل مارسوا ما يشبه أهدافها عبر استخدام الاعتصامات السلمية (يقول برودون أن الأناركية هي نظام بدون قوة) في الساحات ومحاولة إضعاف الدولة ومؤسساتها تدريجياً باعتبارها سلطة مرفوضة .
   وبقدر ما أثارت هذه التكتيكات إعجاب الجماهير لما تمتلكه من وهج ، بالإضافة لحجم الضجيج الإعلامي الذي صاحب التعامل معها ، فإن العداء الواضح لهؤلاء النشطاء تجاه الدولة ومؤسساتها والذي اتخذ شكلاً غير واع وغير مسئول كذلك ، ثم تحالفها مع الفاشية الدينية حتى وصولها للسلطة وفشل الأداء الاقتصادي والسياسي لتجربة الإخوان المسلمين ، ساهم في عودة البرجوازية الصغيرة لطرح التساؤل مرة أخرى حول البديل .
   إن التساؤل حول سر شعبية الفريق السيسي ومحاولة تحميل التطبيل الإعلامي المزعوم المسئولية عنها يبدو مثيراً للشفقة أكثر مما يثير السخرية ، فالواقع أن لجوء البرجوازية الصغيرة والوسطى للجيش كان بديهياً جداً خاصة أن الجيش المصري منذ نشأته وتمصيره في عهد محمد علي وهو الممثل الرئيسي لها ، وازداد رسوخ هذه القناعة لدى الجماهير المصرية مع ثورة يوليو ، وبالتالي عندما فشلت النخبة المدنية في التعامل مع الأزمة لجأت الطبقتان للمعبر الأصيل عن طموحاتهما وهو الجيش كي يتولى المسئولية ، وبينما نظرت النخبة للجيش كقيادة فقط ، فقد نظرت الجماهير له كمؤسسة وطنية محايدة قادرة على قيادة بلد ذو أوضاع لا تحتمل التجارب غير المضمونة .
   لقد أرادت النخبة التي قادت ثورة 25 يناير أن تطبق رؤيتها في تشكيل بلد غير مترابط ومفتوح على مصراعيه أمام الجميع ، دون دراسة تراثه التاريخي والاجتماعي وعلاقات الإنتاج به والآثار السلبية المتوقعة من هذه المحاولة ، وكان هذا يقتضي منها إضعاف المؤسسات وإنهاكها ، ونجح الإخوان المسلمون في استغلال الموقف من أجل الحصول على السلطة (سواء كان هؤلاء يعون هذه النتيجة أم لا) ، وواصلوا محاولة إسقاط الدولة بالكامل تمهيداً لإعادة بنائها بما يتفق مع مصالحهم الخاصة ، وهو ما لم تحتمله الجماهير المصرية التي عاشت منذ بداية حضارتها وهي تؤمن بأن الدولة ضرورة هامة لحياتها اليومية بعيداً عن الرؤى المثالية القادمة من الخارج .
   يمثل السيسي بالنسبة للمواطن المصري العادي الدولة القوية القادرة على حمايته وتلبية مطالبه الإقتصادية والاجتماعية كتلك التي حققها سابقاً الزعيم جمال عبدالناصر ، بالاضافة إلى إمتلاك البلاد لمشروعاً وطنياً وقومياً ، وبالتالي فمن الملاحظ أن الإطاحة بمبارك اقترنت بصعود هائل لهذه للمشاعر الوطنية ، كما أن الإطاحة بمرسي إقترن كذلك بتصاعد هذه المشاعر التي ترتبط بتحقيق البرجوازية لمنجزات تمنحها قدراً من التقدم الإجتماعي .
   إن السيسي هو مشروع البرجوازية الصغيرة الغير قابل للسرقة من قبل الرأسمالية الطفيلية سواء المدنية أو الدينية ، وبغض النظر عن مدى وعيه بهذا الطموح لدى المواطنين العاديين ، فالواقع أن تحركاته تثبت تماماً أنه يسير في هذا الطريق ، لذلك لم يكن من الغريب أن يمتدح ثورة 25 يناير ودور الجماهير بها ، وهو هنا لا يقوم بالمجاملة السياسية في الوقت الذي تسعى فيه بعض المنابر الإعلامي لتشويه الحدث ، وإنما يمتدح الطبقة التي ينوي خدمة أهدافها ودورها في الانفجارين الثوريين الممثلين لها ، كما أن حرصه على التأكيد بأنه لا عودة للسياسات السابقة هو إشارة إطمئنان واضحة لأبنائها بأن محاولات مبارك ومرسي لدعم الرأسمالية الطفيلية لن تعود على الإطلاق . وفي هذا الإطار لم يشعر المراقب بأي استغراب تجاه بعض المواقف كدفع ديون الغارمات أو تحمل نفقات المدارس ، وتكليف الجيش بإصلاح بعض المرافق المهملة منذ عهد مبارك ، أو الأنباء عن إعادة تشغيل بعض المصانع المهملة وافتتاح مشروعات ضخمة ، وكلها تصب في مصلحة هذه الطبقة .
   ويبقى أن أمنيات بعض مثقفي النخبة في فشل السيسي أو تراجع شعبيته في حال تولى بالفعل رئاسة الجمهورية أمام الأزمات الإقتصادية التي ستواجهه سيبدو مزاحاً في الواقع وليس دراسة حقيقية للأوضاع ، خاصة إذا تمكن الرجل ، بدعم من الجيش ، من إعادة مصر للاقتصاد الصناعي والمنتج مرة أخرى ، بعيداً عن الحالة الاستهلاكية التي أسقطنا فيها كل من السادات ومبارك منذ السبعينات .
   وعلى الرغم من أن هذه الأزمات متوقعة لحد كبير ، إلا أن الظروف والتغيرات التي تعاني منها المنطقة بشكل عام ، وخاصة بعد تراجع القبضة الأمريكية والغربية عليها نتيجة الأزمة الإقتصادية التي يعاني منها الرأسمال بشكل خاص ، لن تسمح بضغوط كبرى على الدولة المصرية الجديدة .
   إن أخطاء النخبة الحقيقية أنها افتقدت للوعي الطبقي ولم تقم بدراسة الثقافة والسلوكيات التي تتميز بها الطبقة المؤيدة لها والتي تمثل غالبية الشعب المصري حالياً ، ولم تفهم بالفعل حقيقة مطالبها واحتياجاتها ، ومن هنا سقطت في إشكالية التطاول على الجماهير المنتمية لها ، فوصمتها في البداية بحزب الكنبة ، ثم وصمتها لاحقاً بألفاظ أكثر استهجاناً كعبيد البيادة والجيل العرة ... الخ في محاولة للقفز على حقيقة فشل تجربتها السياسية وتراجعها ، وساهمت هذه الممارسات في خلق حالة من العداء لدى الجماهير المصرية تجاه هذه النخب التي لا تهتم بمطالبها في الأمن والغذاء والمستقبل في صراعها من أجل تحقيق نموذجها الذي يتطابق مع مصالحها .
   الحقيقة تؤكد أن هذه النخبة قد سقطت بالفعل ، وأن المرحلة القادمة تحتاج من الجماهير الحائرة في توجهاتها إلى خلق نخبة جديدة واعية بمصالحها وثقافتها وتراثها .

أحمد صبري السيد علي
المنصورة 29 يناير 2014

ليست هناك تعليقات: