الأربعاء، 11 نوفمبر 2020

الانتصار الآذري والطموحات القومية التركية لأردوغان


 

الانتصار الآذري والطموحات القومية التركية لأردوغان

استسلمت أرمينيا !!

   بالنسبة لي كانت هذه النتيجة محسومة منذ البداية، فلولا الدعم الروسي سابقا لما تمكنت أرمينيا من احتلال ناجورني كاراباخ، ولا من تمرير مذبحة خوجلي التي أقامتها للآذريين، كما أن آذربيجان تستعد منذ هزيمتها لهذه المعركة لاستعادة أراضيها والانتقام من تشريد أكثر من مليون آذري، وفي سبيل هذا الهدف كانت مستعدة للتحالف مع أردوغان والكيان الصهيوني .


   تاريخياً لم تكن العلاقات بين أتراك آذربيجان الشيعة وأتراك الأناضول السنة جيدة، ويذكر الآذريين جيداً مذبحة شاه قولي التي ارتكبها سليم خان العثماني ضد الشيعة الأتراك في الأناضول وؤاح ضحيتها 40 ألف شيعي، كما أن الانتماء الموحد للقومية التركية لم يدفع الرئيس التركي سليمان ديميريل للتدخل عندما اقتحمت الدبابات السوفيتية العاصمة الآذرية باكو في أواخر أيام الاتحاد السوفيتي، مبرراً تصرفه بأن الآذريين شيعة والأتراك سنة، وهو ما أثار امتعاض الشيعة والعلويين في تركيا معتبرين مثل هذا التصريح خروجاً على علمانية الدولة التركية .

   اختار التركيان المتحالفان علييف واردوغان توقيتا مناسبا لهذه المعركة، فلا روسيا ولا إيران يمكنهما دعم أرمينيا خاصة مع حاجتهم الملحة لآذربيجان لتنفيذ مشروع تشابهار - سان بيترسبرج، كما أن إيران لديها أقلية آذرية كبيرة ومؤثرة سواء في السلطات الحكومية حيث ينتمي إليها قائد الثورة الإسلامية السيد الخامنئي، ورئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني، وقد حكمت أسرتين آذريتين شيعيتين إيران وقامتا بنشر المذهب الشيعي بها وهما الصفويون والقاجاريون، وكذلك ثمة رابطة دينية ومذهبية بين الشعبين رغم العلمانية الرسمية لآذربيجان .

   بالنسبة لأردوغان فقد كان بحاجة لهذا الانتصار الحاسم على عدو تاريخي للاتراك، سواء من أجل مواجهة معارضة الداخل بما يكفل له البقاء في الحكم، أو لمواجهة أوروبا (فرنسا على وجه الخصوص) في الخارج ولمنحه تذكرة العبور لوسط آسيا كزعيم قومي تركي، سيمكنه من التأثير في مشروعات اقتصادية ضخمة كاحياء طريق الحرير الذي تتزعمه الصين، وهو ما سيتحقق له بعد الاستسلام الأرميني رسميا، عبر وساطة روسية وايرانية ..

   خطورة الموقف تتمثل في نشوء تواصل قومي تركي سوف يجعل من أردوغان زعيما قوميا ذو قوة جماهيرية ممتدة خارج بلاده تمثل تهديداً لكل من إيران وروسيا والصين، بالإضافة إلى أوروبا، وهنا سيكون أردوغان وتركيا تحت مشروعه أكثر خطورة على أوروبا من إيران ذاتها التي تعاني من محدودية امتدادها الجماهيري سواء مذهبيا أو قوميا، وهي بالتالي تلجأ لخيارات أكثر عمومية كالدين بشكل عام أو الثقافة الفارسية المنتشرة كحالة في وسط آسيا، بينما أردوغان سيكون مجاله أكثر اتساعاً كونه زعيما سنيا كغالبية دول وسط آسيا (باستثناء آذربيجان)، وتركياً كغالبية شعوبها، بل إن نفوذه سوف يمتد لداخل روسيا ذاتها وسيكون لديه القدرة على التأثير إيجابا وسلبا بين شعوب التتر والباشكورد والياكوت والتوفالار المتحدثين بالتركية، بالإضافة إلى الشعوب التركية في الصين والتي يتجاوز تعدادها 14 مليون نسمة، اما داخل إيران فحدث ولا حرج حيث يمثل الأتراك ثلث السكان (آذريين وتركمان) .

   ولا يمكن عزل العالم العربي عن ما يحدث في هذه المنطقة، فالانتصار الآذري الساحق سيمنح أردوغان اوراق ضغط في المنطقة العربية كالعراق وسوريا (حيث توجد أقليات تركمانية مؤثرة) ولبنان، وخاصة فيما يتعلق بالطموحات الكردية لتحقيق استقلال عن الدولة المركزية في العراق، ونوع من الحكم الذاتي في سوريا، وثمة مشروع تركي معروف يسعى لمحاولة السيطرة على المنطقة من الموصل إلى حلب وإقامة دولة سنية بها .

   أن الفارق الأساسي بين المشروع القومي الجديد لأردوغان والمشروع القومي لعبدالناصر (مثلا) أن الأخير كان محاولة لتوحيد العرب من أجل التحرر من الاستعمار، بينما سيكون مشروع أردوغان محاولة لتوحيد الترك من أجل السيطرة على الصين، روسيا، إيران، وأوروبا، بالإضافة لتقسيم ما هو مقسم أصلا من الكيانات العربية، مما قد يصب مؤقتا في المصلحة الأمريكية والصهيونية، لكنه على المدى البعيد قد يشكل خطورة كذلك .

ليست هناك تعليقات: